خيم أمس هدوء في باب الوادي بالعاصمة الذي شهد يومي الأربعاء والخميس الماضيين احتجاجات شعارها غلاء المعيشة ولم تقطعه إلا بين الفينة والأخرى طائرة مروحية للمراقبة . وعكس ما تردد مساء الخميس والجمعة بتنظيم مسيرة بعد صلاة الجمعة تفرقت جموع المصلين بهدوء دون تسجيل أي حادث يذكر، كما لم يسجل أي حضور أمني في المنطقة عدا الموجود في محيط محافظة الشرطة المعروفة ب"السانكيام" التي تعرضت للرشق بالحجارة. و رغم الهدوء بدا التوتر واضحا في سلوك السكان المقيمين في هذا الشعبي الذي يعج كل نهاية أسبوع بآلاف من سكان الأحياء المجاورة إضافة إلى أبناء الحي الذين انتقلوا إلى الأحياء الجديدة. وسجل إقبال كبير على شراء الخبز في ظل ندرة كبيرة له، و في المخبزة التي لا تقع إلا على بعد أمتار من مقر محافظة الشرطة لوحظ تدافع شديد بين المواطنين للحصول على بضع "باغيتات"، كما لوحظ تدافع مماثل أمام باعة الأرصفة . و لكن بالنسبة لسوق الخضر والفواكه المعروف ب"الثلاثّساعات" لم يشهد أي توتر مع إقبال كبير على شراء الخضار . الباعة القانونيون أو الناشطون في السوق الموازية اللصيقة لا حديث لهم إلا عن ما حدث في الليلة التي سبقت.و على بعد أمتار من مقر الشرطة تجمعت بضع عائلات على أمل زيارة أبنائها الذين تم إيقافهم في الليلة السابقة في أحياء المنطقة خلال الاشتباكات. و تحدث بعض الشباب عن توقيف حوالي 80 محتجا لكن أحد المراهقين الذي سبق له أن تعرض للاحتجاز نفى ذلك لان غرف الاحتجاز في المركز لا تكفي لحمل كل هذا العدد. وفي مدخل المحافظة، جلس رجال الشرطة باللباس الرسمي والمدني يتابعون كل صغيرة وكبيرة في محيط المكان غير بعيد عنهم يرتاح عناصر قوة قمع الشغب بعد سلسلة ساخنة من المواجهات التي تركز أيضا في ساحة الساعات الثلاث والأزقة المؤدية إليها. وقد واجه رجال الشرطة في اليومين الماضيين لحظات صعبة جدا ، لكن وصول التعزيزات وقوات متخصصة سهل وضعهم في البحث و التموقع والانتقال إلى مطاردة المحتجين إلى بقية الإحياء. و بالنسبة للطاقم الطبي والمقيمات في عيادة التوليد المحاذية للمحافظة، يشكل النهار" لحظة هدنة" لديهم ، فالوضع ليلا لا يحتمل بسبب رائحة الغاز المسيل للدموع و الدخان و المفرقعات. واضطرت مصالح المركز في الليتين السابقتين إلى تحويل الأمهات والأطفال حديثيالولادة والحوامل اللائي ينتظرن دورهن للولادة إلى جناح بعيد لحمايتهن من الغاز والدخان المنبعث من الجوار.و قالت مواطنة أن شقيقتها اضطرت لمغادرة المصلحة قبل الأوان لمعاناته من الربو .و بمستشفى الأمين دباغين، الذي نقل إليه أغلب المصابين، رفض القائمون على مصلحة الاستعجالات إخبارنا بالحصيلة لكن ممرض أشار إلى أن اغلبهم من رجال الشرطة.و عاينا لحظة وصولنا إلى مصلحة الاستعجالات مرافقة رجال الشرطة لأربعة موقوفين للقيام بالفحوص قبل تحويلهم للعدالة . و وفق شهادة أحد المصابين فإن بعض من المواطنين تعرضوا لعمليات نهب قامت بها عصابات استغلت حالة الفوضى لاعتداء على الممتلكات العمومية والخاصة، وفي ساحة الساعات الثلاث نجا متجر لبيع الذهب والمصوغات من النهب مرة أخرى لكن وكالة موبيليس التي تقع غير بعيد عنه لم تسلم، ونفس الشيء لمركز بيع البلاط ومتجر لبيع الكاشير.كما تعرض مركز البيع التابع لوكيل سيارات رونو بحي تريولي لخراب كبير على يد شباب استغلوا الفرصة لأخذ ما خف وزنه ثم إضرام النار فيه. ومع حلول مساء الجمعة عاد التجار إلى ما تعودوا عليه في الأيام الماضية: إغلاق المتاجر في ساعة مبكرة ، تحسبا لليلة ساخنة ، أبطالها مراهقون وأطفال، يرشقون الشرطة بالمقذوفات، وهم يرددون "باب الواد الشهداء" و شعارات أخرى.. و أغلبهم لا يفقهون معناها رغم محاولات بعض الأوساط إعطاءها صبغة سياسية، لكن الاعتقاد السائد أن السبب الرئيس المباشر في التظاهرات هو عملية انتقام يقودها بعض باعة الأرصفة الذين منعوا في أواخر السنة من نصب طاولاتهم التي يسترزقون منها في شوارع الحي ضمن حملة وطنية للقضاء على الأسواق الفوضوية، و منع الانتقال إلى المحطة المقبلة وهي إنهاء حالة الفوضى في سوق الساعات الثلاث حيث ينتشر 400 بائع غير قانوني.