شتان بين مقاهي الأمس و اليوم... بهذه العبارة بدأ بوخاتم نورالدين المير السابق لبلدية وهران حديثه إلينا عن مقاهي وهران، حيث روى وبإسهاب كيف كانت مقاهي الباهية و لا سيما الطحطاحة منها تلعب دورًا في نشر ثقافة الفن الشعبي الأصيل وتنّمي في المواطنين أبجديات حب الوطن وتغرس فيه شمائل الدفاع عنه ضد الإستعمار الفرنسي المحتل بل وحتى تكوين الرياضيين الذين يشرفون الجزائر في مختلف المحافل الدولية بخلاف مقاهي اليوم التي أضحت أماكن للتسلية ونسج العلاقات الغرامية وشرب السيجارة و الشيشة والتصادم بين أنصار ناديي البارصا والريال وتضييع الوقت في الكلام الفارغ الذي لا فائدة منه... إلخ وحتى لا نطيل عليكم ونترككم لمتابعة هذه الجولة التاريخية وحتى السوسيولوجية لمقاهي وهران بين الماضي والحاضر والتي تجعلكم تحنون إليها وتتمنون عودتها من جديد وإذا أردتم التأكد من ذلك إسألوا أجدادكم إن كانوا أحياءً عن مقاهي الطحطاحة وسفنج التونسي وبولحية والقبايلي إلخ حتى تدركون معنى هذا الكلام الذي قلناه سابقا .... ❊ الطحطاحة في سنوات العشرينيات و الثلاثينيات كانت الطحطاحة في تلك الفترة الزمنية مليئة بالمقاهي حيث كان يزيد عددها عن الثلاثين مقهى وقد إرتأت السلطات الإستعمارية أن تخصص هذه المساحة الشاسعة البعيدة عن وسط المدينة كمكان يلتقي فيه السكان ( الآهالي) من الجزائريين حتى تفصلهم عن المستوطنيين الفرنسيين الذين كانوا يقصدون مقاهي وملاهي ( البلاد)، لذلك كان كل مواطن جزائري من أي منطقة من الوطن يريد زيارة وهران في ذلك الوقت يأتي إلى الطحطاحة ليأخذ قسطا من الراحة فيها، بإعتبارأنها كانت ملتقى لجميع العرب والمسلمين من سكان الآهالي حسب الإعتقاد والتصور الإستعماري آنذاك طبعا، وكشف السيد بوخاتم أنه كان عند مداخل هذه الساحة الشهيرة المتواجدة في قلب المدينةالجديدة عدة إصطبلات توضع فيها كاليشات المواطنين الذين يأتون إليها من خارج الولاية وبعد الإنتهاء من قضاء حوائجهم التي قدموا من أجلها يذهب كل واحد منهم لإرتشاف كأس من القهوة بهذه المنطقة المعروفة، وقال محدثنا بأن الطحطاحة في ذلك الوقت كانت تفوح برائحة القهوة الزكية المنبعثة من هذه المحلات حيث كانت تجذب الزائر من بعيد وأن العديد منهم كان يأتي من مستغانم و معسكر وغليزان وسيدي بلعباس إلخ.. سوى لشرب كوب قهوة من هذه المقاهي المنتشرة عبر كامل أرجاء هذه الساحة المعروفة بالولاية حيث تتحول الطحطاحة إلى معلم سياحي وثقافي يجتمع فيه الناس من كامل أرجاء الوطن يلتقون فيه لتبادل همومهم ومشاكلهم اليومية وتطرقهم إلى معاناتهم المستمرة من ويلات الإستعمار الفرنسي البغيض ولما كيفية التخلص منه نهائيا... ❊ مقاهٍ بنكهة الشعر والقصيد في بداية الأمر كانت مقاهي الطحطاحة قبل الحرب العالمية الثانية أماكن عامة يحضرها الكثير من الشعراء المعروفين في تلك الفترة