لم تستطع الحداثة العربية في صيرورتها التاريخية الراهنة تجاهل النص التراثي وإحداث قطيعة ابستمولوجية معه لأن من شان ذلك أن يحدث شرخا تأباه طبيعتها المنهجية ويتنافى وبنيتها الفكرية لذلك عمدت إلى إعادة قراءته واستهدافه بأدواتها وجعله موضوعا للدرس النقدي بيد أن رواد الحداثة تباينت رؤاهم وأحكامهم القيمية تجاهه وفي ضوء ما طرحوا من مقولات تباينت آراء الباحثين لإنتاجهم بين مؤيد لها مبرر لمناهجها وأدواتها وأحكامها باعتبار ما قاموا به لا يعدو كونه نقدا علميا تقتضيه طبيعة الأفكار والنظريات في جدليتها التاريخية مع الزمن وتطورها المطرد في حقبه وبين رافض لها قائل بأنها معاول نقض لا نقد للنص التراثي وتلبيس على القارئ بالخلط بين المفاهيم والمصطلحات والقفز على الحقائق التاريخية والمقاصد الغائية لمختلف الفلسفات والمذاهب والمدارس التراثية التي ولدت بجهاز مناعة ذاتي يحصن نسيجها الفكري وبنائها المعرفي والمنهجي أمام تقلبات الدهر ويوقف ادونيس هنا كأكبر من تصدى للتراث باعتبارها درسا للنقد بجرأة وجسارة وهو الناقد ذاته الذي تباينت حول مواقفها تجاهه أراء الباحثين وفي هذا الملف يعرض بعض النقاد وجهات نظرهم في هذه المسألة من خلال الإجابة عن إشكالية كيفية تلقي الحاثيين للنص التراثي . عبد الرحمن خلفة أ. د.محمد بوالروايح / جامعة الأمير عبد القادر الحداثيون تجاوزوا الدعوة إلى تحديث مناهج تفسير التراث إلى نقضه يمكن أن تقرأ هذا السؤال قراءة ابستيمولوجية تتحدد من خلالها جملة من الإشكالات المعرفية ، فالإشكالية الأولى تتعلق بالحداثة و التراث باعتماد الطريقة التفكيكية التي تتناول كل مصطلح على حده ثم الانتقال بعد ذلك إلى بيان طبيعة العلاقة بينهما من حيث هي علاقة تكامل أم تضاد ، والإشكالية الثانية تتعلق بالتفسير الحداثي للنص التراثي، وهنا لا بد من تحديد طبيعة و حدود وموضوعات النص التراثي ، و الإشكالية الثالثة تتعلق بما أحدثه الحداثيون في بنية النص التراثي من حيث أنهم يعلنون أن عملهم في تحليل وتفسير التراث لا يتجاوز الأدوات الشكلية المنهجية. إن إشكالية الحداثة والتراث لا تثير في حقيقة الأمر أي تنافر، فالحداثة حسب المعاجم اللغوية تعني الحديث أو المستحدث من كل شيىء ، وهي بهذا المعنى تقابل القديم أو المستقدم من كل شيىء ، و لا شك أن إشكالية القديم والحديث لا يمكن أن تقسر إلا من خلال النظر في المكونات العضوية لكل منهما التي تختصر القيم الفكرية والدينية والحضارية الكامنة فيهما و ضرورة استبعاد المعيار الزمني الذي يعد معيارا متجاوزا في هذه الحالة ، وليس هذا حكما اعتباطيا بل حكما تؤيده كل الأحكام التي ذكرها الذين تصدوا للتحليل المفاهيمي لمصطلحي الحداثة والتراث، أما إشكالية التفسير الحداثي للنص التراثي ، فإنها تثير كثيرا من القضايا الجدلية أولها ، أن هذا التفسير ليس واحدا عند الحداثيين على اعتبار أن هؤلاء الحداثيين ينتمون إلى مدارس حداثية مختلفة تختلف في موقفها من النص التراثي ، فمنها ما يعترف بقدسية و مرجعية هذا النص وكونه يمثل قاعدة أساسية للمرجعية التي ينطلق منها في التعامل مع مكونات هذا التراث و تلجأ هذه المدرسة إلى تحديد المناهج والوسائل التي يمكن توظيفها لزيادة بيان عقلانية النصوص التراثية كرد فعل على التفسيرات التقليدية التي لم تستطع الوصول إلى تحديد المضامين و المقاصد التي ينطوي عليها النص التراثي ، و أعتقد أن هذه المدرسة الحداثية كانت هي الصورة الإيجابية للنزعة