يعتبر الدستور أسمى القوانين وأهمها في البلاد، فهو الذي يحدد شكل الدولة ونظام الحكم الساري فيها، كما ينظم مختلف سلطات البلاد والعلاقة بينها من حيث التكوين والاختصاص، بالإضافة لضمانه حقوق وحريات الأفراد والجماعات. إن مبدأ سمو الدستور لا يعني عدم امكانية تعديله، فأي عمل بشري يفتقد للدقة المتناهية والكمال المعصوم، كما أن النقص الذي يميز أي دستور يستوجب تعديله وخاصة ما يتعلق بتنظيم السلطات وذلك لتفادي اللبس وتداخل الاختصاصات بينها، كما أن الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية تجعل في بعض الأحيان من بعض مواد الدستور غير مسايرة لتطور المجتمع وهو ما يجعل من أمر التعديل واجبا لتتماشى أحكام الدستور وتطور البلاد ونموها. كما قد يطرأ التعديل على بعض المحاور التي تعتبر جوهرية لأنها تتعلق بتاريخ البلاد ومبادئه والتي تعد أساس تكوين الدولة، وذلك قصد حماية هذه المبادئ وتعزيز مكانتها. - مفهوم وصور التعديل الدستوري: 1- مفهوم التعديل الدستوري: يعرف التعديل الدستوري بأنه إدخال تغيرات أوتعديلات على نصوص المواد التي يتكون منها الدستور، كما يمكن تعريف التعديل الدستوري كذلك بأنه تغيير جزئي لقواعد وأحكام الدستور سواء بحذف أوبتغيير أوإضافة أحكام جديدة. 2- صور تعديل الدستوري: التعديل الجوهري: وهو الذي يمس الأركان الأساسية للدستور بصفته المنظم للسلطات وسيرها والذي يحتاج وضعه وتعديله الى الرجوع للشعب عن طريق الاستفتاء. التعديل الجزئي: وهو تغيير بعض أحكام الدستور دون المساس بالمبادئ العامة التي تحكم المجتمع وحقوق الإنسان والمواطن وحرياتهما، ودون المساس بالتوازنات الأساسية للسلطات والمؤسسات الدستورية. - ضوابط التعديل: إن المقصود بضوابط التعديل هي تلك المواد الدستورية التي يحظر تعديلها، أي التي لا يجب أن يمسها التعديل الدستوري وقد نصت المادة 178 من الدستور الجزائري على أن "أي تعديل دستوري يجب أن لا يمس". - الطابع الجمهوري للدولة. - النظام الديمقراطي القائم على التعددية الحزبية. - الإسلام باعتباره دين الدولة. - اللغة العربية باعتبارها اللغة الوطنية والرسمية. - الحريات الأساسية وحقوق الإنسان والمواطن. - سلامة التراب الوطني ووحدته". فهذه الأركان تعد أركانا جوهرية منع دستور 1996 تعديلها. II) إجراءات التعديل الدستوري: أ - المبادرة بالتعديل من حق رئيس الجمهورية: منح الدستور الجزائري لرئيس الجمهوري حق المبادرة بالتعديل الدستوري لأي مادة أومواد الدستور بصفته ممثلا للإرادة العامة للشعب، وهو ما تنص عليه المادة 174 من دستور 1996:"لرئيس الجمهورية حق المبادرة بالتعديل الدستوري". من خلال ذلك يظهر لنا جليا أن المبادرة بالتعديل الدستوري هو حق دستوري مكفول لرئيس الجمهورية، وله المبادرة بالتعديل بصفة انفرادية ودون مشاركة أي جهة أخرى، وهذا ما نصت عليه المادة السالفة الذكر. كما تنص المادة 177من دستور 1996: "يمكن لثلاث أرباع (4/3) أعضاء غرفتي البرلمان المجتمعتين معا أن يبادروا باقتراح تعديل الدستور على رئيس الجمهورية الذي يمكنه عرضه على الاستفتاء الشعبي". ب - إقرار التعديل الدستوري: منح دستور 1996 في الباب الرابع المعنون بالتعديل الدستوري لرئيس الجمهورية حق الخيار في إما: - عرض مشروع التعديل الدستوري المقترح من طرفه