بعث رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، برسالة الى أعضاء البرلمان بمناسبة التصويت على تعديل الدستور قرأها رئيس البرلمان عبد القادر بن صالح. فيما يلي نصها الكامل : "السيد رئيس البرلمان السيد رئيس المجلس الشعبي الوطني السيدات والسادة أعضاء البرلمان "تسجل بلادنا اليوم صفحة جديدة من تاريخها السياسي والدستوري، وتفتح بذلك عهدا واعدا لشعبنا، عهدا يتميز بتطورات ديمقراطية معتبرة، ومتسمة خاصة بمكاسب لا رجعة فيها ، غايتها الحفاظ على الثوابت الوطنية والمبادئ المؤسسة لمجتمعنا. ويطيب لي في هذا اليوم التاريخي أن أحي روح المسؤولية العالية والوطنية والتبصر التي برهن عليها بكل عزم أعضاء البرلمان من كل الإتجاهات السياسية والتيارات الإيديولوجية المختلفة. إنكم بمصادقتكم، اليوم، بأغلبية واسعة على مشروع القانون المتضمن تعديل الدستور، الذي تم عرضه على مجلسكم الموقر، قد عبرتم بصفتكم ممثلي الأمة، عن مساندتكم للتصورات الديمقراطية التي يطمح هذا النص الجديد إلى تحقيقها. وإذا كانت هناك معاينة تفرض نفسها، فهي بالتأكيد الدليل على حيوية ديمقراطيتنا الفتية والحركية المتواصلة التي تبعث النشاط والحياة. في الواقع، إذا كان هناك عدد من البرلمانيين قد صوت ضد المشروع، وعدد آخر قد فضل الإمتناع ، فذلك يكشف عن برلمان يعمل بإيقاع ديمقراطية تعددية، برلمان تم اختياره بحرية من قبل الشعب للتعبير عن إرادته، يعكس تنوع تيارات الأفكار والآراء التي تسود مجتمعنا. سيداتي وسادتي، عندما اتخذت قرار المضي بمسار الإصلاحات إلى نهايتها، في جانبها السياسي، كان هدفي قبل كل شيء، الإستجابة للتطلعات المشروعة لشعبنا، انسجاما مع المتغيرات التي يشهدها العالم ، وتعميق الديمقراطية ودعم أركان دولة القانون، وكذا توطيد الضمانات الدستورية لترقية وحماية الحقوق وحريات الإنسان والمواطن في بلادنا. وكما تعلمون، فإن قرار الشروع في إصلاحات سياسية، قد تم بعد تلك التي شرعت فيها قبل بضعة سنين حول الوئام المدني والمصالحة الوطنية بهدف أصبح ذا أولوية عالية، وهو استعادة السلم وأمن الأشخاص والممتلكات في بلادنا، كما التزمت بذلك عام 1999. لقد عاد السلم إلى القلوب والأذهان بعد سنوات طوال من إرهاب همجي كان هدفه الأساس تحطيم أسس الدولة، وإنكار حق الجزائريين في الإختلاف، بل حتى حقهم في الحياة. إن صورة الجزائر التي كانت مشوهة بفظائع هذه الظاهرة التي تعود إلى عصر آخر بائد، قد تغيرت كليا اليوم، لتفسح المكان لجزائر هادئة ومتصالحة مع نفسها، جزائر متوجهة بعزم نحو المستقبل في كنف الحداثة. وفي هذا الشأن، فإنه من الإنصاف ولا شئ آخر غير الإنصاف أن نعرب مجددا وعلانية عن بالغ التقدير والإكبار لشعبنا الأبي، لما قدمه من تضحيات جسام، وأن نحيي مرة أخرى الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني بكل جدارة، في بطولته وشجاعته. كما نحيي مختلف أسلاك الأمن في تفانيها وعزمها الرائع، دون أن ننسى بالطبع كل النساء والرجال الذين رفعوا صوت الجزائر عاليا، بالقلم والصورة والكلمة، في الوقت الذي وجدت نفسها وحيدة في مواجهة المحنة، وفضلا عن ذلك خاضعة