عاد أمس التلاميذ والطلبة بمختلف الأطوار التعليمية، إلى مقاعد الدراسة بعد العطلة الشتوية التي كانت الدروس الخاصة المحطة الأهم فيها والسمة الأبرز بها، على غير ما تعودنا عليه خلال السنوات القليلة الماضية، رغم أن المؤسسات التربوية، فتحت أبوابها خلال هذه العطلة، بتعليمة وزارية لتقديم دروس دعم مجانية، إلا أن الإقبال عليها كان محتشما ولم يتجاوز 20 بالمائة، فعلى غير العادة بدأت هذه الدروس هذا العام مبكرا جدا والأكثر أنها لم تعد حكرا على من تنتظرهم فقط امتحانات مصيرية، بل امتدت إلى مختلف الأطوار التعليمية، حتى الابتدائية منها، فقد استقطبت -رغم تكلفتها مقارنة بدروس الدعم المجانية – الكثير من التلاميذ والطلبة الذين أنهكتهم كثافة البرامج الدراسية وأرعبهم شبح الامتحانات المصيرية، ليستثمر الكثيرون حتى من غير المعلمين، في الطلب المتزايد على هذا النوع من الدروس، الذي أصبح حتمية عند الكثيرين. ظلت الدروس الخصوصية على مدار السنوات القليلة الماضية، مستهجنة عند الكثيرين، فغالبية الأولياء كانوا يرفضون الانصياع، لهذا النوع من الدروس الخاصة، الموازية لما تقدمه المدارس والتي تتحول فيها الدروس إلى بضاعة تباع وتشترى، عكس ما تعود عليه المجتمع من سياسة مجانية التعليم التي تسير منظومتنا التربوية، حتى أن البعض راح يتهم بعض الأساتذة بالتقصير العمدي في إعطاء الدروس حقها والتقاعس في الإلمام بمختلف جوانب المواضيع والتراخي في إيصال كل الأفكار، خلال الساعات النظامية، لإجبار المتمدرسين بطريقة أو بأخرى على طرق باب الدروس الخصوصية ودفع المال، غاضين الطرف عن الضمير الذي يقتضي إجراء دروس تدعيميه وتخصيص حصص استدراكية جادة، خلال الفترة المسائية بعد نهاية الدروس النظامية، للذين يعانون نقصا في مواد معينه، لذلك لم تكتسح موجة هذا النوع من الدروس تلاميذ المدارس واقتصرت فقط على من يحضرون لامتحانات مصيرية، كشهادة البكالوريا التي يستعدون من خلالها لاقتطاع تأشيرة المرور إلى الجامعة التي تظل حلما يراود كل طالب، يؤسس لبناء مستقبله و تعتبر المواد العلمية التي تتصدر قائمتها مادتي الرياضيات والفيزياء، الأكثر إقبالا من طرف الطلبة، لأن الحجم الساعي حال دون أن يستوعب الكثير منهم، ما يقدم لهم من دروس تحتاج للكثير من التمرس والتطبيق، فهو بالكاد يكفي للإلمام بالجوانب النظرية من قواعد وقوانين وأسس وحتى ما يقدم من تطبيقات غير كاف عند الكثيرين، خاصة وأنها تتطلب حضورا ذهنيا كبيرا وتوظيف أكبر للقدرات العقلية، لذا لا بد من تدعيم ما يقدم بالمقرر الدراسي، بحصص إضافية عند أساتذة متمكنين، مشهود لهم بالقدرة على إيصال الفكرة، وقلما نجد تلاميذ لا يحضرون لامتحانات مهمة يفكرون في هذا المنحى ويقبلون على هذا النوع من الدروس، خاصة في ظل عدم إقبال المعلمين على تقديم دروس لمثل هؤلاء التلاميذ، لكن واستجابة لحاجيات أبنائهم، لجا بعض الأولياء إلى الاستعانة ببعض المتعلمين الذين قطعوا أشواطا لا بأس بها في مجال التعليم، لمد يد العون لأبنائهم،ويستقدمونهم عادة إلى البيت،خاصة وأنهم في الغالب من الفتيات، كما أن أجورهم في الغالب معقولة جدا، لكن خلال هذا الموسم الدراسي تغيرت الفلسفة السائدة وبنيت مفاهيم جديدة، فالكثيرون لم يجدوا أمامهم مع كابوس البرنامج الدراسي الذي أثقل كاهله وحال دون استيعاب الكثير من الدروس، إلا الدروس الخصوصية التي ركب الكثيرون موجتها وأصبحت المتنفس الوحيد للكثير من التلاميذ والطلبة بمختلف الأطوار التعليمية. برنامج دراسي مكثف ودروس خصوصية إضافية انقضى الثلاثي الأول من السنة الدراسية الحالية، التي يرى الكثير، أنها لم تكن أبدا عادية منذ بداية الدخول المدرسي، حيث بدأت بتخوفات كبيرة من حمى الإضرابات التي باتت السمة المميزة للقطاع التربوي، خاصة مع تصلب المواقف بين النقابات