الكاتب اليهودي الذي كان والده يتاجر مع النازيين في باريسالمحتلة بنجامين إيفي (مجلة فوروارد) -ترجمة : عمر شابي يتحدث هذا المقال المنشور في مجلة «فوروارد» (إلى الأمام) بقلم بنجامين إيفي عن باتريك موديانو الكاتب الفرنسي ذي الأصول اليهودية الشرقية الممتدة إلى اليونان مرورا بإيطاليا، و كيف أثرت وضعيته الشخصية في باريس تحت الاحتلال النازي على كتاباته و يكشف عن قيامه بتعديلات و تحويرات و حذف لمقاطع من روايته «ساحة النجمة» بسبب مراجعات تاريخية لمسألة اليهود و الهولوكوست ، و محاولات تبرير سلوك والده الذي كان يتاجر مع النازيين. قليل من الكتاب الأوروبيين اليوم مسكونون بهاجس التاريخ الحديث لليهود كما هو الروائي الفرنسي باتريك موديانو، و لا تكاد الترجمات القليلة للإنكليزية التي حظيت بها أعماله تبرز سوى جانب صغير من ذلك الهاجس المركزي، فكل كتبه بما فيها «دورا برودر» المنشور عن جامعة كاليفورنيا عام 1999، الذي يحكي قصة مستفيضة لعملية بحث عن فتاة تم ترحيلها، سمع عنها الكاتب في أواخر الثمانينات، متأثرة بعمق بمجريات الحرب العالمية الثانية. إنه أمر طبيعي فموديانو ولد خارج باريس سنة 1945 لعائلة من اليهود الشرقيين، تمتد جذورها إلى إيطاليا، و كان أجداده يسكنون لعهود طويلة منطقة تيسالونيك في اليونان، و من ضمنهم كان هناك حاخامات مشهورون. و على الرغم من السلالة العريقة، كان والد الكاتب ألبار موديانو قد عاش الحرب في باريس بطريقة غير مشرفة، كتاجر غير قانوني في السوق السوداء، يتربح من تجارة غير مشروعة مع النازيين، و ككاتب أمضى موديانو عقودا يرتب مشاعره و أحاسيسه حول هذا الميراث العائلي، و في الآونة الأخيرة قام عدد كبير من الكتاب الفرنسيين بالمهمة لمساعدته في تقدير أخلاق عائلته - و لا أخلاقية- ماضيها. على جبهة التخيل، مثال ذلك الواضح هو رواية «نسيان موديانو» المنشورة في ماي الماضي عن دار ليو شير، التي تزور العديد من الأماكن الأوروبية التي وصفها موديانو في رواياته، و ركزت كاتبتها ماري لوباي عن الصدى الغامض للأماكن التي لا تزال تعبق بالتراجيديات التي حدثت منذ نصف قرن مضى. و تتخذ دراسة أدبية نشرت في وقت مبكر من هذا العام بعنوان «البارجة الدامية: فيوليت موريس، كوكتو ،موديانو» للمحامي و الكاتب كريستيان غوري طريقا تفسيريا مباشرا. فهي تبحث كيف أمكن لمتعاونين شهيرين مع النازية (موريس و كوكتو) أن يكون لهما حضور في عدد من روايات موديانو. و الملفت للنظر اكثر هو كتاب الصحفي دنيس كوزنار «تحت جلد باتريك موديانو» المنشور عن دار فايار هذه السنة أيضا، الذي يقدم دليلا قاطعا على تأثير حرب الاحتلال الألماني لفرنسا بصفة دائمة في فن موديانو الأدبي. يشير كوزنار إلى إخفاء موديانو سنة ميلاده الحقيقية بعد عشرية كاملة من بداية مساره ككاتب، فقد ادعى انه مولود سنة 1947، بهدف إبعاد نفسه في الحقيقة قليلا عن «ركام الجثث و الدمار» الذي انجر عن الحرب. سنة 2007 اعترف في مقابل تلفزيونية أنه كان «قلقا و مضطربا لكونه ولد» في سنة 1945 و في حوار نشر عام 2010 في إحدى المجلات أشار موديانو لنفسه بأنه «نتاج مزبلة الاحتلال، ذلك الزمن الغريب الذي كان فيه أناس لا يفترض أن يلتقوا قد تلاقوا و بالصدفة أنجبوا طفلا». في سن الثالثة