لحصار تعسفي شبه كامل على مدى أعوام طويلة. إن المعركة ضد الإرهاب لم تفرض على بلادنا تجميد مؤسساته، ولم توقف مسار تعميق الديمقراطية التعددية، ولا أن تتجاهل جهود التنمية الوطنية. بل بالعكس، فقد عززت هذه المعركة في آن واحد، من إصرار شعبنا على رفع التحديات وتعبئة الطاقات لتحقيق المزيد من المكاسب الديمقراطية ومواصلة وتيرة البناء الوطني. إذا كان فعلا أن الآثار الإقتصادية المترتبة عن انخفاض أسعار المحروقات، على غرار بلدان أخرى، بإمكانها أن تؤثر حاليا على إعادة تقويم وتيرة الأولويات الوطنية، فإنها لن تؤثر على إرادتنا في حماية الجانب الإجتماعي. أبدا، لم يساور شعبنا أدنى شك في قدرته على تجاوز المصاعب، كلما وضعه القدر في مواجهة أخطار تهدده، فقد عرف كيف يتحصن بتبصر، ويبرهن على ثباته ومثابرته وصرامته، دون أن يضطرب أو يتزعزع، رافضا كل شكل من أشكال الإنهزامية والإستسلام للأمر الواقع المفروض. شعب وفي لذاته، واثق في قوة شبابه، شباب اليوم الغد، إذ ليس من الصدفة أن يأتي هذا التعديل بتكريس ضمان الدولة للموارد الطبيعية، وكذا الحفاظ عليها لصالح الأجيال القادمة. سيداتي وسادتي، إن الإصلاحات التي باشرناها ليست بالطبع غاية في حد ذاتها، فهي تسمح لمجتمعنا بالإنتقال من مرحلة سياسية ودستورية معينة إلى مرحلة أخرى، أفضل نوعيا، تتجلى عبر الزمن في بناء مجتمع مؤسس على القيم الجمهورية ومبادئ الديمقراطية. يندرج هذا التعديل في سياق هذه الإصلاحات الواعدة بالتجدد الديمقراطي. وكما تعلمون، فقد كانت مسبوقة بإصلاح جزء من الترسانة التشريعيى وبصياغة نصوص جديدة، كنتم فيها، في آن واحد، فاعلين وشهودا، والتي سيتم في الوقت المناسب، إعادة النظر فيها وتعديلها من قبل البرلمان، وذلك على ضوء التعديل الدستوري الذي صادقتم عليه. إن لهذا المسعى فضلا، ولعله ليس الوحيد، في تعزيز استقرار مؤسساتنا وحماية وطننا من أية مغامرة خطيرة. كما سمح هذا المسعى أيضا بالشروع في رصانة ومناخ هادئ في إصلاحات سياسية معتبرة لصالح شعبنا، بالرغم من محيط أمني عدائي مثقل بالتهديدات، في زمن وجدت فيه بلدان أخرى نفسها، للأسف الشديد، بالرغم من رفض شعوبها مستهدفة بأعمال عنف مبيتة لنشر الرعب والفوضى، والذي نتج عنهما، فضلا عن ضخامة الخسائر في الأرواح والممتلكات، استمرار شبح اللاإستقرار السياسي وتأجيل عودة السلم، الذي هو شرط أساس لكل تنمية. وفي هذا الشأن، أود أن أعرب، باسم الأخوة والقيم الإنسانية التي تحيي وتوحد القلوب في مواجهة محنة الآلام، وما عشناه في وطننا من هول الفظائع والجرائم الشنيعة المرتكبة خلال عدة سنوات، أود أن أعرب هنا، مرة أخرى، لهذه الشعوب الشقيقة عن تضامننا الفاعل وصداقتنا الثابتة. سيداتي وسادتي. إنه من الواضح جليا والمعترف به عالميا، أن الديمقراطية ودولة القانون واحترام حقوق الإنسان يشكلون ثالوثا ينبني بصبر ومثابرة، ويتم إنجازه حجرا حجرا من قبل الشعب والمؤسسات التي ينشئها لنفسه في مرحلة معينة من تاريخه، إنجاز يتحقق على مدى الزمن. فلا ينبغي بالتأكيد أن نستورد أو نستنسخ مؤسسات ومفاهيم طبق الأصل، هي نتاج تاريخ خاص بأمم أخرى. كما لا يجب