تجري في تونس اتصالات سياسية مكثفة ومساعي حثيثة على اعلى المستويات من اجل "رأب الصدع" الذي الحق بالتحالف الثلاثي الحاكم جراء الخلافات حول الصلاحيات الدستورية المخولة لكل من رئيس الدولة ورئيس الحكومة وفق ما ابرزته مصادر المعارضة. وتواجه الحكومة التونسية أشد ازماتها منذ فوزها في انتخابات المجلس التأسيسي التي جرت في اكتوبر 2011 خاصة بعد توقيع 73 نائبا برلمانيا على وثيقة بغية سحب الثقة منها على خلفية قرار تسليم المحمودي البغدادي رئيس الحكومة الليبية السابق إلى السلطات الانتقالية الليبية. ولقد زادت استقالة الوزير المكلف بالاصلاح الاداري محمد عبو في تعميق الازمة لاسيما بعد اتهامه الحكومة ب"التراخي في فتح" الملفات الكبرى المتعلقة بالفساد فيما جاءت تنحية محافظ البنك المركزي مصطفي كمال النابلي لتزيد من حدة التوترات القائمة بين التحالف الثلاثي الحاكم في البلاد والمتالف من حركة النهضة الاسلامية وحزب لمؤتمر من اجل الجمهورية وحزب التكتل الديموقراطي من اجل العمل والحريات. و للاشارة فان الرئيس محمد المنصف المرزوقي اعرب عن معارضتة للقرار الذي اتخذته الحكومة بتسليم المحمودي البغدادي رئيس الحكومة الليبية السابق إلى السلطات الانتقالية الليبية "دون علمه" فيما اثار قرار تنحية محافظ البنك المركزي من طرف الرئيس المرزوقي حفيظة رئيس الحكومة حمادي الجبالي امين عام حركة النهضة الاسلامية. ووسط هذه الأجواء المشحونة يرى المراقبون أن العلاقات بين رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية دخلت مرحلة "حرجة" جراء الخلافات حول الصلاحيات الدستورية المخولة للطرفين. ويرى المتتبعون للشان التونسي ان حمادي الجبالي "ينطلق" في ممارساته السياسة من قناعات حركة النهضة الاسلامية ومن منطلق العلاقات الحزبية مع الحركات القريبة من حركة النهضة فكريا وآيديولوجيا وعقائديا في حين ان الرئيس المنصف المرزوقي يميل إلى الخصوصيات المرجعية الفكرية لحزبه المؤتمر من اجل الجمهورية. ولقد تحول الخلاف بين رئاستي الحكومة والجمهورية إلى خلاف بين حزبيهما (النهضة والمؤتمر) وكتلتيهما البرلمانية وانصارهما عبر الانتقادات الحادة المتبادلة والبيانات والتصريحات النارية والمشادات الكلامية. وبغية تفعيل سياسة الحوار جرت اتصالات بين الرئيس المرزوقي وعدد من قيادات الأحزاب السياسية وبعض رؤساء الكتل البرلمانية لتدارس الوضع السياسي في البلاد وتبادل وجهات النظر حول القضايا الخلافية التي ميزت المشهد السياسي مؤخرا والاشكاليات المتصلة بمسار الانتقال الديمقراطي وآليات عمل مؤسسات الدولة. وفي هذا السياق اكدت الأمينة العامة للحزب الجمهوري السيدة ماية جريبي اهمية الحوار والتشاور في ظل مثل هذه "الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد" فيما عبر الصحبي العتيق رئيس الكتلة البرلمانية لحركة النهضة الاسلامية عن "تمسك" حزبه بالائتلاف الثلاثي الحاكم "كخيار استراتيجي" لاسيما في ظل المرحلة الراهنة. أما زعيم حزب العمال الشيوعي حامة الهمامي فقد أبرز ان هذه اللقاءات تندرج في إطار مبدأ التشاور حول الوضع في المرحلة الحالية وذلك وعيا من كل الأطراف بضرورة تجاوز الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد حاليا والاهتمام بالقضايا "الفعلية" التي قامت من أجلها الثورة. ومن جهته شدد مولدي الرياحي رئيس الكتلة البرلمانية لحزب التكتل على "قيمة" هذا الحوار داخل الائتلاف الثلاثي الحاكم معتبرا أن هذه "التجربة الأصيلة متواصلة" رغم بعض الصعوبات التي ستحل في سياق "التوافق". أما محمد الحامدي رئيس التيار الإصلاحي فقد بين "أهمية" هذه الاتصالات الرامية إلى "تخطي" أزمة الصلاحيات والتجاذبات المرتبطة بها. ومن جهته اكد راشد الغنوشي مؤسس حركة النهضة لاسلامية على أهمية الحوار الذي جمعه بالرئيس المرزوقي والذي برز خلاله "اجماع على ضرورة تدارك الخلافات" التي حصلت مؤخرا "وتطويقها ودعم تجربة التحالف" في الحكم باعتبارها "الخيار الإستراتيجي" لهذه المرحلة" وإحدى الضمانات الرئيسية "للتحول الديمقراطي في تونس".