عشرة احتل موديانو غرفة في شقة عائلته كانت تغطيها ذاكرة الاحتلال، و مثلما كانت رفوف مكتبتها مليئة بمجلدات تعود لساكنيها السابقين، و من ضمنهم الكاتب فرانسوا فيرني (المولود تحت اسم ألبار سياكي، لعائلة من اليهود اليونانيين في تيسالونيك، و الذي قتل في محتشد داشو، و موريس ساكس الكاتب الفرنسي اليهودي المتعاون مع النازية و الذي لقي نهاية قبل موعدها لاتزال غامضة. متأثرا بهذين المسارين المتناقضين، لروحين واجها تراجيديا كانت محاولات موديانو الأدبية الأولى مسكونة بالفاشية الاحتلال. في سن 21 نشر موديانو أولى قصته القصيرة الأولى، عن محتشد جديد كان فيه شباب من جيل الستينات ( الذين وصفهم «أطفال هيملر و الكوكاكولا») مسجونون من قبل «مطربي الرغبة»، من بينهم مغنيون شعبيون أمثال ميراي ماتيو و فرانسواز هاردي. للمفارقة حاول موديانو لاحقا التدرب على كتابة كلمات أغاني لهؤلاء المطربين أمثال هاردي و مغنية فرنسية صغيرة ذات أصول بولندية يهودية هي ميريام أنيسيموف التي صارت فيما بعد كاتبة سيرة بريمو ليفي المشهود لها و رومان غاري. لكن هذه المحاولة في كتابة كلمات الأغاني تبين أنها قصيرة العمر، لكنها أطول من مغامرة عابرة مع أنيسيموف أشار إليها كوزنار. رواية موديانو الأولى التي لقيت ترحابا في سنة 1968 بعنوان «ساحة النجمة» كانت رؤية عبثية لمعاديي السامية من اليهود، تضمنت كنقش مزحة أطلقت عام 1942، عندما اقترب ضابط نازي من شاب و سأله «أين تقع ساحة النجمة» و أشار الشاب الذي كان يهوديا إلى الجانب الأيسر من صدره، و بإيماءة أخبر «هذا هو المكان الذي ينبغي أن نكون فيه نجمة» أو هنا «مكان النجمة». هذه الإشارة إلى العلامة الصفراء التي كان اليهود مجبرين على حملها في شكل نجمة على ثيابهم الخارجية أيام الاحتلال النازي، هي سياق عدم الفهم اللغوي بين النازي و احد ضحاياه، الذي كان له أثر موجع على موديانو. نقيض البطل المتخيل في رواية «ساحة النجمة» رافائيل شليميلوفيتش، يقلد كما في الحياة الحقيقية أشرارا أمثال ساكس و جوزيف جانوفيتشي، اليهودي الفرنسي من أصول رومانية كان يبيع الفولاذ لكلا من المانيا النازية و المقاومة الفرنسية خلال الحرب. و ليس موديانو الوحيد الذي وجد شيئا مقنعا عن هؤلاء الانتهازيون، فقد صار جانوفيتشي قبل فترة نقيض البطل في سلسلة فرنسية رائجة من الروايات المرسومة بعنوان «ذات مرة في فرنسا». و يشرح كوزنار أنه وسط الترحيب الكبير الذي لاقته «ساحة النجمة» فقد تلقى موديانو قذائف خاصة من الكاتب الشاب برنار فرانك الذي نشر عام 1955 دراسة بعنوان «إسرائيل» لبحث معاداة السامية، و شعر فرانك أن موديانو متأثر بقوة بصورة سيرته التهكمية كيهودي، و كتب سنة 1970 أن الكاتب الأصغر «ينبغي أن يرسل لي دعوة لتناول الشمبانيا»، و هو الاقتراح الذي رفضه موديانو بعنف في مقال بعنوان «نقيض فرانك»، و لكن هذه النزعات الدفاعية صارت أقل تواترا بمرور السنين. و مهما يكن الماضي فقد جعل موديانو يكلف محاميه بكتابة رسالة إلى ناشر لوباي يعبر فيها عن «صدمته العميقة» لما بدر منها من كلام نسبته له، ليس فقط حوله في روايتها. و يشير كوزنار بدقة كيف قام موديانو في طبعات أخرى لرواية «ساحة النجمة» بالتخفيف من حدة خطاب أو حذف مقاطع « خاصة من اجل تخفيف الهجومات تجاه والده، التي كان يمكن أن تقرأ على أنه..