و قد أكد لنا عمي بوغراسة مخطار الذي حاورناه كذلك و أخذنا شهادته التاريخية حول هذا الموضوع بأنهم كانوا يأتون في كل مرة إلى وهران لتنظيم أمسيات وسهرات شعرية يلقونها على مسامع المواطنين الذين يحبون هذا النوع من الفن الشعبي الأصيل ومن بين الشعراء الذين كانوا يحضرون إلى مقاهي ساحة الطحطاحة لنظم القصائد الشعرية الهادفة يضيف عمي بوغراسة الشيخ حمادة ، والشيخ عبد القادر الخالدي وكذا عبد المولى بلعباس وحتى الشيخ مصطفى بن براهيم و الشيخ بن سمير والحناني إلخ.. ووصف الأجواء وقتذاك بأنها كانت عائلية وحميمية حيث أنه كان كلما يحضر شاعر من الشعراء تمتلئ المقاهي عن آخرها و يستمع الجميع وبإمعان إلى ما يقوله الشيخ من قصائد ذات معاني وأحكام هادفة وملتزمة، كما أنه كان من النادر ما يحضر الأطفال الصغار إلى هذه المجالس الشعرية الشعبية لأنها كانت مقتصرة فقط على كبار السن و القليل القليل من الشباب، وغالبا ما كانت هذه الأمسيات والسهرات الفنية تنظم في مقاهٍ مشهورة و معروفة بجلبها لهؤلاء الشيوخ على غرار مقهى التيجيني وبوبكر الدوايدي و قهوة قوديح والشحمي والمدني إلخ، كما أن هذه المجالس كثيرا ما كانت تنظم في مناسبات دينية معروفة لدى المسلمين كالمولد النبوي وفي رمضان وحتى في عيدي الأضحى والفطر إذا إقتضى الأمر ذلك وأن الدعوة عادة ما تكون عامة، حيث يجلس الجميع على الحصير وأمامهم الشاعر الذي يبدأ في نظم الأبيات الشعرية الملتزمة وما يزّين هذه المجالس الفنية الأصيلة هو رائحة القهوة العطرة المنبعثة من أكواب المقاهي وكذا أطباق الحلوة كالسفنج والشامية و(القازوز) وحتى الكسكس الموزع على الضيوف و المدعوين و يضيف عمي بوغراسة بأن الكثير من الأبيات الشعرية الملقاة في تلك الحقبة الزمنية كانت تحمل العديد من الأمثال و الحكم و أن معظمها كان توعويا وضد الإستعمار الفرنسي لذلك كانت هذه المجالس في الكثير من الأحيان تحت أعين البوليس الفرنسي وبعض المتعاونين معه ليرصدوا كل ما يقوله هؤلاء الشيوخ وقد أعطى مثالا عن الشاعر الشيخ الحناني الذي ألف قصيدة (أصحاب البارود والكرابيلة ) والتي كان يحرض فيها الناس على صعود الجبل ومحاربة الإستعمار وهي القصيدة التي سببت له عدة مشاكل ودخل من أجلها إلى السجن . ❊ نوعية جيدة وببضعة ( صولديات ) ! أكد عمي بوغراسة أن مقاهي الطحطاحة الشهيرة في تلك الحقبة الزمنية الماضية كانت تقدم أكواب قهوة مختلفة عن تلك التي تقدم حاليا ، حيث صرح بأنها كانت تطهى في أفران توقد بمادتي الحطب و الفحم و كانت تقدم في أكواب من الفخار حتى تحافظ على حرارتها ومذاقها وكشف لنا نفس المتحدث بأن أصحاب المقاهي كانوا في الماضي يستعملون (الوجاق) وهو عبارة عن إبريق متوسط الحجم به يد طويلة من المعدن يملؤها الطاهي بالبن ثم يضعها على النار حتى تطهو لتقدم ساخنة للزبائن و قال لنا بأنه زيادة على