يعاني العديد من ذوي الاحتياجات الخاصة من تحديات كثيرة يواجهونها في حياتهم اليومية، سواء في الجوانب المهنية أو الدراسية أو الاجتماعية، وهي تحديات يؤكد المختصون أنه من الممكن تجاوزها عبر المزاوجة بين ما جاء به الأرغونوميا بصفته علما يهتم بتفاعل الأشخاص ضمن بيئاتهم، وبين تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تُوفر تطبيقات وأدوات تُسهل حياة هؤلاء الأفراد. وتعتبر الأرغونوميا أو كما يطلق عليها هندسة العوامل البشرية، مجالا اهتم بالعنصر البشري وكيفية تفاعله داخل بيئة عمله، بحيث تسعى للبحث عن حلول لمواجهة مشكلات وتصميم ابتكارات من شأنها تذليل العقبات التي قد يواجهها الفرد، لتضعه في ظروف مريحة لممارسة عمله وأنشطته ما يعزّز من مردودية الأشخاص، لتتوسّع دائرة اهتماماته لتشمل جوانب حياتية وفئات اجتماعية أخرى أبرزها فئة ذوي الاحتياجات الخاصة. ومع تغلغل الذكاء الاصطناعي في العديد من المجالات وهو الذي يعدّ أحد أبرز إفرازات التطوّر التكنولوجي، بدأ التوجّه لإدماجه في مجال الأرغونوميا لتطوير مهارات ذوي الاحتياجات الخاصة وتعزيز القدرة على توفير ظروف معيشية أفضل لهم، والحصول على عناية خاصة تساعدهم على مجابهة التحديات اليومية في شتى الميادين سواء من ناحية التعليم، التحكم في التكنولوجيا، بيئة العمل، أو التفاعل الاجتماعي. * المختصة في علم النفس العيادي نور الهدى رحال هناك حلول مبتكرة تُعزز دور ذوي الاحتياجات الخاصة ذكرت الباحثة والمختصة في علم النفس العيادي بجامعة وهران 2، نور الهدى رحال، أن استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الأرغونوميا خدمة لذوي الاحتياجات الخاصة، يُعدّ توجّها جديدا ومبشّرا يعزّز دور هذه الفئة في المجتمع، من خلال توفير بيئة ذكية وصديقة ما ينعكس على تحسين جودة الحياة. وترى المتحدّثة أنّ هذا التوجّه هو فكرة مبتكرة ومهمة، إذ يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دورا كبيرا في تطوير حلول مبتكرة وفعالة لتلبية احتياجات الفئة بشكل أفضل وأكثر شمولية، عبر تمكينها من القيام بمهام يومية أكثر فعالية واستقلالية، بإتاحة التكنولوجيات وفقا لمتطلبات كل فرد، ما يساعد على التفاعل بشكل أفضل مع الأجهزة والأنظمة الرقمية. وأردفت المختصة أنّ استخدام الذكاء الاصطناعي قد يكون ضروريا في بعض الحالات لمواجهة التحديات العديدة التي أصبحت الأرغونوميا كعلم غير قادرة على احتوائها بمفردها. وتواجه فئة ذوي الاحتياجات الخاصة بحسب الأستاذة رحال، صعوبات في الوصول إلى البيانات والخدمات بسبب العوائق المعمارية والتصميمية، بالإضافة إلى التحديات المتعلّقة بالحصول على فرص عمل وتعليم متكافئة، فضلا عن توفير الحلول التكنولوجية المناسبة والملائمة لاحتياجات أفرادها. عقبات تُعيق الوصول للمحتوى الرقمي كما تُواجه هذه الفئة، تحدي التواصل والتفاعل الاجتماعي بسبب الصعوبات اللغوية والحسية أو الاجتماعية، ناهيك عن الأمية الرقمية التي تعدّ أحد التحديات الرئيسية التي تواجه ذوي الاحتياجات الخاصة، إذ يشكون من صعوبة الوصول إلى المعلومات والخدمات عبر الأنترنت نظرا لعوائق تقنية تتعلّق بتعقيدات استخدام الأجهزة الرقمية أو عدم ملاءمة واجهات المستخدم ونقص في التكنولوجيا المساعدة التي تدعم احتياجاتهم الفردية، بالإضافة إلى ضعف التدريب والتعليم على استخدام هذه التكنولوجيات، ناهيك عن عدم توافق الويب وعقبات تعيق وصولهم إلى المحتوى الرقمي والتوعية والدعم لتطوير مهاراتهم الرقمية. ويمكن تجسيد فكرة استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في مجال الأرغونوميا في الجزائر ومختلف الدول العربية، حسب المتحدّثة، مضيفة بأنّ الاستفادة من هذه التقنيات يعتبر طريقة فعالة لحل بعض التحديات التي تواجهها الفئة وتحسين تجربتها ومشاركتها في المجتمع بشكل أكبر، من خلال الاستثمار في البحث والتطوير لتوفير تقنيات وحلول جديدة باستخدام المجالين، مع توفير برامج تدريبية وتأهيل للمختصين لضمان الاستخدام بشكل فعال، وكذلك تشجيع الشراكات بين الحكومات والمؤسسات التكنولوجية. ويمكن، وفق الباحثة، الاستفادة من تجارب بلدان نجحت في هذا الإطار، على غرار قطر عبر استخدام التكنولوجيا والابتكار لضمان إمكانية الوصول والاستخدام السليم للمرافق، إذ تمّ على سبيل