أيضا أن نتبنى نتائج خطابات ونقاشات، حتى ولو كانت صائبة، بتجاهل تاريخها وخصوصيات مجتمعها، لأن التبني الآلي لهذه التصورات الآتية من جهات أخرى، والتي لعلها استطاعت أن تحقق نتائج مفيدة في المجتمعات التي ولدت فيها، ينتج عنه، ليس فقط، الإبتعاد الخطير عن واقعنا الوطني، بل أيضا وخاصة، المجازفة بالتماثل مع هذه البلدان، والتوهم بالإرتقاء إلى مستوى مجتمعات قد تشبعت بممارسة الديمقراطية منذ قرون، إن الديمقراطية بصفتها مبدأ، وبصفتها قيمة، وبصفتها ثقافة وبالنظر إلى عمقها التاريخي والأهداف التي تبتغيها، هي فعلا صرح غير مستكمل دائما، لكنه صرح لا يتوقف عن التجديد. أنا من الذين يعتقدون أن كل مجتمع انساني قادر على الإختراع، قادر على أن يصنع بكل سيادة، وفق إيقاع تاريخه السياسي الخاص وطموحات شعبه، نظاما سياسيا، هو ذاته نتاج ذلك التاريخ، ومستوحي من جهة أخرى، من القيم والمبادئ العالمية، تلك هي قناعتي، وذلك هو الطموح العميق لشعبنا. سيداتي وسادتي. إن التعديل الدستوري الحالي الذي صادقتم عليه، هو ثمرة مسعى شامل ومفتوح باستمرار على مختلف الفاعلين السياسيين والإجتماعيين، مهما تكن اتجاهاتهم الإيديولوجية، وقد ارتكز على مشاورات موسعة قدر الإمكان (الأحزاب السياسية، المنظمات الوطنية، الجمعيات، النقابات، أعضاء البرلمان، شخصيات وطنية إلخ)، ومساهمات خبراء القانون الدستوري، والتي تابعت مجرياتها شخصيا بعناية فائقة. وفي هذا الصدد، وبالنظر إلى أهمية القضايا المطروحة وخاصة تلك التي تتعلق بالتحديدات المعتبرة المتضمنة في مشروع التعديل الدستوري، فقد أفرزت ضرورة الحصول على أوسع توافق ممكن بغية إيجاد الأجوبة المناسبة لمختلف الإنتظارت. لقد أدمج الدستور المعدل الديباجة ضمن النص الدستوري، وبذلك تكتسب قيمة دستورية بنفس مستوى أحكام القانون الأساسي الأخرى، وأصبحت تشكل مصدر إلهام وعمل بالنسبة للمؤسسات المعنية. إن هذا التكريس الدستوري المتعلق بالمكونات الأساسية لهويتنا، وهي: الإسلام، العروبة، الأمازيغية، ينص على أن الدولة تعمل منذ الآن فصاعدا وباستمرار على ترقية وتطوير كل واحدة من هذه المكونات، مؤكدة حرصها على حفظ العمق والخصوصية التي تميزها. فإذا كان الإسلام مكرسا في المادة الثانية من الدستور، دين الدولة، فإن العربية بحكم المادة الثالثة من الدستور، اللغة الوطنية والرسمية، تبقى دوما بحكم المادة نفسها اللغة الرسمية للدولة. كما أن إنشاء المجلس الأعلى للغة العربية يمنحه بشكل مناسب مهمة الإضطلاع بتطويرها وإشعاعها، خاصة بالنظر إلى الحاجة الماسة إليها، وبقدرة امتلاك وسائل استخدامها في العلوم والتكنولوجيا الحديثة، بلا أي تأخر. وفي نفس السياق، فإن أحد الإنشغالات الملحة التي أفرزتها المشاورات تتعلق باللغة الأمازيغية، التي تمت ترقيتها هنا كلغة وطنية عام 2002 من قبل برلمانكم الموقر، وهي مرشحة بحكم التعديل الدستوري للإرتقاء مستقبلا إلى وضع اللغة الرسمية. وبصفتها إرثا عريقا تداولته الأجيال عبر قرون من تاريخ شعبنا، فإن الأمازيغية تستعيد بهذا التعديل مكانتها الطبيعية إلى جانب الإسلام والعروبة، بصفتها هوية وطنية ضمن التراث الذي