نوعيتها الجيدة والطيبة التي كانت تتميز بها فإنها كانت تباع بأثمان منخفضة للمواطنين حيث صرح بأن مقاهي الطحطاحة كانت مقاهٍ لجميع شرائح المجتمع للاغنياء ولذوي الدخل المتوسط وحتى الفقراء و المساكين لذلك كانت الحياة الإجتماعية في تلك الأيام الغابرة جميلة، سهلة وتتميز بالوقار والإحترام وكان الشباب والأطفال الصغار نادرًا ما يرتشفون أكواب قهوتهم مع الكبار والمسنين الذين كانت لهم مجالسهم و مقاهيهم التي يجلسون فيها وبالخصوص تلك التي تقوم بتوجيه الدعوة للشعراء والشيوخ الفطاحل وأنه كانت هناك مقاهٍ أخرى لفئة الشباب الذين كانوا يقصدون مقاهي فريد و عبد الحليم وأم كلثوم وإسمهان إلخ ..... ❊ يا حسراه على قهوة فريد ، عبد الحليم و أم كلثوم يقول السيد نورالدين بوخاتم إن ساحة الطحطاحة كانت عبارة عن خشبة مسرح تحوي على فسيفساء متنوعة من الثقافات بإعتبار أنه كانت توجد مقاهٍ خاصة بالشباب الذين يحبون و يعشقون الفن المصري ولاسيما بعض الفنانين المشهورين الذين سطع نجمهم في سماء أم الدنيا و نعني بالخصوص فريد الأطرش وعبد الحليم حافظ والفنانة الكبيرة أم كلثوم، حيث إهتدى بعض أصحاب المقاهي في ذلك الوقت إلى إقتناء آلات موسيقية تعمل بالأسطوانات و كان كل واحد منهم مختص في بث أغاني أحد المغنيين المصريين المذكورين آنفآ، لذلك كانت هناك في ساحة الطحطاحة قهوة تحمل إسم فريد الأطرش و قهوة عبد الحليم حافظ و قهوة أم كلثوم وإسمهان إلخ و يضيف نفس المتحدث بأن الشباب الوهراني وحتى شباب المناطق المجاورة لوهران في تلك الفترة كان مغرمًا بهؤلاء الفنانين لذلك كان العديد منهم يرتشف كوب قهوته من المقهي الذي يبث أغاني الفنان الذي يعشقه و هو ما حوّل ساحة الطحطاحة إلى لوحة فنية جميلة فيها مقاهي الشعر البدوي و مقاهي الفن المصري العفيف ومقاهي للرياضيين العاشقين لكرة القدم ولاسيما فريق ليزمو وحتى مقاهي لنشر الوعي السياسي الثوري الذي مكّن العديد من الشباب من الإنخراط في الحركة الوطنية فيما بعد . ❊ أشهر الرياضيين في كرة القدم والملاكمة مروا من هنا يؤكد عمي بوغراسة مخطار بأن فريق ليزمو هذا النادي الكروي العريق كان له مقهى خاص به في الماضي لكنه إندثر وتحول الأن إلى محل تجاري للأسف و صرح نفس المتحدث بأن هذا المقهى كان يقع في وسط ساحة الطحطاحة حيث كان يلتقي فيه أشهر لاعبي الإتحاد الرياضي الإسلامي لوهران الذي تأسس في سنة 1926 لأخذ قسط من الراحة و التحدث عن مباريات نادي ليزمو التي لعبوها ضد خصومهم الكرويين و كذا المواجهات التي تنتظرهم في مختلف المنافسات و ما ينبغي فعله لتشريف ألوان النادي خاصة و ولاية وهران و الجزائر عامة .... ، لهذا كان مقهى ليزمو عبارة عن مكان تلتئم فيه كل العائلة الرياضية للباهية و من مختلف الإختصاصات كما أنها كانت تمتلئ يوميا بمناصري النادي من أبناء المدينةالجديدة وباقي