الحداثية التي تصدت للنص التراثي. و أما أغلب المدارس الحداثية ، فلم تنطلق من قاعدة قدسية و مرجعية النص التراثي، وتبعا لذلك جعلت هذا النص موضوعا للتحديث على أساس أنه لا يرقى لمواكبة التطورات الحديثة على مستوى المناهج والوسائل، و كانت النتيجة أن أصبحت الحداثة توجها منافيا أو مناقضا للتراث ، و من هنا تأزمت العلاقة بين التراثيين والحداثيين ، وخاصة حينما أصبح النص الديني مطية للتحريف تحت مسمى التحديث ، و لا يتسع المقام هنا لتفصيل مواقف الحداثيين من النص التراثي ، ولكن حسبنا أن نؤكد أن هؤلاء الحداثيين تجاوزوا الدعوة إلى تحديث مناهج تفسير التراث إلى رفض أو نقض التراث و كانت هذه هي ثالثة الأثافي التي حالت دون معالجة الأزمة القائمة بين الحداثيين والتراثيين.أما الإشكالية الثالثة والمتعلقة بما أحدثه الحداثيون في بنية النص التراثي ، فإنها تقسر بمحاولات تحريف النصوص بدعوى تعدد نسخ النص التراثي ، وهي عملية لها ما بعدها ، وستفتح بابا لصدام حقيقي بين دعاة الحداثة و دعاة التراث. أ.د. عبد الملك بومنجل / جامعة سطيف أدونيس أدلج النقد في الدرس النقدي للتراث مع أن الحداثة في جوهرها داعية إلى الانضباط المنهجي والدقة العلمية والموضوعية المعرفية، فإن الوصف ب»الحداثي» في خطابنا العربي المعاصر يكاد يُحيل على نقيض ذلك من التعسفية والانتقائية والنزعة الإدْيُلوجية؛ وتلك هي خصائص القراءة الأدونيسية للتراث العربي؛ فالهدف مُسبَّقٌ، وهو إديُلوجي لا معرفي، «هدمُ الأصل بالأصل ذاته»، كما يصرح هو، والمنهج هو أن يُستخلَص من النص المعنى الذي يريده الناقد لا الذي يحمله النص. وأن يُنزع النص من سياقه الثقافي والحضاري ليؤدي دلالة ويدل على قيمة مخبأتين في إرادة القارئ لا دلالة النص. وأن يُنتقى من النصوص، على ما في فهمها من تعسف، ما يتوافق مع الهوى الإديلوجي ويتطابق مع الهدف المسبق. وكل ذلك هو ما قصدنا به «أدلجة النقد»، فأدونيس ينطلق في قراءته للتراث العربي من نسق إديلوجي مسبّق. ومن حق أي باحث أن يكون له إدْيُلُجْيا بالمفهوم الحيادي للإدْيُلُجْيا (أي النسق من الأفكار والمفاهيم والمعتقدات والنظريات)، في قراءته وتقويمه لأي ظاهرة إنسانية. ولكن أدونيس يتجاوز هذا المستوى الحيادي إلى المستوى السلبي الذي يعني التحكّم والتعسّف وتوجيه القراءة وجهة معلومة الهدف مسبّقة النتيجة، بألوانٍ من الحيل الخطابية والمصادرات الثقافية. ورد في مقدمة كتابه «الثابت والمتحول» هذا البيان: «ما الإنسان العربي (المسلم)؟ كيف فكّر ويفكّر؟ ما عالمه الداخلي؟ ما الإرادة عنده؟ ما المسؤولية؟ ما الزمن والأبدية؟ ما العقل؟ ما الفكر؟ ما الشعر؟ ما اللغة؟ هل الإنسان، في وعيه، ذات فاعلة، فرد خلاق، أم مجرد كائن مكلّف؟»ولا شك أن أدونيس يعلم مسبّقا أن المسلم كائن مكلّف بمقتضى إسلامه وعبوديته لله. ولا شك أن المقابلة بين كونه مكلفا وكونه فردا خلاقا هي مقابلة متضمنة للجواب. لذلك سرعان ما يجيء الجواب الأدونيسي الجاهز: «مما تبيّن لي، في سياق الأسئلة، أن الإنسان كذات مفردة، كخلاق مسؤول، لم يكن موجودا، كمفهوم، في الثقافة العربية-الإسلامية. الأمة هي الكائن الذي يمكن أن يوصف بأنه الموجود، والفرد يحدد بالمكان الذي يشغله في الأمة-الوحدة الواحدة. فهو ليس إلا مجرد برعم في الشجرة/الأمة. تكون النتيجة جاهزة وحتمية: إن الثقافة العربية ثقافة تقليدية اتباعية لانبنائها على الدين وإن السبيل إلى الحداثة والإبداع «أن تنتهي هيمنة الدين على