أطفال دوار الصم بعين السمارة ممنوعون من لبس المآزر و حمل المحافظ دوار الصم ببلدية عين السمارةبقسنطينة، هذا الدوار الفريد من نوعه و الذي اكتشفناه بمحض الصدفة ذات يوم من شهر أفريل من العام الماضي، عندما صدمنا لوجود 11 عائلة ما تزال تعيش حياة بدائية بعاصمة الشرق الجزائري، كنا نتوقع بأن تتغير الأوضاع بعد نشر فضيحة على صفحات "النصر" وضعت أهل المدينة في حيرة من أمرهم، و خيل لهم بأن خطأ ما حدث في تحديد موقع الدوار الذي يكاد يتلاصق مع المدينةالجديدة علي منجلي التي تشيد بها بروج و عمارات تنتشر كالفطريات اختزلت كل الأرضيات القاحلة منها و الزراعية لفائدة مشروع راهن لأجله أعلى مسؤولو البلاد و الولاية، و بكل بساطة فالفرق بين المكانين كالفرق بين السماء و الأرض. تحقيق: إيمان زياري تصوير: ع.عمور كانت أهم نقطة دهشنا لها في ذلك اليوم هي عدم تسجيل عدد كبير من الأبناء في سجلات الحالة المدنية و حرمانهم من حق الدراسة كغيرهم من أبناء المدينة في وقت يتغنى فيه حقوقيون بقوانين لحماية و ترقية حقوق الطفل في الجزائر، أحد أرباب الأسر قطع لنا وعدا حينها بأن يسجل أبناءه و يعمل على تشجيع باقي الأولياء على تسجيل أبنائهم بمدرسة قرية بوشبعة التي تبعد ببضع كيلومترات عن دوارهم، و رغم صعوبة المسلك الذي يتحجج به في كل مرة و قال بأنه وراء عدم التحاقهم بالمدارس، إلا أنه تعهد بعدم حرمانهم مجددا من هذا الحق في الموسم الدراسي المقبل. آباء لا يرون ضرورة في التحاق أبنائهم بالمدارس اليوم بالجزائر وفيما يلتحق قرابة 8 ملايين متمدرس بمؤسساتهم التعليمة في دخول مدرسي يتغنى مسؤولو القطاع خاصة في قسنطينة بأنهم وفروا كل الظروف لإنجاحه، و خصصوا إعانات كبيرة للعائلات الفقيرة من محافظ و منحة، ما يزال أبناء دوار الصم يراقبون الحدث الهام عن كثب، على بعد كيلومترات و هم يترقبون رؤية البنات و الأبناء يرتدون ثيابا و مآزر جديدة مع محافظ زرقاء أو زهرية على آخر طراز تحمل بداخلها كتبا و كراريس يخط عليها مستقبلهم. عاودنا زيارة الدوار على اعتبار أن الوعد الذي قطع شهر أفريل قد تحقق، لكننا صدمنا بالرد الذي كان باردا من أرباب أسر بعد أن رضوا بالعيش في ظروف جد مزرية، تعودوا على رؤية أبنائهم يتكونون في تربية المواشي و الجري مع الدجاج و الكلاب في الخلاء بدل التكوين العلمي الذي قد يكون يوما ما سببا في انتشالهم من هذه البؤرة التي يموتون فيها منذ سنوات الستينيات. قمرة، هنية، بسمة و آخرون يتجاوز عددهم 15 طفلا لم يسجلوا حتى هذا الموسم حسب ما أكده بعض الأولياء، فالتسجيل اقتصر على الطفلين حمزة الذي ينتقل إلى السنة الخامسة بعد أن كان يدرس عند أخواله، و حمزة آخر ذو ال7 سنوات الذي يستعد لزيارة المدرسة لأول مرة من أجل الالتحاق بالصف الأول الذي كان قد حرم منه العام الماضي، و عندما سألنا عن باقي الأطفال، قال أحدهم بأن الظروف غير مواتية و من غير الممكن تسجيلهم و تحمل مشقة الطريق التي تنقطع نهائيا و يتعذر وصول المتمدرسين عند تساقط الأمطار، هكذا قال لنا و هو يبدو مقتنعا بأن لا فرق بين الدراسة و الجري مع الحيوانات و بأن التعليم ليس شيئا ضروريا. تقربنا من الأطفال الذين هرعوا لملاقاتنا بعد أن تعرفوا علينا للوهلة الأولى، كانت ملاك التي استقبلتنا بابتسامة عريضة، سألناها إن كانت ستلتحق بالمدرسة هذا العام، فقالت نعم و بأن لديها ثيابا جديدة تلبسها في هذا اليوم، توجهت مسرعة إلى كوخهم الصغير و نادت أمها التي طلبت منها بأن تخرج ثيابها الخاصة بالمدرسة، غير أن الأم قالت بأنها لم تدرس هذا العام لصغر سنها، شقيقها أيضا إسلام تقدم منا و هو يحمل محفظة قديمة جدا و ممزقة، قال بأنها من أجل دخوله للمدرسة، فتغيرت ملامح الأم و قالت بأنه لن يدخل أيضا بسبب الظروف. و عن قمرة ذات 12 ربيعا و بسمة ذات 14 سنة اللتان