المثال تصميم غرفة حسّية ذكية لأطفال التوحّد، تعتمد على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والأرغونوميا لتوفير بيئة آمنة ومحفّزة تساعد على تحسين وتطوير تجربة هؤلاء الأطفال، كما تم توفير وسائل نقل خاصة ومجهزة لذوي الاحتياجات الخاصة فضلا عن تطوير تطبيقات ذكية وأجهزة تسهّل تجربة حضور المباريات وتوفير مرافق خاصة لهم في الملاعب والفنادق والأماكن السياحية. وأضافت المتحدّثة أنّه تمّ تطوير تقنيات بديلة للتواصل، مثل لغة الإشارة وأنظمة الاتصال الصوتي، بحيث تساعد على تحسين التواصل وتعزيز الاندماج الاجتماعي عند أفراد ذوي الاحتياجات الخاصة، أيضا استخدام الروبوتات والذكاء الاصطناعي في تطوير أدوات تعليمية وتدريبية تساعد في تحفيز التعليم وتوفير الدعم الفردي لذوي الاحتياجات الخاصة. * المختصة في علم النفس فتيحة شعيب يجب الاستفادة من التطور التكنولوجي لاندماج هذه الفئة في المجتمع توضح الباحثة والمختصة في علم النّفس المدرسي بجامعة ابن خلدون يولاية تيارت، فتيحة شعيب، أنّ الأرغونوميا تحقق الراحة والرفاهية والكفاءة والفعالية للأشخاص العمال من ذوي الاحتياجات الخاصة، وتعزز الروح المعنوية لديهم، من خلال تصميم الوظائف التي تناسبهم وتخطيط مساحات العمل مع التدريب المناسب لاحتياجاتهم. كما يساعد توظيف علم الأرغونوميا في التخفيف من الضغوط التي تتعرض لها هذه الفئة مع تحسين اندماجها كفئة عاملة تساهم في رفع الإنتاج، وهذا لا يتم إلا من خلال توفّر قاعدة بيانات تضم الكثير من المعلومات عن قدرات فئة ذوي الاحتياجات الخاصة. وقالت السيدة شعيب إنّ الأرغونوميا كعلم تطبيقي، تجعل ذوي الاحتياجات الخاصة مستجيبة ومتناسبة مع الأدوات أو الظروف المحيطة بهم، حيث أن الاتجاه الحديث في الهندسة البشرية يتم بتكييف وتطويع تصميم كل ما يحيط بهذه الفئة ومفردات بيئة العمل وجعلها أكثر ملاءمة لقدراتها. وترى الباحثة أن الاندماج بين الأرغونوميا والذكاء الاصطناعي والتطبيقات الحديثة المرتبطة بمجالاته، يلعب دورا هاما في ظل متغيّرات عصر الرقمنة ويساعد ذوي الاحتياجات على التكيف مع المجتمع والاندماج فيه، خصوصا أنّ غالبية أفرادها ترفض شفقة الآخرين للحصول على المساعدة. كما يعاني العمال من ذوي الاحتياجات الخاصة، ضغوطا نفسية تنتج عن الإحباطات والصراعات والمطالب الاجتماعية داخل العمل، وبالتالي فإن فكرة الاندماج بين الأرغونوميا والذكاء الاصطناعي تهدف للوصول بهم إلى الشعور بالتقدير الإيجابي للذات والوصول إلى معدلات مقبولة من الصحة النفسية. وتحدثت الباحثة عن فجوة بين تدريس الأرغونوميا وتطبيقها، أرجعته إلى الوعي المتفاوت حول أهميتها، إذ أن هناك معوقات متعلقة بالأفراد كأرباب العمل الذين يرفضون التغيير، وأخرى متعلقة بهذا العلم في حد ذاته، باعتباره علما جديدا. تطبيقات ذكية تُسهل حياة المكفوفين والصمّ وتتوفّر، وفقا للباحثة، تطبيقات الكترونية تساعد ذوي الاحتياجات الخاصة في عدة مجالات، على غرار التعليم الافتراضي والتدريب، إلى جانب إنتاج وسائل بصرية ذكية للمكفوفين والأفلام الكارتونية للصم وأطفال التوحد، كما تساهم تطبيقات مثل "ميراكل موديس" و"أفاس"، في حل بعض المشاكل من أجل تيسير اندماج هذه الفئة داخل المجتمع. وتوجد تطبيقات أخرى يعتمد عليها من يعانون من الإعاقة الحركية مثل "أكسيسبل بلايسس"، حسب المختصة، التي قدمت أيضا مثالا عن تطبيق "بي يماي آيز" الذي يضم أكثر من 5 ملايين متطوّع و500 ألف مكفوف، ويدعم لغات متعدّدة من بينها العربية، حيث يعمل على الوصف الصوتي للصور، مع التنبيه عند بوصول الرسالة، إضافة إلى العديد من الخدمات التي تساعد المكفوف في حياته اليومية. كما يساعد تطبيق "لايف ترانسكريب" المصابين بضعف أو اضطراب السمع، بحيث يستمع لهم في محيط المستخدم ويقوم بتحويل الكلام لجمل مكتوبة على الهاتف، كما يتضمن مضخّم صوت يساعد على فهم الكلمات خلال الحوار، وتسمح خاصيات التطبيق بالاستماع لما يدور من محادثات ويترجمها إلى نصوص مكتوبة، ما سهل انخراط آلاف الأشخاص حول العالم في مجتمعاتهم. وترى المختصة أنّه من الضروري مواكبة التطور التكنولوجي السريع والاستفادة منه في جميع المجالات وفتح استخدامه لجميع الفئات وبالخصوص ذوي الاحتياجات الخاصة، نظرا لخدماته المساعِدة على الاندماج وتقدير الذات.