بشكل كبير معادي للصهيونية». و أضاف كوزنار أنه بعد عقود من ظهور الرواية تغيرت نظرة موديانو للهولوكوست، و قام بفعل ذلك بحذف بعض التنصيصات، و أعاد صياغة جمل من منشور لويس فيرديناند سيلين الصادر عام 1937 الداعي لقتل اليهود. و بالنهاية المثيرة للجدل بسبب الرواية لا تزال أرملة سيلين تمنع إعادة طبع المنشور في فرنسا اليوم. في الستينات كان رد موديانو هجاء سيلين و الأخذ من هذيانه لأغراض أدبية، لكن في السنوات الأخيرة فضل موديانو حذف سيلين تماما من روايته. و هذا التنقيح في الفن الروائي يظهر أيضا في إنتاجه الأدبي مثل «دورية الليل» 1969، التي ترجمت بعد عام للإنكليزية و «شوارع الحزام»1972 و «الحي المفقود» 1984، التي ترجمت عام 1988 و فيه تزايدت شهرة موديانو الذي حصل على جائزة المكتبة الوطنية الفرنسية عن كامل أعماله، و حسه الأدبي و كذا عن مسؤوليته التاريخية مثلما ورد في قرار منح الجائزة. و تستحق أعمال موديانو غير المترجمة للإنكليزية بدورها إلقاء نظرة، كما تحتاج أعماله الأخرى إلى إعادة نشر لكونها صارت غير متوفرة، و من بينها حواره الطويل في كتاب مع الكاتب المؤرخ الفرنسي اليهودي إيمانويل بارل المنشور أصلا عام 1976 بعنوان «استجواب إيمانويل بارل» و أعيد نشره عن غاليمار عام 2003. و كان بارل في فترة ما من سنة 1940 كاتب خطابات الماريشال بيتان قائد فرنسا تحت الاحتلال النازي و صاحب بعض الجمل الخالدة لرجل الدولة الفرنسية الخاضعة مثل «الأرض لا تكذب». لكن موديانو في حواره الطويل استغرب كيف لبارل الذي عاش طيلة حياته في باريس أن يجد جملة ذات نزعة فلاحية قوية كهذه، ففي قلب باريس كان بارل يتقاسم شقة في القصر الملكي مع زوجته المغنية الشهيرة ميراي و قال في النهاية « الأمر كله سيان، إنه غريب بالنسبة ليهودي...» و استلهم موديانو من ظروف التاريخ القاسية ما يفيد أن بعض اليهود قاموا بفعل أشياء غريبة في سبيل البقاء على قيد الحياة. هل تآمر قضاة السويد لجعل فيليب روث يخسر نوبل للآداب؟ بقلم إيما بروكس * ترجمة عمر شابي ماذا لو كان منح أرفع جائزة أدبية في العالم مؤامرة سرية من طرف قضاة نوبل لجعل شيخ وحيد يتلهف للحصول على جوائز أرفع، ماذا لو لم يكن بمفرده في حرقة الانتظار؟ إعلان الفائز بجائزة نوبل للآداب هو المناسبة الأدبية الوحيدة كل عام التي تجعل وحوش الكلمة المكتوبة في أمريكا، ينتظرون من الجانب الآخر من يدغدغهم كأبطال رواية عاطفية، و حتى فيليب روث العملاق من أعلى 50 عاما من انتظار التتويج تجعله تلك اللحظة الأكثر شيوعا عند الحديث عن الخاسرين هذا العام. السويديون بعد منحهم بتبرير (أنه فعلا تبرير من نوع خاص) أرفع جائزة أدبية في عالم الكتب بعد الكندية أليس منرو العام الماضي، واصلوا التقتير في الأسماء من النصف الغربي للكرة الأرضية، و أعطوا الفرنسي باتريك موديانو رنه الهاتف الذهبية التي أيقظته من النوم. هناك الكثير من الفرضيات عن «ترتيب» نوبل، بعضها تشمل احتمال أن اختيار الكتاب من غير الدول الناطقة بالإنكليزية الكثير منهم لم يقرأ لهم أحد و لم يسمع بهم شخص قد يكون حاليا هو الاختيار المناسب. قضاة الأكاديمية الملكية السويدية المعينون أنفسهم يقولون أنهم