أفواج الدروس الخصوصية بشبابيك مغلقة منذ الأسبوع الأول للدخول المدرسي أغلق العديد من أساتذة الدروس الخصوصية قائمة المسجلين في أفواجهم الكثيرة التي امتلأت في الأسبوع الأول من الدخول المدرسي بالتلاميذ الراغبين في الحصول على دروس الدعم، التي فرضت نفسها منذ سنوات كواقع لا يمكن تغييره أو حتى تجاهله خاصة بعد أن تحولت من دروس تساعد التلاميذ على استيعاب بعض المواد الصعبة بالنسبة لهم، إلى استثمار تجاري حقيقي يدرّ الكثير من الأموال بفضل الإقبال الجنوني عليها، إلى حد أنها أصبحت تنافس المؤسسات الرسمية. أخذت الدروس الخصوصية منحى خطيرا وهي تتحول إلى أولوية بالنسبة لأولياء يولونها أهمية أكبر بكثير من الدروس العادية، فقبل أن ينقضي النصف الأول من شهر سبتمبر أغلقت تقريبا كل أفواج الدروس الخصوصية و لن يستطيع أي تلميذ الإلتحاق بها بعدها، حسب ما أكده لنا الكثير من التلاميذ في مختلف الأطوار الدراسية الذين سجلوا أو يريدون التسجيل بهذه الأقسام الخاصة على الأقل في مادة واحدة، مما يدعو للتساؤل حول الآجال التي تم فيها تحديد هذه القوائم المغلقة، حيث أكد عدد من التلاميذ أنهم سجلوا أسماءهم في العطلة الصيفية ، و البعض منهم قام بذلك مباشرة بعد انتهاء السنة الدراسية، مخافة عدم العثور على أماكن شاغرة في الدخول المدرسي . منال المقبلة على اجتياز امتحان شهادة التعليم المتوسط قالت أنها سجلت اسمها لدى الأساتذة الذين اختارتهم لمتابعة الدروس الخصوصية قبل أن تغادر مقاعد الدراسة في السنة الماضية، لأنها تعرف أن أفضل الأساتذة سيكونون جد مشغولين و أفواجهم مكتظة بالتلاميذ و سيتعذر ضمها إلى صفوفهم كما حدث لبعض زملائها و زميلاتها. و فسر راس العين كمال مفتش مادة الرياضيات بولاية قسنطينة، هذه الظاهرة من جهة بالرغبة الإيجابية للتلاميذ في الدراسة و التعلم الذي يدفعهم للإقبال على هذا النوع من الدروس الذي يوفر لهم بعض العناصر التي يفتقدونها داخل القسم العادي و الدليل على ذلك هو استعدادهم لدفع المال من أجل التعلم بطريقة تقرب المادة إليهم ، مشيرا إلى أن نسبة التلاميذ المسجلين في الدروس الخصوصية تبلغ تقريبا مئة بالمئة، حيث يقابل هذا الإكتظاظ في أفواج الدروس الخصوصية أقسام شبه فارغة في المدارس العمومية خاصة في أقسام البكالوريا بالثانويات التي تعرف غيابات قياسية منذ الأيام الأولى لاسيما في حصص اللغات و الإجتماعيات، حيث يفضل الكثير من التلاميذ استغلال وقت هذه الحصص في الدروس الخصوصية للمواد الأساسية، إذ أخبرتنا الأستاذة مريم، مدرسة لغة فرنسية بإحدى ثانويات عين مليلة، أن تلاميذها في البكالوريا شعبة العلوم لا يحضرون تقريبا حصصها منذ بداية العام الدراسي حيث تسجل أحيانا غياب قسم كامل، و عندما سألتهم عن السبب أخبروها بصراحة أنهم يفضلون الذهاب للدروس الخصوصية في المواد الأساسية كالرياضيات، الفيزياء و العلوم لأن مناهج هذه المواد طويلة و معقدة أما اللغات فهي آخر همهم في الوقت الحالي. و هذه الظاهرة التي تعتبر واقعا لا مفر منه فرض نفسه على الآباء بشدة، تحولت إلى نشاط تجاري يتم فيه الإستثمار و المساومة و الإبتزاز بطريقة جشعة مثله مثل باقي المجالات التجارية الأخرى، لدرجة أن بعض الأساتذة تخلوا عن التدريس في المدرسة العادية و تفرغوا للدروس الخصوصية التي تدر عليهم أموالا طائلة، حيث أكد مفتش الرياضيات أن بعض الأساتذة الذين يبدون غير قادرين على تقديم دروسهم بشكل مقنع في القسم يبدعون إلى حد بعيد في الدروس الخصوصية التي تحولت إلا سوق مفتوحة يستثمرون فيه مهاراتهم في التدريس بأسلوب العرض و الطلب، بطريقة تجذب المزيد من التلاميذ و تجعلهم غير قادرين على الإستغناء عنها كبديل وحيد عن نقص الفهم في المدرسة و الوسيلة الوحيدة لهم للنجاح أو التفوق بالنسبة للذين يبحثون عن الإمتياز . و لا يقتصر الإستثمار بمعناه التجاري المحض في مجال الدروس الخصوصية على الأساتذة فقط الذين أصبحوا يستأجرون مستودعات يجهزونها بكل الضروريات من كراسي و طاولات و أيضا التدفئة لضمان راحة تلاميذهم، بل هي مجال مربح أيضا بالنسبة للذين يرغبون في الربح السريع و السهل، كبعض الأشخاص الذين يقومون بإستئجار مجموعة من المستودعات أو شقق يجهزونها كما لو أنها مدرسة صغيرة ليأجروها بدورهم لأساتذة يقدمون فيها دروسا خصوصية، و يقتسموا معهم أرباحها دون أن يكون لهم علاقة بالتعليم أو الدراسة. و يبقى الإقبال على أفواج الدروس الخصوصية جنونيا رغم تصاعد تحذيرات المختصين التربويين من بيداغوجيين و أساتذة و مفتشين من الأضرار النفسية و آثارها السلبية على التلميذ الذي يجد نفسه محاصرا بالدراسة لساعات طويلة أينما ذهب، مما قد ينعكس سلبا على نتائجه بسبب الإرهاق العصبي الذي يعاني منه و الذي قد يسبب له لاحقا ما يعرف " بالإنطفاء" ، و هو تراخي تام يحدث بعد أن يحقق التلميذ هدفه بالنجاح في الإمتحان و يتسبب في عجزه عن متابعة الدراسة بنفس الوتيرة بعدها، حيث تبدأ هذه الدروس المكثفة الضغط مبكرا على التلاميذ مغتنمة الوقت الذي تعطيه لهم المدرسة لتنظيم أمورهم فيها و التعود على جو الدراسة تدريجيا قبل الخوض في برنامج دراسي قد يكون طويلا و شاقا.