بعث رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة أمس رسالة إلى أعضاء البرلمان قرأها رئيس البرلمان السيد عبد القادر بن صالح هذا نصها بالكامل: "السيد رئيس البرلمان حضرات السيدات والسادة أعضاء البرلمان إنه ليوم أغر من أيام الجزائر العزيزة يزكي فيه البرلمان بغرفتيه مبادرتنا المتعلقة بالتعديل الدستوري وإنها لفرصة سعيدة أتوجه فيها من خلالكم السيد رئيس مجلس الأمة السيد رئيس المجلس الشعبي الوطني بالتحية الحارة إلى جميع أعضاء البرلمان الموقر معربا لكم عن عميق الشكر والتقدير متمنيا لكم دوام النجاح والتوفيق في مهامكم السامية خدمة لوطننا الحبيب ووفاء للثقة الغالية التي وضعها فيكم الشعب بصفتكم ممثليه الذين يجسدون إرادة الأمة ووحدتها في برلمان ذي تركيبة متنوعة متعددة برزت فيها اتجاهات سياسية جديدة مما يجعل هذا البرلمان ممثلا لشرائح واسعة باختلاف مشاربها داخل المجتمع الأمر الذي يساهم - دون شك - أكثر فأكثر في تعميق وتدعيم الديمقراطية التعددية. لعله من الضروري التذكير من أعلى منبر للبرلمان بصفته المؤسسة التشريعية والرقابية التعددية المستقلة بأنه على الرغم مما عانته الجزائر من ويلات الإرهاب قبل سنوات قليلة فإنها لم تنقلب على الديمقراطية لم تلغ التعددية أو تجمد حرية التعبير أو توصد الأبواب أمام الخارج. بل أكدت بقوة تمسكها بالنظام الجمهوري وأرست علاقات متفتحة متطورة مع العالم فاسترجعت بذلك مكانتها المعهودة المرموقة بين الأمم. ستبقى قناعتنا راسخة بالديمقراطية التي سنظل متمسكين بها خيارا لا رجعة فيه مدركين أنها ليست نموذجا عالميا وحيدا لدى كل الأمم قابلا للإتباع والتطبيق الآلي في كل مكان وزمان بل قد تأخذ أشكالا ومضامين مختلفة حتى في البلد الواحد عبر مراحل متعاقبة مجسدة جميع العناصر المكونة لشخصية الأمة وخصوصياتها المستجيبة لتطلعاتها وإمكانياتها وأولوياتها. وذلك في سياق التفاعل الإيجابي المثمر مع التحولات العالمية. لقد برهنت الدولة خلال السنوات الأخيرة عن حرصها على تعزيز الأطر القانونية ووضع الآليات التنفيذية الكفيلة بضمان تطبيق وترقية الديمقراطية وحقوق الإنسان. إذ لا ينكر إلا جاحد ما تحقق من مكاسب ديمقراطية في مجتمعنا ونحن واعون أنها تجربة صاعدة واعدة في حاجة إلى إثراء وتطوير مستمر.
السيدات والسادة من المعلوم أن الدساتير تعبر عن إرادة الشعب في مراحل تاريخية معينة مستلهمة انشغالاته واختياراته لتنظيم المجتمع الذي ينشده ونظام الحكم الذي يبتغيه. ومن ثم وعلى غرار ما شهدناه من قبل في بلادنا فإن الدساتير قابلة للتحسين من حيث المقاصد والأحكام بما يواكب التحولات العميقة للمجتمع ويستجيب للأولويات الملحة للدولة. اليوم وبعد أن تجاوزت بلادنا والحمد لله الظروف العصيبة التي مرت بها واستقرت الأوضاع فيها سياسيا وأمنيا. وهذا بفضل السياسات الجريئة والرشيدة التي انتهجناها منذ سنة 1999 وعلى رأسها سياسة الوئام المدني ثم سياسة المصالحة الوطنية وكذا برامج تحديث هياكل الدولة ومشاريع التنمية الكبرى، مما انعكس إيجابيا على استقرار وتطور البلاد وأدى إلى تحسن تدريجي ملموس ومتواصل للأداء الاقتصادي والوضع الاجتماعي على السواء. فقد أصبحت مستجدات المرحلة تتطلب مراجعة بعض أحكام الدستور وتكييفه بما يساعد على تفعيل مؤسسات الدولة وتحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية وتكفل أفضل بمقتضيات التسيير والحكم الراشد الذي