فقدت رياضة الملاكمة الأسطورة العالمية محمد علي، البطل الإنسان الذي حقق الانتصارات على الحلبة وكانت له مواقف إنسانية خارج الحلبة ورفض المشاركة في حرب الفيتنام. وتوفي يوم الجمعة، بطل العالم ثلاث مرات في الملاكمة محمد علي، عن عمر ناهز 74 عاما، بإحدى مستشفيات مدينة فينيكس الأمريكية بعد أن وصل إلى قمة الهرم الرياضي وكان أكثر من مجرد أسطورة رياضية عالمية لا سيما بسبب مواقفه السياسية والاجتماعية. وكان الملاكم السابق قد تعرض يوم الخميس إلى أزمة تنفسية نقل على إثرها إلى المستشفى. وبرز محمد علي كلاي، البطل الأسمر الذي تمكن من الفوز على العديد من الظروف الصعبة، في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. اشتهر البطل باسم كاسيوس كلاي سابقا، في بداية مسيرته وفاز ببطولة العالم ثلاث مرات في الأوزان الثقيلة وببطولة الملاكمة في الدورة الاولمبية في الأوزان نصف الثقيلة عام 1960. وخاض 61 نزالا كمحترف فاز في 56 منها وخسر خمسة. كما توج بميدالية ذهبية في أولمبياد-1960 بروما، وعمره لا يتعدى 18 سنة في وزن نصف الثقيل ليقرر بعدها الانتقال إلى عالم الاحتراف. وفي 25 فبراير 1964 حقق محمد علي لقب بطل العالم في الأوزان الثقيلة بعد مواجهة ليستون وتفوق عليه بالحركة الرشيقة المستمرة والضربات القوية الساحقة. وحظى كلاي في هذا العام بالشهرة بعد إعلان اعتناقه الديانة الإسلامية والتخلي عن اسمه الأصلي ليطلق على نفسه اسم محمد علي. وانخرط في صفوف حركة "أمة الإسلام" التي كانت تضم مالكولم إكس الذي كان يناضل من أجل تحرير مجتمعات السود وإنهاء العنصرية. وأثار الجدل مرة أخرى في 1967 حينما رفض الانخراط في صفوف الجيش التوجه لجبهة القتال في الفيتنام. ليصدر الحكم عليه بالسجن خمس سنوات بتهمة عصيان الأوامر، فضلا عن إيقافه ثلاثة أعوام وتجريده من لقبه. وعلى مدار مسيرته، واجه علي عمالقة اللعبة، بيترسون، تشوفالو، كوبر، لندن، ويليامز، تيريل، فولي و فورمان. وحصل محمد علي في خمسة نزالات على سبيل المثال خاضها بين عامي 1971 و1978 على 43 مليون دولار. ووضع علي القفازات نهائيا بعد خسارته في 11 ديسمبر 1981 مواجهة من الجولة ال10 أمام تريفور بربيك في ناسو عاصمة جزر باهاماس. وفي التاسع من سبتمبر 1984، تبين إصابته بمرض الشلل الرعاش (باركنسون)، الذي يؤدي لتدهور عمل الجهاز العصبي، و أكد الطبيب ستانلي فان من جامعة كولومبيا أن علي أصيب به بشكل مباشر بسبب الملاكمة. ورغم تركه الملاكمة، لم يتخل علي عن الدفاع عن قيم الإسلام ففي نوفمبر 2002 زار أفغانستان كمبعوث السلام من قبل منظمة الأممالمتحدة. كما حضر في نوفمبر 1999 في فيينا مراسم تسليمه جائزة لاعتباره أحد أفضل الرياضيين في القرن ال20 بعد اختياره من قبل لجنة تحكيم دولية. وكان من الواضح أن حالته الجسدية في تدهور برغم قوة إرادته. في الشهر التالي، سلمته مجلة "سبورتس إليستريتد" الأمريكية المتخصصة جائزة "البطل الأعظم في القرن". وبنهاية 2005 كشفت نجلته ليلى أن والدها يخسر في معركة باركنسون وأن الحالة أصبحت متقدمة بشكل كبير. وتسلم البطل في التاسع من نوفمبر 2005 من الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش الميدالية الرئاسية للحرية، وافتتح في 21 من نفس الشهر بمسقط رأسه مركزا يحمل اسمه لنشر أفكاره الإنسانية والثقافية. وأعلن المجلس العالمي للملاكمة في يونيو 2012 أنه سيتم خلال مؤتمره في ديسمبر من نفس العام في كانكون بالمكسيك، منح لقب "ملك الملاكمة العالمية" لعلي وتكريمه بتاج يزن كيلوغرامين اثنين مطلي بذهب عيار 24 قيراطا. وفي 20 ديسمبر 2014 احتجز البطل بالمستشفى نتيجة إصابته بالتهاب رئوي طفيف. "قدوة" تزوج محمد علي أربع مرات كانت آخرها من لوني وله ثمانية أبناء وتبنى تاسع. وانخرطت ابنته الصغرى ليلى علي في عالم الملاكمة الاحترافية (1999-2007) وحققت إنجازات كبيرة على غرار والدها. والتقى الملاكم الراحل بالعديد من زعماء العالم مثل جمال عبد الناصر والملك الحسين بن طلال وملكة بريطانيا إليزابيث ورئيس جنوب أفريقيا الراحل نيلسون مانديلا والبابا الراحل يوحنا بولس الثاني والرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو والرئيس العراقي الراحل صدام حسين وحصل على وسام رئاسي رفيع في عام 2005. وخلفت وفاة الاسطورة العالمية ردود فعل من كل أنحاء العالم من شخصيات سياسية و رياضية. ولم يتأخر الملوك و الرؤساء في تقديم التعازي و الإشادة بخصاله الرياضية و الإنسانية على غرار العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، الذي كتب على صفحات الديوان الملكي الهاشمي بمواقع التواصل الاجتماعي مايلي : "كان محمد علي كلاي بطلا في زماننا وناضل بضراوة في الحلبة كما ناضل من أجل شعبه وحقوقه المدنية في حياته. لقد كان بطلا عظيما توحد العالم إعجابا بأصداء لكماته. رحمه الله". وأثنى رئيس كينيا اوهورو كينياتا الذي أثنى شجاعة وإصرار محمد علي كلاي التي ستبقى مصدر إلهام دائم للعالم مشيرا بأن "العالم خسر اليوم رياضيا كبيرا". أما رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون فقد اعتبر الملاكم الراحل "نموذجا يحتذى به". وكتب كاميرون عبر حسابه على موقع "تويتر" للتواصل الاجتماعي أن "محمد علي لم يكن بطلا في الحلبة فحسب، بل كان أيضا بطلا في الحقوق المدنية ونموذجا يحتذى به الكثيرون". وصرح الرئيس الشيشاني رمضان قديروف بأن أسطورة الملاكمة، الأمريكي محمد على كان بمثابة "قدوة له ليس كرياضي فقط بل كإنسان". وقدم تعازيه عبر حسابه بشبكة "تويتر" الاجتماعية حيث كتب : "محمد علي سيتم ذكره دائما كبطل أسطوري في عالم الملاكمة. قصة نجاح. فليرقد في سلام"، علما بأن قديروف لديه شغف كبير برياضة الملاكمة منذ صغره. من جانبه، نعى عضو فريق البيتلز الشهير السابق رينغو ستار بطل الملاكمة عبر تغريدة قال فيها : "فليبارك الرب محمد علي، الحب والسلام لكل أسرته".