علي أحمد سعيد إسبر، المشهور في الأوساط الأدبية والفكرية باسم "أدونيس"، عرض في "منتدى الشروق اليومي" جملة من آرائه الفكرية والسياسية المثيرة للجدل، والتي تلقى معارضة شرسة من طرف كثيرين، خاصة الإسلاميين بمختلف أطيافهم الفكرية والسياسية، لتهجمها الصريح على التراث الفقهي والديني والتاريخي الذي تكونت داخله الشعوب الإسلامية منذ قرون، ويؤكد من خلال "فوروم الشروق" أن طريق النهضة لا يتقدم بنا كمسلمين إلا إذا "أحدثنا قطيعة تامة مع تراثنا الديني، وتبنينا منظومة فكرية حداثية ترفض تقديس المقدسات الإسلامية". * "القرآن كتاب لا يعترف بوجود المرأة ككائن مستقل".. "القرآن يعتبر المرأة أداة لإشباع غريزة الرجل"، "العودة إلى الإسلام تعني انقراضنا الحضاري".. ّالدين يُدنّس المرأة رغم أنها تنجب الأنبياء".. هي بعض الآراء الصادمة التي دأب الشاعر السوري المقيم بباريس على عرضها أمام الرأي العام، في كتبه ودراساته، وجسّدها في قصائده وأعماله الشعرية، وأعاد التأكيد عليها في زيارته الثالثة للجزائر. * وانتقد الشاعر المرشح مرات لجائزة نوبل العالمَ الإسلامي ومنظومته الفكرية التي اعتبرها "منغلقة" و"رجعية" و"متخلفة" لا يمكن دفعها للأمام إلا إذا تخلت عن إدراج الدين في مختلف مناحي الحياة، واقتدت بالمنظومة الفكرية الغربية. * وحرصت "الشروق اليومي" على استضافة أدونيس، صاحب الكتاب/ المشروع "الثابت والمتحول"، باعتباره أحد كبار الشعراء العرب المعاصرين وأحد أكبر رموز التيار الحداثي المناهض لانتشار المد الإسلامي والعودة إلى التدين في العالم العربي، لفتح نقاش جاد حول موضوع التدين وعلاقته بالنهضة العربية والإسلامية، وموقع الثقافة الإسلامية في عقول المفكرين والنخب الثقافية، خاصة مع تنامي المد الديني في العالم مصحوبا بالتطرف والانغلاق وإقصاء الآخر، في أمريكا وأوروبا، ومحمولا فوق ظهر الصواريخ والدبابات التي تغزو العالم الإسلامي. * * قال إن اللغة خرجت من دائرة الشعر * ليس لدى العرب مؤسسات تروّج للعربية * علق أدونيس على قول الرئيس الراحل هواري بومدين "يجب إخراج اللغة العربية من دائرة الشعر لتصبح لغة علم ومعرفة" بقوله: "نحن لسنا بحاجة إلى إخراج اللغة العربية من الشعر، لأنها خرجت بطابعها عن الشعر منذ زمن بعيد، لكن مع الأسف لا توجد في البلدان العربية مؤسسات تلم بقواعد اللغة العربية وحشدها في وسائل وتقنيات تسهل دراستها، والكشف عن طاقات اللغة ومقوماتها العلمية والحضارية". وأضاف "إننا لم نستطع الاستفادة من العربية كما فعل الغرب الذي استفاد من أعمال ابن رشد وابن خلدون والفارابي، وكل ما يتعلق بالعقل فقط لا بالخرافات والأرواح الشريرة، كما فعل بعض الأشخاص. فالغرب استفاد من الجانب الأرسطي الإغريقي عند ابن رشد، وأخذ منه فكرة التوفيق بين الشريعة وبين الفلسفة، أي بين الوحي وبين العقل ثم اتكأ عليه، لا سيما في شرح أرسطو ليطور فكرة الاعتماد على العقل كسبيل للتقدم والنهضة، بينما كان الفقهاء العرب يرددون في ذلك الوقت عبارة "من تمنطق فقد تزندق"، حيث نلاحظ كيف أن الغزالي الذي كتب "تهافت الفلاسفة" ورد عليه ابن رشد بكتاب "تهافت التهافت" لم يكن ليختلف كثيرا عن توما الأكويني، الذي ظل يهاجم ابن رشد إلى أن تمكن من استصدار مرسوم كنسي في سنة 1270 يدين ابن رشد وأفكاره ويحرم تداولها، لا سيما قوله بأزلية العالم وعدم خلود