لست الكاتبة التي ترفع هاجس الجسد في نصوصها كصنارة ليعلق بها أكبر عدد من القراء أدافع عن لاءاتي وأحاول أن أنفض ما حاولت أن تُلحقه الذهنية الذكورية بجسدي وروحي نعيمة معمري، قاصة ورواية وكاتبة مسرحية، صدرت لها رواية "أعشاب القلب ليست سوداء" عن منشورات فيسيرا عام 2012، وأواخر2013 وعن نفس الدار صدرت لها مجموعة قصصية بعنوان "ما الذي سأفعله بعد". وقد اختيرت هذه المجموعة مؤخرا من بين أهم القصص القصيرة التي ستتم ترجمتها بالمغرب العربي، وستنشر في معجم قصاصي شمال إفريقيا قريبا. في هذا الحوار تتحدث الكاتبة عن روايتها وعن مجموعتها القصصية، ومن خلالهما تتطرق إلى الحديث عن الجسد الذي تعتبره تيمة كباقي التيمات. كما تتحدث عن المسرح وعن نصها المسرحي "عودة جميلة" وأيضا عن الشعر، حيث تشتغل حاليا على مجموعة شعرية تقول أنها مرتبطة بالذات وبالآخر وممزوجة باليومي الذي يبحث في عمق الروح. حاورتها/ نوّارة لحرش "ما الذي سأفعله بعدك"، آخر ما صدر لك، وفي هذه المجموعة القصصية يحضر الجسد كعقدة من طرف المرأة ومن طرف المجتمع الذي يجعل منه هوية للمرأة البطلة، وكمأزق الروح مع الجسد. وهذه الجملة من إحدى قصصك تجسد هذا المأزق وبقية العقد: "مشكلة هذا الوجود الذي تعب في تقويمه الأنبياء والشعراء والأولياء هو الجسد"، ألهذه الدرجة يحمل الجسد كل هذه اللعنات والتبعات؟ نعيمة معمري: لا أريد أن أبدو الكاتبة التي ترفع هاجس الجسد في نصوصها كصنارة يعلق بها أكبر عدد ممكن من القراء أو كسلعة رائجة لتحصل نصوصها على قدر معين من القراءة والمتابعة والملاحقة النقدية، الجسد تيمة بالنسبة لي كباقي التيمات، الوطن، الحنين، الحب، والجسد في النص الذي يحمل شرفات بحر الشمال يحضر بقوة، ويفضح جسد المرأة الذي يعذبها من أجله الجميع، لأننا ننتمي إلى مجتمع لا زال يضطهد المرأة لجسدها ويحرمها من الحياة بسببه، الجسد كان دائما لعنة تطارد المرأة، الجسد مرهون بالحرية، كلما كان جسد المرأة حرا كانت نسبة حريتها أكبر، لذلك يضيقون الخناق عليه، لذلك ربما يتشارك الجميع في تقويمه وضبطه وتضييق الخناق عليه، وإلحاق الضرر به في حالة تمرد ما من طرفها. الجسد أداة، سلعة كان، لعنة، ظل هو مقياس الحياة أو الموت بالنسبة للمرأة. من جهة أخرى، تحضر المرأة في أعمالك، كعنصر محوري وأساس، ما مرد هذا الحضور الكثيف للعنصر النسوي في أعمالك، بغض النظر عن كونك من نفس الجنس أو كونك امرأة كاتبة؟ نعيمة معمري: أومن أنه حين أذهب إلى الكتابة لا أحب استعارة صوت أحد ما عدا صوت الذات، كل كتابة خارج صوت الذات أعتبرها تشويها وانحرافا، أو أحيانا تقنية فقط تفرضها ضرورة الكتابة، لا أحب أن أكتب وأجمع حولي وفي نصوصي عدتي البلاغية واللغوية لأحفر في أراضي الحياة القاسية التي تعيشها المرأة فقط، بل أجدني في داخلي مناسبة للكتابة عن الذات وعن الإنسان بصفة عامة، يعنيني الإنسان أكثر. لا أدري، أشم من خلال هذا السؤال استدراجي إلى نوع من التصنيف الذي لا أحبذه، أنا أكتب بصوتي كامرأة أنثى وأدافع عن حقي في الحياة وحقها، ثابتة وبإصرار أدافع عن لاءاتي وأحاول أن أنفض ما حاولت أن تُلحقه الذهنية الذكورية بجسدي وروحي، لكن في نفس الوقت أحمل في أعماقي الرغبة والقدرة على تقمص أصوات كل