أحياء الباهية وهران الذين كانوا يحفزون اللاعبين على الإنتصار على الفرق الأوروبية التي يقابلها ليزمو بل و أنهم كانوا يدعمونهم ماديا و معنويا حتى يرفعون ألوان النادي عاليا ومن بين اللاعبين الذين كانوا يأتون إلى هذه المقهى لقضاء فيها سويعات مع مسيري و أنصار النادي يضيف السيد نورالدين بوخاتم بن عمار الميلود و بن سراج و بوجلال المدعو ( تشانجو) و فنون و العربي و الإخوة بن جهان إلخ و قد كانت هذه المقهى مكانًا مفضلا لمناصري إتحاد وهران كي يحتفون بناديهم و لساعات متأخرة من الليل لاسيما عندما يحقق نتائجًا إيجابية ، حيث يلتقون في هذا المكان ليتلذذوا بحلاوة الفوز بكوب قهوة أو شاي معطر ، كما أن الكثير من أغاني الفريق التي كانت تغنى في مختلف المدرجات كانت تؤلف بهذه المقهى و نذكر على سبيل المثال أغنية شهيرة كان يرددها المناصرون وقتذاك حتى نسترجع وإياكم حنين الماضي لهذه المقاهي التي كانت متواجدة بساحة الطحطاحة الشهيرة . ليزمو تلعب السبور ❊❊❊ و ما تبغيش لي يكفر ليفرار بن جهان ❊❊❊ أريار كوم إين باريار إذن كانت الحركة في ساحة الطحطاحة نشيطة ثقافيًا ، دينيًا و حتى رياضيًا حيث يرجع الفضل في ذلك إلى المقاهي التي كانت بالفعل تجمع وتوحد وتآخي بين الجزائريين بالرغم من آثار الإستعمار الفرنسي الذي عمل على بث الفرقة فيما بينهم حتى يسود و يبقى في بلادنا الطاهرة . إحتفالات دينية خالدة و سهرات رمضانية حتى الفجر من بين الأمور التي لا يزال السيد بوخاتم نورالدين يحتفظ بها إلى حد اليوم فيما يتعلق بأهم الأمور التي كانت تميز مقاهي الأمس عن اليوم هي مشاركتها في إحياء الإحتفالات الدينية الخالدة و لاسيما إحياء السهرات الرمضانية لشهر رمضان المعظم ، إذ و مباشرة بعد الإفطار تفتح هذه المحلات أبوابها أمام المواطنين الذين يلتقون في هذه المقاهي لإرتشاف أكواب من القهوة أو الشاي و حتى تناول قطع من الحلويات الشرقية كالشامية و الزلابية و صبع القاضي إلخ ، كما أن الكثير من المقاهي كانت تشارك في إحياء هذه السهرات الرمضانية من خلال إفساحها المجال للشعراء كي يلقون أبياتًا شعرية تمدح الرسول صلى الله عليه وسلم و تبارك بعودة الشهر الفضيل باليمن والبركات على جميع المسلمين ، فكانت هذه المقاهي عبارة عن أماكن للراحة وللترويح عن النفس بعد يوم مليء بالتعب و الجهد المضني، ويضيف عمي بوغراسة بأنه لما كان شابا صغيرا كان يستيقظ باكرا للعمل في الميناء وأنه بعد الإنتهاء من شغله في المساء، يستحم ، يغير ملابسه ثم يذهب إلى أحد مقاهي المدينةالجديدة ليشرب كوبًا من القهوة رفقة أصدقائه ، وأنه بمجرد أن يجلس لبعض السويعات في هذا المكان يبدأ في إسترجاع قواه و ينسى ذلك اليوم المتعب و المضني الذي قضاه في الميناء ، و قال لنا بأن شهر رمضان كان ينقضي بسرعة كبيرة نظرًا لأنهم كانوا يقضون أوقاتًا جميلة و ممتعة في هذه