هذا ما اقترحته حنّون على تبّون..    عقد لاستيراد 500 ألف عجلة للوزن الثقيل    الجزائر قد تلعب افتتاحية المونديال    بولبينة أمام فرصة ذهبية    الجزائر تدين الانتهاكات الصهيونية بشدّة    بوغالي يؤكّد التزام الاتحاد البرلماني العربي    الجزائر تدعو إلى إعادة ترتيب الأولويات    الجزائر مصر.. روابط قوية وآفاق واعدة    وزارة التربية تعتمد رقما أخضر    إفريقيا تواجه تحدّيات غير مسبوقة    من بواعث التوكل على الله عزوجل    أكثر من 800 مشارك في المهرجان الدولي للسياحة الصحراوية بتيميمون الشهر المقبل    الجزائر تطلق رسمياً مشروع تعميم المرجع الوطني للعنونة على مستوى العاصمة    اتفاق بين وزارة البريد ومطوّري لعبة "PUBG Mobile" لإنشاء بيئة ألعاب آمنة وخوادم محلية في الجزائر    ندعو إلى التعبئة من أجل "ربح معركة اقتصاد الماء"    مشروع القانون موجود حاليًا لدى مصالح الأمانة العامة للحكومة    للتربية دور هام وأساسي..؟!    خنشلة : توقيف شخصين و حجز 72 غرام كوكايين    أجواء بالولايات الشمالية للوطن باردة وصقيعية    اعتمدته وزارة التربية الوطنية رسميا – الرقم الأخضر "1111″    النادي الرياضي" أنوار باتنة"يحصل على 4 ميداليات    افتتاح المهرجان الوطني للمسرح الأمازيغي    الفنانة القديرة باية بوزار"بيونة"في ذمة الله    قبول 911908 مكتتب في" عدل 3″    حصيلة العدوان الإسرائيلي ارتفعت إلى 69.775 شهيدا : 45 شهيدا في غزة منذ وقف إطلاق النار    اتهامات ب"التلاعب والتشويه"..جدل واسع في فرنسا حول استطلاع رأي عن المسلمين    افتتاح برنامج المسرح في رحاب الجامعة    بوعمامة حاضر في منتدى داكار    غوتيريس يتطلع إلى مفاوضات جدية بين طرفي النزاع    الأداء الرزين للدبلوماسية الجزائرية يشهد له الصديق والخصم    صون الذاكرة الوطنية ومواكبة التطوّر الرقمي    ناصري يؤكد رعاية الدولة الخاصة لفئة ذوي الهمم    الفقيدة بيونة تركت تقديرا واسعا بصدقها وتلقائيتها في التمثيل    تامنغست تحتضن صالون المنتجات الموجّهة للتصدير    بطاقة Student CAMPUCE للناجحين الجدد في البكالوريا    بوعمامة يشارك في المنتدى الإفريقي للبث الإذاعي والتلفزي    الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    الدرك الوطني يضاعف الجهود لمجابهة حوادث المرور    اختتام فعاليات الأسبوع العالمي للمقاولاتية    مبروك زيد الخير : اللغة العربية صمام أمان للهُوية الثقافية والدينية للأمة    تقدم ملحوظ في مشروعي ازدواجية الطريقين الوطنيين 27 و79    العلامة الكاملة في كأس الكاف و صِفر في دوري الأبطال    سكري الأطفال محور ندوة علمية تحسيسية    الوزير الأول يترأس اجتماعا للحكومة    سعداوي ينصب اللجنة المكلفة بالوقاية من تعاطي المخدرات    انطلاق الحملة الوطنية للتلقيح ضد شلل الأطفال ابتداء من الأحد المقبل    انطلاق المهرجان الوطني للمسرح الأمازيغي بباتنة    ماندي يؤكد مع ليل ويدعم موقف فلاديمير بيتكوفيتش    لست قلقا على مكانتي مع "الخضر" وسأنتظر فرصتي    دينامو زغرب يطمئن بخصوص إصابة بن ناصر    المؤسسات الاستشفائية تحت مجهر وزارة الصحة    وزارة الصحة تطلق حملة وطنية للتلقيح ضد شلل الأطفال عبر ثلاث دورات    هذه أضعف صور الإيمان..    {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا} …ميثاق الفطرة    فتاوى : زكاة الذهب الذي ادخرته الأم لزينة ابنتها؟    قرعة الحج تصنع أفراح آلاف العائلات    يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار    تحسبا لكأس أفريقيا 2025.. 3 منتخبات إفريقية ترغب في إقامة معسكرها الإعدادي بالجزائر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آلات لا ترحم و إدمان لا ينتهي على العمل
نشر في النصر يوم 29 - 03 - 2014

نجارون يقدمون أصابعهم ثمنا لحرفة تأخذ أكثر مما تعطي
يشكلون احدى أعمدة الصناعة و الحرف بالجزائر، و يمثلون شريحة واسعة بين شباب و شيوخ و حتى أطفال، يقبعون داخل ورشات لا أنيس لهم فيها غير خشب، أدوات حديدية، و آلات لا ترحم، فتكون الضريبة كبيرة بإخراج شريحة جديدة تضاف إلى فئة ذوي العاهات المستديمة لأشخاص يدخلون صباحا بأياد كاملة لأجل كسب لقمة العيش، لكنهم يخرجون بإصبع واحد أو دون أصابع تماما، و بكل بساطة لأنهم و كما يقولون اختاروا حرفة تأخذ أكثر مما تعطي لمن يتخصص فيها. نجارة الخشب التي تمثل عمودا من أعمدة الصناعة التي كانت و لا تزال تحافظ على مكانتها،خاصة بالنسبة لمن يتقنها،هذا ما نقوله في تعريفنا البسيط و السطحي لهذه الحرفة، غير أن الغوص فيها و التقرب من أهلها، يكشف خبايا كثيرة،ربما يمكننا التعامل بشكل عادي مع بعض سلبياتها، غير أن فيها ما تقشعر له الأبدان و أهلها يحدثوننا عن معاناتهم فيما تلحقه من أضرار بهم و هم لا يملكون حتى تأمينا يمكنهم من الاستفادة من تعويض مادي على الأقل يوفر بعضا من تكاليف العلاج و المصروف إلى غاية استئناف العمل مجددا.
فبالإضافة إلى الأمراض الكثيرة التي يصابون بها بمرور الوقت،خاصة مايتعلق بأمراض الحساسية الناتجة عن نشارة الخشب و التي تحولت لدى الكثيرين منهم إلى مرض الربو المزمن و حتى نقص النظر، فإن النجارة كانت ولا تزال وراء خلق عاهات مستديمة لعدد كبير من حرفييها الذين أفقدتهم آلات لا ترحم اصبعا، اثنين أو حتى أصابع يد دفعة واحدة، وهذا حال الكثيرين.
بمرارة كبيرة يتحدث لنا من كانت لهم تجربة مع تقطيع جزء من أجسادهم، مثل عمي الشريف أحد أكبر و أقدم النجارين بقسنطينة، و الذي و على الرغم من حرصه على عدم سقوط جملة «الحمد لله، و الله لا باس» طوال حديثه، إلا أن ألم الإصابة و هو يتحدث إلينا كان باد على وجهه، كيف لا و هو من قطع الجزء العلوي من أصابع يده اليمنى دفعة واحدة قبل أيام بسكين آلة تدعى «توبي» و التي تستعمل في تزويق الخشب كما يقول، و هي من قطعت أصابعه في لمح البصر و هو يفكر في شئ آخر.
هكذا جرت الحادثة الأخيرة لهذا الرجل الذي لم تقنعه كل إصاباته المتتالية بتطليق الحرفة، فعمي الشريف كما قال لنا لديه تجارب كثيرة مع الآلات الحادة في ورشته،فلعنة الإصابات ليست وليدة اليوم، و إنما وليدة بداية العمل منذ سنوات الثمانينيات، عندما بتر أول اصبع له، لتتواصل الإصابات في السنوات التي تلتها و إن كانت بشكل أقل حدة، و على الرغم من أنها لم تقطع الأصابع، إلا أنها تسببت في اعوجاجها و جعلتها عاجزة عن الحركة بشكل شبه تام.