يتقاسمه مجموع الجزائريات والجزائريين. وإنه يتعين على الخبراء، اليوم القيام بهذه المهمة على أفضل وجه، بكل جهد وشغف في إطار الأكاديمية التي أنشئت لذلك، لتجسيد هذا التطور الدستوري التاريخي. وقد كان لهذا التعديل أيضا غاية، هي الوصول إلى توافق واسع بشأن تكريس وتعميق مبدأ أساسي، يتعلق بالفصل والتعاون بين السلطات، الذي يمثل العمود الفقري للديمقراطية، وأيضا دعم صلاحيات مجلس الأمة بمنحه حق المبادرة والتعديل في المجال التشريعي، وكذلك منح المعارضة السياسية وضعا دستوريا، مما يساهم حتما في بعث حركية جديدة في المؤسسات الدستورية، وتوسيع فضاء الحقوق وحريات المواطن، وتعزيز دولة القانون خاصة من خلال تحديث وظيفة المراقبة من قبل البرلمان على عمل الحكومة، وكذا عبر صلاحيات المجلس الدستوري. وأخيرا تعميق استقلالية القضاء. وفيما يتعلق بالإنتخابات، فإن التجديد المعتبر في النص الدستوري الذي صادقتم عليه يعني خاصة إنشاء هيئة عليا مستقلة لمراقبة الإستشارات السياسية الوطنية والمحلية، هيئة مكلفة بالحرص على شفافية هذه الإستشارات ونزاهتها، وذلك بدءا من استدعاء الهيئة الناخبة حتى إعلان النتائج المؤقتة للإقتراع. مع الإشارة إلى أن هذه الهيئة مستقلة في تركيبتها. وبالنظر إلى المهام الموكلة إليها من قبل الدستور المعدل، والتي ستسهر على تطبيقها انطلاقا من الإنتخابات المقبلة، مما سيضفي على الإنتخابات المصداقية المرجوة، ويعزز أكثر الشرعية الديمقراطية لممثلي الشعب. سيداتي وسادتي، أنتم الذين تمرستم على الحياة البرلمانية، على الأقل بالنسبة لعدد كبير منكم، تشاطرونني الرأي، أنه على غرار اللغة الأمازيغية وإخطار المجلس الدستوري من قبل المواطن، فإن بعض الأحكام الجديدة الأخرى لن تفرز نتائجها المنشودة كليا إلا في مراحل مستقبلية. وأذكر على سبيل المثال، ترقية الحقوق السياسية للمرأة. فكما تعلمون، أن التعديل الدستوري لعام 2008 قد كرس مضاعفة حظوظ المرأة في التمثيل في المجالس المنتخبة، ونتيجة لذلك ارتفع بشكل معتبر عدد النساء النواب، وهو عدد لم يتم بلوغه أبدا منذ استرجاع الإستقلال الوطني، ومن النادر بلوغه حتى في المجتمعات المتقدمة. وفي هذا المجال، فإن التعديل الدستوري الحالي قد سجل تطورا يستحق الإشادة، وهو تكريس مبدأ المناصفة بين الرجل والمرأة في سوق العمل، وتشجيع المرأة على تولي المسؤوليات في المؤسسات والإدارات العمومية، وكذا في الشركات، بغية تجسيد المبدأ الدستوري في المساواة بين الرجل والمرأة. فمن البديهي، أن المناصفة، برمزيتها القوية، ستؤدي إلى حركية حقيقية داخل المجتمع، وتشكل تطورا إيجابيا للذهنيات نحو تفتح والتزام ديمقراطي أكبر، وعندما توفر المرأة لنفسها العوامل الثقافية والمهنية والنزاهة الأخلاقية التي تمتلكها، حينئذ ستدخل المنافسة الإنتخابية بثقة في النفس لتنتزع بجدارة انتصارات جديدة. ومعنى ذلك، أن ما هو مخطط له اليوم لن يتحقق بفعالية إلا بمرور الزمن الذي يساهم على المدى البعيد في التغيير الإيجابي للذهنيات. وفي نفس السياق، يمكن إبراز تجديدات أخرى، مثلما هو الشأن بالنسبة للاستخدام الأفضل لإخطار المجلس الدستوري