المقاهي التي كانت تمتلئ عن آخرها بالزبائن حتى أن العديد منهم كان يجلس خارج المقهى لتتجنب الزحام و كثرة الكلام و يبتعد عن كل أشكال الصخب التي عادة ما تشهدها هذه المحلات التجارية ، و يعقب السيد بوخاتم كذلك أن الإحتفال بالمولد النبوي في تلك الأيام الملاح ستبقى خالدة إلى الأبد حيث أن الإحتفالات كانت تدوم أسبوعا كاملا وكانت تزينها فرق الفانتازيا كالفرقة الزهوانية الشهيرة و فرقة الحاج عواد اللتان كانتا تنشطان هذه المناسبة الدينية الشريفة بإحيائها لعدة عروض و رقصات شعبية ضاربة في أعماق التراث الثقافي الجزائري الأصيل وإطلاقها لطلقات البارود المدوية ، كما كانت العديد من المساجد و الزوايا تشارك في هذه الإحتفالات الدينية بتقديمها الكسكس و القهوة والشاي لزوار مدينة وهران الذي يأتون لقضاء أغراضهم ، لذلك كانت هذه المقاهي المذكورة آنفًا أماكنا تجارية و في نفس الوقت كانت تساهم في توطيد اللحمة بين الجزائريين و تدافع عن الهوية الثقافية للمواطنين و تحافظ على الدين الإسلامي من خلال مشاركتها في إحياء المناسبات الدينية المختلفة ... ❊ شهداء .... فنانون و أبطال خالدون إتفق عمي بوغراسة و السيد بوخاتم على أن هذه المقاهي كانت عبارة عن مصنع حقيقي لا ينجب سوى الأبطال و الزعماء و الشخصيات الخالدة و المتميزة ، فمقاهي قلاطي و الشحمي و القهوة الإسلامية و التيجيني و سيدي بلال وقهوة فريق ليمو ( الوفاق الإسلامي لوهران ) و بوبكر الدوايدي و قهوة قايدعمر الشهيرة بحي الدرب و الحبيش بساحة أول نوفمبر( بلاس دارم ) و لشلاش و بن شراب إلخ ، لم تكن فقط أماكن للتجارة و الترويح عن النفس و التخفيف من وطأة التعب و الإضطرابات اليومية ، بل كانت شاهدًا على صناعة لمعدن نفيس من الرجال النشامى الأبطال الذين خلّدوا أنفسهم بأحرف من ذهب في تاريخ الجزائر الطويل فمن بين الأسماء التي كانت تتلقى تكوينها وتعليمها و دروسها في الروح الوطنية و الذوذ عن الوطن و الدفاع عنه من هذه المقاهي نذكر مثلا الشهيد أحمد زبانة و الشهيد حمو بوتليلس والشهيد قوناني وحارس المولودية السابق فريحة بن يوسف و الملاكم البارع طابلي و تولة قدور و حتى عدة مجاهدين يُشهد لهم برباطة جأشهم و شجاعتهم الفائقة حيث نذكر مثلا المجاهد الكبير الذي وافته المنية مؤخرا أحمد بوشعيب والمغني الوهراني الشهير بلاوي الهواري الذي عذبه الإستعمار الفرنسي في السابق وكذا النميش المدعو سي البختي و كذلك الرائد سي موسى و الحاج الميسوم وكذا الحاج محمد عبدالرحمان إلخ .... وحتى بعض الرياضيين الكبار الذين رفعوا الراية الوطنية عاليا في مختلف المحافل الدولية على غرار حسين الخالفي بطل فرنسا السابق في الملاكمة و الرياضي المرحوم عبد القادر مانا بطل فرنسا في رفع الأثقال و حتى الملاكم الشهير قوديح المتواجد حاليا في الولاياتالمتحدةالأمريكية و اللاعب السابق