والوزارة الوصية، لا سيما مع الإجراءات الردعية التي تعهدت الوزارة باتخاذها في حق كل أستاذ يتغيب 3 مرات، دون مبرر، وبغية تحسين مردود التحصيل الدراسي، أقرت الوزارة الوصية، جملة من الإصلاحات التي أرادت بها أن تواكب، كما أكد وزير التربية، ما هو معمول به بمختلف مدارس البلدان المتقدمة التي حققت نتائج معتبرة وتعد من النماذج الرائدة التي يحتذى بها في الميدان التربوي، لكن وعلى عكس ما كان ينتظر الجميع، لم يعدل البرنامج الدراسي وفق ما يتماشى مع قدرات الطالب، ولم يتحسن الوضع، خاصة للتلاميذ الذين لم تكفهم الكيلوغرامات من الكتب التي أجبروا على حملها كل يوم وتسببت لهم حتى في أمراض عضوية حتى تجهد عقولهم أكثر ويجدوا أنفسهم، أمام وابل من المعلومات التي تفوق في الكثير من الأحيان قدرة استيعابهم ورغم سلسلة المطالب، التي رفعتها جمعيات أولياء التلاميذ وحتى نقابات التربية، اكتفى الوزير بتنصيب لجنة لدراسة الموضوع وعلى ضوئها يتم بناء إستراتيجية العام المقبل، خاصة وأنه أكد في عدة خرجات إعلامية، أن الحجم الساعي المعمول به في الجزائر لا يختلف على ما هو معمول به في مختلف الدول، برامج أرهقت الطلبة كثيرا وحتى تلاميذ المدارس الابتدائية، وجد الكثير من المعلمين، صعوبة كبيرة في التوفيق بين البرنامج الدراسي المقرر وقدرة تحمل المتمدرسين، ليكون البرنامج الدراسي الكثيف، النقطة السوداء، التي يؤكد الكثير من الأساتذة، أن من شأنها أن تؤثر عكسيا على مردود الطلبة، فالعبرة ليست بالحجم الساعي، الذي يتجاوز قدرات الطالب ويرهقه. إقبال على الدروس الخصوصية ورفض لدروس الدعم المجانية أبى الكثير من التلاميذ والطلبة، أن يفارق خلال العطلة الشتوية الماضية، أجواء الدراسة وتقليب صفحات الكتب والتمرن أكثر في حل مختلف التمارين والمسائل المستعصية، التي تحتاج إلى تمرس أكبر خارج المقرر الدراسي، ليفضل «الدروس الخصوصية» التي بدأت هذا العام وعلى غير العادة مبكرا وبشكل مكثف ومخالف للتوقعات، التي كانت تراهن على تراجع الإقبال عليها، بعد أن أصدرت وزارة التربية الوطنية تعليمة، تلزم فيها مدراء المؤسسات التربوية بفتح أبوابها وتقديم دروس تقوية ودعم مجانية للمتمدرسين، خلال الأسبوع الأول من العطلة الشتوية، غير أن نسبة الإقبال كما تشير إليه بعض المصادر، لم تتجاوز 20 بالمائة، لأن الأغلبية حتى من تلاميذ الصف الابتدائي، فضّلوا الدروس الخصوصية، خاصة وأن مشكل كثافة البرامج الدراسية، أصبح الهم المشترك بين الجميع، فالدروس تتهاطل عليهم ولا قدرة لهم على استيعاب كل الأمور وما شجعهم أكثر الخدمات التي بات يقدمها المتعلمون، حتى من لا يشتغلون بالتدريس، فالكثير من الشباب المتعلم والبطال والكثير من الجمعيات الشبانية دخلت خط المنافسة وأصبحت تقدم دروسا خصوصية، فالكل أصبح يريد الدروس الخصوصية، كما أن الكل أصبح يرغب في تقديم دروس خصوصية، وبأسعار متباينة، لكنها في الغالب في المتناول، فالمهم خاصة لمن سجل نتائج غير مقبولة في الفصل الأول، أن يتداركوا، فليلى مثلا واحدة من حملة شهادة الليسانس الذين لم يسعفهم الحظ في الظفر بمنصب شغل، تستقبل منذ العام الماضي، بعض تلاميذ الطور الابتدائي الذين يعانون، كما تقول، الأمرين جراء عدم قدرتهم على مسايرة، ما يقدم لهم من برامج والأدهى أنه مطالبون يوميا بحل عدد كبير من التمارين لا تتماشى في الكثير من الأحيان مع قدراتهم الذهنية وما لمسته من خلال احتكاكها بهم، أن المشكل المطروح، ليس مشكل كم فقط، بل يتعلق حتى بالكيف وهذا ما شجع أكثر على تفشي هذا النوع من الدروس بين كل الأطوار، فالأمر لم يعد مقصورا على من يحضر لامتحانات مصيرية فقط. الدروس الخصوصية.. نعمة أم نقمة..؟ الأستاذ عاجز على حمل طلبته على الإلمام الشامل والاستيعاب الكامل، لما يقدم من دروس، خلال فترة الدراسة العادية، والمتمدرس ضائع بين دفاتره وكراساته ونتائجه لا تطمئن أبدا ولا حل استعجالي في الأفق، إلا في الاستنجاد بالدروس الخصوصية، التي أصبحت عند الكثيرين، النعمة الأكبر التي لا بد من الاعتراف من خيراتها وإلا سيكون الرسوب المحطة الوحيدة التي يرسون بها، واقع راح العديد من الأساتذة والمعلمون يستثمرون فيه ويسترزقون منه، فالكثيرون أصبحوا يتهافتون على تقديم الدروس الخصوصية، حتى أن الأمر لم يعد يقتصر على المعلمين والأساتذة فقط، بل الكل أصبح يعرض خدماته ويفتح أبواب بيته، لاسيما أمام تلاميذ الطور الابتدائي، ما دام الأمر لا يتطلب مستوى تعليمي كبير جدا على عكس ما يحتاجه طلبة الأقسام النهائية، فالكثير من الطلبة الجامعيين، فتحوا أبواب بيوتهم، لتقديم دروس خصوصية للمتمدرسين، خلال كل أيام الأسبوع تقريبا، بعد نهاية ساعات الدراسة النظامية وما شجع هؤلاء أكثر، أن أولياء الأمور، أصبحوا يفضلون هذا النوع من المدرسين، الذين مهما بلغت تكاليفهم لن تصل إلى ما يطلبه المعلمون الأصليون، لكن في كل الأحوال، فأولياء الأمور الذين وجدوا أنفسهم مجبرين على النزول عند الرغبة الملحة لأبنائهم، بضرورة تدعيمهم بدروس خصوصية ترفع عنهم الغبن ما ألزمهم بدفع مصاريف جديدة، أرهقت جيوبهم، خاصة من يتوفر على عدد كبير من الأبناء، مصاريف تزيد أكثر إن كان المتمدرسون من المقبلين على امتحان شهادة التعليم الأساسي أو شهادة البكالورياء، كما هو حال السيد محمد أب لخمسة أبناء، كلهم يزاولون الدراسة، بمجرد سؤالنا عن رأيه في هذا النوع من الدروس ولماذا التوجه الكبير نحوها، أبدى استياءه الكبير من الإرهاق الكبير الذي أصاب أبناءه، جراء ما يقدم من برامج تفوق طاقة تحملهم، خاصة بالنسبة لمن يدرسون بالمرحلة الابتدائية، ما انعكس سلبا على مستواهم الدراسي وأجبره على الاستعانة بجاره المعلم، لإعطاء دروس لثلاثة من أبنائه، علهم يتمكنوا من تدارك ما فاتهم وما يزيد من معاناته أكثر وهو الموظف البسيط، أن ابنه البكر المقبل هذا العام على اجتياز امتحان شهادة البكالوريا، يعاني قصورا في فهم مادتي الرياضيات والفيزياء، لذا سجل مع زملائه عند أحد الأساتذة المتمكنين ورغم أنه كان ينوي تأجيل هذه الدروس، إلى غاية اقتراب موعد امتحانات آخر السنة، حتى تقل التكاليف، لكن ابنه أقنعه بالعكس وأنه من الصعب عليه أن يستوعب الدروس المقبلة إن لم يتدارك الموقف ويلم أكثر بما فاته من دروس، أما السيدة ليلى التي أعاد ابنيها، سنتهم الدراسية وجاءت نتائج هذا الفصل مخيبة للآمال، فهي الأخرى اضطرت إلى الاستعانة بجارتها الجامعية التي أنهت دراستها ولم تتحصل على منصب شغل، فكل ما يهمها أن لا تضيع سنة أخرى على ابنيها، أما «حميد» الذي كان واحدا من أشد الرافضين للدروس الخصوصية التي يتحايل بها بعض المعلمين على التلاميذ لجني مكاسب إضافية، بدفعهم للاستعانة بالدروس الخصوصية، بدل بذل مجهودات أكبر لكن رفضه هذا لم يصمد طويلا مع معاناة ابنتيه، التي تتمدرس إحداهما بالطور الابتدائي والأخرى بالثانوي، إذ رضخ أخيرا للأمر الواقع وسجل ابنته الكبرى بإحدى المجموعات، أما الصغرى فبإحدى الجمعيات الشبابية التي فتحت هي الأخرى أبوابها أمام تلاميذ الطور الابتدائي، أما بشأن عزوف التلاميذ عن دروس التدعيم المجانية بالمؤسسات التربوية، فقد أكد على عدم جدواها، فكيف لمن فشل في تقديم الدروس العادية أن ينجح في تقديم دروس تدعيميه. دروس خصوصية تجاوزت المفهوم التقليدي ولم تعد تنافس المدرسة النظامية، بل أصبحت عند الغالبية مكملة لها في ظل إشكالية كثافة البرنامج الدراسي التي يشتكي منها الكل، فقد أصبحت بمثابة دروس رحمة عند الكثيرين وحتمية لا مفر منها، خاصة أن البعض صار يرفض كل الحلول القادمة من مؤسساتنا التربوية ويفضل الدروس الخصوصية المُكلفة على دروس الدعم المجانية.