المجتمع، وأن تحل محلها هيمنة الحرية والعقل، إن مسعاه الإدْيُلُوجي يوجّه خطواته فيملي عليه الفصل حيث ينبغي الوصل، ويقترح عليه الوصل حيث ينبغي الفصل، حتى تصير المفاهيم والمصطلحات والأحداث والمقولات عجينة في يده يتصرف فيها كما يشاء ويصوغ بها من الأحكام والنظريات ما يشاء! معلومٌ أن الدينَ غيرُ التراث؛غير أن القارئ لأطروحة أدونيس لا يكاد يجد فرقا بينهما ؛ فسهام نقده غير فاصلة بين المنتَج البشري الإلهي. فهو ينتقد الإسلامَ ذاته وأطروحته في ذلك أن الدين معرفةٌ صحيحةٌ كاملةٌ جاهزةٌ مسبّقةٌ مطلقةٌ ثابتةٌ، غيبيةٌ ماضويةٌ واحدةٌ موحِّدة، فهي إذاً تقوم على التصديق والتقليد والاتباع والتكرار والعودة إلى الماضي ومطابقة الأصل، وهي إذاً تقمع الإبداع وتحرّمه، وتخنق الفكر وتسجنه، وتحول دون بروز المبادرات الفردية والرؤى الخاصة المبدعة والنزعات الفكرية المتحررة، ولا تسمح بنمو إرادة التغيير والتجاوز، وباتجاه حركة الإنسان نحو المستقبل. إن هذا هو التعسف الإديُلوجي بعينه. وإن قراءة تستند إلى الإديلُجيا تنتج الأحكام الخاطئة والمنطق المتهافت. فهل كان الخلط بين الإلهي والبشري وبين الديني والدنيوي وبين الأخلاقي والجمالي، سوى حيلة من حيل الإديلجيا، لإرغام التراث على البوح بغير ما فيه، وإرغام القارئ على تصديق أطروحة جاهزة وحكم مسبق؟ لقد توقف أدونيس عند نصوص نقدية للجاحظ والأصمعي وابن قتيبة والمبرد والآمدي والصولي والقاضي الجرجاني وابن رشيق وعبد القاهر الجرجاني؛ ولكنه لم يستطع أن يُحافظ على التجانس العضوي لها ذلك أنه سلك في التعامل معها مسلك الانتقاء، لإثبات هذا الرأي ، ونقيضه، وإذا استعصى تعينت خطة أخرى هي التقويل؛ أي إلزام القول بأن يقول غير ما قال، بتفسيره تفسيرا تأباه اللغة والمقام. وفرضية قياس الشعر على الدين، التي قال بها ، لا تستند إلى أي دليل فقد ظهر من مواقف النقاد القدامى أن منطق الشعر غير منطق الدين، وأن معيار الإصابة مختلف بينهما وأن الإبداع في الشعر مقبول، خلافَ الإبداع في الدين. ولكن أدونيس يأبى أن يُذعن لهذه الحقيقة الناصعة فيتصور تناقضا وازدواجية وجوهر أطروحة أدونيس أن المسلم ناقل لا مفكر. ولكن أليس ذكر أدونيس للمفكرين والنقاد والشعراء المسلمين في تيار الإبداع والحداثة كفيلا بهدم أطروحته من أساسها وتحويلها إلى ركام أهواء وأخلاط؟. اتضح أن أدونيس يقرأ التراث العربي قراءة إديلوجية لا علمية، بدا واضحا أن الهدف من القراءة مسبق، وهو «هدم الأصل بالأصل ذاته»،و أدونيس يسلك مختلف المسالك الإديلوجية؛ وليس يعني ذلك، في حقيقة الأمر، سوى غياب حقيقة النقد، وحقيقة المنهج، وحقيقة الحداثة، على كثرة ما يدندن أدونيس وأمثاله حول هذه المصطلحات، الشعارات! أ/ حسينة فلاح / جامعة بجاية / هكذا قرأ طلبة جامعة تيزي وزو التراث من منظور حداثي انصب اهتمام الكثير من طلبة الدراسات العليا بجامعة تيزي وزو على إعادة قراءة الكتب التراثية من منظور حداثي يستجيب للطروحات النقدية الجديدة، وذلك من خلال استعانتهم بالآليات والأدوات الإجرائية التي تكشف عن مضامين مغيبة ومفاهيم تحقق للنّص التراثي حداثته، فحاول البعض منهم مقاربة النص الثراثي بآليات النظرية السيميائية،. وهناك من انطلق على أنقاض الدرس السيميائي إلى البحث عن العواطف والأهواء التي يصبو إليها النّص. وفي محاولة الباحثين لرصد الظواهر المحورية الجديدة في قراءة النص التراثي العربي توزعت أغلبية الدراسات بين السيميائية والتأويلية