حرمتا من الدراسة أساسا، فقد بدا الأمر عاديا بالنسبة للأولياء الذين قالوا بأن التحاقهم أمر مستحيل، و توقفوا عن الحديث عنهما بسرعة و كأننا أثرنا موضوعا يمنع التطرق إليه، أوضاع الدوار ما تزال مستقرة و السكان لا يطالبون بحقوق أخرى غير السكن الريفي. المندوبة الجهوية للشرق للجنة الوطنية الاستشارية لحماية و ترقية حقوق الإنسان التعليم حق دستوري مقدس، و سنتدخل جميعا لوضع حد لهذا العار وصفت المندوبة الجهوية للشرق للجنة الوطنية الاستشارية لحماية و ترقية حقوق الإنسان المحامية بغدادي ترعي فتيحة، واقع أبناء دوار الصم بالعار على كل مسؤولي الولاية، و دعت إلى ضرورة التحرك العاجل لإنهاء ما وصفته بالمهزلة، مؤكدة بأنها كممثل للجنة قسنطيني ستتحرك بداية من اليوم، و بالعودة للحديث عن ما ينص عليه القانون فيما يتعلق بحقوق الطفل في مجال التعليم، قالت الأستاذة بغدادي بأن القانون يلزم الأولياء بتعليم أبنائهم لأنه حق دستوري مقدس لا يحق لأي كان حتى الآباء حرمان أبنائهم منه. و أضافت الأستاذة التي دهشت لتسجيل حالات مماثلة في سنة 2012، بأن قانون العقوبات يفرض عقوبات على كل من يعرض طفلا لخطر جسدي أو معنوي، معتبرة الجهل خطأ معنويا خطير تجب معاقبة المتسببين فيه، و وجهت الحقوقية أصابع الاتهام بالدرجة الأولى نحو مديرية النشاط الاجتماعي لولاية قسنطينة التي قالت بأن عليها أن تعمل من أجل مساعدة هؤلاء و التحرك لإيجاد حل لفائدتهم مع الجمعيات الناشطة، كما أشركت المصالح البلدية في الموضوع و قالت بأن عليها تسهيل مهمة التدريس لكل الأبناء و توفير النقل عوضا عن التحجج بحجج واهية، مؤكدة في الأخير بأن كل الأطراف مسؤولة في هذه الكارثة حسب تعبيرها. المحامية تعهدت بالتكفل بالأمر في إطار اللجنة الوطنية و ذلك من خلال العمل على إيجاد حلول لتسهيل تنقل الأبناء إلى المدارس، أما عمن تقدموا في السن و يتعذر تسجيلهم في المدارس، فوعدت بالتكفل بهم في إطار محو الأمية. رئيس بلدية عين السمارة يتهم المسؤولين السابقين و يطالب بمحاسبة الأولياء كان يتوقع بأن سبب زيارتنا موضوع آخر، غير أنه تفاجأ لإعادة فتح ملف دوار الصم الذي تنعدم فيه أدنى شروط الحياة من ماء و كهرباء و سكنات لائقة أو طريق توصل إليه تسهل تنقلات سكانه الذين لا يرون المدينةالجديدة علي منجلي أو البلدية الأم إلا بعد سنوات خاصة بالنسبة للأطفال و النساء، و بطرحنا لموضوع التمدرس، رد بأن لديه ما يقول. المير بدا على درجة عالية من التوتر و هو يتحدث عن هذه المنطقة التي قال في البداية بأنه قد تقرر إزالتها بهدف استغلال الأرضية في إطار مشروع توسعة مدينة علي منجلي، و برده على سؤال آخر لنا عن أسباب بقاء الدوار في ظروف معيشية جد مزرية ، قال بأن المسؤولية تقع على الجميع، و إذا تحدثنا بشكل مباشر عن الموضوع، فعلينا جميعا أن نقدم استقالتنا لعدم التمكن إلى يومنا هذا من انتشال هذه العائلات من هذا الغبن، مضيفا بأن كل المسؤولين و الأميار السابقين بالبلدية مسؤولون عن الوضع، لأن عدم معالجة مشكلة في وقتها، ينجر عنه تفاقمها و الصعوبة في التعامل معها مستقبلا. أما عن الدراسة، فرئيس بلدية عين السمارة يلقي اللوم بنسبة كبيرة على الأولياء مع اعترافه بمسؤولية البلدية و كذا مديرية النشاط الاجتماعي، حيث أكد بأن السكان يملكون شاحنات و سيارات و بإمكانهم نقل أبنائهم إلى المدرسة يوميا إن أرادوا ذلك، مضيفا بأن الإشكال ليس في الطريق فقط التي تعذر على البلدية تهيئتها لكون ملكيتها تعود لخواص حسب قوله، و إنما في رغبة الآباء في إخراج أبنائهم من ظلمات الجهل، إذ قال بأن عدم تدريسهم يعتبر أمرا عاديا بالنسبة لهم، لأن لديهم مهام أخرى يقومون بها غير الدراسة كالرعي و جلب المياه من أماكن جد بعيدة، و هذه مهمة تعتبر ضرورية أكثر من التعليم بالنسبة لأطفال دوار الصم.