عن دار الخلدونية للنشر صدر مؤخرا مؤلف للباحث الجزائري محمد العربي فلاح سعى من خلال فصوله الثمانية إلى إماطة اللثام عن بعض ما يرى أنه خفي على الكثيرين من فكر أدونيس. ففي الفصل الأول من هذا الكتاب الذي جاء في 392 صفحة حاول الكاتب مقاربة مفهوم الحداثة بحسبانها منهجا هداما وليس مثلما يروجه المنتصرون لها من كتاب ومفكرين حداثيين لهذا عمد الكاتب إلى تسمية هذا الفصل ب "الحداثة تعريف واستراتيجية" التي يكشف منتهى مراميها وهو هدم الدين وإحلال العقل وحده محله في تفسير التاريخ وبناء الحضارة. ومن ثم انتقل الكاتب إلى الفصل الثاني ليسلط الضوء على ما أسماه بالظاهرة الأدونيسية، هنا أبان الباحث عن زواياه التأسيسية لنقد الفكر الأدونيسي إذ اتضح استناده الكلي على الدين حين أسهب في ذكر نقد أدونيس للدين في تناول مسألة دوره في تطور التاريخ الإنساني. أما الفصل الثالث للكتاب فقد حفل بتوصيفات مطنبة للخلفية الإبداعية لأدونيس سواء منها تلك التي تتعلق بجوانبها النفسية أو تكوينية أو الأيديولوجية التي تطبع المسار الإبداعي والتنظيري لأدونيس، حيث حرص الكاتب على نقدها بوصفها نقائض وأضطاد كلية للدين وللتراث العربي والإسلامي، وتستهدف هدم القيم الروحية والفكرية للأمة، كالجنس على سبيل المثال لا الحصر الذي جعله أدونيس رافد روحه الإبداعية الحداثية متأثرا دائما حسبه بالاتجاهات الفكرية والأدبية الحداثية الفرنسية التي كانت سباقة في إعلاء كعب الجنس وجسد المرأة في إضفاء الطابع الجمالي وإعطاء شرعية الإبداع السامي للمنتج الأدبي. في حين ضم الفصل الرابع من الكتاب أبعادا مفهومية للشعر عند أدونيس ليست بالضرورة تلك التي يؤمن بها صاحب الكتاب فسعى عبر طول سطور الفصل إلى محاولة ضبطها وتفكيكها بالاستناد إلى الكثير من الباحثين الذين تناولوا أعمال أدونيس بالنقد، هذا وزاد صاحب الكتاب في محاولة نبشه في خفايا الرؤية الأدونيسية للشعر بأن أفرد عنصرا آخر ذي ارتباط وثيق بقضية مفهوم الشعر عند أدونيس وهي وعاء الشعر ومنطوقه الرمزي اللغة، فتطرق إلى رؤية أدونيس للعربية التي لا تحفل لديه بقدسية ولا احترام حتى من طرفه حسب الكاتب دائما. في الفصل الخامس أنبرى الكاتب لكشف علاقة أدونيس بالعروبة والإسلام، حيث شهد عبر مسنده الثقيل من شواهد نصية للأديب السوري عن كراهية تسكنه تجاه هذين المقومين الرئيسين للأمة، ويعلن بالتالي حسب الكاتب طبعا عن شعوبية مستبطنة في نفسية وفكر أدونيس حين يتفاخر ويتفاضل في الكثير من نتاجاته الإبداعية بأصوله السريانية والماقبل الفتوحات العربية الإسلامية. أما عن الدين فالمجاهرة بإعلان العدوان والحرب عليه ديدن أدونيس في رأي الكاتب، كلما نوى أن يكتب أو يبدع، وإذا كان رفضه لفضائل الدين في المعنى وفي الوجود واضحة الصورة والحكم فإنه من باب أسهل بالتالي رؤية وتلمس عدوانية أدونيس على الإسلام ونقمته عليه شاملا بذلك جميع أركانه