تظاهرت جميلات السويد ليس للمطالبة بالزيادة في الأجور أو توفير السكن وتحسين ظروف المعيشة، وليس من أجل تحصيل حقوق مهضومة استأثر بها الذكر. جميلات السويد اكتفين بمطلب بدائي: توفير الرجال. وربما سبقت نساء السويد شقيقاتهن في العالم إلى هذا المطلب وقبلهن نبهت باتريسيا كاس في أغنية شهيرة إلى انقراض الرجال. قد يكون اختفاء الرجال من العالم موضوعا مثيرا لفيلم أو رواية، لكن الكثير من المشتغلين على المستقبليات توقعوا انقلابا على سلطة الرجل في أوروبا مع صعود قيم الأنوثة تحت تأثير الميديا والإشهار وتمكن النساء من مناصب القيادة في المجتمع المدني والسياسي و في إدارة الأعمال. والنتيجة أن القيم الأنثوية بدأت تستهوي الرجال أنفسهم حتى باتوا لا يجدون حرجا في اعتناقها، ويسجل صاحب كتاب "طغيان الضعف" بول فرانسوا باولي الذي كان من المشتغلين على مسألة تأنيث العالم أن الأب لم يعد نموذجا مثاليا بالنسبة للأبناء في أوروبا. وإذا صدقنا ذلك فإن أوروبا تمكنت من دفن تاريخها البطركي ودخلت في مرحلة جديدة، أي تخلصت من الأسرة بمفهومها التقليدي ومن الثقافة الذكورية، حتى وإن كانت فاطمة المرنيسي تسجل في كتابها "شهرزاد ترحل إلى الغرب" أن قيم الذكورة مستفحلة في المجتمعات الأوروبية ويكفي رفع غشاء شفاف لرؤيتها، كما فعلت هي بفحصها لردود فعل مثقفين غربيين تجاه موضوعة المرأة. سيتلقف شمس الدين وغيره من الشيوخ مظاهرة جميلات السويد التي ستمنحهم فرصه لهجاء الغرب وحداثته واقتراح الحل الإسلامي الذي يجيب على الاختلال الديموغرافي بتوفير رجل واحد لأربعة نساء، وسيغيب عنهم بكل تأكيد أن الحرية الغربية هي التي منحت المرأة كل الحقوق بما فيها حق التظاهر مطالبة برجل. وسيغيب عنهم أن الرجولة كمفهوم بدأت تتصدع هنا أيضا تحت الخيمة الأبوية التي تقاوم الرياح ، مع تحول الإنسان ذاته إلى سلعة تُباع وتُشترى في كل حين، و بأبخس الأثمان في بعض الأحيان. تظاهرت نساء السويد بحثا عن الرجال لكن شقيقاتهن الجنوبيات قد يقضين حياة كاملة صامتات في حياة مزورة تحت سلطة وهمية للرجال، وتبدو الحال واحدة في الوضعيتين: رجال ينقص عددهم في الشمال، رجال تتدهور قيمتهم في الجنوب.