الروح. وما كان في إمكان أوروبا أن تتقدم لولا كتابات هؤلاء، حيث شكلت إنجازاتهم الفكرية عاملا مهما في النهضة الغربية". وقال أدونيس إن اللغة العربية ليست خارجة عن دائرة التقنية والتكنولوجيا، فهي منذ العصور الإسلامية القديمة، وإلى غاية اليوم تستطيع استيعاب العلم. وإن القصور يكمن في الذين يتعاطون مع اللغة العربية على أنها عاجزة وليست مؤهلة لتحديات المستقبل العلمية. لذلك يجب أن تتغير هذه النظرة وأن نبث فيها الروح من جديد، وأن نخلص العقول العربية من العقم المفبرك الذي أقنعنا به أنفسنا لسنوات طويلة. * * لا أقبل عملا دراميا حولي يشبه عمل نزار قباني * رفض أدونيس أن تجسد شخصيته في عمل درامي يشبه العمل الذي قدم به نزار قباني، حتى ولو كانت دفاتره جميلة، وقال إنه لا يقبل أن يمثل به كما مثل بنزار قباني، حيث ظهر رده بالرفض قويا عند ذكر مسلسل نزار قباني، الذي أثار جدلا كبيرا بين مؤيدين ورافضين وخاصة من طرف عائلته، هذا المسلسل الذي تضمن أكثر الأحداث الدرامية التي حدثت للشاعر نزار، والتي أكدت عائلته أنها غير صحيحة، وأنها تحريف كبير لشخصيته. * * العرب منقرضون حضاريا لأنهم يعالجون الحاضر بعقلية الماضي * قال الشاعر أدونيس إن العرب آيلون إلى الانقراض الحضاري، وذلك بسبب غياب الإبداع في جميع المجالات، حيث قال: إننا غائبون عن كل شيء مهم في العالم، وإذا انتقلنا إلى الفلسفة والرياضيات وغيرها من العلوم فلا حضور للعرب ضمنها على الإطلاق. وفي الأوضاع التي نحن فيها، نبدو وكأننا تابعون لغيرنا من الشعوب". وقال إن شعوبا أقل تراثية وعراقة منا تقدمت، مثل كوريا، سنغفورة، تايوان وغيرها، معتبرا أن تقدمنا اليوم كعرب لا يشمل إلا بعض المجالات الأدبية والفكرية كالشعر والأدب والرواية. * ومع نظرته المعتمة لمستقبل العرب وحاضرهم، يقترح أدونيس حلولا مبدئية لخروج العرب من هذا الواقع المزري، معتبرا أن الحل ينبغي أن يكون تجريبيا لا تنظيريا، وذلك "من خلال التخلي شيئا فشيئا عن تشبثنا كعرب بعقلية الماضي لمعالجة مشكلاتنا الحاضرة وبلغة أصبحت لا تستجيب لأدوات ومفردات ومعطيات الراهن". * * لا نستطيع معالجة القضايا الجديدة بفتاوى الشافعي وابن حنبل * بنزعة علمانية صريحة، قال صاحب كتاب "الثابت والمتحول"، إننا كعرب تبنينا إيديولوجيات مختلفة حملت مسميات كثيرة كالوحدة العربية، والاشتراكية وغيرها، معتبرا أننا لم نجن من دخولنا في غمار "السياقات الفكرية القديمة المستوحاة من أفكار التراث" سوى الخراب والمزيد من التدهور، وهي حال أكثر خطورة مما عرفه القرن الماضي من تضارب في الأيديلوجيات على تنوعاتها. وقال أدونيس إن العرب لا يزالون يقرؤون الإيديولوجية الماركسية بأسلوب عقيم وأدوات غير مجدية لا تنتج شيئا في الواقع، حيث لم يصلوا بعد إلى استكشاف "الآفاق الماركسية العربية" لمزجها بواقعهم، كبداية للخروج من معتقداتهم القديمة التي أخرت تفكيرهم وتقدمهم. وما ينسحب على الماركسية ينسحب على الأيديولوجيات الأخرى التي تبناها أو استوردها العرب مثل القومية بتياراتها المختلفة وغيرها، مشيرا إلى أن الطابع الديني يغلب على النسيج الاجتماعي العربي، وهذا واقع لا يمكن إنكاره، غير أننا، كما قال، "لا نستطيع معالجة القضايا الإنسانية الجديدة والملحة، بفتاوى الشافعي وابن حنبل". * * الأنظمة لم تخدم إلا مصالحها والسلطة جردتنا من المواطنة * بلسان