وطقوسه ونصوصه ومراجعه وعلى رأس ذلك القرآن الكريم، إذ يشمله أدونيس بنقده وفق المنهج الحداثي ضاربا صفحا عن خصوصيته الغيبية وما تستلزمه من منهج خاص يأخذ في الحسبان البعد الغيبي وينقل عنه صاحب الكتاب قوله في هذا الخصوص: " إني أتكلم على الكتابة القرآنية بوصفها نصا لغويا خارج كل بعد ديني، نظرا وممارسة: نصا نقرؤه، كما نقرأ أديبا." ص246. كما ويسجل صاحب الكتاب على أدونيس رفضه لأبعاد الأمة الزمانية وتبرئه من الكثير من محطاته، ويؤكد ذلك المقطع الذي نقله عنه أيضا في معرض كلامه عن إلزامية إحداث القطيعة المحتومة مع الماضي باعتباره مربط الفرس في مسألة مأزومية البعد الزماني للأمة " لا مفر من القطيعة مع هذا المفهوم المثالي للعودة إلى الجذور أي القطيعة مع الماضي بوصفه مؤسسة أو بوصفه نظاما وأنساقا، لا مفر من ذلك، إن كنا نريد أن نبني حياة جديدة، وأن نكون ثقافة جديدة."ص252. ولم ينس المؤلف الوقوف عند مسألتي الاستشراق والاستعمار لدى أدونيس فأفرد لهما فصل الكتاب السادس، حيث ظهر للكتاب تأثر بليغ وحضور قوي للفكر الاستشراقي الممهد للاستعمار في التكوين المعرفي لأدونيس بل واعتبره وجها آخر للاستشراق مستندا في ذلك على بعض ما أورده من أدلة تضمنتها أعمال الأديب السوري، وحتى يدعم حجته بانتصار أدونيس الواضح لفكرتي الاستشراق والاستعمار، عمد صاحب الكتاب إلى إثارة موقف أدونيس من التطبيع الذي سبق وأن أحدث ضجة في الأوساط الثقافية والأدبية العربية تسببت في طرده من اتحاد الكتاب والأدباء العرب. أما في الفصلين السابع والثامن من الكتاب فقد ركز فيهما الكاتب على إبراز الخصوصية النفسية والعرفية اللتين يبدع ويفكر فيهما أدونيس واصلا إلى حد وصفه بالجنون وساردا في الأخير ما اعتبره الكاتب كفريات تخرج أدونيس من العقيدة الاسلامية. في الأخير وعلى رغم من الجهود التي بدلها صاحب الكتاب للإلمام بأكبر ما يمكن من حيثيات الفكر الأدونيسي من خلال الاستناد الواسع والكبير الطاغي على مساحة كبرى من فحوى طروحات الكتاب إلى أن المجهر الذي رفعه أداة للتنقيب وشعارا لهدف الكتاب عبر العنوان والميسم الذي اختاره له لم يجهر سرا من أسرار الفكر الأدونيسي، ذلك لأن كل ما أورده صاحب الكتاب هي من بوحات أدونيس ومجاهراته الفكرية والقناعاتية في أيها محفل ظهر فيه. زيادة على ذلك برزت نزعة النقد الأيديولوجي على الكاتب في تناوله للأثر الفكري والأدبي لأدونيس بعيدا عن كل تأسيسات علمية وفكرية موضوعية تقفز على البعد العقدي الأخلاقي ذي الارتباط بالخلفية الانتمائية للكاتب، فهل يعود هذا بالضرورة إلى افتقار لكاتب لهكذا منهج تستلزمه وتستجديه مثل تلكم الدراسات ؟ أم أن ذلك يعكس حالة الفراغ المنهجي التي يعانيها اتجاهه الفكري والسياسي على اعتبار أن هذا الاتجاه ظل بمبعدة كلية عن الاشتغال في مثل حقول أدونيس أي حقل الكتابة الإبداعية بدعائمها الفكرية والتاريخية والفلسفية؟