كانت الدهشة هي السمة البارزة على العشرات من العمال الجزائريين لدى مجمع "كوجال" و أفراد عائلاتهم و خاصة الأطفال بعد نهاية عرض مسرحية "الثعلب الابيض" الذي رعته الشركة اليابانية المكلفة بانجاز الشطر الشرقي من الطريق السيار شرق غرب، و الذي حضره السفير اليابانيبالجزائر مساء يوم الإثنين الفارط بمسرح قسنطينة الجهوي. العرض تم خلاله التعريف باهم عناصر المسرح التقليدي الياباني المسمى "بنراكو" و هو مسرح للدمى يتم تحريكها على الخشبة بطريقة مدهشة و ترافق حركاتها كلمات الراوي الذي يحكي القصة و معزوفات موسيقية على آلة تقليدية. السفير الياباني في الجزائر السيد تسوكاسا كاوادا قدم في كلمته الترحيبية بمناسبة العيد الخمسين لنشأة العلاقات بين الجزائر و اليابان و المتزامن مع خمسينية الإستقلال لمحة عن المسرح الياباني التقليدي "بنراكو" قائلا أنه ظهر في القرن السادس عشر، و تطور في القرن الموالي مع بروز دور الراوي بنصوص قوية ألفها شيكاماتسو مونزايمون 1653- 1724 فيما يشبه الثورة الشيكسبيرية في المسرح الغربي. السفير كان بروتوكوليا حيث اعتبر أن زيارته لقسنطينة بالمناسبة تدخل في إطار تعزيز علاقات اليابانبالجزائر و تمتينها و اعترف أنه امضى يومه كاملا في العمل من خلال لقاءاته مع مسؤولين في قسنطينة بديوان الوالي و مع إطارات مجمع كوجال من اليابانيين. على خشبة مسرح قسنطينة تكلم مدير الثقافة جمال فوغالي ليرد التحية اليابانية مسرفا في الحديث عن عيد خمسينية الاستقلال و انفتاح الجزائر المستقلة على العلاقات مع كل الشعوب و الحضارات الأخرى، ليحين دور برنامج العرض و الذي بدأ برقصة تقليدية لدميتين يحركهما ستة رجال بالتساوي و لا يظهر سوى وجه واحد من الثلاثة المحركين للدمى بينما الآخران مقنعان. الرقصة تسمى "سمباسو" و هي ترمز حسب المنظمين للإحتفال و تحمل التمنيات بالسلام و الرفاهية و فيها تحرك الدمى عناقيد اجراس صغيرة في إشارات لعمليات البذر و هي المستوحات من عملية زراعة الأرز و نثره تعميما للخير و تيمنا بمحصول وفير. بعدها قدم المعلم كيريتاكي كنجورو الثالث شرحا لكيفيات تحريك الدمى و أبرز أن الدقة في العملية تمكن المعلم من تحريك حواجب و عيون الدمية و هناك حيل عديدة لجعلها تبدو كأنها تمسك طرف لباسها التقليدي "الكيمونو" بفمها من خلال إبرة مغروزة في منطقة الفم و هو تعبير عن الأسى، و يساعد المحرك الرئيسي لرأس الدمية الذي يحرص على تناسق حركات الرأس و تعابير الوجه مع بقية الأطراف من اليد اليمنى التي يتولى نفس الشخص تحريكها، محركان آخران يمسك أحدهما باليد اليسرى للدمية و الآخر برجليها لجعلها تبدو تمشي أو تجري. و يقوم بدور الراوي في عرض مسرحية "الثعلب الأبيض" "تاكيموتو تسيكوما دايو" الذي أبرز دور تغير و اختلاف الأصوات في ربط الجمهور إلى شخوص المسرحية و قدم أمام الحضور عرضا لأصوات مختلفة لإمرأة و طفلة و فتى مؤدب و ىخر قليل الأدب و لمحارب من فئة الساموراي و لإمرأة حزينة و اخرى مبتهجة و كلها بنبرات مختلفة و قد ساعد ترجمان إلى الفرنسية في نقل الجمل للمشاهدين. بنفس الطريقة قال موسيقي الفرقة "تزوروزاوا إنزا" أنه يعتمد على آلته البسيطة من ثلاثة أوتار لإبراز أصوات مختلف الحالات النفسية لأشخاص المسرحية و قدم نماذج من حالات الفرح و الغضب و الحزن و الأسى، برنات موسيقية لطيفة و أخرى حادة توحي جميعها بحالات مختلفة بالتزامن مع حكاية الراوي الذي يجلس إلى جانب الموسيقيين و حركات الدمية التي تمثل في مسرحية "الثعلب الأبيض" أميرة تريد بكل جهدها إنقاذ حياة خطيبها من جماعة منافسة لجماعتها. منظمو عرض المسرحية اليابانية التقليدية من نوع "بنراكو" وزعوا على الجمهور عند دخوله قاعة العرض استبيانا لمعرفة مدى رضى المشاهد بالعرض و كيفية علمه بالتظاهرة ولم يهملوا المشكلة اللغوية حيث تم عرض ترجمة للفرنسية للنص الذي يقرأه الراوي على يمين الخشبة من اوراق باليابانية على شاشة عرض إلكترونية و قام احد موظفي السفارة اليابانية بمهام الترجمة لكامل مجريات التظاهرة التي كان سيدها النظام و الانضباط الياباني و التحكم في كل التفاصيل، و لولا دهشة حركات الدمية التي تمثل الأميرة "يايغاكي" و قفزات الثعلبين الأبيضين الذين أرسلتهما الآلهة لمرافقتها على اجتياز بحيرة "سيوا" المتجمدة لغادر الأطفال مقاعدهم فهم لا يفقهون شيئا من حكاية العجوز الياباني و لا يتقنون قراءة الترجمة على الشاشة بالفرنسية لكنهم بقوا إلى جانب الكبار صامتين خاشعين يفتحون أفواههم الصغيرة دهشة و هم يتتبعون حركات ثعلب أبيض يطل من كل زايا الديكور الطبيعي البديع. ع.شابي