يتوجه الناخبون في جمهورية افريقيا الوسطى غدا الاربعاء إلى صناديق الاقتراع للادلاء باصواتهم في انتخابات رئاسية وتشريعية تشكل "منعطفا حاسما" في تاريخ البلاد ، وعودتها إلى المسار الديمقراطي بعد صراع طائفي دامي دام أكثر من 3 اعوام. وسيختار 361 ر 871 ر1 مليون ناخب من بين 30 مترشحا للرئاسيات، و 1192 مرشحا ممثلين ل62 حزبا سياسيا و مستقلين يتنافسون على 140 مقعدا في المجلس الوطني (البرلمان). و قد تم حل البرلمان في مارس 2013 و تم تعويضه بمجلس وطني انتقالي وذلك بعد أن أطاح مسلحو تحالف (سيليكا) بالرئيس فرانسوا بوزيزي الذي جاء إلى السلطة عبر انقلاب في عام 2003 ونصب بدلا منه ميشيل دجوتوديا كرئيس مؤقت للبلاد قبل ان يلقي نفس المصير. سلسلة من التأجيلات ... و منافسة منحصرة بين 4 مترشحين كانت اللجنة الوطنية للانتخابات في إفريقيا الوسطى قد قررت إرجاء الدورة الاولى من الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي كانت من المفروض ان تجرى الأحد 27 ديسمبر ، إلى يوم الاربعاء /30 ديسمبر/ لاسباب لوجستية و تقنية. و قبل هذا التاريخ تأجلت هذه الاستحقاقات أكثر من مرة بسبب انعدام الأمن في العديد من مناطق البلاد التى تشهد مواجهات طائفية دامية. كما تم تمديد الحملة الانتخابية التى كان من المقرر أن تنتهى الجمعة الماضية إلى غاية منتصف الليل /28 ديسمبر الجاري/. وسيعرف السباق الانتخابي مشاركة 30 مترشحا، إلا أن التنافس سيكون منحصرا بين اربع شخصيات تعتبر من الوجوه المعروفة في الساحة السياسة، و الاوفر الحظ في الفوز بمنصب الرئاسة، و هم انيسيت جورج دولوغيلي، و مارتين زيغيلي اللذان سبق و ان شغلا منصب رئيس الحكومة في عهد نظام الرئيس الراحل انجي فليكس باتاسي، وعبد الكريم ميكاساووا و بلال ديزيريه نزانجا كولينجبا اللذان تقلدا عدة مناصب وزارية في عهد الرئيس المخلوع فرانسوا بوزيزي. اما فيما يخص الانتخابات البرلمانية فستعرف منافسة شرسة بين أحزاب هؤلاء المترشحين الاربعة للظفر بمقاعد البرلمان. الامن و التنمية .. من أهم الملفات المطروحة خلال الحملة الانتخابية تمحورت معظم البرامج الانتخابية خلال الحملة الانتخابية التي اعقبت الاستفتاء الدستوري الذي اجري في 13 ديسمبر الجاري، حول ملفات الأمن والتنمية في بلد لا زال يرزح تحت ثقل حرب أهلية خلفت مئات القتلى وآلاف اللاجئين، و زجت بالبلد في أزمة سياسية سرعان ما تحولت إلى صراع طائفي وضع في المواجهة كل من تحالف "سيليكا" (إئتلاف سياسي-عسكري مسلم)، وميليشيات "أنتي بالاكا" المسيحية. فركز أنيسي جورج دولوجيليه، رئيس الوزراء السابق من 1999 إلى 2001 في عهد الرئيس الراحل آنجي فيليكس باتاسي في حملته على ضرورة استعادة الأمن والعدالة ليمكنه تطبيق برنامج اقتصادي طموح وجذب الاستثمارات وخلق فرص عمل، قائلا: "من أجل بناء جمهورية إفريقيا الوسطى الجديدة، يجب القطيعة نهائيا مع الماضي، هكذا سنبني جمهورية متحدة بفضل السلام والوفاق الوطني". أما المرشح كريم ميكاسوا (مستقل) فتعهد في حال انتخابه بالدفاع عن "مشروعين بسيطين طال انتظارهما طويلا- كما قال- "أولهما أن نتصالح وثانيهما أن نتطور". و اتخذ المرشح الثالث مارتين زيجيلي آخر رئيس وزراء في عهد الرئيس السابق باتاسي (من 2001 إلى2003 ) شعارا ثلاثيا لحملته الانتخابية بعنوان "مصالحة، تجمع، إعمار". بينما يحمل المرشح بلال ديزيريه نزانجا كولينجبا (59 عاما) برنامجا يهدف إلى تضافر جهود جميع الوطن دون استثناء من اجل بناء البلد لا سيما فيما يخص الامن و الصحة و التربية. و لا يتنافس اي حزب سياسي تابع لميليشيا (السيليكا) على مقاعد البرلمان، غير أن الاقتراع سيشهد مشاركة عشرات المرشحين المسلمين، رغم أنهم اقلية (اي لا يتجاوز عددهم 10 % من عدد السكان البلد الذي يعتبر البلد ال14 منتجا للألماس على مستوى العالم). تأجج الشحن الطائفي أمام عجز حكومة انتقالية لم تفلح حكومة السيدة سامبا الانتقالية في حسم ملفات عديدة من بينها الملف السياسي والملف القضائي (محاكمة مجرمي الحرب ومرتكبي المجازر) والملف الاقتصادي (السيطرة على الموارد ومحاربة الفساد) بل ادخلها ادائها الذي وصف بال"ضعيف" في عزلة في ظل وضع أمني هش و تنامي عمليات السلب والنهب للميليشيات المتصارعة وخصوصا (أنتي بالاكا)، ما ارغم رئيس وزراء محمد كمون بعد تجدد الصراع في العاصمة بانغي، على إعلان حظر التجول تفاديا لمزيد من الانزلاقات و اراقة الدماء. و ظلت الحكومة الانتقالية عاجزة عن تطبيق مخرجات "منتدى بانغي" التي توصلت إليها مختلف الحساسيات السياسية والمدنية، بالمقابل ظلت المليشيات المسلحة وعلى رأسها ميليشا "أنتي بالاكا" وغريمتها "سيليكا" تهدد أمن البلاد، وكان من تداعيات هذا الوضع الأمني المتدهور أن زاد اعتماد الحكومة الانتقالية على جنود بعثة الأممالمتحدة "المينوسكا" وعلى جنود عملية فرنسا العسكرية في إفريقيا الوسطى "سانغاري" وهو ما غيب الجيش الوطني وجهاز الأمن عن المشهد المحلي وجعل أمن البلاد "رهين قوى دولية وخارجية". وقد رسخ الجدل السياسي المحتدم منذ عام 2012 حول وضع الإسلام والقوة السياسية المتزايدة للمسلمين في الحياة العامة في جمهورية أفريقيا الوسطى، الصراع بين السياسيين. و لعل تجدد العنف الطائفي في البلاد نهاية شهر سبتمبر 2015 جسد هذا المعطى عندما تفاجأ سكان حي (الكيلومتر 5) بالعاصمة ذت الاغلية المسلمة بجثة سائق شاب مسلم مذبوح مرمية قرب مسجد عشية عيد الأضحى (25 سبتمبر 2015)، و رأوا في الحادث استفزازا للطائفة المسلمة. و لايغدو هذا الحادث حلقة متجددة من مسلسل العنف التي عرفته البلاد في أكتوبر 2014 بالرغم من توقيع الأطراف المتصارعة اتفاق وقف القتال والعنف في 23 يوليو من نفس العام ببرازافيل عاصمة الكونغو.