حنان قرقاش في اليوم العالمي للمرأة، اليوم الذي تنتظره ملايين النساء عبر العالم، للخروج فيه، مطالبات بمزيد من الحرية والحقوق، مبرزات فيه مدى الدور الحيوي والأساسي الذي يلعبنه في مجتمعاتهن، مؤكدات مرة أخرى أنهن موجودات ويجب الاستماع إليهن والى متطلباتهن وانشغالاتهن، في كل 8 مارس، يكثر الحديث عن المرأة، دورها، نشاطاتها، أعمالها، مشكلاتها، مميزاتها، وكثير من الأمور الأخرى التي تهم المرأة والمجتمع على السواء، سيدات يكتفين فيه بالخروج للتنزه والرقص والغناء، وسيدات يفضلن تنظيم المحاضرات والندوات والنقاشات، حول نضال المرأة وحريتها وحقوقه،. أما أخريات، فيفضلن العمل بجهد، ويتركن لأناملهن وأياديهن، مهمة التعبير عنهن، عن آمالهن وطموحاتهن، وقدراتهن، وإبداعهن، ومشكلاتهن أيضا. هن نساء حرفيات، لا يهم مجال نشاطهن، بقدر أهمية ما ينتهين إليه من نتائج مبهرة، تذهل لها العقول، وتحتار لروعتها وإتقانها، ولا يملك الكثيرون بعدها إلا الوقوف، وقفة إجلال واحترام وتقدير تام، لهذه المرأة، التي فضلت أن تلعب دورها في مجتمعها كاملا، دون أن تحتاج لشعارات صماء، وخطابات جوفاء، تنتهي بمجرد انتهاء أمسية الثامن من مارس، ليقلن أنهن موجودات هنا على مدار السنة، وأنهن قادرات على تقديم الكثير، فقط لو توفر لهن الفرصة والإمكانيات، فبقليل من التشجيع والمساعدة فقط، يمكن لهن أن يحولن الرمل إلى لوحات فينة مبهرة، و الحديد إلى أدوات متنوعة، و الزجاج إلى قطع أثاث رائعة، هن ثلاث عينات، عن ثلاث سيدات، من ثلاث ولايات مختلفة، قدمن نماذج مبهرة، عن إبداع المرأة ونشاطها اليدوي والحرفي، بصورة تعجز الكلمات عن وصفها، ولا نملك معها إلا توجيه تحية فخر واعتزاز لأولئك السيدات، ولغيرهن، ممن أردن أن يثبتن قدرتهن على الإبداع و الإنتاج في كافة المجالات، المجالات النسوية أو المجالات التي كان يخيل إلينا حتى وقت قريب جدا أنها مجالات خاصة بالرجال فحسب. أنامل تحول الرمال إلى لوحات فنية محطتنا الأولى، كانت بولاية بشار، حيث استقبلتنا السيدة "مغربي آمال" وهي منهمكة في إتمام بعض اللوحات المميزة، وفق تقنية الرسم بالرمال، هذه الحرفة التي تمارسها منذ أكثر من عشر سنوات كاملة، بدأت قبلها برسم لوحات فنية زيتية مختلفة، قبل أن تلهمها الطبيعة الصحراوية، استخدام وإدخال مادة الرمل كمادة أساسية لهذا الفن، وبالفعل بدأت بعدها في ممارسة هذه الحرفة، بكل حب، مجسدة أحيانا لوحات صامتة، وأخرى تحاكي فيها الطبيعة الصحراوية، وأخرى الخط العربي، والكثير من الأشياء، التي قررت تخليدها في لوحات رملية مميزة الألوان، تلمس فيها سحر الصحراء ونعومة الرمال، وان كانت محدثتنا، مرتاحة لمشاركاتها الكثيرة في عدة معارض وطنية ومحلية، وإعجاب الجمهور في كل مكان تعرض فيه لوحاتها بفنها، وحرفتها، إلا أنها مع ذلك تقول، أن حرفتها حاليا، مقترنة بالمعارض فحسب، ولا تمتلك محلا يمكنها فيه ممارستها