للوفاق الإسلامي لوهران قناوي ... هذا دون أن ننسى بعض الفنانين و المغنيين المشهورين كأحمد وهبي ، بلاوي الهواري و كذا علي الكحلاوي و كذا أحمد خشعي الذي كانت له فرقة مسرحية تدعى فرقة الشباب و فرقة النجاح للشهيد حمو بوتليلس و أوركسترا الموجي التي كانت تنشط بعض الحفلات و الأمسيات الغنائية في مقهى قلاطي والشيخ بن سمير المدعو الطير الأبيض صاحب قصيدة (بيا ذاق المور) حيث كان شخصية جميلة ولايرتدي إلا اللباس الأبيض كما كانت كل عائلته من الفنانين على غرار إبنه عبد القادر المدعو (بيدقة) وإبنه قدوري و حتى ميسوم والمرحوم غالي و بلخيثر بشاعة صاحب مسرحية ( بوطرطيقة راجل مهبول) وحتى عمي التازي والد بلاوي الهواري و صابر الهواري و بن زرقة و عبد القادر الخالدي و آخرين لا يسعنا أن نذكرهم جميعهم ، غير أن الشيء الأكيد هو أنهم كانوا كلهم رموزا حقيقيين لمدينة وهران إستطاعوا أن يصنعوا التاريخ من قلب هذه المقاهي البسيطة التي نحن في مسيس الحاجة إليها و أننا إلى بحاجة إلى مثل هذه القلاع التي لم تكن فقط أماكنًا لتضييع الوقت و الهروب من العمل والإدارات للجلوس فيها و ترك المواطنين ينتظرون لعدة ساعات أمام الشبابيك و عقد اللقاءات الغرامية وشرب السيجارة بالنسبة للذكور والإنات إلخ و الصدام و الإقتتال بالسيوف و الخناجر من أجل مباراة في الكلاسيكو بين الريال ومدريد إلخ و يشدد عمي بوغراسة بأنه حتى في مقاهي زمان كان الناذل نظيفا يرتدي ملابسًا محترمة و يتحدث بلغة في غاية اللباقة ويسرع في خدمة الزبائن إلخ... هكذا هي المقاهي الحقيقة التي إندثرت معظمها و تحولت إلى محلات لبيع الملابس والأحذية في الطحطاحة. ❊ الوداد ...... قهوة الثوار هذا المقهى التاريخي يوجد في قلب مدينة وهران و هو أول مقهى يتواجد خارج ساحة الطحطاحة في قلب حي أوروبي وقد حوّله الإستعمار الفرنسي فيما بعد إلى مركز لتعذيب المجاهدين وكان بالفعل قلعة حقيقية لزرع الوطنية في نفوس الجزائريين عامة و الوهرانيين خاصة لأنه كان يلتقي فيه العديد من زعماء الحركة الوطنية المعروفين في الماضي على غرار فرحات عباس و ميلود شريقي و الرائد بن أحمد و بوشعيب و النميش و سويح الهواري و حيرش إلخ فكان هذا المكان من أهم المقاهي التي كانت تعقد فيه إجتماعات المسؤولين الجزائريين الذين كانوا يحضرون للثورة و التخطيط لعدة عدة عمليات إستهدفت الكثير من المواقع الإستعمارية الفرنسية مما تسبب في إزعاج السلطات الإستدمارية التي قامت بغلقه بإعتباره كان يشكل خطرًا على النظام العام كما حوّلته إلى مركز لتعذيب الثوار و المجاهدين ... فما أحوجنا إلى مثل هذه القلاع التي تسهم في نشر الوعي الملتزم البناء الذي يغرس في النشء القيم الوطنية السمحاء و تنفخ فيه مبادىء الوحدة و المصالحة و الصداقة ، لذلك كانت قهوة الوداد ودادية سياسية و ثورية لكنها تحولت اليوم إلى