المغلوبين والمقهورين فوق الأرض مهما كانت أصواتهم خافتة وضعيفة، وأنا حين أكتب عن المرأة أسعى إلى فضح جزء بسيط من واقع مرير هو واقع الإنسان مهما كان جنسه والكتابة بالنسبة لي لا تتحيز، الكتابة هي الأداة التي تفضح وتساوي بين البشر في أوجاعهم وأفراحهم، الكتابة أداة حياة ومساواة بامتياز. في روايتك الأولى "أعشاب القلب ليست سوداء"، استثمرتِ في العشرية السوداء واتكأت على قصة حب "نوّارة والهادي" وسط الأحداث الدامية، كأنك أردت القول أن الحب هو المنتصر دائما رغم الموت والدم والخراب، وأنه لا ملاذ غير الحب وغير الوطن؟ نعيمة معمري: بهذا السؤال أنتِ لمستِ قناعة من قناعاتي، أجل الحب ينتصر رغم الخسارات الكبيرة والفادحة، الحب الذي لا يأخذ معناه الضيق بل معناه الفضفاض، الحب الكبير، الحب في مختلف تجلياته، حب الوطن، التسامح مع الأخر، تجاوز الأحقاد، لا مجال بعد الموت الذي لحق بنا أن نرتب الأمور بطريقة سوداء وهذه بالمناسبة ليست دعوة سياسية، أتساءل دائما بعد أن نقتل الوطن ونقتل بعضنا البعض ما الذي يمكن أن يبقى لنا؟، لا شيء، الحروب تقتل كل حياة، لن يبقى بيننا سوى غراب ينعق الخراب فوق الجثث النتنة، لذلك أجدني أرفع شعار حب الوطن لأنه ليس لدينا البديل رغم كل ما لحق به وما يلحقون به اليوم. في روايتك شخصية محورية "نوّارة" مستلهمة من مسرحية "حافلة تسير" للراحل عز الدين مجوبي. هل هذا من باب التأثر بمسرحيته أم بالمسرحي نفسه؟، وما المشترك بين "نوّارة قافلة تسير" و"نوّارة أعشاب القلب ليست سوداء"؟ نعيمة معمري: عز الدين مجوبي من المسرحيين المهمين في مسرحنا الجزائري، أعماله أضافت الكثير إلى الريبرتوار المسرحي اليوم، خلف مشوارا مهنيا زاخرا، ومن بين أهم انجازاته: "حافلة تسير". شخصيا في حضرة عز الدين مجوبي تنزل دائما دمعة، ربما لأنه هو الذي هزنا بعمق في أعماله، وربما لأنه مات بتلك البشاعة، وربما لأنه ابن الجزائر الذي تحدى الموت وظل يراوغه في الوقت الذي فر الكثيرون إلى بلاد أخرى أكثر حرية وأكثر أمانا، أشير أن اختياري لشخصية عز الدين مجوبي جاء دون قصد، أكاد أجزم أنه فرض نفسه عليّ، وأنه بحث عن حياة أخرى داخل نصي، ربما لأنني وأنا أدخل تلك العتمة السردية وتلك الأجواء التي كان الموت فيها هو السائد، أو ربما وأنا أكتب كنت داخل المسرح، وكانت روح عز الدين مجوبي لا تزال هناك، كان لا يزال واقفا عند عتبة المسرح حيًا ومجنونا بعشقه لنوّارة وعشقه للمسرح، للوطن ورغبته في الحياة، وقد تسلل إلى بياض أوراقي دون علمي لكن الموت كان له بالمرصاد ككل مرة. بين "نوّارة حافلة تسير" و"نوّارة أعشاب القلب ليست سوداء" قاسم مشترك عميق اسمه الوطن، كلتاهما كانتا مرادفا للوطن الذي يصدم في مقتل أبناءه، في الخراب الذي حل به، تفقد "نوّارة أعشاب القلب ليست سوداء" رشدها لكنها تعود إليه في نهاية المطاف في إشارة إلى هستيريا القتل والموت المجاني السائد خلال العشرية السوداء وفي إشارة إلى حالة اللاوعي السائدة آنذاك، كل شيء كان يموت بالتقسيط وبالجملة. من تجربة الرواية والقصة والشعر إلى الكتابة المسرحية، فهل نصك المسرحي المعنون ب "عودة جميلة" ناتج عن ميولاتك وولعك بالمسرح، أم فقط من باب الخوض في تجارب أخرى والتنويع على/وفي الكتابة؟ نعيمة معمري: "عودة جميلة" تجربتي المسرحية التي لا تزال حبيسة حاسوبي والتي اطلع عليها الإعلاميون والمتتبعون في فضاء "صدى الأقلام". هي تجربة أعتبرها كتحقيق لحلم الكتابة المسرحية، أولا لعشقي للمسرح، فروايتي "أعشاب القلب" حين قرأها أحد المسرحيين اكتشف أنها تحاول الولوج إلى عالم المسرح وأنها تحتوي على قدر وفير من ملامح المسرح، توظيف لشخصية القوال كإحالة لمسرح علولة، استعارة تلك العبارة الشعبية التي تتردد في ثنايا الرواية، العتمة، رفع الستار، تصفيق الجمهور كلما سقط أحدهم مقتولا، وذلك منذ بداية النص حتى نهايته، كل هذا جعل الكثيرين يرشحونها إلى أن تتحول إلى مسرحية طبعا بإضافات وتعديلات. في "عودة جميلة" ذهبت مباشرة إلى كتابة المسرح، ربما كرهان للعجز الذي يُلقيه علينا بعض النُقاد، أو ربما لأني من النوع المهووس بالبشر يوميا وهم ينزلون في حياتي ويصعدون، مستاءون يحلمون بالحياة، أحيانا أجلس أتأمل الجميع وأقول: "الحياة مسرح كبير". وأحلم لو أني ألمُّ بجزء ولو صغير من حياة هؤلاء في نص مسرحي أو روائي لكنني في انتظار ذلك أندس بينهم لأصير قطعة يومية من صخبهم واستياءهم وأحلامهم، أشير أنه لديّ نص مسرحي جديد معنون ب "سؤال يومي: من هم؟" أتحدث فيه عن ضمير الغائب الجمعي الذي يتحكم في حياتنا لكن لا أحد يعرف من هم هؤلاء؟. كيف تلقيتِ خبر ترجمة مجموعتك القصصية التي اختيرت من بين أهم الأعمال القصصية القصيرة في المغرب العربي؟ نعيمة معمري: طبعا، أسعدني ذلك، ما الذي ننتظره من الكتابة سوى أن يقرأنا الآخرون البعيدون بمختلف لغاتهم وأجناسهم، الترجمة عامل مهم في انتشار الكاتب ووصول منجزه إلى الآخر. ما الذي ننتظره من الترجمة سوى الولوج إلى هذا الآخر مهما كان بعيدا ونائيا، رهان الكتابة عندي هو القارئ أولا وأخيرا. ماذا عن مجموعتك الشعرية؟، لماذا تأخرتِ في نشرها حتى الآن؟ نعيمة معمري: الحلول في أرض الشعر يحتاج إلى الكثير من التأمل والتمعن، وإلى تجربة حياتية عميقة، الشعر كتابة نيئة عن الذات، تعرية الذات، الشعر ورطة وفضيحة تحتاج إلى الشجاعة وتحتاج إلى التحدي وتحتاج أيضا لأن تأتي بخطى واثقة وخطى بطيئة، لا أحب الفجائعية في الكتابة الشعرية، لا أحب السوداوية، نحن نكتب لنلون الحياة، لا نكتب لنندب حظنا، خيباتنا، وتذمرنا من الحياة، من أخطائنا وممن أحببنا، الشعر كائن حياة بامتياز وحاليا أشتغل على مجموعتي الشعرية على مهل، شعري مرتبط بالذات، بالآخر، ممزوج باليومي الذي يبحث في عمق الروح. ماذا عن تجربتك الجديدة في تنشيط فضاء "صدى الأقلام"، وما الذي أضافته لك، خاصة وأنك كل أسبوع تلتقين بأسماء مختلفة ومن تيارات أدبية متنوعة؟ نعيمة معمري: أذهب إلى الفضاء الأسبوعي الأدبي "صدى الأقلام" بسعادة كبيرة، أذهب برغبة الاكتشاف والتواصل والغوص في أعماق التجارب التي أستضيفها كل أسبوع، فضاء "صدى الأقلام" أضاف لي الكثير لأنه جعلني دائما في حالة بحث معرفي، في حالة اكتشاف لتجارب إبداعية مختلفة: مسرح، رواية، شعر، فن تشكيلي وغيرها. الفضاء يجعلني أحتك بكل المبدعين، خاصة أن لقاءات المبدعين في ما بينهم تكاد تكون منعدمة إلا فيما ندر وسأغتنم الفرصة لأدعو الجميع إلى هذا الفضاء الأسبوعي بالمسرح الوطني الجزائري.