يحتاج كل من مقهى الرمانة و"الفران" (الفرن التقليدي) للحي الشعبي "الرحيبة" بوسط مدينة تلمسان عمليات للمحافظة عليهما بالنظر إلى المكانة التي يحتلانها في الذاكرة الجماعية لسكان المدينة. هذان الفضاءات اللذان يمتلكان ماضيا غنيا يطبعان بأهميتهما تاريخ المدينة خاصة في المجال الاجتماعي والاقتصادي. فمقهى الرمانة الذي يأخذ اسمه من شجرة رمان مزروعة في قلبه له ماض حافل جدا بالأحداث. فالأسطورة تقول أن الشجرة تبلغ من العمر عشرة قرون وفقا لنتائج الورشة الدولية حول التراث العمراني وغير المادي لتلمسان التي انعقدت بمبادرة من جامعة تلمسان. في القديم كان المقهى عبارة عن فندق أو مكانا للإيواء أنشيء في القرن الثاني عشر لاستقبال الأندلسيين المسافرين للحج. كما استخدم أيضا في تجارة الجلود ليتحول خلال حقبة الاستعمار الفرنسي إلى مقهى حمل اسم "مور" والذي اشتهر بإعداد القهوة والشاي بعدة أذواق و نكهات لذيذة بجودة وقيمة عالية و التي يأتي الزبائن من أجلها من أماكن بعيدة في بعض الأحيان. إغلاق المقهى قبل عدة سنوات ولد ألم و تحسر العديد من زبائنه الذين تأسف بعضهم لفقدان أوقات الراحة والفرح التي كان المكان يعطيها إياهم و لعدم تذوق طعم الشاي الفريد من نوعه والذي لا يتواجد في أي مكان آخر و الذي اعتبر إعداده طقسا فريدا من نوعه حسب أحد الزبائن. وقد أصبح الموقع حاليا يستخدم كمكان للتخزين من قبل تجار حي "القيصرية" وهي منطقة التسوق الأقرب منه. ويقع المقهى في قلب المدينة القديمة وكان يعد مكانا للقاء و الاجتماع بين المجاهدين خلال الثورة التحريرية المجيدة حسبما تمت الإشارة إليه. وحسب العديد من الخبراء فإن مقهى الرمانة المحمل بعبق التاريخ يجب أن يستعيد مكانته و طابعه الاجتماعي. -الفران يحتضر على نفس القدر فإن "الفران" أو الفرن التقليدي للرحيبة لا يعيش إلا بفضل أصحاب أكشاك الحلويات الذين يطهون فيه الحلوى التقليدية "الشامية" وهي حلوى شعبية خاصة بشهر رمضان مصنوعة بالسميد بالإضافة إلى تحميص الفول السوداني وبعض المكسرات الأخرى. فطهو الخبز الذي كان يحضره السكان في منازلهم كان أهم نشاط للفران الرئيسي ذهب من غير رجعة فالأشياء تغيرت و العادات و الزمن أيضا إذ أن الخبز لم يعد يصنع في المنزل فإنه أصبح يشترى عند أصحاب المخابز أو المحلات التجارية و أصبح استخدام الفرن على فترات متقطعة سواء لطهو الحلويات الخاصة بعيد الفطر أو اللحوم خلال عيد الأضحى. وبموقعه في الساحة المركزية" للطحطاحة" و هي فضاء عمومي بالرحيبة قدم هذا الفرن خدمات كبيرة للسكان إذ صنع بهذا المكان مختلف أنواع الخبز متعدد الأحجام والأشكال والنكهات وهو الشيء الذي أعطى طعما مثاليا لهذا العنصر الأساسي في المائدة الجزائرية. وعلى الرغم من كل هذا الترك و الهجران إلا أن الفرن لا يزال يعمل بالحطب لطهي الخبز لبعض الزبائن "النادرين" الذين لا يزالون يطلبون الخبز التقليدي من الفرن. وفي هذا الصدد ذكر صاحب الفرن "على قلة هؤلاء الزبائن إلا أنهم يشجعونني على القيام بمهنتي و متابعتها". ويبدو الحفاظ على هذا المكان إشكاليا نوعا ما سواء من حيث موقعه أو نشاطه الذي تقلص بشكل كبير إذ يتواجد الفرن اليوم في موقع يعج بالسيارات والحافلات. كما أن الساحة مليئة يوميا بالباعة المتجولين مما يجعل الفرن يفقد دوره. وقد طالبت الورشة الدولية حول التراث العمراني وغير المادي لتلمسان بتعميق التحقيق حول "الفران" من أجل الشروع في إعادة تهيئة هذا الفضاء.