نعمل على تجسيده في مختلف الجوانب والمستويات بما يمكن من ترسيخ ديمقراطية تعددية ومؤسسات جمهورية عتيدة وشرعية دستورية دائمة. ولهذه الغاية جاءت مبادرتنا لإجراء بعض التعديلات على الدستور الحالي والتي التفت حولها قوى سياسية كثيرة وشرائح واسعة من المجتمع المدني وأثارت أحيانا مواقف وردود فعل متباينة وهذا في حد ذاته مؤشر إيجابي على حركية وحيوية الديمقراطية في مجتمعنا، فضلا عما تولدت عنه من نقاشات سياسية وقانونية ثرية تداولتها منابر إعلامية مختلفة تابعتها شخصيا باهتمام بالغ. وقد ساهم الإجماع الحاصل حول ضرورة التعديل في تعزيز قناعتنا بتحقيق ما توصلنا إليه اليوم معكم. إن القصد الأساس من التعديل الدستوري الذي صادقتم عليه وباركتموه بكل حرية وقناعة ومسؤولية هو تعزيز رموز الجمهورية (من علم وطني ونشيد وطني) وضمان حماية أفضل لها وترقية كتابة التاريخ وتعليمه للأجيال الناشئة وفاء لتضحيات شهدائنا الأبرار وتخليدا للذاكرة الجماعية. وكذا ترقية الحقوق السياسية للمرأة بمضاعفة حظوظها في الولوج إلى المجالس المنتخبة عبر مختلف المستويات مما سيساعدها على تفتح شخصيتها وتعزيز دورها الحيوي في بناء وتقدم البلاد ويحقق للجزائر بلا شك قفزة نوعية في مسار التطوير والتحديث. إن المبتغى من هذا التعديل أيضا هو تعزيز النظام السياسي للبلاد وإثراؤه بما يحقق المزيد من النجاعة والاستقرار السياسي والمؤسساتي للبلاد منطلقين في ذلك من واقع تجربتنا الديمقراطية وخصوصية مجتمعنا مراعين أولويات المرحلة ورهانات المستقبل المنشود متفتحين ومستلهمين من تجارب دول أخرى، مقتنعين أن جوهر الديمقراطية إنما يتجلى في ممارسة الشعب لسيادته عبر الاختيار الحر أي احترام، اختيار الشعب لممثليه على مختلف المستويات عبر انتخابات تعددية نزيهة وكذا الحرص على توفير مختلف الآليات الضامنة لديمقراطية تعددية حقيقية.
السيد رئيس البرلمان السيدات والسادة أعضاء البرلمان كانت سنوات حافلة بالأعمال والإنجازات بلغنا بها مرحلة جديدة عامرة بالأمان والنماء الواعد بمستقبل مزدهر ستتواصل فيه الجهود وفاء من الدولة لالتزاماتها باستكمال تنفيذ برنامج التحديث ومسيرة التنمية الكبرى لتشييد جزائر الألفية الثالثة. إنه ليوم ميمون يبرهن فيه البرلمان الجزائري مرة أخرى - وهو أحد الأركان الصلبة في بنيان دولة الحق والقانون - أنه في مستوى التطلعات الشعبية وتحولات التجربة الديمقراطية في البلاد. وإذ أسجل بكل اعتزاز وتقدير موافقة أعضاء البرلمان بغرفتيه بأغلبية واسعة على مشروع التعديل الدستوري يطيب لي السيد الرئيس أن أحيي من خلالكم كل السيدات والسادة أعضاء البرلمان الموقر ممثلي الشعب بتعدد أحزابكم واتجاهاتكم السياسية واختلاف مشاربكم الفكرية والإيديولوجية. أحيي فيكم روح الوطنية والمسؤولية منوها بتبصركم وحكمتكم في تزكية هذه الخطوة المباركة في سياق دعم مسيرة الإصلاحات المتكاملة المتواصلة التي تقوم بها الدولة منذ سنوات. وبموقفكم الإيجابي هذا إنكم تستحقون منا ومن الجميع فائق التقدير. هنيئا لكم على اجتهادكم وحسن صنيعكم هنيئا للجزائر بهذه المحطة المتميزة على مسار واعد بالمزيد من النجاح و التقدم في تعزيز دولة الحق والقانون والتعددية والديمقراطية الصاعدة في أمة ناهضة متألقة بين الأمم على الدوام إنشاء الله. لكم مني خالص تمنياتي لكم بدوام التوفيق في مهامكم السامية خدمة للمصالح العليا لشعبنا العزيز ووطنا المفدى".