أطفال يسهرون في الشوارع إلى ما بعد منتصف الليل انتقلت عدوى السهر و السمر إلى الصغار الذين يبدو أنه اختلط عليهم الوقت فغيروا ليلهم بنهارهم، تماما مثل الكبار الذين تحت تأثير الصيام و ارتفاع درجة الحرارة اضطروا للاختباء صباحا و الظهور ليلا. فالكثير من الأحياء أصبحت تستيقظ بعد غروب الشمس و تنام قبل شروقها بساعات قليلة، مما جعلها تعج بالصغار و الكبار مع انتشار العتمة فتهتز جنباتها بصيحاتهم و قهقهاتهم المتواصلة إلى غاية ساعة متأخرة تتجاوز منتصف الليل أحيانا كثيرة فالعطلة "المعطلة"بسبب شهر الصيام و درجة الحرارة المرتفعة في الصباح حرمت الكثير من الصغار من اللعب و التنزه ، و دفعت بعضهم إلى تغيير عاداتهم و سلوكاتهم، كالتريث إلى غاية وقت الإفطار من أجل الخروج للعب ، و تدارك ما فاتهم من فرص للمرح. الطفل سيف الإسلام (7سنوات) الذي كان يجري وراء أصدقاءه الممتطين دراجات هوائية بشارع الاستقلال بقسنطينة قال أنه أحب كثيرا الخروج ليلا مع الأصدقاء و اللعب و الاستمتاع بالجو المنعش بدل البقاء في البيت مع والدته و شقيقتيه اللتين لا تتركان له فرصة لمشاهدة التلفزيون. و ضحك صديقه أكرم الذي كان يركب دراجته و أوقفه فضوله لمعرفة ماذا يجري مع صديقه معلقا:"فور"(رائع)نلعب في الليل و النهار". فالأحياء السكنية شبه الخالية تقريبا طيلة الصباح و بعد الزوال و فترة القيلولة على وجه الخصوص تعرف حركة كثيفة بمجرّد انتهاء وجبة الإفطار، حيث يغزو الأطفال الشوارع و تدوي صرخاتهم المكان، وسط استياء الجيران الذين يعجزون عن متابعة التلفزيون أو الخلود إلى النوم أو الاستمتاع بالسهرة مع الأهل و الأحباب بسبب الضوضاء التي يحدثها الصغار. و الظاهرة مسجلة في أغلب الأحياء قديمة كانت أم حديثة، و بالمدينة الجديدة علي منجلي على سبيل المثال اشتكت بعض النساء اللائي التقين بهن بسوق الرتاج من الإزعاج الذي يحدثه الأطفال في سهرات رمضان حيث أخبرتنا السيدة غنية القاطنة بطابق أرضي بأنها لا تنجح في متابعة مسلسلها المفضل "باب الحارة5"دون غلق كل النوافذ المطلة على الشارع بسبب الصراخ المثير للأعصاب على حد وصفها الذي يصدره الصغار في ألعابهم. و استطردت سيدة أخرى في عقدها الرابع متسائلة:"أستغرب لوجود رضع في الشارع ليلا دون أوليائهم". و أضافت قائلة بأن ثمة أمهات يرمون أطفالهم للشارع من أجل متابعة التلفزيون في هدوء دون التفكير في المخاطر التي تتربص صغارهم سواء تعلق الأمر بحوادث السقوط أو الاعتداءات في زمن بات يطبعه العنف و اللا أمان على حد تعبيرها.و ككل سنة يتأثر الأطفال بأحد أبطال المسلسلات التاريخية و يقلدونه، في ألعابهم التي لا يملون تكرارها. حيث يتحولون إلى محاربين تارة، و عصابات تارة أخرى. و تعود ألعاب كثيرة أخرى في شهر رمضان بشكل خاص منها لعبة "الغمايضة" (اختبئ و ابحث)التي يجد فيها الكثيرون متعة أكبر في ممارستها ليلا، لأنه يصعب إيجاد أماكنهم في العتمة، مثلما أكد عدد من الأطفال بحي سيدي مبروك السفلي ، "نختبئ وراء السيارات، و في مداخل العمارات ووراء المارة ...فالغمايضة تصبح مشوقة أكثر في الليل". قال الطفل محمد رضا ( ال9سنوات)، فيما يفضل الكثيرون الحفاظ على لعبتهم المفضلة كرة القدم أو قيادة الدراجات الهوائية التي تعرف انتشارا كبيرا وسط انتقاد سائقي السيارات الذين يشتكون عموما من طيش بعض الصغار و سيرهم في الطرقات المخصصة للسيارات و ما يسببه ذلك من حوادث، و شل لحركة المرور.و قد تغيّرت عادات الأطفال في السنوات الأخيرة في ظل تخلي بعض الآباء عن دورهم، و انشغال الأمهات عن صغارها بمتابعة برامج الفضائيات، تاركين أطفالهم في الشارع رغم ما يتهدده من أخطار. و حذر عدد من المختصين النفسانيين من خطر ظاهرة سهر الأطفال بعيدا عن عيون الآباء و اكتسابهم عادات و سلوكيات سلبية جديدة، كالتأخر الطويل في النوم و السهر إلى غاية ساعة متأخرة من الليل. و أوضح الدكتور عمران مختص نفساني بمستشفى العثمانية بأن خروج الأطفال وحدهم ليلا بعيدا عن عيون الأولياء له نتائج و تبعات سلبية كثيرة، نفسية و فيزيولوجية معا،و أضاف أن الصغار يكتسبون سلوكا جديدة بتقليد المراهقين و الشباب دون أن يجدوا من يوجههم لأن الآباء يكونون عموما منشغلين إما بصلاة التراويح أو أمام التلفاز ، مما يمنح الطفل حرية كبيرة و غير مقيدة يمارس فيها ما لا يستطيع فعله في الصباح أو في البيت. و قال "على الآباء محاولة الحفاظ على عادات الإفطار و الحفاظ على ساعات نوم أطفالهم و احترامها و عدم تغييرها ما كانت الظروف أو المناسبة لتفادي آثار تغير سلوكات النوم بشكل خاص لما ينجم عنها عموما من مضاعفات كزيادة القلق و التوتر عند الصغار بسبب قلة النوم من جهة و عدم تعود الجسم على التغييرات الكثيرة و المفاجئة ". و قال أن مسؤولية ما يتعرض له الطفل من أخطار مشتركة بين الوالدين و ليس على الأم وحدها، لأن غياب الأب عن البيت للسهر مع الأصحاب بالمقاهي طوال الليل يشجع الأطفال على انتهاز الفرصة و التجول مع الأصدقاء بين الأحياء القريبة من مسكنهم و اكتشاف عالم آخر قد يروقهم كالنشاطات التجارية و الباعة لأطفال و هو ما قد يؤدي إلى انزلاقهم و انفلاتهم من الرقابة الأبوية فيما بعد، فضلا عن مخاطر الاعتداءات التي زاد انتشارها في السنوات الأخيرة .