صريح وواضح، قال الشاعر أدونيس إن السياسة العربية لم تخدم شعوبها في شيء، بل إنها لا تسعى إلا لخدمة مصالحها، بعد أن خلقت آلية للبقاء والخلود في السلطة بأي ثمن. وفي هذا السياق، اعتبر أدونيس أن السلطة غيرت مفهوم النظام، حيث أصبحت علاقاتنا كمواطنين أو أشباه مواطنين، مرتبطة بالأنظمة، وذلك بعد إلغاء فكرة الوطن وفقداننا لحق المواطنة، وهي "عقلية سياسية محبوكة بشكل جيد، الهدف منها البقاء في السلطة مهما كان الثمن". هذه العقلية، يضيف أدونيس، تعاظمت حتى بتنا نعايش واقعا اسمه توريث السلطة، وأنظمة ديمقراطية تتحول إلى ملكية بفعل هذا التوريث، ومن أنظمة جمهورية إلى إمبراطورية مستقرة. أما عن وجود شيء اسمه "قضية عربية" فقال أدونيس: "إن ما يسمى قضية عربية، ماهو إلا مجموعة من المفردات دمرت الفكر والعقل". * * الحرية هي الشرط الأول للمقاومة * صرح أدونيس أنه من القائلين بإمضاء السلام مع إسرائيل، وفسر ذلك بأننا كعرب، دخلنا في صراع مع هذا الكيان منذ 50 سنة، معتبرا أن شعوب المغرب العربي كانت أقل شعورا بمرارته وبالضغط النفسي والاقتصادي اليومي الواقع على شعوب منطقة الشرق الأوسط، مضيفا أن أنظمة المنطقة خصصت 80 بالمائة من ميزانيتها طيلة الخمسين سنة هي عمر الصراع مع إسرائيل، لمحاربة عدو لم تحاربه أبدا، مشيرا إلى أنها لن تقهره أبدا بل بالعكس، "إنها بمواجهتها لإسرائيل، ضاعفت معدلات الفقر والتفكك الاجتماعي بين شعوب المنطقة" وأضاف أدونيس: "إن الأنظمة العربية ظلت تجابه العدو بأسلحة غير فعالة نصف قرن من الزمان، بموجب أن البندقية التي كنا نحاول أن نضرب بها إسرائيل لم تكن من ابتكارنا، لقد كنا نحارب بأسلحة يخترعها عدونا ويبيعنا إياها، فنحن بعيدون جدا عن التصنيع في مجال الأسلحة، لا بل حتى البرغي البسيط إذا ضاع من الطائرة مثلا، لا بد أن نستنجد بوفد ليقصد البلد المصنع للطائرة للحصول على ذلك البرغي، وهذا يجعلني أقول وأؤكد أننا كعرب ليس لدينا أي مشروع نتبناه.. وعلى هذا الأساس، فالأولى بالعرب أن يعلنوا السلام مع إسرائيل، بدل مواجهتها وقتل الطاقات العربية واستنزافها في حرب خاسرة" على حد قوله. * ومع ذلك، تحدث أدونيس عن حزب الله الذي قال "إن قوامه بشر فقراء لكنهم مسلحون بالحرية وبإيمان قوي، لذلك أثر على إسرائيل وحقق ما لم تتمكن الجيوش العربية طيلة 50 سنة تحقيقه، لكن يبقى أن الجيش لا يستطيع المقاومة وحده دون شعوب، والواقع أن الشعوب العربية ليست حرة". * * الدولة العلمانية ضرورة للإقلاع الحضاري * قال الشاعر أدونيس إن العرب، وبعد نضالات طويلة، توصلوا إلى مشروع الدولة الدينية وهو ما لا ينفعهم ولن ينفعهم أبدا حسب قوله، مشيرا إلى أنهم من خلال النضال الديني يخدمون المناخ الذي قامت عليه إسرائيل، "فكل نضال ديني يخدم دينية إسرائيل.. لأن إسرائيل تسعى إلى تكوين طوائف دينية بيننا"، معتبرا أن الصراع القائم بين الشيعة والسنة دليل على صحة كلامه. لهذا يرى حل الدولة العلمانية، القائمة على الحرية والسلام والديمقراطية وحقوق الإنسان، بوصفها ضرورة للإقلاع الحضاري. * * يرى أن هوية الأمة يمثلها الشعراء لا المؤرخون والفقهاء * أدونيس : "نوبل" تافهة لا تزيد ولا تنقص في الإبداع شيئا * * رفض أدونيس الخوض في كواليس جائزة نوبل للآداب، لكنه لم يعلق على ارتباط اسمه بها منذ 1988 حيث اكتفى بالتصريح التالي: "لطالما تحاشيت