الجبالي يستقيل و يترك تونس أمام مأزق سياسي كبير قدم أمس رئيس الحكومة التونسية حمادي الجبالي استقالة حكومته للرئيس التونسي المؤقت المنصف المرزوقي في أعقاب فشل محاولاته تشكيل حكومة كفاءات وطنية من التكنوقراط تسند فيها المناصب السيادية لغير المتحزبين. و قد أعلن الجبالي مساء أمس انه قدم استقالته للرئيس مثلما وعد به عند إطلاق مبادرته التي عارضها حزبه النهضة بشدة واعتبرها انقلابا على الشرعية، و لا يزال الغموض يسود المستقبل السياسي لتونس التي مرت بعاصفة كبيرة عقب اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد، و لم يتضح بعد من سيكلفه الرئيس التونسي المؤقت بتشكيل الحكومة الجديدة، و هل سيكون من صفوف حزب الأغلبية في المجلس التأسيسي النهضة أو من احد حلفائه في الترويكا؟. الجبالي الذي برز بعد اغتيال السياسي شكري بلعيد كرجل وسطي واجه معارضة من حزبه حركة النهضة التي يتولى منصب أمينها العام و من حليف النهضة في الحكومة المؤقتة المؤتمر من اجل الجمهورية الذي يتزعمه الرئيس المنصف المرزوقي و الذي عرف بدوره عملية انشقاق على خلفية تأييد مبادرة الجبالي ، و قد استقال أمين عام حزب المؤتمر و أعلن انه بصدد تشكيل حزب جديد. الجبالي منح مبادرته كل الوقت لكنه جوبه بمعارضة شديدة من حزبه الذي يتزعمه راشد الغنوشي و قد تمسكت حركة لنهضة بمكاسبها الانتخابية و قالت انها لن تفرط في الحكم و لن تتركه، بينما طالبت قوى أخرى بتشكيل حكومة كفاءات و الاستعداد للانتخابات. الحزب الإسلامي الذي حكم تونس بعد نجاح ثورة شعبية في الاطاحة بنظام الديكتاتور زين العابدين بن علي قبل عامين قال أنه لن يترك السلطة لمجرد اغتيال معارض سياسي و أن توليه حقائب سيادية في الحكومة من داخلية خارجية و عدل هو التعبير الصادق عن الإرادة الشعبية التي منحته اغلبية مقاعد المجلس التأسيسي البرلمان المؤقت لتونس الحالية، و قد تجاذبت مختلف القوى السياسية الحبال بين مد و جزر على مدار أسبوعين لتنتهي مبادرة الجبالي بتقليص سيطرة الإسلاميين على مقاليد الجهاز التنفيذي إلى طريق مسدود و معها كافة القطاعات الحيوية في البلاد التي يعاني اقتصادها ترديا كبيرا. في خضم هذه الأزمة التي ستزداد حدة مع الأيام المقبلة يخرج الجبالي الذي يعتبر من الجناح المعتدل داخل حزب النهضة، ضعيفا من اسبوعين من الازمة خصوصا بعد خسارته صراع لي الذراع مع “صقور" الحزب الذين تمكنوا من قبر مشروعه لتشكيل حكومة كفاءات غير حزبية في المهد.واوضح الجبالي أنه كان يسعى للتوصل الى “وفاقات" لتشكيل حكومة جديدة لكن تلك المساعي فشلت بسبب تصلب المواقف. الهدف من مبادرة رئيس الحكومة التونسية السابق كان تهدئة وضع متوتر منذ صيف 2012 وخصوصا منذ اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد في 6 فيفري ، وتوفير شروط انتخابات وإخراج المجلس الوطني التأسيسي من مأزقه ليتمكن من صياغة الدستور الجديد. ورغم ان الاحزاب ال 15 التي شاركت في مشاورات الجبالي الأخيرة منذ يوم الجمعة وحتى مساء الاثنين عبرت عن استعدادها لدعم حكومة مختلطة تضم وزراء سياسيين وغير متحزبين، فان الاختلافات ظلت كبيرة.ويصر معظم قوى المعارضة وحلفاء النهضة في ترويكا الحكم على تحييد وزارات السيادة حيث يولى قياديون في النهضة حاليا وزارات العدل والداخلية والخارجية.في المقابل لا يزال حزب النهضة مترددا في التخلي عن هذه الوزارات. من جهة اخرى يبدو حزب “المؤتمر من اجل الجمهورية" الذي اسسه الرئيس المرزوقي، على وشك الانفجار مع سلسلة من الاستقالات لنوابه في المجلس التأسيسي. كما قال وزراءه الثلاثة في الحكومة انهم يرفضون العمل تحت رئاسة الجبالي.وقال وزير التشغيل عبد الوهاب معطر “ان الوزراء الثلاثة لن يكونوا ضمن اي حكومة يشكلها الجبالي، ان تجربتنا معه ليست مثمرة". وقال مسؤول حكومي كبير لوكالة فرانس برس ان الضبابية “تشل عمل الحكومة" مضيفا “كل شيء معطل والمشكلة انه لم يعد هناك من يفكر في الصالح العام بل الجميع يفكر في مصلحته الشخصية". ولم يرتسم اي جدول زمني في الافق في حين تهز تونس بانتظام بسبب المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، اعمال عنف تذكر بالاسباب المباشرة ل"ثورة الحرية والكرامة" في نهاية 2010 وبداية 2011، وهي الفقر والبطالة. وفي هذا السياق انتقدت صحف تونسية الثلاثاء الطبقة السياسية بسبب عجزها عن ايجاد حلول حقيقية لمشاكل البلاد.وتحت عنوان “هانت عليكم تونس" كتبت صحيفة الصباح “انقلبت الآية، وبدل ان يعرب صناع القرار الذين يعود الفضل للثورة التي منحتهم الفرصة للصعود الى السلطة، عن ارادة صادقة للتضحية من اجل إنقاذ البلاد وتجنيب التونسيين أبشع السيناريوهات وهو السقوط في مخاطر الانقسامات بين أبناء البلد الواحد، فاننا نراهم بدلا من ذلك وكأنهم يريدون لتونس ان تضحي من أجل حساباتهم الضيقة ومصالحهم". واضافت “لعبة الشد والجذب المستمرة والصراع من اجل وزارات السيادة في حين ان مظاهر السيادة تكاد تضيع على عتبات الحدود المنتهكة واسلحة الميليشيات الخارقة للقانون توشك أن تدفع البلاد الى الانفجار".وتشير الصحيفة على ما يبدو الى رابطة حماية الثورة التي تتهمها المعارضة بممارسة العنف وبانها ذراع ميداني ومليشيا تدعم النهضة، وايضا الى تهريب عابر للحدود للسلاح في البلاد يستفيد منه “جهاديون" في المنطقة. من جانبها كتبت صحيفة لو كوتديان “لا توجد كلمات قوية وقاسية بما يكفي لشجب عدم مسؤولية حكامنا الذين يقودون البلاد الى الافلاس على كل المستويات".