والتداولية، وفيما يأتي تلخيص وعرض لبعض الرسائل المنجزة: سعيد إباون: الفكر العلاماتي عند الجاحظ، مقاربة سيميائية لمفهوم البيان/إشراف د. آمنة بلعلى: خصص الفصل الأول لرسم صورة عامة عن أهم الحلقات الفكرية التي استعانت بمصطلح البيان للتعبير عن مفاهيم علومها، رجوعا إلى دراسات حديثة شكّل فيها البيان، كمصطلح ومفهوم، أحد الركائز الأساسية التي انبنت عليها، ويعني بذلك دراسات كل من محمد عابد الجابري وطه عبد الرحمن. وخصّص المبحث الأول لاستخراج معاني البيان اللغوية، أما المبحث الثاني فخصص لاستجلاء بعض معاني البيان المنبثقة عن توظيفه في علم أصول الفقه، ليخصّص المبحث الثّالث لاستنباط مفهوم البيان الذي بثّه ابن وهب الكاتب في تضاعيف كتابه «البرهان في وجوه البيان». ليختم الفصل الأول بمبحث رابع موسوم:»بيان الجاحظ في الدراسات الحديثة: من المستوى الفني للعلامة اللغوية إلى العلامة مطلقا»، قسّم الباحث الفصل الثاني:»البيان باعتباره منهجا في الاستدلال» إلى مبحثين كبيرين. المبحث الأول:»المقدمات النظرية ومنطق العلاقات» قاعدة نظرية تمكن من ربط مفهوم البيان عند الجاحظ باعتباره عنصرا تراثيا، بمفهوم العلامة عند شارل ساندرس بورس باعتباره عنصرا حداثيا،. وتبعا لذلك كان مدار الاهتمام في المبحث الثاني على:»تشكّل المفهوم وكيفيات التّجلي» في الفصل الثالث الموسوم:»البيان كمنهج في تصنيف العلامات» لاستنباط الأنماط التواصلية والمركبات الدالة التي يحتمل أن تنطوي عليها أقسام البيان؛. ينفتح الفصل بتمهيد أشار فيه الباحث إلى تصنيف العرب الدلالة إلى وضعية وعقلية وطبيعية، وتقسيم بورس علامات الموضوع إلى إيقونة ومؤشر ورمز، إلى خمسة مباحث يمثل كل مبحث قسما من أقسام البيان. وتبعا لذلك جاء عنوان المبحث الأول:»العلامة اللغوية المنطوقة والتواصل»، خصصّ للمبحث الثاني للإشارة عنوان:»من الإشارة الجسدية إلى السنن الثقافي»، أما المبحث الثالث الذي تعرض فيه للخط فوسمه:»من العلامة اللغوية المكتوبة إلى الخط- الأثر»، وقصد الإشارة إلى المفهوم العام المفترض انطواء العقد عليه، أن يجيء عنوان المبحث الرابع على شكل سؤال:»العقد أم العقل في أرقى تجلياته؟»، وأما المبحث الخامس المخصص للنصبة فوسمه:»النصبة كعلامة مؤشرية من طبيعة خاصة». وسعى الباحث بعد كل هذا لمقارنة أقسام البيان بأصناف الدلالة عند العرب، ثم بعلامات الموضوع عند بورس. سعاد مسعودي: كتاب بلاغات النساء لابن طيفور، نقد وتقييم/ إشراف د.آمنة بلعلى: تأتي أهمية هذا الكتاب في كونه أوّل كتاب جامع وصل إلينا مخصّص لأقوال النساء وأشعارهن ونوادرهن. كما يظهر من غزارة مادّته نشاط المرأة الإبداعي والبلاغي، ما يعكس صورة عن حياة المرأة بصفة عامّة. فضلت الباحثة عدم التقيد بمنهج محدد في دراستها، فكانت دراستها قائمة على الوصف والتحليل والتأويل. سعت في الفصل الأوّل الموسوم ب: « قراءة في بلاغة الّنساء النثرية» إلى تتبّع الرّصيد النثري لدى النساء، متتبعة أهم الأجناس تطرفا في خصوصياته المميّزة من جهة، وقواسمه المشتركة من جهة أخرى، مع الربط في كل مرة بين طبيعتها الأنثوية واهتماماتها الإبداعية، وربط رصيدها من خطب وأقوال ونوادر بدورها الأسري والرّسمي على وجه العموم. أمّا الفصل الثاني فجاء: « لقراءة في بلاغة النساء الشعرية» و توّجت الدّراسة بفصل أخير بعنوان: « المؤتلف والمختلف بين الإبداع النسائي والإبداع الرجالي»، في محاولة لتتبع القواسم المشتركة من جهة و نقاط