الكلام عن الجوائز بشكل عام وجائزة نوبل بشكل خاص، لأن اسمي اقترن بها لسنوات، وما زلت متمسكا بالموقف نفسه منها. وفي هذا الصدد توصلت إلى أن الجوائز مهما كانت عظيمة ومهما كانت أبعادها فإنها لا تزيد ولا تنقص من القيمة الإبداعية لأي شخص". * وفتح أدونيس النار على "فوبيا الجوائز" في الوطن العربي، رافضا مجرد التفكير في إجراء مقارنة بين واقع الشعر في البلدان العربية والبلدان الأوروبية، واصفا حالة الشعر والشعراء في الوطن العربي بالتهميشية، مفضلا الالتفات إلى الإنتاج الكتابي كمردود معرفي وثقافي دون إلباسه أي ثوب حتى ولو كان "نوبل". * * "أمير الشعراء" إعدام لموروث كان العرب طليعته * وعن سؤال حول مدى نجاعة وبراءة والفائدة من وراء برامج الواقع التي زحفت على "ديوان العرب" أيضا ولم يسلم منها، حيث أصبح "التصويت" هو المقياس الأول والرئيسي في انتخاب أمير للشعراء، عبر أدونيس عن استيائه من هذا الواقع قائلا: "للأسف أصبحنا أقل الشعوب تقديرا للشعر، مع أننا نمتلك موروثا شعريا، أنا أعده في طليعة الشعر.. العرب للأسف بدؤوا يتجاهلون أعظم ما أنتجوه في تاريخهم كله". واستشهد المتحدث بإنجازات معاوية بن أبي سفيان الذي اعتبره "مؤسس * الدولة العربية" والذي رغم بعض إساءاته في تلك الفترة، إلا انه حافظ على حياة الشعر، حتى وإن انحصر أغلبه في مديح السلطة. * * انتهى الشعر لأنه لم يحافظ على وظيفته * قال أدونيس إن الشعر لم يخدم الإسلام، كما أن الإسلام لم يخدم الشعر من حيث هو فن وإبداع، بل وظفه لأغراض أيديولوجية، والصراع بينهما قديم جدا ولا يزال إلى اليوم "ثمة آيات كثيرة في القرآن، حذرت منه ومن الشعراء". والدليل على ذلك هو انتهاء الشعر بعد 50 سنة عندما حددت وظيفته في خدمة الدين فحسب، لأن الطاقة أو الموهبة الشعرية، حسب أدونيس، عندما ترسم لها حدود ما، تنطفئ ويزول بريقها، وبخاصة ملكة الشعر التي يجب ألا تعترف بالحدود. * * عجزنا عن التوظيف الفاعل للتراث * قال أدونيس إننا عجزنا عن استخدام تراثنا العربي في الشعر، وعوض أن نوظفه في ما يفيد، غيرنا وظيفته كليا، بل أصبح المسموح به هو الشعر الذي يخدم الإسلام، وغير مسموح بغيره، وأضاف: "الشعراء الناجحون في وطننا العربي هم فقط من طاروا في سماء الحرية وتحرروا من قيود المؤسسة الدينية"، وأضاف في السياق ذاته: "أنا لست ضد الإيمان ولكن لا أقبل أن يفرض علي الإيمان بتحويله إلى مؤسسة". * * "كم آلمني فقدان صديقي محمود درويش" * وعن وقع خبر وفاة الشاعر محمود درويش في نفس علي أحمد سعيد أو أدونيس، عبر الشاعر عن ألمه لفقدان الشعر العربي أحد فرسانه النادرين جدا قائلا: "محمود درويش كان أخا وصديقا وأمضينا فترات طويلة في بيروت، فعلا فجعت فيه مثل كل عربي قرأ شعره المقاوم، بل وأكثر من ذلك، لأنه كان من المقربين إلى نفسي". * * الأنظمة لا تعبر عن هوية الشعوب * وعن ارتباط شعراء جيله بقضية معينة، ومدى مساهمة تلك القضية في صناعة الشاعر والعكس، وهل يجب أن يتبنى الشاعر قضية معينة قال أدونيس "فعلا لطالما ارتبط الشعر، ومنذ القديم بقضايا معينة وأصبح الاسم مقترنا بقضية معينة، فعندما نقول مثلا محمود درويش، نقول القضية الفلسطينية بغض النظر عن ماهية التعاطي وطبيعة العلاقة.. وذلك مطلوب جدا وضروري في نسيج الشعوب العربية، التي أصبحت واعية جدا بأن الأنظمة العربية لا تمثل هويتها، هذه الهوية