لا يفضلون تأثير الكتابة الإبداعية في عالم النشر النيويوركي، و الأكثر شيوعا أن نوبل تحمل صفة القاعدة التي عليها تتم مواجهة الهيمنة الثقافية الأمريكية، و هناك الغرور الذي يتملك قضاة نوبل و يجعلهم لا يكافئون الكتاب الأكثر مبيعا في وقت منح الجائزة. الناقد في صحيفة نيويورك تايمز دوايت غارنر أشار مصيبا ذات مرة أن نظرة القضاة العمياء إلى التيارات الأدبية مضحكة- بما أنهم ينتقلون قليلا جدا بين الثقافات- لكن هناك فرضية غير مبحوث فيها: إنها كون القضاة، في الحقيقة يشعرون بمرح غامر و لو في عمق الأسلوب السويدي يركزون إختيارهم حول استفزاز سنوي وحيد هو جعل فيليب روث يقول شيئا عن فشله الدائم في الفوز. على مدار سنوات تقول القصة، يقوم روث بالسفر إلى نيويورك، منتظرا في مكتب وكيله للهاتف، و كان قد تم التحضير لعملية إشهار واسعة سيتم إطلاقها و الترويج لها طباعة. هناك كان سيجلس في صالون مهيأ، و قد أعدت المشروبات المنعشة، و في نهاية اليوم ، يقوم بالسفر الطويل التعيس عائدا إلى كونيكتيكوت. بإمكان شارلي كوفمان أن يحصل على فيلم رهيب من هذه الحادثة. المثير للحيرة هو أن فشل روث السنوي المتكرر كان يشار إليه باستمرار، من بين عدد من الكتاب الأمريكيين الكبار الذين لهم الحق في المطالبة بالحصول على الجائزة، من قبيل بينشون و دوليلو، بخلاف أنه بمرح غير قادر على تلقف الطعم، و إذا سئل سيجيب بطريقة فيها عبارات التهاني و يشوبها الغضب عن الظلم الذي لحقه بسبب إقصائه من نوبل. لقد حصل على كل الجوائز الأدبية الأخرى في مجال الكتب، بما فيها جائزة مان بوكر العالمية، جائزة ميديتشي للأجانب، البولليتزر و الجائزة الوطنية للكتاب، موقع هيمنة يجعله في مصف النماذج الأوروبية عن مواطني بلاده عموما،يجعله أيضا ينتظر أكثر. الأمريكية الوحيدة التي تمت الإشارة إليها كمرشحة محتملة لنيل نوبل هذا العام هي جويس كارول أويتس، التي تجعل القلب يغرق لسبب ما له علاقة بنزعتها الستاخانوفية (نسبة إلى أليكسي غريغورييتش ستاخانوف في العمل بصعوبة) و قلة الجاذبية، و تثاقل أغلب أعمالها. و أحسن منها ماريلين روبنسون التي عادت بروايتها الأخيرة «ليلا» ذات الطابع اللا-تجاري للمرة الثالثة إلى المدينة التي كتبت عنها في «المنزل و جلعاد»، و هي قرية صغيرة عير معروفة في ولاية إيوا يتدبر فيها رجل كنيسة عمره 76 سنة حياته الفانية و الروحية، ينظر إلى سطح الأشياء، كانها منكسرة و غير مفرحة كما التي يتمنى قاض من جائزة نوبل. مهما يكن لقد فاز موديانو، هذا جيد بالنسبة له، و لكل المعجبين به حول العالم. و الآن السؤال الأكثر أهمية : من سيكون فيليب روث القادم، البطل الروائي الذي يخسر كل سنة و هل سنترك كل شيء وراء ظهورنا؟ هل هناك أحد، أبيض، ذكر يكتب الرواية يتردد على جانب متلقي التعليقات الحادة، عن الصخب المحيط باهتماماته، و نزعته القوية لابتلاع الغرور الطاغي تلقائيا، و المتعالي في النظر إلى ذاته، الذي قد يصير بعد 10 سنوات من اليوم ترجمة للانتظار السنوي المحبط لجائزة نوبل للآداب؟ تقدم يا جوناثان فرانزن ! إن دورك الجديد بإنتظارك. نشر المقال بصحيفة «ذي غارديان» يوم 09 أكتوبر 2014. تحت عنوان « الفضيحة الحقيقية لفوز موديانو بنوبل هي أن فيليب روث خاسر أكبر مرة أخرى».