مستوى المسرح الجزائري تقهقر والجيل السابق يبدع رغم قلة الإمكانيات المونولوج انتشر كثيرا والدافع الأكبر تجاري منير بومرداس، فنان وممثل ومخرج مسرحي وإطار ومستشار ثقافي بمديرية الثقافة لولاية سطيف، ومدير فني بالمسرح الجهوي لمدينة العلمة. أشرف على تأسيس الأيام الوطنية للمسرح التجريبي بولاية ميلة ثلاث سنوات، حاصل على شهادة الدراسات العليا -فنون درامية-، خريج المعهد الوطني العالي لمهن فنون العرض والسمعي البصري اختصاص تمثيل، وانطلاقا من عمله أشرف على التبادل الثقافي لعشرين ولاية عبر التراب الوطني، شارك في الأيام التكوينية المسرحية لولاية البيض، كما أشرف على التربص المغلق للفنون الدرامية بولاية ميلة، حاورته/ نوّارة لحرش وقام بتأطير ورشات لفن التمثيل لولاية بسكرة، وساهم في إحياء اليوم العالمي للمسرح بولاية ورقلة، وهو عضو محكم في لجان التحكيم في عدة مهرجانات وطنية، كما مثل وأدى أدورا مختلفة في عدة مسرحيات أبرزها "زوج مثالي" لأوسكار وايد، "بينيلوب" لسومارت موم، "توبة الجلاد"، "يوغرطة"، "الجزائر رحلة حب" من إنتاج المسرح الجهوي العلمة، أيضا شارك في أعمال تلفزيونية وسينمائية عديدة منها مسلسلات: "البذرة"، "الغائب" "رشيد القسنطيني"، وفي السينما شارك في فيلم "من أجل عشرة مليون" وفيلم "مجاهدي الظل". منير بومرداس، ألف وأخرج مسرحيات أخرى كثيرة كما اقتبس أيضا للمسرح من أعمال أدبية جزائرية وعالمية. في هذا الحوار يتحدث عن المسرح التجريبي ومسرح الطفل والاقتباس والكتابة المسرحية وفن المونولوج وعن دور الُنقاد المغيب الذي أثر حسبه سلبا على جماليات العروض. كما يتحدث عن مجموعات ركحية افتراضية والميديا والتكنولوجيا التي صارت تخدم المسرح أكثر، وغيرها من شؤون فنية تخص المسرح وعوالمه. تقمصت الدور الرئيسي في مسرحية "رحلة حب" للكاتب عمر البرناوي وتلحين محمد بوليفة وكانت من إنتاج المسرح الجهوي بالعلمة والتي قُدِمت بمناسبة خمسينية عيد الاستقلال والشباب، كيف تقيم التجربة، خاصة وأنت تقوم بدور البطولة الرئيسية؟ منير بومرداس: أولا لكم مني الشكر على مسعاكم والدور الكبير الذي تقومون به في الاهتمام بالحقل الثقافي وخاصة المسرح، فيما يخص تجربتي مع مسرحية "رحلة حب" كانت مميزة جدا لأن الدور كان مركبا، شخصية كاتب، كتب وخطط لبناء وطن أحبّه وجسده في شخصية "عبد الله" الذي أخلص هو بدوره في حبّه لتأتي في الأخير أفكار الكاتب وتتمرد فيدخل الكاتب في صراع مع أفكاره ليصل في الأخير إلى الجنون، لكن رغم كل شيء كان مؤمنا بأن الرحلة متواصلة، أما دور البطولة فكانت لي تجارب أخرى من قبل تجسدت في دور البطولة في مسرحية "بينلوب" للكاتب سومارت موم بمسرحية بينيلوب ومسرحية "زوج مثالي" للكاتب أوسكار وايد وأيضا في أدوار رئيسية في مسرحيات أخرى. آخر نص كتبته كان "الطاهر الزبال" وأخرجته على شكل مونولوج ومثله سليم بوذن، ماذا عن تجربة الإخراج؟ منير بومرداس: فعلا، كان آخر نص "الطاهر الزبال" وأخرجته في شكل مونودرام، هذه التجربة سبقتها تجارب أخرى وسبق واشتغلت على نصوص من تأليفي ونصوص من المسرح العالمي، فمسرحية الأستاذ كلينوف كانت بالنسبة لي رونقا فنيا وكان عملا ناضجا أكثر من كل الأعمال التي سبقت وهذا راجع للشكل الذي عملت عليه حين زاوجت الموسيقى التراثية الجزائرية بمسرحية عالمية لكاتبة دانمركية فكانت مسرحية عذبة جدا، أما "الطاهر الزبال" فهو شيء آخر، عبارة عن كوميديا سوداء أحبها الجمهور كثيرا. الكثير من النصوص المسرحية وحتى بعض الاقتباسات صارت تمثل على شكل مونولوج، برأيك لماذا اكتسح المونولوج مؤخرا المسرح الجزائري وما رؤيتك الشخصية لهذا الفن الفردي المتشعب في الحالات والأداءات؟ منير بومرداس: ربما معك حق، هذا الشكل المسرحي انتشر كثيرا وأعتقد أن الدافع الأكبر تجاري أكثر منه فني لأن هذا الشكل المسرحي لا يتطلب أموالا كبيرة لإنتاجه وبالمقابل يجلب ربحا أكبر من المسرحيات الكبيرة التي تعتمد على ترسانة من الممثلين وأيضا التقنين والفنيين وكذا وسائل النقل ومصاريف أخرى، لكن هذا الشكل من المسرح تعتمد عليه غالبا الجمعيات والتعاونيات فقط، فيما المؤسسات الثقافية الأخرى مثل المسارح الجهوية أعتقد أن نظرتها غير ذلك، ومهما يكن يبقى المونولوج أو المونودرام شكل مسرحي ناجح ومُهم في حياة كل فنان ناجح. قمت مؤخرا بإخراج مسرحية جديدة للأطفال بعنوان "النملة تريد أن تغني"، وهي أيضا من تأليفك، كيف تجد الإخراج المسرحي للأطفال، وحسب تجربتك ما الأصعب مسرح الكبار أم مسرح الطفل من ناحية الإخراج والتمثيل وحتى الكتابة؟ منير بومرداس: فعلا، كانت تجربة مع نخبة من الفنانين ومسرحية "النملة تريد أن تغني" أو العنوان الأصلي "النملة والصرصور" في دور العرض ولقد بدأت جولة في عدة ولايات من الوطن والحمد الله العمل كان ناجحا وأحبه الجمهور كثيرا، أما فيما يخص الإخراج المسرحي للأطفال يبقى طبعا هو الأصعب وهذا لأنك تحاكي -عالم طفل- ولكي تنجح فعليك أن تصبح مثل الطفل وأنت تقوم بالإخراج، فأنت مجبر على البحث في خيال الطفل وبساطة ما يقنعه ويشد انتباهه ويفيده بالدرجة الأولى، ثانيا طفل اليوم غير طفل البارحة، فالعولمة اقتحمت عالمه وصار جزءا منها، عليك أن تجد –مدخل- لعالم طفل يعرف الفضائيات والحاسوب والألعاب الذكية أو الالكترونية، إذا، لا أستطيع أن أقول مَن الأصعب مسرح الطفل أو مسرح الكبار، العالم يتطور عند الطفل وعند الكبير. إلى جانب الاشتغال في المسرح، ترأس جمعية "فنون العرض"، ما موقع هذه الجمعية في العمل المسرحي، كيف ومتى نشأت وما أهدافها على وجه الخصوص؟ منير بومرداس: نعم، إلى جانب عملي في المسرح فنان وإداري أنا رئيس تعاونية "ميلاف" للمسرح، و"فنون العرض" تأسست منذ أربع سنوات في ولاية ميلة ثم نقلتها إلى مدينة سطيف للضرورة، أي بعد نقلي من عملي إلى ولاية سطيف والقصد في تأسيس هذه التعاونية أشبه بالحرية الفنية أو ما نسميه نحن المسرح الخاص، هي تعاونية تنشط في مجال المسرح لكن مع فنانين أحرار، أقصد فضاءً نلجأ إليه بعد ساعات العمل في مكاتبنا، هناك نجد حريتنا في الإبداع أكثر لأننا غير ملزمين بعقود أو تاريخ معين لإنتاج العروض وبالمقابل تساعدنا التعاونية على التنقل والمشاركة في المهرجانات الوطنية وحتى الدولية والهدف الرئيسي من إنشاء التعاونيات الثقافية هو استمرار مسرح الهواة والتكوين وتعد هذه التعاونيات والجمعيات الخزان الرئيسي للفنانين الذين تعتمد عليهم المسارح الجهوية وحتى المسرح الوطني. تخططون لإقامة أيام وطنية بمدينة العلمة حول المسرح التجريبي؟، أين وصلتم في هذا المشروع ولماذا ظل المسرح التجريبي عند البعض كإشكالية أكثر منه تجربة إبداعية في سياق الأداء والاشتغال المسرحي؟ منير بومرداس: نعم، بحول الله نحن بصدد التحضير للملتقى الوطني الأول للمسرح التجريبي في مدينة العلمة والذي تشرف على تنظيمه تعاونية "ميلاف" بمساهمة أطراف أخرى مثل وزارة الثقافة وكذا المسرح الجهوي العلمة ونحن في انتظار الدعم من الوزارة حتى نحدد تاريخ انطلاقه. لا أعتقد أن المسرح التجريبي يمثل إشكالية، بالعكس هو شكل مسرحي ناجح وهناك الكثير من العروض التجريبية وسنتطرق في الملتقى إلى هذا النوع من المسرح بمشاركة أساتذة أكاديميين في الاختصاص. كيف هو برأيك حال المسرح التجريبي في الجزائر، وما هي ميزاته وخصائصه؟ منير بومرداس: المسرح التجريبي في الجزائر شكل موجود عند الكثير من الفِرق ولقد أشرفتُ على إقامة أيام وطنية للمسرح التجريبي في ولاية ميلة لثلاث سنوات وكانت ناجحة جدا وهناك العشرات من الفِرق التي تعمل جاهدة للوصول إلى قمة التجريب والإبداع، أما الخصائص والميزات فهي كثيرة لا نستطيع شرحها في حوار صحفي، فهناك ما يخص السينوغرافيا وهناك جانب متعلق بالنص بالدرجة الأولى وأيضا الإخراج بالإضافة إلى الأداء. ما هي أكثر المسرحيات الجزائرية التي شكل فيها التجريب فارقا مهمًا ونوعيا في تاريخ المسرح الجزائري؟ منير بومرداس: أعتقد أن الكثير من إنتاجات المسرح الجزائري في التجريب خلقت فارقا ومن بين هذه المسرحيات، مسرحية "التشريح" التي نالت جائزة أحسن إخراج وأحسن سينوغرافيا في المهرجان الدولي للمسرح التجريبي بالقاهرة وكانت من إخراج وتأليف المخرج الهادي بوكرش وأيضا مسرحيات فرقة البليري بقسنطينة تقدم أعمالا رائعة وفي المسرح الحديث مسرحية "قدر أوديب" لفرقة النوارس بالبليدة وأيضا فرقة ميلاف بميلة تقدم أعمالا تجريبية ناجحة. إضافة للموهبة لك شهادة عليا في الفنون الدرامية، هل تعتقد أن الأدوار التي قمت بها في بعض المسلسلات أظهرت قدراتك الدرامية، أم لم تلامسها ولم تستوعبها بالشكل الذي كنت تريده؟ منير بومرداس: لا أعتقد أنني حظيت بنصف فرصة واحدة في هذا المجال، فالأدوار التي قمت بأدائها في هذه المسلسلات أو الأفلام لم تلامس لا قدراتي الفنية ولا حتى جزءًا بسيطا من دراستي للفنون الدرامية، للأسف كل ما درسته في الفنون الدرامية لا يُطبق عند مخرجينا هنا في الجزائر، بكل بساطة لأن أغلبهم هواة ولا يعترفون بنا خاصة عندما نناقشهم في اختصاص التمثيل من تحليل للشخصية وتركيب الشخصيات والشروط المقترحة وأدوات فنية أخرى يجهلونها وهذا ما يجعلهم يفضلون ممثلين غير محترفين للأسف، معهد برج الكيفان للفنون الدرامية تخرج منه المئات من الممثلين الرائعين لكن أغلبهم هاجر إلى الخارج لنفس السبب. في 2010 ارتقى مسرح العلمة إلى مصاف مسرح جهوي، وحتى الآن أنتج عملين هما "هاملت" و"راية نتماشينت"، ما هي الظروف التي يعمل في ظلها، وهل هناك صعوبات تواجهه؟ منير بومرداس: نعم وهو كذالك والحمد الله أن ولايتنا ومدينتنا خاصة استفادت من مسرح جهوي، أما الإنتاج فلقد أنتج 3 أعمال فنية، عملين ذكرتهما أنتِ في نص سؤالك، بالإضافة إلى مسرحية ملحمة "الجزائر رحلة حب" وأيضا قام المسرح الجهوي العلمة بتربصين لصالح الشباب هذا في اختصاص التمثيل والرقص في شهر ديسمبر من العام الماضي وتوزيع مئة وخمسون عرضا لصالح بلديات الولاية من السنة الماضية ونفس العملية هذه السنة، توزيع ما يقارب مئة وثمانون عرضا لصالح عشر بلديات وتربصات في الكتابة الدرامية