التي نجدها في الإبداع وفي الشعر". * * اللهث وراء الألقاب أساء إلى الشعر * وفي سياق حديثه عن مسابقة "أمير الشعراء" الإماراتية، على سبيل المثال لا الحصر، أبدى الشاعر أدونيس تأسفه من لهث الجيل الجديد من الموهوبين شعريا وراء الألقاب وهم في بداية الطريق، واعتبر الأمر ليس إساءة إلى الشعر فحسب، بقدر ما هو إساءة إلى فحول الشعر ورواده على مر العصور، الأمر الذي يراه أدونيس ظاهرة تلبي حاجة مرضية في نفوس الشعوب العربية. * * أدونيس: لست ضد الدين بل ضد التوظيف السياسي للدين * قال الشاعر أدونيس إن العرب والمسلمين ما يزالون يعالجون واقعهم السلبي بذهنية الماضي. وفي هذا السياق يقرأ أدونيس عودة الشارع العربي إلى الالتفاف وبقوة حول الخطاب الديني الذي يراه "مجرد لغة" وقال: "إن هذه العودة القوية للتيار الديني وهذا الالتفاف حول ما يسمى المشروع الإسلامي، كما يفهم ويمارس اليوم، هو دليل آخر على الانقراض الحضاري العربي". * وأوضح أدونيس أنه ليس ضد الدين من حيث هو دين، وليس ضد الإيمان من حيث هو إيمان، وأنه يؤمن بحرية كل إنسان داخل دائرته الإيمانية، لكنه يرفض رفضا مطلقا، أن تحتكر جهة ما الخطاب الديني باسم أيديولوجيا دينية معينة، بهدف استغلالها وسيلة للوصول إلى أغراض سياسية، وقال: "أتمنى أن يكون هناك مشروع إسلامي، لكن بقراءة جديدة للإسلام. وإذا كان المشروع الإسلامي بقراءة ابن رشد، وابن خلدون، والرازي، والشعراء العظام. لست ضد الإسلام، ولا ضد أي دين آخر، لكني ضد هذه التأويلات والتفسيرات التي حولت الإسلام إلى رأسمال تجاري يتاجر به كل من هب ودب لأغراض سياسية، في حين أن الدين في الأصل غاية وليس وسيلة، غاية سامية تهدف إلى تمتين العلاقة بين الإنسان وبين الله، وهذه مسألة مقدسة عند المؤمنين ولا يليق أن تستغل لأغراض سياسية منحطة، بما يجره ذلك من صراع وتناحر باسم الدين. كما أننا عندما نؤسس لمشروع ديني نريد أن تكون منه دولة دينية، حتى لو نجحنا في تأسيس مثل هذه الدولة، فإننا لن نكون حققنا سوى دولة دينية في مقابل دولة دينية أخرى هي إسرائيل، التي ستستفيد من هذه المسألة في تأكيد طبيعتها الدينية، عندما تصبح في مواجهة دولة عربية تنطلق من موقع الدين". * * الطائفية تخدم إسرائيل والعرب سائرون نحو القرون الوسطى * وحول خلفيات اللعب بالورقة الطائفية وتأجيج الصراع الطائفي بين السنة وبين الشيعة في العالم العربي، وفي هذه المرحلة بالذات، قال أدونيس إن هذه المسألة هي جزء من المشروع الديني في المنطقة العربية، وإنها تخدم دينية إسرائيل بالدرجة الأولى، بل إنها تعتبر دعامة هائلة لإسرائيل، كما أنها دعم لجميع المشاريع التي تريد العودة بالعرب إلى مرحلة القرون الوسطى. * واعترف أدونيس بهذا السياق، بوجود حركات دينية في العالم كله على غرار عودة العامل الديني إلى السيطرة على الحياة الدولية، لكنه قال إن تلك الحركات ليست لها تأثير كبير على المجتمعات الغربية لأنها مجتمعات أنجزت ثوراتها وقطيعتها الإبستمولوجية المعرفية، وحسمت خياراتها الحضارية والتاريخية، واستقرت على نموذج حقيقي للحداثة، من هنا فإن تأثير الخطابات الدينية فيها ليس كبيرا. كما أن الحركات الدينية في الغرب، لا تشكل عامل ضغط سياسي على الشارع كما هو الحال عندنا. * * التغيير ينطلق من المؤسسة * وعن أسباب وخلفيات هذا الواقع، قال أدونيس إن الفكر العربي، بكل ما