الفنانون الحقيقيون رحلوا و تركوا الراكضين وراء الفيلات و السيارات قالت مديرة المعهد البلدي للموسيقى بعنابة المطربة و الممثلة ريم حميدة بأن أغلب الفنانين الحقيقيين رحلوا و رحل معهم الفن الجميل و الذين لا يزالوا على قيد الحياة منهم من سحب من تحت أقدامهم البساط و أوصدت أمامهم الأبواب فبقوا في الظل و تركوا الراكضين خلف الأموال و الفيلات و السيارات في واجهة الساحة الفنية الجزائرية.مؤكدة :»لقد تعبنا من الفوضى و الرداءة و الأعمال التافهة و كم نحن بحاجة إلى أعمال فنية جيدة و راقية». خريجة معهد الدراسات النغمية ببغداد تخصص «أصوات»أي أداء غنائي و عزف على آلة القانون، أعربت في اتصال بالنصر،عن أسفها لما آلت إليه الأمور في عالم الفن ببلادنا من تقهقر و تدهور حيث انتشرت أغاني الصخب و الضوضاء و و «الهول» بدل الأغاني الطربية الهادفة النقية و الراقية بعد فقدان عمالقة في قامة الشريف قطبي و محمد راشدي و محمد بوليفة وغيرهم من المبدعين .فمن هب و دب أصبح يقتحم الساحة الفنية لأغراض ميكيافيلية مادية بحتة دون أدنى اهتمام بالجمهور الذواق و تطلعاته و رغباته.هذا الواقع الذي لا يثير التفاؤل و الفرح كما قالت جعلها تتفرغ للإشراف على التكوين الأكاديمي المتخصص لتلاميذها من مختلف الشرائح العمرية بالمعهد البلدي للموسيقى بعنابة،عاقدة آمالا عريضة على الأجيال القادمة من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من التراث الفني الجزائري الأصيل من الضياع و التشويه و الفوضى و الرداءة. و أوضحت بأنها توجهت في 1980 إلى العراق في أوج أزمته مع إيران لدراسة الموسيقى و التقت بمعهد الدراسات النغمية ببغداد بالعديد من الأسماء الفنية العراقية اللامعة على غرار المطربين كاظم الساهر و أنيسة و فريدة و زوجها محمد حسين قمر و الموسيقار نصير شمة و كذا المايسترو علاء مجيد . كما التقت بالمطرب و الموسيقار الجزائري الراحل محمد بوليفة الذي سبقها بسنتين من الدراسة.و كان يحمل كل الصفات الجميلة على حد تعبيرها من طيبة و أخلاق عالية و قدرة هائلة على الابداع و التميز، مما جعله يصنف ضمن أحسن الفنانين العرب. وأضافت بأنها انضمت بعد التخرج إلى «مجموعة المطربين» في الاذاعة و التليفزيون العراقي مع زملائها بالمعهد، فقاموا بتسجيل العديد من الأغاني الفردية و الجماعية ضمن المجموعة الصوتية.و في سنة 1990 قررت العودة إلى الجزائر و بقيت على اتصال بالعديد من زملائها العراقيين و لا تتردد في التوجه للقائهم كلما حضروا لإحياء حفلات أو المشاركة في مهرجانات بالجزائر و آخرها الطبعة السادسة من المهرجان الثقافي الدولي للمالوف بقسنطينة حيث التقت بزميليها المايسترو علاء مجيد و العازف محمد حسين قمر.و الغائب الأكبر عن هذا الموعد الفني هو الفقيد محمد بوليفة. فترة التسعينات كانت أكثر عطاء فنيا شددت الفنانة بأن التسعينات رغم ما صاحبها من أزمات و ظروف صعبة كانت من أكثر العشريات عطاء فنيا بالنسبة إليها بالجزائر و تفتخر لأنها تركت بصمتها في العديد من الأعمال الوطنية و الثورية بمشاركتها في ملحمة الشهيد البطل «العربي بلمهيدي» حيث تقمصت شخصية والدته و «ملحمة الجزائر»حيث أدت دور شقيقة الأمير عبد القادر و سجلت للإذاعة و التليفزيون الجزائري باقة من الأناشيد الوطنية. كما أعدت و قدمت للتليفزيون «بورتريه»للمطربة الراحلة زليخة و تألقت في الاذاعة من خلال برنامج فني حواري عنوانه «العودة»يسلط الضوء على الأصوات الغنائية التي غابت عن الساحة و يعيدها للواجهة. لكن «متى ستعود المطربة ريم حميدة إلى الغناء بعد طول غياب؟»طرحنا عليها هذا السؤال فردت بأن لا أحد اتصل بها منذ التسعينات و لا ترى في الساحة في الوقت الراهن أسماء بإمكانها أن تقترح كلمات جميلة و ألحان طربية في المستوى المطلوب و لو عرضت عليها أناشيد وطنية أو ملاحم جيدة تناسبها، لما ترددت في أن تكون أول من يصعد إلى الركح. و بخصوص ملحمة «أبطال القدر»للبناني عبد الحليم كركلا التي قدمت في إطار الاحتفاء بخمسينية الاستقلال ،قالت بأنها و كل الأصوات التي ارتبط اسمها سابقا بالأداء الجيد لهذا النوع من الأعمال مثل يوسفي توفيق و ندى الريحان همشت فلدى معديها تصور آخر لطريقة تقديمها(...) كما يبدو. و بخصوص سؤالنا إذا كانت تفكر في تسجيل أعمالها في ألبومات قالت بأن الألبومات تتطلب إمكانيات مادية كبيرة ،كما أن الناشرين يفضلون الأغاني التجارية و يعزفون عن الطربية لهذا لا تفكر حاليا في طرح ألبومات. و «ماذا عن ريم حميدة الممثلة؟»سؤال فرض نفسه في سياق الحديث،فردت بانحناءة عرفان و ترحم على روح الممثل و المخرج المسرحي الراحل كمال كربوز الذي شجعها و دربها و تابع خطواتها على الركح منذ وافقت على المشاركة في أول عمل مسرحي برصيدها و هو مسرحية «الأحلام القذرة» و تتذكر بأن أول مسلسل تليفزيوني شاركت فيه هو»المشوار»لمسعود العايب و توالت الأعمال بعد ذلك و معها العراقيل و المصاعب. و بدأت في سنة 2000 مرحلة مختلفة في حياتها عندما تم تعيينها كمديرة للمعهد البلدي للموسيقى بعنابة حيث كرست كل جهدها و حبها للإشراف على تكوين الأجيال القادمة ليحملوا مشعل الفن الأصيل و الراقي في المستقبل و قد ساعدها منصبها كرئيسة لجنة الحفلات في إبراز ثمار عملها الدؤوب مع البراعم .حيث شرحت لنا بأنها كونت فرقة نسوية للعازفات و ترأستها لدى مشاركاتها في التظاهرات المحلية و الوطنية ذات الطابع الديني أو الوطني و آخرها الاحتفاء بذكرى أول نوفمبر 1954 . كما كونت فرقة للمالوف تضم 60 تلميذا بالمعهد تتراوح أعمارهم بين 12 و 16 عاما و من أهم مشاريعها في سنة 2013 تكوين فرقة للموشحات العربية من تلاميذ المعهد. و تعتز بتجربتها كعضوة للجنة تحكيم طبعة 2007 من برنامج ألحان و شباب لكن انشغالها بمهامها الأكاديمية لا يسمح لها بالمشاركة في أعمال لا تبرمج في عطلة نهاية الأسبوع و أسرت إلينا بأن التكوين الجيد لهذه البراعم هو رهانها الأكبر في الحياة.