زاد الإقبال على الدروس الخصوصية في السنوات الأخيرة بين التلاميذ في مختلف الأطوار، فمع الدخول المدرسي تبدأ العائلات في عملية البحث عن أفضل المدرّسين لضمان النجاح لفلذات أكبادهم بوجناح: من الأفضل تنظيم الدروس الخصوصية في المدارس وفق تنظيم معين ولم يعد اهتمامهم يقتصر على تسجيل التلاميذ في مجموعات أو أقسام دراسة خاصة مكملة للبرنامج الرسمي، بل هناك من الآباء من يفضّل أن ينفرد الأستاذ بابنهم الوحيد في منزله عوض أن يختلط مع تلاميذ آخرين بإمكانهم التشويش على تركيزه أو استدراجه إلى ممارسات منحرفة، خاصة وأن توقيت مثل هذه النشاطات يجري بعد أوقات الدراسة النظامية. فقد انتقلت ظاهرة الدروس الخصوصية من بُعدها التربوي والتعليمي، إلى ممارسة تجارية بالنسبة لبعض الأساتذة، الذين جعلوا من الحصص الدراسية التي يقدمونها للتلاميذ مصدرا آخر للكسب، وتعويض الأجرة التي لم تعد تلبي حاجيات الأستاذ وأسرته، حيث ما زال المعلم مصنفا ضمن خانة فئة البسطاء إن لم نقل الفقراء، بعدما كان في وقت سابق يترأس الطبقة المتوسطة، شأنه في ذلك شأن وضعية المعلم في السلم الاجتماعي في الدول المتقدمة؛ فمع حلول كل موسم دراسي جديد، تتهافت الأسر على الأساتذة المتمكّنين والذين أبرزوا تفوقا وحرصا في المؤسسات التربوية ونتائج طيبّة في شتى الامتحانات، حتى إنهم أصبحوا يفاضلون بين العائلات أمام كثرة الطلب. هذه الظاهرة التي كانت حكرا على الطبقة الميسورة فحسب، أصبحت الآن تعرفها العائلات الفقيرة إذ تعمد إلى الاقتصاد في مصروف البيت لتأمين ثمن هذه الدروس لأبنائها مهما كلفها ذلك وإحضار الأساتذة للمنزل لتقديم الدروس. إلا أن نوعية الدروس تختلف من شخص لآخر، ومن موقع للدراسة إلى آخر، فهناك من يلتحق بأستاذ معين جعل من إحدى القاعات أو المستودعات قسما له يلقي فيها دروسه مع العشرات من التلاميذ، غير مبال بغياب أدنى شروط التعليم، وهو الأمر الذي لم يلق استحسان الكثير من العائلات، ما دفع البعض إلى تفضيل إقامة الدروس الخصوصية في المنزل العائلي. وقد أجمع جل التلاميذ ممّن تحدثنا إليهم على أهمية الدروس الخصوصية وضرورتها لتعزيز حظوظ نجاحهم، خاصة في المواد العلمية، كالرياضيات والفيزياء والعلوم، خاصة مع تسخير أستاذ واحد في كل بيت لإعطاء الدروس، حيث ترتفع نسبة التركيز والتعلم، كما أن كلا الطرفين (الأستاذ والتلميذ) يكونان في موقف فاصل، لأن نتائج العملية ستكشف في نهاية المطاف. واحدة من الأمهات تعمل موظفة بإحدى الشركات، قالت إنها تستعين بمدرسين لمساعدة أبنائها في دروسهم بالمنزل ليبقوا تحت نظرها، وأوضحت أن البيت يوفر الهدوء والنظام، وهو ما يسمح للأستاذ بأخذ راحته في شرح الدروس جيدا، ووفق حاجة التلميذ. سألنا واحدة من التلميذات التي تدرس بإحدى الثانويات، فأعربت لنا عن تأييدها الشديد لفكرة الدروس الخصوصية واستفادتها منها، لأنها تعتمد عليها بكثرة، كون أنه ليس لديها الوقت الكافي لمراجعة دروسها، إلا أن عائلتها اشترطت عليها حضور الأستاذ إلى المنزل. أما عن سعر الحصص، فهي