أنتجه من رؤى واتجاهات ومذاهب، بقي مجرد لغة لا مصداق لها في الواقع، لغة دمرت العقل والفكر والواقع معا. فنحن لم نتمكن من استيعاب الماركسية ولا غيرها من المذاهب الفلسفية، بل إن الماركسية عندما وصلت إلينا أصبحت غير فاعلة من الناحية الواقعية، لأن ذهنيتنا الماضوية الموروثة، تحول كل ما هو فاعل من الأفكار، إلى مجرد لغة ميتة لا فاعلية لها". من هنا يضيف أدونيس: "إن الواقع لا يتغير إلا إذا تغير الفرد، والفرد لا يتغير إلا بتغير المؤسسة. وعندما أقول المؤسسة، فهذا يعني الأسرة والمدرسة أي نظام التعليم، بما يشمل بنية الدولة نفسها وجميع المؤسسات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى". وفي هذا الإطار أشار أدونيس، إلى أن "السبب الرئيسي في انتصار حزب الله هو الإيمان والحرية التي يتمتع بها أفراده، وكونهم غير مقيدين بالجمود الذي يسود المؤسسات الرسمية العربية". * * التصوف أعظم حركة في الإسلام * قال أدونيس إن العرب لم يدخلوا الحداثة بعد، والسبب في ذلك هو الفكر الماضوي والخطاب الديني، واستثنى من ذلك الحركة الصوفية التي قال عنها "إنها أعظم حركة في تاريخ الإسلام. وهنا لا أتحدث عن صوفية الدروشة بل عن صوفية الفكر بالدرجة الأولى. فالحركة الصوفية نجحت في تغيير كثير من المفاهيم القديمة التي سبقتها، في مسائل الحقيقة والهوية والمعارضة وغيرها. * كثيرون في الجزائر والمغرب العربي يرون أن اللغة الفرنسية غنيمة حرب، وعن ذلك يقول أدونيس: "لست ضد الثقافة الفرنسية، لأني مع الانفتاح على جميع اللغات والثقافات، لكني ضد الفرانكوفونية بجميع معانيها. ومع ذلك أحزن عندما أقرأ الأدب الجزائري بالفرنسية أكثر مما أقرأه بالعربية. فالشعب العربي واحد والوطن العربي واحد، والثقافة العربية واحدة، كل ذلك على مستوى الشعارات موجود، لكن في الواقع لا يسمح حتى للكتاب العربي أن يعبر الحدود". * * على لسان أدونيس * *أسئلة المرأة هي التي تهمني كثيرا لأنها تعلمني كثيرا.. أريد أن أُسأل أكثر من الصحفيات. * *الشعوب العربية أقل تقديرا للشعر من الشعوب الأخرى. * *محمود درويش عاش مأساة فنية حقيقية، فهو كان في صراع دائم بين ممارسة الشعر كوظيفة تلزمها القضية، وبين أن يكون حرا في ابتكار روح فنية شعرية جديدة. * * أول من استخدم الشعر أديولوجيا هو الإسلام، وقبله كان الشاعر حرا في قول ما يشاء لأنه يرى أنه يمتلك الحقيقة. وعندما نزل الوحي، أقصى الشاعر وفقد الشعر حريته، ولم يستفد منه الوحي لأنه لا يحتاج إليه. * *مشكلتنا نحن العرب أننا نعالج مشكلات الحاضر بعقلية الماضي وبنصوص فقهية قديمة، وهذه اللغة لا يمكن أن تستوعب الحاضر والمستقبل.. لذلك نريد لغة أخرى بعيدة عن اللغة الدينية الفقهية. * *السياسات العربية لم تخدم شيئا في العالم العربي، لأن عبقريتها السياسية أوصلتها فقط إلى حفظ السلطة وتوريثها. * *كل نضال ديني مسيس يخدم اسرائيل، لأنه بشكل غير مباشر يؤكد مفهوم الدولة الدينية لإسرائيل أو دينية إسرائيل كدولة، لذلك لابد أن نؤسس لدول عربية علمانية ديمقراطية حتى نلغي إسرائيل دينيا. * *النسيج الاجتماعي الغالب في البلدان العربية هو النسيج الديني، وكل القوى العلمانية والديمقراطية لم تستطع بناء البديل لأن هناك مشكلات في البنى المختلفة للدولة تقف ضد تحرر الفكر. * *أنا ضد أن يحول الإيمان إلى مؤسسة عامة. * *الدين ليس وسيلة