السهو، القلق، و نقص الخبرة ثلاثي الخطر في ورشات النجارة
صاحب الخبرة و عدد كبير من النجارين أكدوا لنا تسجيل إصابات بالجملة في أوساطهم باستمرار، مرجعين كل ذلك إلى حالة القلق التي يكون عليها الحرفي أثناء العمل، و هو ما يفقده التركيز، و يحدث نفس الشيء في حالة السهو و هو يخاطب الآلات الحادة التي لا ترحم كل من ينقصه شرط واحد في التعامل معها.
على الرغم من هذا، يبقى الخطر أكبر بالنسبة لعديمي الخبرة في التعامل مع الآلات و أدوات النجارة، خاصة صغار السن و الجدد في الحرفة الذين لا يعرفون شروط الوقاية داخل الورشات، كما أنهم يصطدمون بلامبالاة أصحاب الورشات أحيانا، أو أن فضولهم الزائد يقدم لهم في الأخير نتيجة سلبية تتمثل في عاهة في إصبع أو يد كاملة مثلما حدث مع الطفل أحمد.
الحرفي لمين الذي فقد إصبعين و هو في سن ال16، شرح لنا من جهته بأن الخشب إذا كان ذا نوعية رديئة من شأنه أن يتسبب في حادث و إلحاق الضرر بالعامل لأنه عرضة للكسر السريع ، مما يجعل الماكنة تبتر يده عوضا عن القطعة الخشبية.
بتر الأصابع علامة مميزة لحرفيي النجارة
غالبا ما تصنع مهنة أو حرفة ما نموذجا موحدا من عمالها بعد مرور سنوات، لتشابه ظروف العمل، و هو الوضع ذاته بالنسبة للنجارة، فبتر الأصابع علامة مميزة في أوساطهم، و من السهل جدا أن تعرف بأن هذا الشخص نجار، إذا ما شاهدت اصبعا مبتورة أو أكثر أو حتى ملتوية و جزء منها مقطوعا، و هو حال كثيرين كعمي مجيد الذي أصيب عدة مرات، و الشاب بلال و القائمة طويلة. يجمع عدد كبير من الأطباء و الممرضين ببعض المؤسسات الاستشفائية، على أنهم يستقبلون يوميا حالات كثيرة لنجارين أصيبوا أثناء العمل، و هي حالات تقول الدكتورة "سراح" بأنها تختلف درجتها من فرد لآخر، مما يعني التعامل مع كل منها بشكل معين، فالبعض تستلزم التنظيف و التضميد، غير أن البعض منها يستدعي غرز الجرح، و حالات كثيرة تستوجب المكوث بالمستشفى على مستوى مصلحة العظام أين يخضع المريض إلى عناية خاصة لأنه قد تم قطع جزء من العظم و هو ما يشبه العملية الجراحية، و تبقى الحيطة و الحذر في التعامل داخل ورشات النجارة الوسيلة الأمثل لتفادي الإصابة خاصة و أنه ثمة بعض الحرفيين لم يتعرضوا لأي حادث رغم خبرتهم الطويلة في هذا المجال. ضريبة غالية لأهل حرفة غالية، لكن من يتقنها و ينجز قطعها المتميزة بتفان، و رغم كثرة الإصابات و الحوادث، و نقص المردودية في السنوات الأخيرة في ظل تزايد مذهل للورشات خاصة بالشرق الجزائري، إلا أنها تأخذ شكل الأفيون و تجعل كل من يدخلها مدمنا على صوت الآلات، المنشار و الخشب و حتى ضربات المطرقة التي تمتزج برائحة الطلاء، و يبقى الخروج منها أمرا شبه مستحيل لمن عشقوها و لم يجدوا بديلا لها، لتستمر المعاناة و الحوادث التي لا يعتبر منها الكثيرون على الرغم من تكرارها عديد المرات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.