التميّز من جهة أخرى بين ما يكتبه الرجل وما تكتبه المرأة. سليم سعدلي:تشكلات السرد الساخر ومقاصده في المنام الكبير لركن الدين الوهراني/ إشراف د. آمنة بلعلى: يتحدث الفصل الأول عن السخرية باعتبارها موجِّها للحكي، وذلك بمحاولة استكشاف مكونات النَّسق الحكائي كالاستهلال وعلاقته بالمتن،. ثم انتقل الباحث إلى تناول آليات الخرق في السرد الساخر، مركزا على الآليات الَّتي تخص النَّص، باعتباره نصًا يملك خصوصيته في السرد.. وخّصص الفصل الثاني الموسوم ب: مفارقات البنية السردية، قام فيه بتبيان مفارقة ملمح الشخصيات، ليمّر إلى فضاء الأمكنة والأزمنة، ثمَّ انتقل إلى الفصل الثالث الموسوم ب: مقاصد الخطاب الساخر ليتناول فيه دور السياق في الكشف عن المقاصد الإجمالية، ثم عمد إلى تناول المقاصد الحجاجية وآلياتها. د.أمال لواتي / جامعة الأمير عبد القادر أخطأ أدونيس في محاولة الربط بين الصوفية والسريالية تتنوع قراءة أدونيس للنص الصوفي على مجموعة من كتبه بدءا بكتابه ومرورا بكتابه الشعرية العربية وانتهاء ب (الصوفية والسريالية ) وهو الكتاب الأكثر شمولا وعمقا في فهم الصوفية كحركة ابداعية من المنظور الادونيسي في معارضة للقراءة الفقهية الاتباعية التي ظلت وفية لحرفية النص الديني ومحاولة ربط التصوف بالاتجاهات الأدبية الحديثة كالوجودية والسريالية وإخراجه من السياق التاريخي والديني وفهم النص الصوفي من داخل النظام المعرفي السريالي الغربي وإخضاعه لتأويل من خارج بيئته الثقافية وقد أخطأ أدونيس وقدم مغالطة تاريخية عندما اعتبر الصوفية هي السريالية وأن الصوفية السريالية هي صوفية حداثية منطلقا من قراءة خاطئة وقوله إن الإنسان السريالي أكبر متصوف وأن الدين ما يضعه الفكر لا ما تمليه الأديان ومن خلال قراءة الكتاب السالف الذكر يمكن تفنيد دعوى الارتباط والتماهي بين الصوفية والسريالية فبينهما فروق جوهرية تحول دون تطابقهما منهجا وموضوعا وسلوكا فأساس الصوفية الإسلامية الإيمان والتوحيد والعبودية بينما تتعالى السريالية على هذه القيم والصوفية تتطلع إلى عالم الغيب وهو عالم معلوم حقيقي في عقيدتها بينما تتطلع السريالية إلى عالم المجهول وهو عالم وهمي وتؤمن الصوفية بعنصر خارجي خارق للطبيعي يضئ طريقة معرفة الله يسمى بالمعجزة في حين تتبنى السريالية السحر والتنجيم والأسطورة والخرافة والصوفية تقوم على قاعدة دينية وتعتمد المواد الدينية كأسس لافتراضاتها بينما ترفض السريالية الدين وترى أن القواعد الدينية حواجز يجب يجب التمرد عليها وقيود يجب تحطيمها ومشروع الصوفية غايته الأنس بالله تعالى والتفرد به والانقطاع اليه بينما تحتقر السريالية المفاهيم والمصطلحات الدينية وتسخر منها وتقابل المقدس بالمدنس وتتجرأ على تسويق مقولات على شاكلة موت الله أو نفي الله عن طريق الشك والتمرد والعصيان والصوفية غارقة في الروحانية ومحبوب مريديها هو الله تعالى وتتبنى الزهد وهو نوع من التقوى الإسلامية أساسها زوال الرغبة في ملذات الدنيا وفطام النفس عنها بينما السريالية غارقة في المادية واللذة الحسية ومحبوب اتباعها هو المرأة ولذلك فهي تعبر عما هو نقيض الروحي –ضد روحي-وإبطال المشروع الغيبي في مقابل ذلك تقوم الصوفية على الثنائية للتعبير عن تجربتها للفصل بين ما هو دنيوي وما هو أخروي وبين ما هو مادي وما هو روحي (ميزان التفاضل ) والشطح في المفهوم الصوفي هو مجاهدة النفس بتغييب الإنساني الجسدي والعالم المحسوس (الانا المطلقة ) بما يؤدي