وإنما غاية. * *عندما يحاورني المتدينون بالعصا والعنف، لا يمكن أن أقبل الدين لأن هؤلاء يضعونه أمامي بشكل مشوه، وأنا أرفض الأشياء المشوهة. * *يجب أن ينظر إلى القرآن على أنه ليس مجرد نص ديني فحسب، بل على أنه نص ثقافي أيضا. * *الشعر مثل الحب، موجودان عند جميع الشعوب، والتاريخ أثبت أنهما معا لا يتأثران بالظروف المادية، ويتجددان بشكل مستمر. * *المهم في الحداثة أن نغير ما بأنفسنا. * *لدي أخطاء كثيرة في حياتي، أتذكرها بخجل لكني استفدت منها كثيرا. * *اللغة العربية لغة تقنية بامتياز. المشكلة في العرب لا في اللغة. * *أنا مع الثقافة الفرنسية وضد الفرانكفونية. * *رغبة العودة إلى الدين موجودة في جميع بلدان العالم، لكن هناك في المقابل مؤسسات لا تسمح بذلك، الأمر الذي نفتقده في العالم العربي. * *الحب هو السياسة العظمى. * *هذه هي المرة الثالثة التي أزور فيها الجزائر، وفي قرار نفسي تمنيت لو كانت المرة العاشرة أو الحادية عشرة أو أكثر. * قال إنه لا وجود للمرأة في القرآن كذات مستقلة * أدونيس: أشتاق إلى متدين يقرأ دينه قراءة عميقة وعالية * مازال الشاعر أدونيس، المثير للجدل، وفيا لخياراته الفكرية والأديولوجية التي سبق أن أثارت جدلا في الوطن العربي. بسبب كثير من تلك المواقف، كفرته عدة أطراف وأوساط، حيث وقف الشارع العربي ضده. وجدد أدونيس لدى نزوله أمس ضيفا على فروم "الشروق" قناعته حول قضية المرأة والحجاب حيث قال إنه "لا وجود لنص في القرآن الكريم، يحقق وجود المرأة كذات مستقلة عن التوابع"، حيث أكد صاحب الثابت والمتحول، أن المرأة كإنسان وكذات "لا وجود قانوني لها في النص القرآني، وأنها ليست حرة ولا هي سيدة مصيرها، وإنما هناك ذوات أو نساء توابع". * وأكد الشاعر: "ليس ثمة نص واحد واضح يحدد حرية المرأة وذاتها المستقلة، وإنما هناك تأويلات أو قراءات الفقهاء". وواصل المتحدث: "إن المرأة يوم القيامة في الجنة لا وجود لها كذات، وإنما هي مجرد حورية للاستمتاع، والقرآن لم يفصل في هذه القضية ولم يعط للمرأة الحرية والتقدير كما يدعي البعض"، على حد قول الشاعر الذي أكد "أن الرجل يفضل على المرأة في النص القرآني". * * لا بد من السلام مع إسرائيل * من جانب آخر قال أدونيس إن مشروع المقاومة اليوم بالطريقة التي يدار بها، استنزف الطاقات العربية ولا بد في رأي أدونيس من إرساء السلام، لأن المقاومة بالشكل المطروح اليوم، والقائم على شرعية الديني، هي خطأ كبير في رأيه، بل إنها تعطي الشرعية لاستمرار الدولة الدينية في إسرائيل، والتي يحاول الطرف الآخر إقامتها. من هنا فلا حل لهذه المسألة في نظر الشاعر، إلا بإخراج المقدس من السياق السياسي إلى سياقات ثقافية انفتاحية، يمكنها استيعاب الآخر بشكل لا يلغي إيمان المؤمنين، ولكن في الوقت نفسه، لا تفرض هذا الإيمان كخط سياسي أو كمؤسسة جامدة تقود المجتمع إلى الخلف، عوض أن تتوجه به إلى الأمام، لأن تغليب ما هو سياسي على ما هو ديني، لا يمكنه أن يخلق سوى الاقتتال والإرهاب كما هو حاصل في الواقع، فالقرآن الكريم في رأي أدونيس، هو كتاب ديني لكن لا بد من قراءته قراءة ثقافية تستجيب لمتطلبات وروح العصر. وهنا يتساءل أدونيس كيف يسمح المسلم لنفسه أن يكفر مسلما آخر؟ * الخلل الكامن في الظاهرة الدينية، حسب أدونيس، هو تغليب الجانب السياسي على الجانب الديني، الأمر الذي أخل بالحياة الاجتماعية، لأنه ينتج نوعا من الإرهاب الذي يقصي الغير من متدينين أو الذين يدينون بدين آخر، أو يؤمنون باتجاهات أخرى. وحسب المتحدث، فإن الدين الذي هو غاية في حد ذاته، تحول إلى وسيلة حيث يستخدمه بعض الأشخاص كوسيلة سياسية لإقصاء الآخر. هنا يقول الشاعر إن الظاهرة الدينية بهذا الطرح، مرفوضة حتى من قبل المتدينين أنفسهم، ويضيف: "إن الدين تجربة روحية تبحث عن الخلاص، وأنا أشتاق إلى متدين أو مسلم أو مسيحي يقرأ دينه قراءة عالية وإنسانية واعية، ويفتح أفق الحوار، أشتاق أن أجلس معه أو أحاوره، لكن من غير المعقول، أن يرفض المتدين الحوار خارج العصا والقتل والتكفير". ويضيف: "إني لست ضد الدين، بل إنني أدعو إلى تحويل الدين إلى تجربة روحية، فهل من المعقول أنه من بين مليار مسلم، لا نجد مفكرا واحدا بالمعنى العميق للكلمة؟ وأن أي مفكر له مشروع ونظرة مختلفة يكفر أو يخرج من الملة؟". * * الحداثة مشروع لا بد أن يستمر * قال ضيف الشروق إن الحداثة بوصفها مشروعا عربيا ثقافيا، أو مشروعا شعريا، هو متواصل ولا بد أن يتواصل، لكن الحداثة كمشروع تقني وصلت إلى السلام والمصالحة الجامدة، لأنها استوردت التقنية، وجعلت المجتمع العربي مجرد مجتمع استهلاكي، يمشي في العصر الحديث بأسئلة الماضي، فنحن نستورد التقنية والأسلحة التي يصنعها أعداؤنا ويحاربوننا بها. فالشعر في رأيه لا يتخلف إذا كان المجتمع متخلفا، ولا يتوقف لأن الحداثة الفنية ممكنة بدون تقنية. وهنا أعطى المتحدث أمثلة بأدب أمريكا اللاتينية الذي يتفوق من حيث الجماليات والقيمة الفنية على أدب أمريكا الشمالية، رغم كون أمريكا اليوم، أكثر الدول تقدما من الناحية التقنية. * لهذا يقول أدونيس، إن مشروع الحداثة الفنية يجب أن يتواصل "أما الحداثة كما عرفناها، فقد انتهت إلى استهلاك نفسها وإلى نوع من المصالحة، حيث انتصرت السياسة على الحداثة من خلال استيراد التقنيات التي نستخدمها في حياتنا تماما كما نستخدم الملابس والأشياء الجامدة، بدون أن تغير ما في أنفسنا، في حين أن مهمة الحداثة، هي أن تغير ما بأنفسنا. يجب أن نتغير لأن الحداثة لصالحنا، ولأن القرآن نفسه يقول "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". * * أعترف أن لي أخطاء كثيرة * ودعا ضيف الشروق إلى ضرورة وجود حركة نقدية، فالحداثة لم يعد فيها نقد ولم تعد فيها مشكلة، لكنها كمشروع لا بد أن تستمر، حيث اعترف الشاعر أنه استفاد كثيرا من أخطائه وأن له أخطاء كثيرة وكتابات عديدة ما كان ليكتبها دون أن يذكر تفاصيلها، حيث قال: "قمت بأعمال كثيرة يستحيل أن أقوم بها اليوم وكتبت أشياء مستحيل أن أكتب مثلها اليوم لكن مهمة الإنسان يقول الشاعر هي أن يراجع أخطاءه ويتخطاها". * * أغلب المجلات العربية اليوم لا تقرأ * قال أدونيس إن مجلة "مواقف" توقفت ليس بسبب مشكلة مالية، لكن بسبب مشكلة ثقافية حيث عجزت أن تجد مخرجا لموضوع كان مطروحا للنقاش وهو هل للمرأة وجود قانوني مستقل في القرآن الكريم. وناقشت المجلة في عددين هذه المسألة ولم تتوصل إلى إجابة لأن كل الحقوقيين عجزوا يومها عن الكتابة في هذا الموضوع، فقررت أن أوقف المجلة التي لم تعد تستجيب لطرح القضايا الثقافية، وأكد ضيف الشروق في هذا السياق أن جل المجلات العربية لم تعد تجيب عن الأسئلة الحقيقية للشارع العربي وأن كلها "لا تقرأ" لأنها لا تحمل أفكارا ولا تجيب على أسئلة".