بشكل مريح، إذ أنها لا زالت تبدع لوحاتها إلى الآن في منزلها وبإمكانياتها الخاصة، ما دفعها إلى المطالبة بتوفير فضاءات لهن كسيدات حرفيات، كمحلات، يمكنهن فيها ممارسة حرفهن، وتعريف الآخرين بها وعرضها، وتسويقها، إضافة إلى فتح المجال لفتيات أخريات لتعلمها وممارستها، هذا المطلب تقول انه يبدو ممكنا بالنظر إلى الإجراءات الجديدة المتخذة فيما يخص دعم تشغيل الشباب، ودعم مشاريعهم الاستثمارية المختلفة. فتاة واحدة تقتحم عالم نجارة الألمنيوم انتشرت خلال السنوات القليلة الماضية، نجارة الألمنيوم بصورة كبيرة، وأضحى الكثير من المواطنين يعتمدون عليها، سواء في منازلهم او في مؤسساتهم وشركاتهم، والكثير من المرافق، حيث أضحت النجارة بالألمنيوم، واحدة من الصناعات المطلوبة بكثرة في الجزائر مؤخرا، وان كانت النجارة والألمنيوم، تتحدان لتشكلا واحدة من الحرف الصعبة التي تحتاج إلى كثير من القوة والصبر والحذر، فان ذلك لم يمنع الشابة "شوان صفية" من ولاية معسكر، من اقتحام هذا المجال، والتعامل مع آلات وماكينات دقيقة للغاية، حسب ما كشفت عنه "صفية" في حديثها إلينا، فان الأمر في البداية كان إعجابا بما يقوم به والدها في الورشة التي يملكها، ما دفعها دوما إلى مراقبته ومتابعة نشاطه، قبل أن تقرر الدخول لإجراء تربص بمركز التكوين المهني بالولاية في هذا الاختصاص، حيث كانت الوحيدة وسط عدد كبير من زملائها الشبان، الذين اختاروا التكوين في نجارة الألمنيوم، مع ذلك استطاعت مجاراتهم بل و التفوق عليهم أيضا، بافتكاكها المرتبة الأولى عند تخرج دفعتها، سنة 2009، وهي تشتغل حاليا لدى والدها، فيما تفكر بجدية، في إنشاء محلها الخاص، لممارسة هذه الحرفة، في إطار التحفيزات والإجراءات الجديدة المعلن عنها مؤخرا لدعم تشغيل الشباب، وإدخال الكثير من التقنيات الجديدة عليها، تقول أيضا أنها حرفة تحتاج من صاحبها إن يحبها ويتقنها، كي يتمكن من إبداع أشياء جديدة ومختلفة، وكان ابرز ما عرضته الفتاة في الجناح المخصص لها، علبة أدوية زجاجية، ونافذة تمنع دخول الحشرات، وبعض اللوحات والمرايا الزجاجية. .. وسيدة تتحدى الزجاج وتبدع صقله تخيل لو كنت تعيش في بيت من زجاج، كل أثاثه من قطع الزجاج الملون، المصقول بعناية فائقة، تنطق كل قطعة فيه مهما تناهت في الصغر، بكل مزايا الجمال والروعة والانبهار، ليس هذا أمرا قد نعيشه في خيالاتنا فحسب، وإنما بإمكانه أن يكون حقيقة، وواقعا ملموسا، عند السيدة "بن مية نجاة" من ولاية عين تيموشنت، التي تحترف "حرفة صانع المرايا" مثلما أسمتها، الملفت أن السيدة "بن مية" لم تتوقف عند حدود صناعة المرايا واللوحات الزجاجية والقطع الفنية الزجاجية الصغيرة، وإنما تجاوزت ذلك بكثير، ووجهت أنظارها، صوب أشياء أخرى، قد تبدو لمجرد تصورها، صعبة أو مستحيلة، قطع أثاث كاملة، أو غرف معيشة كاملة، من الزجاج، أناملها التي لا زالت آثار الجروح والإصابات التي