على الشعب من خلال الاستفتاء وذلك خلال 50 يوما الموالية لإقراره. ويصدر رئيس الجمهورية التعديل الدستوري الذي صادق عليه الشعب. أو: - الاستغناء عن الاستفتاء الشعبي، وذلك بعرضه لمشروع التعديل على غرفتي البرلمان والتصويت عليه بأغلبية ثلاثة أرباع (4/3) أعضاء الغرفتين المجتمعتين، وذلك بعد إبداء المجلس الدستوري لرأيه في التعديل المقترح رأيا معللا بعدم مساس التعديل البتة بالمبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري، وحقوق الإنسان والمواطن وحرياتهما وأن لا يمس بأي كيفية التوازنات الأساسية للسلطات والمؤسسات الدستورية. III) محاور التعديل الدستوري الجديد: لقد أعلن رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة عن المبادرة بالتعديل الدستوري من خلال خطاب 29 أكتوبر 2008، وذلك بمناسبة افتتاح السنة القضائية 2008 - 2009، والذي تزامن مع الذكرى الرابعة والخمسين لعيد الثورة 1 نوفمبر 1954. وقد تضمن خطاب رئيس الجمهورية العديد من المقاطع الحساسة والمتعلقة بالتعديل الدستوري والتي نلخصها فيمايلي: "كنت قد أعربت منذ 1999 و2004... عن رغبتي في تعديل الدستور، عندما تكون الظروف مواتية لذلك". "... على ضوء التجربة المعيشة منذ سنوات، ومعاينة تداخل السلطات في ممارستها لمهامها من حين لآخر، فقد برزت ضرورة إدخال تصحيحات مستعجلة على بعض أحكام الدستور، لضمان المزيد من التحكم في تسيير شؤون الدولة". "... ارتأيت إجراء تعديلات جزئية محدودة، ليست بذلك العمق ولا بذلك الحجم ولا بتلك الصيغة التي كنت أنوي القيام بها، التي تتطلب اللجوء إلى الشعب فقد فضلت اللجوء إلى الإجراء المنصوص عليه في المادة 176 من الدستور وإذ تم استبعاد فكرة التعديل الدستوري عن طريق الاستفتاء إلى حين، فإن هذا لا يعني التخلي عنها". "إن من مقاصد مشروع التعديل الدستوري الذي سيعرض على البرمان بعد إدلاء المجلس الدستوري المعلل بشأنه طبقا لأحكام المادة 176، هو إثراء النظام المؤسساتية مقومات الاستقرار والفاعلية والاستمرارية، وهو يرتكز على المحاور التالية: أولا - حماية رموز الثورة المجيدة التي أصبحت رموزا ثابتة للجمهورية... وهذا بإعطائها المركز الدستوري الذي يليق بمكانتها.. ثانيا - إعادة تنظيم وتدقيق وتوضيح الصلاحيات والعلاقات بين مكونات السلطة التنفيذية.. سلطة تنفيذية قوية موحدة ومنسجمة، بإمكانها تحمل المسؤوليات.. ثالثا - تمكين الشعب من ممارسة حقه المشروع في اختيار من يقود مصيره، وأن يجدد الثقة فيه بكل سيادة.. فإن التداول الحقيقي على السلطة ينبثق عن الاختيار الحر، الذي يقرره الشعب بنفسه، عندما تتم استشارته بكل ديمقراطية وشفافية في انتخابات حرة تعددية...". "... حرصنا على أن يتضمن مشروع التعديل الدستوري إضافة مادة جديدة تنص على ترقية الحقوق السياسية للمرأة وتوسيع حظوظ تمثيلها في المجالس المنتخبة على جميع المستويات". "إن ما نبتغيه من التعديل الدستوري هو إضفاء المزيد من الانسجام على نظامنا السياسي بإرساء قواعد واضحة المعالم، وضبط المسؤوليات أكثر فأكثر، ووضع حد للتداخل في الصلاحيات وإنهاء الخلط في المفاهيم". ويرتكز التعديل الجزئي والمحدود للتعديل الدستوري المقترح من طرف رئيس الجمهورية على المحاور والنقاط التالية: 1- حماية رموز ثورة نوفمبر 54 التي هي رموز الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية: وفي هذا السياق اقترح رئيس الجمهورية تعديلا للمادة 5 من الدستور لتنص على أن: "العلم الوطني والنشيد الوطني من مكاسب ثورة نوفمبر 54 وأنهما غير قابلين للتغير" كما تنص نفس المادة على مواصافات العلم الوطني ومضمون النشيد الوطني »قسما« بتمام مقاطعه. إن هذا التعديل يعزز مكانة الرموز السامية للدولة، والتي هي رصيد ومكسب يتقاسمه الأجيال، ويبين مدى الأهمية التي يوليها فخامته لهذه الرموز المقدسة والتي طالما حاول أعداء الوطن وعملاؤهم المساس بها من خلال محاولاتهم الفاشلة، خاصة ماتعلق منها ببتر مقطع من مقاطع النشيد الوطني، وهي المحاولات التي تصدى لها الوطنيون الغيورون على هذا الوطن على مدار السنوات. 2 - ترقية كتابة التاريخ وتدريسه: جاء في المادة 62 من الدستورالحالي أن "على كل مواطن أن يؤدي باخلاص واجباته تجاه المجموعة الوطنية التزام المواطن إزاء الوطن وإجبارية المشاركة في الدفاع عنه، واجبان مقدسان دائمان. تضمن الدولة احترام رموزالثورة، وأرواح الشهداء، وكرامة ذويهم، والمجاهدين". والمقترح في مشروع التعديل هو إثراء هذه المادة بإضافة الدور الموكل للدولة في مجال ترقية كتابة التاريخ وتدريسه للناشئة، كما ينص مشروع التعديل المقترح لنفس المادة على أنه لايجوز لأي كان أن يستأثربها ويسخره لمآرب سياسية (المقصود هوالتاريخ) وبالتالي فإن الدولة هي التي تتولى ترقية كتابة هذا التاريخ وتدريسه والتعريف به. كما تنص نفس المادة في مشروع التعديل على أن الدولة تضمن احترام رموز الثورة وذكرى الشهداء وكرامة ذوي الحقوق والمجاهدين. إن اهتمام الرئيس بهذا الجانب يفسره حرصه على الإسراع بكتابة ملحمة الثورة التاريخية قبل رحيل من صنعوها، وكذا تعزيز الروح الوطنية لدى الجيل الصاعد الذي يشكل مستقبل الجزائر. ويعد التعديل المقترح في هذا المحورضربة موجعة للمؤرخين والسياسيين الذين سولت لهم أنفسهم التشكيك في عدد شهداء الثورة رحمهم اللّه ومن سولت لهم أنفسهم التشكيك في ثورية ووطنية المجاهدين الذين رفعوا السلاح ضد المستعمر في زمن كان مجرد الادلاء برأي مغاير لرأي المستعمر يعتبر جريمة تستوجب الإعدام والقتل والأسر. فتعديل هذه المادة هو بمثابة الجدار الحصين الذي يقف في وجه خونة رسالة نوفمبر المجيدة وأعداء الوطن. فمن يشكك في رقم المليون والنصف المليون شهيد ينسى ربما أن الاستعمار الذي قتل 45.000 جزائري في يوم 08 ماي 1945 و12ألف شخص في 20 أوت 1955، وأكثرمن 500 شخص في مظاهرات 17 أكتوبر1961 في حملة ردع دامت بضع سويعات فقط، والاستعمار الذي قصف قرى ومداشر الجزائر مخلفا مئات الآلاف من الشهداء كيف يمكن التشكيك في امكانية قتله مليونا ونصف المليون من الشهداء وهو الذي أباد ثلثي سكان البلد بين 1830 و1871. كما يعتبر اهتمام فخامة الرئيس بكتابة التاريخ وتدريسه بمثابة حماية لذكرى الشهداء وكرامة المجاهدين والحؤول دون استعمال تاريخ الجزائر لأغراض سياسية، وبمثابة التصدي لبعض المؤرخين الذين يريدون تزويرالتاريخ واحداث توازن بين استعمار فرنسي غاشم وطاغي وبين شعب اعزل ثارلأجل استقلال وطنه. 3 - ترقية الحقوق السياسية للمرأة: في هذا السياق تم اقتراح مادة جديدة وهي المادة 29 مكرر تنص على أن: "الدولة تعمل على ترقية الحقوق