من قبل الأقلية البرلمانية، وكذا من قبل المواطن بطريقة غير مباشرة، وكلاهما ضمان للممارسة نظيفة للديمقراطية التعددية. إن هذه الممارسة تمثل فعلا أداة شرعية في أيدي المعارضة، تسمح لها بالتعبير الحر في نقاش هادئ رصين، وبالتالي تساهم في تهدئة العلاقات بين الأغلبية والمعارضة. علما أنه في نهاية المطاف، فإن الدستور يعترف لها بحق اللجوء إلى تحكيم المجلس الدستوري بدلا من التعبير عن الغضب بالتجاوز اللفظي أو استعمال العنف. أما بالنسبة لاستخدام الإخطار من قبل المواطن، فإنه يمنح المواطن وضع الفاعل في مسار بناء دولة القانون، لأنه عندما يدخل هذا الحكم حيز التنفيذ، سيسمح له، بفضل اللجوء إلى المجلس الدستوري، باسترجاع حقوقه المضمونة دستوريا، والتي تكون قد أعتد عليها القانون. ومثل ذلك، أحكام أخرى تهدف إلى تعزيز استقلالية القضاء، وسيعود إلى مجلسكم الموقر في الوقت المناسب، دراسة والمصادقة على مشاريع القوانين ذات الصلة. سيداتي وسادتي، إن الصرح الدستوري الذي التزمنا بتجديده معا، تلبية لمتطلبات مجتمعنا والقيم العالمية، والذي ناديت به عدة مرات في مناسبات مختلفة، يجب أن يكون في مستوى طموحات أمتنا، أمة عتيدة مهيبة، وفية لأصولها ومتفتحة على الحداثة. لذلك، وبالنظر إلى أهمية الأحكام الجديدة المدرجة في هذا التعديل، لاسيما تلك التي سيتم تنفيذها في مراحل مستقبلية، فقد قررت بصفتي حامي الدستور استحداث خلية متابعة لدى رئيس الجمهورية، تكون مهمتها الأساسية السهر بعناية على التجسيد الشامل والدقيق لهذه الأحكام في الآجال المحددة، وإبلاغي بذلك بشكل منتظم. سيداتي وسادتي، تجري المتغيرات العالمية بإيقاع متسارع في مطلع هذه الألفية الثالثة. وبما أن بلادنا لم تبق على هامش هذه المتغيرات التي لا رجعة عنها، فقد واصلت جهودها من أجل استكمال المسار الديمقراطي الذي باشرته منذ سنوات. ولذلك يستوجب على وطننا الإنخراط بقوة وعزم في اتجاه مجرى التاريخ. وهنا، ينبغي العمل، ليس فقط على تلبية متطلبات الساعة، بل أيضا لكي يعكس ذلك الطموحات المشروعة لشعبنا، والإستجابة بالأولوية ودون تأخر، لانتظارات شباب واعد لنفسه وللوطن وللمبادئ الجمهورية. ليست جزائر اليوم تلك التي كانت في التسعينيات. لدى جيلنا قناعة أنه أدى ما يجب عليه، في الوقت الذي ينبغي، وبالوسائل المتاحة له. وقد يكون لجيل أخر رؤية مختلفة عن رؤيتنا، سيواصل بأفكار أخرى ووسائل أخرى وطرق أخرى ما أنجزه أسلافه. وسيورث هذا الجيل بدوره، في الوقت المناسب الإنجاز الذي حققه إلى الجيل اللاحق. وهكذا فكل جيل من الأجيال يكون قد ساهم في البناء المتأني للصرح الدستوري، بخصوصية مسعاه وبصماته المتميزة. هكذا تنبني عبر الزمن بخطى ثابتة مع الإستمرارية والتنوع، أسس الأمم القوية بالإرادة الصلبة لشعوبها. وختاما، اسمحوا لي في هذا اليوم المخلد من تاريخ وطننا العزيز، أن أتوق إلى طموح المواطنة المشروعة، طموح متقاسم مع ممثلي الشعب ومتناغم مع مجموع الجزائريات والجزائريين، الطموح في أن ندشن مرحلة تاريخية جديدة، حاملة لتطورات ديمقراطية غير قابلة لأي تراجع لصالح شعبنا، مرحلة حافلة بالوعود الكبيرة لأمتنا".