نكافح من أجل إبراز الحقيقة حول إعدام عباس لغرور التي يحاول البعض طمسها محمد حربي قالي لي أنه يبحث في الأمر ثم صمت يتحدث صالح لغرور في هذا الحوار عن شقيقه عباس، أحد نواب الشهيد مصطفى بن بولعيد، قائد أوراس النمامشة. كما يكشف عن حقائق حول تصفية بعض قادة الثورة، ويعتبر من وقف ضد مؤتمر الصومام معارضا ويرفض تسمية مشوّش.شقيق الشهيد عباس لغرور، مهندس إعلام آلي وإطار سابق بوزارة الري وأستاذ رياضيات، يشرف على مدونة الكترونية باسم شقيقه عباس، وله بعض المساهمات في الصحافة الوطنية باللغتين العربية والفرنسية. حاوره: نورالدين برقادي ما معنى أن تكون للفرد صلة قرابة مع أحد أبطال الثورة ؟ هو فخر واعتزاز شديدين وفي نفس الوقت مسؤولية كبيرة، خاصة إذا كان الشخص واع بمسؤوليته، مع العلم أن الوطنية ليست وراثية. ما هي الصور التي لا تزال ذاكرتك تحتفظ بها عن شقيقك عباس؟ في الحقيقة وبالرغم من حداثة سني آنذاك، فلا زلت أحتفظ في ذاكرتي ببعض الذكريات عن أخي "عباس"، فقد كان قوي البنية، طويل القامة، حسن المظهر والهندام، يخفي ابتسامته النادرة وراء شاربه الأسود الرفيع وشعره الممشط إلى الخلف، غالبا ما أصادفه ماشيا مطأطأ الرأس وكأنه دائم التفكير. وقد كان يعطي أهمية كبيرة لدراستي، فلا ينفك يقدّم لي التوجيهات بشكل منتظم ودائم، كلما سنحت له الفرصة، كما كان يحرص أشد الحرص على نظافتي وحسن تغذيتي، ولازلت إلى اليوم أتذكر موقفا حدث لي لما تغيبت مرة عن الدراسة أنا وابن عمي، فطلب منا المعلّم الفرنسي أن نأتي بأحد أوليائنا لتبرير سبب الغياب، فطلبنا من "عباس" أن يرافقنا إلى المدرسة، لكنه لم يكن لديه الوقت، فكتب كلمة لتبرير غيابنا وطلب منا تسليمها للمدرس كانت هذه الكلمة "لقد تغيبا بدون سبب، عاقبهم بما يلزم معاقبتهم". فيم تتمثل العوامل التي أثّرت في عباس لغرور وجعلته ينخرط ضمن الرعيل الأول الذي فجّر الثورة ؟ العوامل في اعتقادي عديدة يمكن أن تلخّص في النقاط التالية: - المحيط العائلي: فقد كان أحد أفراد عائلة لغرور من ثوار الأوراس سنة 1916، وآخر تم نفيه في بداية الأربعينيات إلى كاليدونيا الجديدة، ولم يعد. - المحيط الجهوي: تمرد العديد من الشباب في الأوراس على سيطرة الاستعمار الفرنسي، مما أدى إلى ظهور وعي سياسي لدى المواطنين وبالأخص الشباب. - المحيط الوطني: ظهور الأحزاب السياسية والجمعيات الإصلاحية مبكّرا وبصفة مكثفة في الأوراس، منذ بداية ظهور الحركة الوطنية في بداية القرن الماضي، بالإضافة إلى انتفاضة 08 ماي 1945، التي زعزعت ضمير الشعب الجزائري ووضعت نهائيا خطا أحمر بينه وبين المحتل الفرنسي. المحيط الدولي: ويتمثل في نشوب الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء وعودة الشباب الجزائري الذي شارك في هذه الحرب بأفكار جديدة، هي أنّ ما أخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة، بالإضافة إلى اغتصاب الأرض الفلسطينية سنة 1948، وحرب الفيتنام ثم حركات التحرير في كل من المغرب وتونس. أضف إلى ذلك كله، موقع منزل العائلة في الدوار الذي كانت له أهمية كبيرة في تكوين شخصية "عباس" النضالية، فقد كان بمثابة معبر لحجاج بيت الله الحرام أين كان والدي يستقبلهم عند الذهاب وعند الإياب، وكان "عباس" يجالس هؤلاء الحجاج خاصة العائدين بروايات عن الحرب العربية الإسرائيلية. هذه العوامل بالتأكيد ساهمت في خلق وعي وتكوين شخصية "عباس لغرور" وجيل الشباب الذي ينتمي إليه. بين السياسي والعسكري، هل مارس عباس لغرور السياسة أم هو رجل حرب فقط ؟ يجب أن نعرف أن الأحزاب السياسية قبل اندلاع الثورة لم تكن في صراعات إيديولوجية بمعنى الكلمة، فقد كانت تصبّ في مجملها حول طريقة التخلص من الهيمنة الفرنسية واسترجاع السيادة الوطنية، وكانت هذه الأحزاب تمثل مختلف الاتجاهات، الإصلاحي، والاندماجي والشيوعي والوطني (حزب الشعب الجزائري)، و"عباس لغرور" انخرط منذ نعومة شبابه في حزب الشعب، وهو أول حزب طالب صراحة باستقلال الجزائر، إذن، فعباس كان سياسيا قبل أن يكون عسكريا، فقد نظم مظاهرات وحضر ونشّط اجتماعات سياسية لتحسيس الشباب والدعوة سريا إلى العمل المسلح في مناسبات عديدة، وفي هذه النقطة أسترجع ما كتبه المرحوم المجاهد عبد الرزاق بوحارة رحمه الله في كتابه "منابع التحرير" أجيال في مواجهة القدر، دار القصبة للنشر، يلخص فيه تكوين عباس: ".. يمكن اعتبار عباس لغرور أحد المناضلين المثاليين للحركة الوطنية، نموذجا مثاليا لهذا النوع (السياسي والعسكري) من القادة. فلغرور عباس مثال للإطار السياسي والعسكري الذي كان في الوقت نفسه قائدا مقاتلا. كان من القادة الثوريين القلائل الذين اجتمعت فيهم بكيفية منفردة وفي آن واحد الصفات السياسية والقتالية والعسكرية. كان الفرنسيون يعتبرونه كأحد قادة جيش التحرير الأكثر رعبا. تلقى تكوينه في مدرسة حزب الشعب الجزائري وحركة أنصار الحريات الديمقراطية..". تتحدث بعض المؤلفات آخرها كتاب عمر تابليت الموسوم "الأوفياء يذكرونك يا عباس" تبني عباس لغرور لعملية إعدام الشهيد شيهاني بشير، هل تسمح قوانين الثورة للأول بإعدام الثاني ؟ أقوال تبني عباس لغرور وحده أو بالاتفاق مع عجول إعدام القائد شيهاني بشير تبقى أقوالا ما دامت الرواية الرسمية لم تصدر بعد. إن إعدام العديد من قادة الثورة المخلصين: شيهاني بشير، عباس لغرور، شريط لزهر، لعموري محمد.. وآخرون، يعد خسارة كبيرة للجزائر لأنهم كانوا حقا يمثّلون صلب الثورة بكل أبعادها، واستشهادهم لم يكن أبدا نتيجة تواطؤ مع العدو بل كان نتيجة صراعات سواء أيديولوجية أو على السلطة أو عن أخطاء إستراتيجية أو تصرفات لا تتناسب مع قوانين الثورة. وإذا نظرنا إلى قوانين الثورة بالمنظار الحالي نجدها قاسية، لكنها وبالنظر إلى الظروف الصعبة التي كان يعيشها المجاهدون في ذلك الوقت تعتبر إجراءات عادية. في المنطقة الأولى وقبل اجتماع الصومام وضعت قوانين من طرف القادة، صادق عليها الجميع بما فيهم شيهاني بشير، ونتيجة لعدم الالتزام ببعض هذه القوانين طبّقت الأحكام التي كانت في بعض الأحيان قاسية على الجميع بما فيهم القادة، لأن صرامة وقداسة الثورة وظروف حرب العصابات لم تكن لتسمح بالسجن ولا بتعيين دفاع عن المتهمين. ويجب أن نشير أيضا، إلى أن هذا النوع من التصفيات لم يخص الثورة الجزائرية فقط، فقد وقعت تصفيات في أكبر ثورات العالم راح ضحيتها صانعوها وأبطالها الحقيقيون والثورة الفرنسية خير مثال لذلك. كانت تجمع عباس لغرور علاقة تفاهم وتطابق المواقف مع عاجل عجول (أحد نواب بن بولعيد في بداية الثورة)، كيف تقرأ استسلام عجول للعدو ؟ شيء مؤسف ومؤلم أن يسلّم أحد أبرز قادة ثورة نوفمبر نفسه للعدو. عاجل عجول كان أمام ظرف صعب، فقد كان محاصرا من جميع الجوانب أولها تهم خطيرة ملفقة روّجت ضده، ثم انحياز مبعوث لجنة الصومام لخصوم عجول الذين أرادوا التخلص منه، فقد تحوّل هذا اللقاء مع مبعوث لجنة الصومام إلى مؤامرة لتصفية عجول. عميروش خرج عن إطار مهمته التي كانت تتمثل في تبليغ قرارات الصومام وانحاز إلى مجموعة ضد أخرى؛ حيث تصرف مع عجول باستجوابه تصرفا تعسفيا وليس تصرف رجل سلم ووفاق. طبعا لولا تواطؤ رفقائه له لما تصرف عميروش بهذه الطريقة. هذا الحصار المعنوي ومحاولة الاغتيال وتواطؤ بعض الرفاق جعلته يفقد معنوياته ويسلم نفسه لأبيه حسب ما يقال، والذي بدوره سلّمه للسلطات الفرنسية، وهكذا تنتهي في ظروف مأساوية مسيرة أحد أبرز قادة ثورة نوفمبر المجيدة وتفقد الولاية الأولى ثالث أبرز قادتها في ظرف سنتين، قبل أن يأتي فيما بعد دور تصفية كل من عباس لغرور وشريط لزهر وعثماني التيجاني وحوحة بلعيد ولعموري ونواورة ....والقائمة طويلة. ألم تكن هناك في مكان ما نية ما لتحييد هذه الولاية عن دورها الطلائعي؟ التاريخ الرسمي لا يتحدث عن إعدام عباس لغرور من طرف لجنة التنسيق والتنفيذ، هل الاختلاف في الرؤى يؤدي إلى إلغاء الطرف الآخر من الوجود ؟ في الحقيقة الاختلاف في الرأي لا يؤدي إلى إلغاء الطرف الأخر من الوجود، بل هو العكس، حسب رأيي، لكن السياسة المتبعة في بلادنا فيما يخص تاريخ الثورة هي سياسة تهرب من الحقيقة... هذا النوع من التصرف يؤدي حتما إلى إلغاء أو تهميش الآخر أو تزييف الحقائق، خاصة إذا لم تكن هناك طبقة من المؤرخين والمثقفين النزهاء تبحث عن الحقيقة أو على الأقل ما يشبهها، لأن الحقيقة للأسف عموما في مجال التاريخ ليست واحدة ووحيدة فلكل واحد حقيقته. إن إعدام عباس لغرور رفقة أكثر من خمسين من أخيار إطارات الثورة في نفس الوقت وفي نفس الظروف، يطرح العديد من التساؤلات أهمها: لماذا كل هذه المذبحة؟ ولماذا هذا الصمت القاتل عن هذه الفاجعة ؟ إن السكوت عن هذه المأساة يعد تواطؤا مع من يريدون طمس هذه الحقيقة. يضاف إلى ما سبق تهميش وتحييد المئات أو الآلاف من المجاهدين وعدد كبير من الإطارات الذين تم نفيهم وتعويضهم بآخرين مطيعين وممتثلين ومن الموالين. منذ أكثر من عشر سنوات، التقيت بالمناضل والمؤرخ القدير محمد حربي، وطلبت منه بعد أن قرأت ما كتبه وما نشره من وثائق حول ظروف محاكمة محمد لعموري، إذا كان لديه معلومات حول ظروف محاكمة عباس لغرور، فرد عليّ بالقول أنه بصدد تحضير موضوع حول هذه القضية، ولحد الآن لم يصدر أي شيء حول هذه المحاكمة. فهل هناك من يعارض تسليط الأضواء على بعض الأحداث الأليمة لثورتنا ويسمح به بالنسبة لأحداث أليمة أخرى؟ كتبت، مؤخرا، مقالا في إحدى الجرائد، جاء فيه: ".. لقد حان الوقت لكسر حاجز الصمت الذي دام لأكثر من نصف قرن، وللتذكير بمآسي مئات المجاهدين الذين اغتيلوا وعذبوا، والذين استغلوا دون غيرهم كدواب لنقل الأسلحة من تونس إلى الولايات الداخلية في ظروف جد قاسية، عقابا لهم على مواقف قادتهم.."، لماذا الخوف من الحديث عن الأخطاء التي وقعت أثناء الثورة ؟ لا يوجد شخص في هذه الدنيا معصوم من الخطأ، ولأن التاريخ من صنع أشخاص فلا يوجد تاريخ خالي من التشويه والأخطاء، وعدم الاعتراف بهذه الأخطاء هو أكبر مصيبة، لهذا علينا كسر حاجز الصمت القاتل الذي دام طويلا لإعادة الاعتبار لبعض الأحداث التاريخية ليستعيد التاريخ مصداقيته، وبالتالي نعيد لشبابنا الذي انتابه الشك والثقة في كل ما يكتب عن الثورة. بعض أو غالبية من كتبوا عن ثورة التحرير اعتبروا بعض المعارضين خاصة من عارضوا فعلا مؤتمر الصومام أو مفترض أنهم عارضوه "مشوشين"، كما ذكرت في السؤال السابق لقد تم تحييد وحرمان المئات من مجاهدي الولاية الأولى من القتال داخل الجزائر، وسجنوا وعذبوا في تونس من طرف رفاق لهم، متذرعين في ذلك بمعارضتهم لقرارات الصومام، والحقيقة هي أن آمالهم خابت بعد تصفية قادتهم وسجن وعزل معظمهم، أما المعارضون داخل الجزائر في الولاية الأولى، فقد تم تصفية البعض منهم بالاستنجاد بولاية أخرى وآخرون استعملوا كدواب لنقل السلاح إلى ولايات أخرى والمحظوظ منهم حوّل إلى ولاية غير ولايته. لهذا يجب أن يعاد النظر في موقف هؤلاء المجاهدين أو بالأحرى تصحيحه باعتباره معارضة وليس تشويشا. كثر الحديث، في الفترة الأخيرة، عن مشروع إنجاز فيلم تاريخي حول مسار الشهيد عباس لغرور من إنتاج ولاية خنشلة، لماذا تتكفل الولاية وليس وزارة المجاهدين بتمويل هذا العمل ؟ لحد الآن لا أعرف بالضبط إذا كان هذا الخبر صحيح أم مجرد إشاعة، وحسب رأيي – مع أنني لا أفقه شيئا في مجال السينما لا يمكن لولاية أن تنتج فيلما بمستوى عال مهما بذلت من جهود ومهما كانت نيتها خالصة، إلا إذا توفرت لديها إمكانيات ضخمة ودعم وطني وليس ولائي لأن الفيلم يتطلب سيناريو في المستوى المطلوب، وهذا الأخير يتطلب دراسة ومعرفة ملمة وعميقة بالموضوع، هذه مبادرة طيبة – إذا كانت حقيقية أتمنى أن تكون في مستوى تضحياته واستشهاده من أجل تحرير الوطن. فالأفلام التي تتناول حياة ونضال بطل من أبطال الثورة، يجب أن تدرس بجدية حتى تعطي صورة ومحتوى في مستوى أبطال الثورة الجزائرية التي كانت قدوة ورائدة في تحرير شعوب عديدة في العالم. توجد بالجزائر مجموعة من المؤسسات الثقافية والتاريخية التي تحمل أسماء شخصيات ثقافية، سياسية، تاريخية..، ألم تفكر في تأسيس مؤسسة تحمل اسم الشهيد عباس لغرور ؟ أفكّر في هذا الموضوع منذ عدة سنوات، لكن تمنيت أن تأتي المبادرة من أطراف أخرى ليست لها علاقة عائلية بالشهيد حتى تبقى المؤسسة دائما في خدمة ذاكرتنا الوطنية و لا تزول بزوال أخ أو ابن الشهيد. (ها قد أتيت بها أنت...شكرا ) هذا لا يعني عدم مساهمتي بكل ما أستطيع لإنجاح هذه المبادرة.