السياسية للمرأة من خلال مضاعفة حظوظها في النيابة ضمن المجالس المنتخبة". وستدعم هذه المادة في حالة المصادقة على التعديل الدستوري بقانون عضوي يحدد كيفيات تطبيقها. ان هذه المادة تعبر عن عرفان رئيس الجمهورية لتضحيات المرأة أثناء ثورة التحرير ضد المستعمر، وكذا عن جهودها بعد الاستقلال من أجل بناء وتشييد الدولة وتضحياتها لحماية الدولة الجزائرية من الزوال أثناء العشرية السوداء. ان هذا العرفان يعبر عن مدى رغبة رئيس الجمهورية الممثل لإرادة الشعب في رؤية المرأة الجزائرية تتقلد أعلى المناصب، وكذا لتمكينها من رفع حظوظها في النيابة ضمن المجالس المنتخبة، حيث أنه يكون قد لاحظ ان نسبة مشاركة المرأة الجزائرية في الحياة السياسية تعد ضئيلة جدا رغم الامكانيات الكبيرة التي تتمتع بها هذه الفئة المكونة من إطارات في مختلف القطاعات والمجالات. 4 - موضوع العهدة الرئاسية وتنظيم العلاقات بين مكونات السلطة التنفيذية: تنص المادة 74 من الدستور الحالي "مدة المهمة الرئاسية خمس (5 ) سنوات. يمكن تجديد انتخاب رئيس الجمهورية مرة واحدة". وتنص المادة المقترحة في مشروع التعديل الدستوري على أن "مدة العهدة الرئاسية 5 سنوات ويسوغ لرئيس الجمهورية أن يعاد انتخابه"، وهذا مايؤكد أن التناوب على السلطة حق دستوري مكفول للاختيار الحر للشعب دون ان يتم تقييده بمادة دستورية. كما تضمن مشروع التعديل إعادة تنظيم العلاقات بين مكونات السلطة التنفيذية وتحديدها وضبطها وتوضيحها، دون المساس بالتوازن العام بين السلطات. حيث تنص المادة77 على أن يتولى رئيس الجمهورية تعيين الوزير الأول وإنهاء مهامه له كذلك ان يعين نائبا أوأكثر للوزير الأول لمساعدة الوزير الأول في ممارسة مهامه وهو الذي ينهي مهامهم. كما جاء في المادة 79 على أن يقوم الوزير الأول بتطبيق برنامج رئيس الجمهورية ولأجله ينسق عمل الحكومة التي يقوم باختيارها ولهذا الغرض يحدد برنامج عمله ويعرضه على مجلس الوزراء. كما تضمنت المادتان 80 و81 على أن يعرض الوزير الأول برنامج عمله على موافقة المجلس الشعبي الوطني عند الاقتضاء، يجوزله ان يكيفه بالتشاور مع رئيس الجمهورية على ضوء ماجاء في نقاشه، وفي حالة عدم الموافقة على برنامج عمله من قبل المجلس الشعبي الوطني، يقدم الوزير الأول استقالة حكومته لرئيس الجمهورية. كما يقدم الوزير الأول إلى مجلس الأمة عرضا حول برنامج عمله كما جاءت موافقة المجلس الشعبي الوطني عليه. وعليه ينصب التعديل على إلغاء منصب رئيس الحكومة واستبداله بمنصب الوزير الأول والذي تتمثل مهمته في تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية والذي قد يساعده نائب وزير أول أوأكثر يتولى رئيس الجمهورية تعيينهم. كما يبقي التعديل على مبدأ الرقابة البرلمانية للحكومة في إطار تنفيذ برنامج عملها.
خاتمة: لقد أسلفنا الذكر أن تعديل دستوري لا يرقى الى الكمال، ولابد أن يبقى وسيلة في يد رئيس الجمهورية لتجسيد المبادئ الأساسية للديمقراطية، لحماية مكونات الهوية الجزائرية الثلاث وتدعيمها لترقى الى مستويات أعلى، حماية وتعزيز حقوق الإنسان والحريات الفردية والجماعية، وكذا حماية المبادئ الأساسية لقيام الدولة الجزائرية من رموز الثورة وذاكرة الشهداء وكرامة المجاهدين وسيادة البلاد والتصدي لمختلف الهجمات العدوانية