سببتها لها قطع الزجاج بادية بوضوح عليها، شاهدة على أنها قدمت لهذه الحرفة الكثير من تصميمها وعزمها وإرادتها وإبداعها أيضا، وان الزجاج ما جرح يديها إلا ليكون طيعا بين أناملها تشكله كيفما تشاء، عن بداياتها تقول أنها بدأت عند احد حرفيي الزجاج بحمام بوحجر، حيث تعلمت لديه المبادئ والأساسيات الأولى لهذه الحرفة، قبل أن تحولها إلى فن راق ومميز، مؤكدة أن للمسة الأنثوية دائما طابعها الخاص الذي يمكنها من خلاله أن تحول أشياء بسيطة جدا إلى أشياء راقية فائقة الجمال، وقد انطلقت في هذه الحرفة بالذات من منزلها الخاص، حيث بدأت في صناعة مرايا وموائد وأرائك وأسرة اعتمادا على الجبس والزجاج بشكل أساسي، وقد انتهت إلى نتيجة أذهلت كل عائلتها ومعارفها، بعد أن صممت صالونا "أو غرفة جلوس" كاملة من هذا الزجاج، ما شجعها بعد ذلك على المضي قدما، وإبداع الكثير من القطع الأخرى، أبدعت فيها إبداعا منقطع النظير، مؤكدة على أن المرأة عندما تلمس شيئا، فإنها بالتأكيد ستحوله إلى قطع فنية نادرة ومبهرة، كونها تتمتع بكثير من العزم و الصبر والذوق والخيال الفني، وهو الإبداع الذي أهلها لافتكاك المرتبة الأولى في الكثير من المعارض المحلية و الوطنية، واختيارها كأحسن حرفية بولاية عين تيموشنت السنة الفارطة، إضافة إلى اختيارها خلال هذا الصالون للقاء فخامة رئيس الجمهورية، في حفل تكريمه للسيدات الجزائريات بمناسبة اليوم العالمي للمرأة. ونظرا للإعجاب الكبير الذي وجدته لدى عدة مسؤولين، إضافة إلى إعجاب العديد من المواطنين في مختلف الولايات التي شاركت في معارض أقيمت بها، تقول السيدة "بن مية" أنها اقتربت خلال هذا الصالون من الصندوق الوطني للتامين عن البطالة، لدراسة طلب حصولها على قرض يمكنها من توسيع نشاطها وجلب المزيد من الإمكانيات والآلات لتطوير حرفتها، في سياق الإجراءات والتحفيزات الجديدة التي اقرها رئيس الجمهورية، لفائدة الشباب والمرأة الماكثة بالبيت والحرفيين وأصحاب المهن. وتجدر الإشارة إلى أن هذه التظاهرة تأتي في إطار مناقشة انشغالات المرأة واقتراح إجراءات جديدة لتعزيز وتحسين البرامج الحالية، كما تهدف هذه الندوة التي نظمتها وزارة التكوين والتعليم المهنيين بالتنسيق مع الوزارة المنتدبة المكلفة بالأسرة و قضايا المرأة إلى تقييم مستوى تجسيد برنامج العمل القطاعي الذي تم إعداده على أساس توصيات الندوات الثلاثة السابقة وإلى مزيد من الإصغاء إلى انشغالات وتطلعات الفتيات والنساء خاصة الماكثات بالبيت والريفيات و كذا تدعيم و تثمين دور المرأة في التنمية المحلية. ويتوخى أيضا من تنظيم هذه التظاهرة تثمين جهود الدولة الرامية إلى ترقية المرأة من خلال مختلف آليات التكوين و الدعم و مرافقة النساء من أجل الإدماج الاقتصادي والاجتماعي على المستوى المحلي والجهوي وتكثيف التعاون بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني بهدف ترقية المرأة.