يعتبر السيد خالد محيوت من أقدم حرفي الخشب في القصبة العتيقة، بل يعد اليوم الوحيد الذي يمتهن هذه الحرفة في هذا الحي، وفي هذا الصدد، كشف ل”المساء” أنه ورث هذه الحرفة عن والده وهو ابن ال 14 سنة، حيث كان يمضي ساعات طوال بالورشة بعد عودته من المدرسة. يقول خالد إنه تربى مع النجارة وبقي وفيا لحرفة والده لقرابة 50 سنة، ولا يستطيع المكوث دون أن تنشغل يديه بصناعة كرسي أو نقش باب، فقد اعتاد على ورشته الصغيرة التي تعاقبت عليها السنوات و لا تزال شاهدة على تاريخ مدينة عتيقة مثل القصبة.. سكان القصبة يعرفون ورشة خالد، لأنها الوحيدة التي تصنع أبوابا بنقش عثماني أو أندلسي أصيل، أو آخر يمزج بين هذا وذاك بلمسة جزائرية فنية، مما جعل فنادق 5 نجوم بالعاصمة يطلبونه شخصيا لتزيين مداخلها، قاعات جلوسها وصالات العرض بها، وذلك طبعا حسب الهندسة المعمارية للفندق نفسه. ويكشف الحرفي أن والده تعلم أصول الحرفة من أخيه الذي قام رفقة حرفي فرنسي يدعى “لويس دي رافور” بنقش أبواب البريد المركزي ومداخله وكل ركن خشبي فيه، ولا يزال شاهدا إلى اليوم على أصالة الحرفة اليدوية، وقد بقيت الحرفة الأصيلة بين أفراد عائلة محيوت، كما بقي خالد محافظا على هذا الإرث الأصيل، وهو اليوم يشارك بعدة معارض ويسوق لحرفة من الزمن الجميل.. ويصنع خالد بالخشب كل ما قد يصنعه أي حرفي آخر بالحجارة أو الأصداف، ف”العرصة” مثلا تصنع عادة بالحجارة، لكنه يصنعها بالخشب، وأيضا “دربوز” السلالم المنقوش كليا، الكراسي التي تشبه عروش الملوك والأبواب المنقوشة بطريقة جميلة غاية في الدقة، ويطلق على تسميات النقش أسماء مختلفة، منها “التورسادي” و”الموشارابي”، وهي نقوش تتسم بالصعوبة وتتطلب مهارة عالية، فهي تحتاج إلى نظرة فنية، خبرة في النحت ودقة عالية في التعامل مع الخشب، باستعمال أدوات بسيطة تتكون من مجموعة الأزاميل (المبْرد بالعامية)، مختلفة المقاسات والفتحات تساعد على التحكم في الشكل المطلوب. من جهة أخرى، يعترف الحرفي بصعوبة حرفته، خاصة أنها تتطلب منه جهدا بدنيا، دقة في الملاحظة والعمل، لكنه لا يحبذ إطلاقا اقتناء آلة عصرية لنقش الخشب، فهي لا تعطي نتيجة مرضية، يقول: “أنا كحرفي أتبع قلبي في عملي، أي أنني أتصور هذه القطعة منقوشة بطريقة ما تعجبني، وأرضىب بها أولا قبل أن أبدأ في التنفيذ، لذلك تكون النتيجة مرضية تماما، وفي كل مرة أراها، أتذكر الحالة النفسية التي كنت فيها وأنا أنقشها، أما الآلة فحتى وإن كانت حساباتها دقيقة، إلا أن القطعة المنجزة تكون كأي قطعة أخرى”.