الى السمو والتطهر باطنا وظاهرا في حين يمثل عند السريالية تغييبا للحواس وتحريكا للاوعي واللاشعور والاهتمام السريالي بعالم الباطن ليس له اي علاقة بالغيب أو التوجه الصوفي فهو يؤدي الى تجاوز ما هو غير منطقي او عقلي اي الجنون الصوفي وهو حالة مرضية تقتضي العلاج , فالسريالية ولدت من رحم الفكر والحضارة الغربية وهي تعبر عن أزمة العقل الأوربي الغربي وما أفرزته من تمرد وثورية . في مقابل النص الصوفي الذي ولد من رحم التراث الصوفي العربي الإسلامي . أ.وسام مخالفي : معالم المنهج الادونيسي في تلقي التراث الحداثة حركة دائمة باتجاه المستقبل، تنبثق عن ماضٍ مضيء، لذلك يكون الكلام على ما بعد الحداثة كلاماً مرفوضاً، فالحداثة ليست لحظة زمنية محددة، إنها الجدّة التي لا تعرف البلى، وهي إبداع لا تَخَلُّق فيه، فالحداثة إذاً ارتباط بالتراث، وهي في الوقت عينه خروج على المألوف، ولذلك يرى أدونيس أن هذه العلاقة حتمية لأن الشاعر العربي المعاصر «لا يكتب في فراغٍ بل يكتب ووراءه الماضي وأمامه المستقبل، فهو ضمن تراثه ومرتبط به، ولكن هذا الارتباط ليس محاكاة للأساليب والنماذج التقليدية، وليس تمشياً معها، ولا بقاءً ضمن قواعدها ومناخها الثقافي الفني-والروحي. فليس التراث عادة في الكتابة، أو موضوعات طُرقت، ومشاعر عُونيت وعُبّر عنها، وإنما هي طاقة معرفة وحيوية خلق، وذكرى في القلب والروح()»، ولذلك أعتبر أن للارتباط بالتراث «معنيين (...) ارتباط خلقٍ وإضافةٍ واستباق، (...) وارتباط التقابل والتوازي والتضاد().» فالتراث ليس إرثاً مقدّساً بل طاقة تفعِّل عملية الخلق والإبداع، وتحرِّض على إقامة علاقة موضوعية مبنية على النقد والتمحيص والفرز.فحسب أدونيس يجب التخلص مما ليس سليماً أو صالحاً للحياة. والتحرر من الفاسد لا يكون إلا بالاستئصال، فلا حداثة في اعتقاد أدونيس من دون خصوبة الأصل التراثي ليمنح الأصل الفرع طاقة تساعد على اكتساب خصائص متفرّدة به ومن ثم يكسب نفسه استقلالية وتمايزاً. جاء الشعر مع أدونيس استشرافاً للمستقبل، وانغراساً في الأصالة، فكان النص عنده يعبّر عن رغبته في الكشف والتخطي والتجاوز، وسؤالاً يحرض على هتك الحجاب الظاهري للغة، وإعادتها إلى عذريتها لتكون قادرة على التلقيح والإخصاب والتوليد. فتستعيد كمونها في التعبير عن التجربة الإنسانية ورسم، إسقاطاتها النفسية والفكرية، والاجتماعية المرتبطة بالحياة وتجددها فيتمخّض اللفظ عن صورة صادقة تعكس انفعالات النفس البشرية في أسمى حالات التجلي والكشف. تجاوزت لغة أدونيس الشعرية الأنماط المألوفة واكتسبت طاقة تعبير وإيحاء، وصارت اللفظة عالماً يتموج بدلالات لا تنتهي، لأن اللغة الشعرية في رأيه «تكشف عن الإمكان أو الاحتمال، أي عن المستقبل (...) فاللغة الشعرية تحويل دائم للعالم، وتغيير دائم للواقع والإنسان()»، لم يتخل أدونيس عن مخزونه التراثي، بل استثمر بذوره، وخصبها في مختبر إبداعه. «، فلا مستقبل إبداعي بعيداً عن التراث، ولا ابتكار إلا من ضمن التراث، «وإذا كان التغيير يفترض هدماً للبنية القديمة التقليدية فإن هذا الهدم لا يجوز أن يكون بآلة من خارج التراث العربي، إنما يجب أن يكون بآلة من داخله، إن هدم الأصل يجب أن يمارس بالأصل ذاته()». أغنى أدونيس تجربته بتحرير لغته من رتابة الإقامة في زنزانة التكرار، ومن التقليد والتحنيط، وبث فيها روحاً جديدة، وألبسها جدّةً معنوية ولفظية لا تهرم. فالشاعر المجدد في رأيه «ينتشل الكلمات من الغدير الذي