تتفاوت من مادة إلى أخرى، وتتراوح بين 1200 و1500 دينار جزائري للساعة الواحدة، ومع ذلك فالعائلات لا تمانع في تسديد ثمنها إذا كان ذلك في مصلحة أبنائها. ولا يقتصر هذا الأمر على العائلات العادية فقط، بل حتى المعلمين والأساتذة يحرصون على أن يتلقى أبناؤهم دروسا خصوصية، حيث قالت إحدى المعلمات بأنها تصل إلى المنزل مرهقة من التعب ولا تستطيع متابعة دروس أبنائها الذين يدرسون بالمتوسطة، ولذلك فهي تستعين بزملائها لتدريس أطفالها في المنزل مقابل مبلغ مالي. أما بالنسبة للتلاميذ الذين يدرسون في الثانويات، فقال أحد الأولياء بأنه سخّر أكثر من أستاذ لكل مادة لكي يرافق ابنه طيلة العام الدراسي. ويقول سمير، تلميذ مقبل على شهادة البكالوريا، بأنه يلجأ إلى الدروس الخصوصية في المواد العلمية لأن نسبة شرح الأساتذة في القسم محدودة، لأنها تخضع للحجم الساعي، ولعدد التلاميذ في القسم، لذلك يفضّل الشرح على انفراد، ليتسنى له طرح الأسئلة متى شاء وكيفما شاء، إلى غاية فهم الفكرة واستيعابها بالشكل المطلوب. كما أكد لنا أحد الأولياء بأن للدروس الخصوصية آثار سلبية وإيجابية على التلاميذ، إلا أن الكم الهائل والبرنامج المكثف يدفع بالتلميذ إلى البحث عن سبل تعويض الدروس العادية التي تقام بالمدارس، حيث يكون الأستاذ أو المعلم مطالبا بشرح الدرس في مدة معينة ومحددة وفق البرنامج، ما ينعكس سلبا على القدرات الفردية لكل تلميذ ودرجة استيعابه للدروس، وهنا تبرز قيمة الدرس الخصوصي الذي يسمح له بأخذ وقته الكافي في الفهم. فهناك من الأساتذة من يقوم بوضع جدول توقيت زمني يتناسب مع كلا الطرفين، حيث قال أحد الأساتذة بأنه يبدأ نشاطه في الفترة المسائية، أي بعد صلاة العصر، ليستمر إلى غاية صلاة العشاء، فهو يقوم بمراجعة دروس أحد التلاميذ في منزله، وهو يبذل جهدا كبيرا في عملية الشرح حتى يستوعب التلميذ الدرس. ولكن الظفر بأستاذ يتحلى بصفات تؤهله لأن يعطي دروسا للتلاميذ يعد بيت القصيد وجوهر تساؤلنا، حيث يجب أن يكون هذا الأخير صاحب خبرة ومؤهل تربوي، ويمتلك ضميرا مهنيا، وليس هدفه فقط كسب المال والربح السريع. وفي هذا الشأن، سألنا الأمين العام للنقابة الوطنية لعمال التربية، عبد الكريم بوجناح، عن رأيه في موضوع ذهاب التلميذ إلى بيت الأستاذ لتلقي الدروس الخصوصية أو العكس، فصرح لنا بأن في إمكان أي عائلة اختيار طرق تدريس أبنائها بالشكل الذي تريده، إلا أنه من الأحسن انتقاء الأستاذ المناسب الذي يتمتع بخبرة في التدريس ويكون مطلعا على البرنامج جيدا، كما أنه يجب تجنب الأشخاص المتخرجين حديثا من الجامعات، فهم بعيدون كل البعد عن الدروس المقررة في المنهج التربوي. وأضاف محدثنا بأن سياسة “الكاراجات” أو بعض القاعات أو حتى المنازل، التي ينتهجها بعض الأساتذة، لا تخدم مصالح التلميذ، لذا ينبغي على هؤلاء تقديم هذه الدروس في حرم المؤسسات التربوية، وفقا لمعايير محددة تقوم بتسطيرها وزارة التربية، على غرار دروس الدعم التي تفتحها المؤسسات التربوية قبيل امتحانات نهاية السنة.