انكشاف حقائق مرعبة جديدة عن جرائم الاستعمار وفرنسا تصر على عدم الاعتراف والاعتذار يحتفل الشعب الجزائري غدا بالذكرى ال 56 لاندلاع ثورة أول نوفمبر 1945 التي مكنته من انتزاع حريته واستقلاله، واسترجاع سيادته على ارضه المحتلة بعد تضحيات جسام مخضبة بدماء المليون ونصف المليون شهيد، وبعد معاناة مريرة لويلات وفظاعات الاستعمار وما تخللها من إبادات جماعية واعدامات صورية واغتيالات وممارسات للتعذيب والقمع الوحشي لم يشهد لها التاريخ المعاصر مثيلا. الشعب الجزائري الذي يحيي غدا هذه المحطة المفصلية والخالدة في كفاحه الملحمي ضد الاستعمار الفرنسي، مازالت جراحه مفتوحة ومازال عند إصراره في مطالبة فرنسا الرسمية ليس فقط بتقديم اعتراف صريح بالجرائم الاستعمارية، وإنما بالاعتذار أيضا عن كل ما ارتكب في حقه من جرائم وقطاعات على مدى 132 سنة من الاحتلال. فرنسا التي تحاول في كل مرة القفز على ماضيها الاستعماري في الجزائر بحجة التطلع الى المستقبل وترك مسألة الذاكرة للمؤرخين، مازالت ترفض الاعتراف بجرائمها خلال الحقبة الاستعمارية مثلما ترفض الاعتذار عن هذه الجرائم، وهو موقف ظل على الدوام مصدر تشنج في العلاقات بين البلدين. مازالت فرنسا تتنصل من مسؤوليتها التاريخية والاخلاقية فيما ارتكبه من جرائم ضد الانسانية طوال 132 سنة في التقتيل والتدمير، حيث لاتختلف محارق الجير التي اقامها في قالمة وألقى في افرانها بآلاف الجزائريين أحياء في شيء عن محارق النازية خلال الحرب العالمية الثانية. ورغم أن ألمانيا الرسمية اعتذرت عن جرائم النازية وتحملت هذه المسؤولية التاريخية والاخلاقية بشجاعة، فإن فرنسا التي مازالت رهينة لاحقادها مازالت بها قوى ضاغطة مشدودة الى حنينها الاستعماري وتتحرك تحت املاءات هذا الحنين. وكانت هذه القوى هي التي ضغطت على البرلمان الفرنسي لكي يقوم في جنح الليل بإصدار قانون 23 فيفري 2005 الممجد للاستعمار، والذي وصفته شخصيات من المعارضة ومن المجتمع المدني في فرنسا "بقانون العار". ورغم أن فرنسا في عهد الرئيس السابق جاك شيراك اضطرت الى إلغاء المادة الرابعة من قانون العار والتي تمجد صراحة الايجابيات المزعومة للاستعمار، وتوصي بتدريبها في المناهج والمقررات التعليمية الفرنسية، الا أن هذا القانون مازال يضم فقرات تشيد بالحركى وتنص على معاقبة كل قذف أو تحرش ضدهم. وفي 18 اكتوبر المنقضي تم بفرنسا تنصيب مؤسسة للذاكرة من طرف المحنين الى الماضي الاستعماري يدخل في أهدافها إبراز عمل الحركى، الذين مازالت تقام لهم المراسيم الاحتفالية، وكانت السلطات الفرنسية خلال السنة الماضية قد أعلنت عن اجراءات جديدة لفائدتهم، وجعلت يوما وطنيا لتمجيدهم، وجاءت هذه الاجراءات التي تم فيها رفع معاشات الحركى وتحسين الخدمات الاجتماعية والصحية المقدمة لهم لتستفز مجددا مشاعر الجزائريين وتنكأ جراحهم التي لم تندمل بعد، مثلما نكأها أيضا سماح السلطات الفرنسية بإقامة النصب التذكارية لمنظمة الجيش السري (الأوآسي). جراح الجزائريين مازالت تنزف بفعل الألغام الاستعمارية التي مازالت تحصد أرواح الأبرياء بالمناطق الحدودية. وقد قامت السلطات الفرنسية في 20 اكتوبر 2007 في خطوة الى السلطات الجزائرية بعد أن تغيرت مواقع أغلب هذه الالغام تحت تأثير العوامل الطبيعية على مدى عقود من الزمن. جرائم الاستعمار الفرنسي في حق الجزائري يتعذر حصرها، وفي كل سنة يتم الكشف من قبل مؤرخين نزهاء عن حقائق جديدة للماضي الاستعماري الفرنسي بالجزائر، وقد كشف المؤرخ الفرنسي بن جامين ستورا بالتعاون مع الصحفي فرانسوا مالي في كتاب لهما صدر مؤخرا تحت عنوان "فرنسا، ميتران وحرب الجزائر" أن الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران كان وراء اعدام 45 مناضلا جزائريا بالمقصلة عندما كان وزيرا للعدل في حكومة غي مولي في أواخر الخمسينات. ويكشف هذا الكتاب حقائق مرعبة حيث أن ميتران سمح بكل برودة دم وقتها بقطع رؤوس وطنيين جزائريين كما اعترض على 80 بالمائة من طلبات العفو المقدمة. ومع احياء كل ذكرى للتفجيرات النووية الفرنسية بجنوب الجزائر لاسيما برقان تنكشف حقائق وشهادات اضافية عن هذه التفجيرات التي استعمل فيها جزائريون كفئران تجارب، ومازالت آثارها قائمة الى اليوم. ومازالت السلطات الفرنسية ترفض تسليم الارشيف السري لهذه التفجيرات الى الجزائر. وقبل ايام فقط دعا عمدة باريس الاشتراكي برتراند ديلانوي فرنسا الى الاعتراف بجرائمها ومجازرها، مؤكدا أن الصداقة بين الجزائروفرنسا لن يكتب لها الدوام ما لم تتوفر جرأة قول الحقيقة. وبعد أن أبرز بأنه ليس باستطاعة أي شعب أن يعيش كريما اذا لم يعترف بكرامة شعب آخر، أكد أن الرئيس نيكولا ساركوزي لايقاسمه القناعات نفسها بخصوص قول الحقيقة حول الماضي الاستعماري.