غرقت فيه، ينسلها كلمة كلمة من نسيجها القديم، يخيطها كلمة كلمة في نسيج جديد، إذ يفعل ذلك يفرغها من شحنتها القديمة ومن دلالاتها وتداعياتها ويملؤها بشحنة جديدة، تصبح لغة ثانية لا عهد لنا بها()». يقرّ أدونيس بأنّ التراث « ليس كتلة موجودة في فضاء اسمه الماضي و علينا العودة إليه و الارتباط به و إنما هو حياتنا نفسه و نمونا نفسه و قد تمثلناه ليكون حضورنا نفسه و اندفاعنا نفسه نحو المجهول « () و من هنا يؤمن أدونيس كثيرا باللغة و طاقاتها فهي على حد قوله « التي تبني رؤيتنا للعالم ؛ و علاقاتنا بالكلمات تفتح لنا آفاقا أخرى على ذواتنا . هكذا تتحول اللغة إلى وحي « و لذلك اقترح أدونيس منهجا خاصا من شأنه أن يتيح له مسارا معلوم الخطى لأجل قراءة و تلقي هذا الموروث : ضرورة تقدير التراث في إطاره الخاص ؛ لأنه كيان مستقل بذاته لابد من معاملته بنوع من الإجلال تربطنا به وشائج تاريخية حميمة و إعادة النظر إليه في ضوء المعرفة العصرية و ذلك بغية تقدير ما فيه من قيم ذاتية و إنسانية و روحية .م تمتين و توطيد العلاقة بين الحاضر و التراث بوساطة استلهام مواقفه الروحية منها و الإنسانية في إبداعنا العصري .وإيجاد نوع من التوازن بين ما هو ضارب في عراقة التاريخ و بين ما تسلّق و قوي عوده على سطح الحاضر والابتعاد عن إرهاب النص التراثي ، و عدم ارتداء الأحزمة الناسفة و تفجير النص التراثي و ذلك بتحميله ما لا يحتمل و إن بدا لنا حمّال أوجه بطبعه , وعدم إرهاق لغة هذا النص المستقل و تحميلها ما لا تحتمل من الضغط فمن حق الكلمات أن ترتاح و من حق التراث أن يتنفس مع الأخذ بعين الاعتبار عدم إخراس الأصوات و الألسنة التي تتحدّث داخله و إجبار ألسنته على التحدث باسم إيديولوجيا معينة لأن النص التراثي كائن حي يتنفّس . من هنا نستنتج ميزة أساسية في الخطاب الأدونيسي هي الحراك، و التبدّل المستمر،الذي يكشف عن قلق السؤال و قلق المعرفة ؛ كما يكشف عن حيوية النص التراثي و ديناميته و قدرته على التجدد ... و يغدو النص الأدبي الجديد خطابا مؤسسا و مرتكزا على خلفية و رؤية حضاريتين ، يعمل من أجل تأسيس مشروع فكري شعري يحمل بين طياته خصوصية اللغة التي ينتمي إليها . تلقي النص التراثي العربي من خلال رسائل الماجستير. د.مصطفى كيحل /جامعة عنابة / هكذا وظف أركون التحليل السيميائي في دراسة النص الديني يحظى التحليل السيميائي عند أركون بأهمية كبرى, لأنه يحرر العقل البشري حسبه من الهالة الكبيرة التي تحيط بالنص, فتجعله نصا مهابا, وتحجب حقيقة ماديته اللغوية, أي حقيقة كونه مكتوبا بلغة بشرية معينة, وخاضعا لقواعدها اللغوية والنحوية والصرفية والبلاغية. كما انه يمكننا من إقامة المسافة النقدية بيننا وبين هذه النصوص من جهة وبيننا وبين العقائد الإيمانية من جهة أخرى, ولهذا يصر أركون على أولوية التحليل السيميائي خاصة عندما يتعلق الأمر بالنصوص التأسيسية ذات الهيبة الكبرى «فالتحليل السيميائي يقدم لنا فرصة ذهبية لكي نمارس تدريبا منهجيا ممتازا يهدف إلى فهم كل المستويات اللغوية التي يتشكل المعنى أو يتولد من خلالها. وهذه الخطوة المنهجية تمتلك أيضا رهانات ابستيمولوجية. فهي تتيح لنا - وهنا تكمن أهميتها الحاسمة- أن نترك مسافة نقدية فكرية بيننا وبين المسألة الأساسية التي تخص المؤلف والمكانة المعرفية للخطاب القرآني» « يجبر الدارس على ممارسة تمرين من التقشف والنقاء العقلي والفكري لا بد منه. يمثل ذلك فضيلة ثمينة جدا وخصوصا أن الأمر