وأخرى في فن الرقص بالإضافة للمحاضرات والندوات المقامة في العطلة الشتوية، أما الصعوبات التي واجهتنا ومازالت تواجهنا، هي عدم اكتمال عملية الترميم في بناية المسرح وعدم توفر قاعة للتدريبات لإنتاج أعمال أخرى في الوقت الراهن وحتى الإدارة لا نملك مقرا دائما وكبيرا، فقط مكتبين تابعين للبلدية بمقر المجمع الثقافي وهذا ما أجهدنا وأجهد السيدة المديرة فوزية آيت الحاج التي هي في بحث دائم مع السلطات المحلية عن حل لمشكل المقر للإدارة. أعلنتَ أنكم تحاولون خلق مجموعات الكترونية تختص بالاستقراء الركحي والنقدي في الفايسبوك وتويتر، هل ترون أن المسرح الآن بحاجة إلى فضاء الميديا ووسائط التكنولوجيا المختلفة من أجل خدمته أكثر، وأين وصلتم في مشروع المجموعات؟ منير بومرداس: فعلا، كان علينا أن نواجه العولمة بنفس سلاحها مثلما أثرت علينا بسرقة الجمهور من قاعات المسرح ونقله إلى الإنترنت والحاسوب، انتهجنا نفس الشيء، دخلنا هذا العالم وأسسنا مجموعات ركحية افتراضية وبالعكس أصبحت الميديا والتكنولوجيا تخدمنا أكثر سواء في النشر أو في الإعلام أو حتى الإنتاج والورشات وتحليل النصوص وشراء وبيع العروض وإقامة المهرجانات والمشاركة فيها، والآن لدينا الكثير من المجموعات وهي ناجحة وتقوم بعمل كبير في مجال الفن والمسرح وتطويره. ماذا عن تجربتك في تكوين وتأطير بعض الممثلين في بعض المسارح الجهوية؟ منير بومرداس: تبقى التجربة مستمرة، نُكوِّن ونتكوَّن في كل مرة وأنا أعتز كثيرا عندما أشاهد ممثلا ينجح تكوَّن عندي أو أشرفت على تأطيره. قلت: "المسرح في الجزائر بحاجة إلى ترميم المفاهيم وتطوير القوالب"، كيف؟ منير بومرداس: عندما تطرقت لهذه النقطة قصدت أن المسرح الجزائري تقهقر مستواه للأسف، فالجيل الذي سبقنا كان يعمل للفن بإخلاص ويبدع رغم قلة الإمكانيات وقلة الأموال وترك لنا -سجل حافل- بالانجازات الرائعة وأيضا مسرحيات بقيت في الذاكرة إلى يومنا هذا، فرائعة "لجواد" لعبد القادر علولة و"عالم البعوش" لمجوبي و"الشهداء يعودون هذا الأسبوع" والكثير من الأعمال التي بقيت خالدة لم نستطع اليوم الوصول ولو إلى القليل من مستواها، أليس علينا أن نرمم ذاكرتنا وننطلق من جديد. وأيضا دور النُقاد المغيب أثر سلبا على جماليات العروض في الكم، تخلينا عن القوال وأيضا الحلقة رغم أنها جزء من هويتنا، أليس علينا أن نطور المفاهيم دون أن نتخلى عن تراثنا الشعبي وهويتنا، فالمسرح جزء من حفظ الذاكرة، لذا علينا أن نرمم ماضينا الجميل ونطوره ليعيش حاضرنا ومستقبل أبنائنا. كيف كان استقبال عروضكم المسرحية في المسارح الوطنية، وهل هناك عروض خارج الوطن مستقبلا؟ منير بومرداس: كانت عروضنا في المسارح الوطنية مقبولة وأحبها الجمهور كثيرا، منها ما كان رائعا مثل "الجزائر رحلة حب" ونحن نأمل في المشاركة خارج الوطن بعمل يكون في مستوى أن نمثل –وطن- اسمه الجزائر. ما هي المشاريع التي تشتغلون عليها حاليا من أجل تجسيدها على ركح المسرح؟ منير بومرداس: لدينا مشاريع عديدة والمشروع الأول مسرحية للكبار بعنوان "عرب سات" وتتناول موضوع الساعة، أي الربيع العربي وهو عمل في شكل كوميديا سوداء نتمنى أن ينال إعجاب الجمهور العربي لأن العرض موجه لكل الدول العربية بلغة عربية فصيحة وبسيطة وأيضا تحضير الملتقى الأول للمسرح التجريبي بمدينة العلمة وأعمال أخرى في الأفق.