يتعلق هنا بقراءة نصوص محددة كانت قد ولدت وشكلت طيلة أجيال عديدة الحساسية والمخيال الجماعيين والفرديين» ويلجأ أركون لتحقيق ذالك في تعامله مع الخطاب الديني عموما, والنص القرآني بالتحديد, إلى دراسة القرآن دراسة تزامنية. من خلال الحفر في طبقات معنى النص والمفردات للوصول إلى معناها السائد في عصرها, أي في شبه الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي, كما يلجأ إلى التطورية اللغوية للكشف عن كل المعاني التي تطرأ على معنى النص من عصر إلى عصر ويقدم أركون ألسنية جديدة للغة الدينية لمعرفة كيف يشتغل النص القرآني ويمارس آلياته وكيف يولد المعنى ويشكل الوعي, ويقول في ذلك «لا أستطيع أن أفصل النص الذي صنع وسمع لكي يقرأ عن القارئ الذي يقرؤه وفي الواقع أنه فيما يخص القرآن ينبغي أن ندرس الكلام أولا وليس اللغة. فتوجد هنا علاقة بين القارئ والنص لا أستطيع كسرها أو تهميشها. لا أستطيع أن أعتبره كمجرد جوهر صوتي فونولوجي وسينماتي معنوي, ثم أبدأ بتفكيكه, وكأنه آلة ميكانيكية جامدة. إن نصا ما وخصوصا إذا كان نصا دينيا قد صنع لكي يقرأ أو يعاش وهنا نلتقي من جديد بمفهوم اللغة الدينية» ومفهوم اللغة الدينية عند أركون يختلف عن مفهوم اللغة العادية, فاللغة الدينية ليست لغة توصيل فقط, كما أنها تختلف عن اللغة الأدبية, لأن اللغة الدينية سواء كانت لغة القرآن أم التوراة أم الأناجيل هي لغة طقسية شعائرية بمعنى أن المؤمن لا يعبر بالكلمات فقط وإنما أيضا بالطقوس والشعائر. وهذا ما لمح إليه نصر حامد أبو زيد حيث أكد أن كل الدراسات والأبحاث التي أنجزها أركون تتجه إلى تأمين ممارسة فكر إسلامي نقدي حر من خلال توسله بالمناهج الألسنية التي تهتم بإشكالية إنشاء المعنى وإعادة إنتاجه, وذلك ببحث طريقة اشتغال اللغة الدينية ،وانتهى إلى أن «اللغة المجازية للقرآن التاريخي والاجتماعي تتسم بالتسامي إلى مجال المطلق, ثم تعيد توليد التسامي وتضفيه على التاريخي والاجتماعي في كل مرحلة, ومن البديهي أن ذلك يحدث بفعل انفتاح دائرة التأويل تلك هي التي أضفت صفة الكلية على الظاهرة القرآنية» وبالتالي فإن آليات اشتغال اللغة الدينية, الاشتغال الذي يحول التاريخي إلى المطلق, والمحايث إلى المفارق, والجزئي إلى الكلي, يتم عن طريق استخدام اللغة المجازية, لأن المجاز هو الذي يجعل اللغة الدينية قابلة دوما للتأويل والانفتاح والتحيين وفق «أفق الانتظار» ورمزية اللغة الدينية ليست خاصة بالقرآن فقط وإنما تخص أيضا الثوراة والأناجيل, وفي هذا يقول أركون «إن النصوص المدعوة بالكتابات المقدسة من قبل التراث التوحيدي تتيح لنا أن نتكلم عن كفاءة سيميائية لغوية مشتركة لدى أهل الكتاب, بمعنى أنهم استنبطوا نحوا ثقافيا حولوه إلى حكايات تأسيسية وتجارب مؤسسة فعلا لمصائر جماعية جديدة تمت بقيادة الأنبياء, إن خروج شعب موسى, وعذاب المسيح, وهجرة محمد هي أحداث تأسيسية توحد بشكل لا ينفصم ما بين القيم المعاشة والنظرة الفكرية الخاصة التي ترتفع بهذه القيم إلى درجة التعالي, وطراز من التعبير ذي البنية ميتية (أسطورية), إن تاريخية القيم المخترعة والمعاشة والنشاطية المحورية للفكر الذي يؤسس هذه القيم بقدر ما يتأسس بها أو عليها, ثم التنظيم المجازي للتعبير المفتوح على النص الذي ثبت حرفيا أو كتابيا بعد القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي. إن كلية النص المثبت على هذا النحو كانت قد عوملت بصفتها كتابا واحدا أو عملا متكاملا»