مطعم عصري بكراسٍ و طاولات جديدة و آلات حديثة لطهي مختلف المأكولات الغذائية للزبائن الذين يقصدون هذا المطعم الذي يخفي وراءه ذكريات تاريخية عظيمة و كبيرة . ❊ هكذا كانت يوميات شباب وهران المشاكس أكد لنا عمي بوغراسة أن شباب وهران أيام الإستعمار الفرنسي كانوا بالفعل مشاكسين ، حيث يقول بأنهم كانوا عندما يريدون إرتشاف كأس من القهوة في بعض المقاهي التي توجد في الأحياء الأوروبية ، فإنهم كانوا يرتدون ملابسًا جميلة و أنيقة و يحلّقون شعرهم و لحاهم و يلبسون أحذية نظيفة و ينزلون إلى وسط المدينة مثانى و ثلاثى و رباع و كأنهم أوروبيين ، و هو نفس الرأي الذي شاطره فيه بوخاتم نورالدين الذي أكد لنا بأنهم بالرغم من أن معظم سكان وهران كانوا من الطبقة الفقيرة إلا أنهم أثبتوا علو كعبهم ، حيث أنهم كانوا يتفوقون عليهم في كل شيء لذلك لم يكن بينهم إختلاف كبير من حيث المظهر وأنهم لما كانوا يجلسون في مقاهيهم لا يظهر عليهم أي أثر بأنهم عرب أو جزائريين لما كانوا يمتازون من فصاحة في تكلم لغة موليير و أناقة و جمال منقطع النظير وقد صرح لنا بوخاتم بأنه كان لديه أصدقاء لا يتقنون سوى الفرنسية حتى إعتقد العديد من المستوطنين بأنهم فرنسيين، وأنه لما كان يذهب إلى الشاطئ للإستجمام فإنه كان يذهب رفقة بعض رفقائه الرياضيين من ولاية وهران الذين يمارسون رياضة كمال الأجسام حتى يُظهِروا للفرنسيين الذين يتباوهن بأجسامهم في الشواطئ بأن الجزائريين عامة والوهرانيين خاصة شعب ذواق و متحضر و يعرف معنى الفن بكل أنواعه كالمسرح والسينما وحتى الرياضة بمختلف تخصصاتها ، هذا دون أن ننسى كذلك تشبعه بشمائل الأخلاق و العادات الحسنة والتقاليد العريقة و المتأصلة ، و التي بدأت تتلاشى نوعًا ما في زمننا هذا و التي سنتطرق إليها الأن... ❊ عصر مقاهي الكلاسيكو هذا هو حال مقاهينا اليوم التي إنقلبت 180 درجة عمّا كانت عليه في الماضي ، إذ و زيادة أنها إنتشرت بشكل كبير و عبر كامل أرجاء ولاية وهران فإن البعض منها إنحرف عن الكثير من المبادئ التي كانت تمتاز بها مقاهي زمان ، إذ أن الكثير منها أصبحت و كأنها مدرجات ملاعب بيرنابيو أو الكامب نو ، حيث تتفاجئ بكثرة الصراخ والصخب من قبل المواطنين كلما تقابل البارصا والريال في إطار مقابلات الكلاسيكو، وكأن شبابنا نسي أن الفريقيين أجنبيين عنا و أنهما يمثلان دولة أوروبية تختلف عنا في كل شيء و الغريب في الأمر أن العديد من أصحاب المقاهي قاموا بفتح محلات تحمل إسم الكلاسيكو والبارصا والريال و أسماء أجنبية أخرى دخيلة علينا وأن البعض منهم بات يشترط دفع أعباء مادية جديدة على كل من يريد مشاهدة مباريات الكلاسيكو قد تصل إلى 200 دج أحيانا و أن هذه المقاهي صارت عبارة عن أماكن عامة لجميع الناس للشيوخ و الكهول و الأطفال دون مراعاة عامل السن الذي كان معمولا به الماضي ، و يكفي فقط أن نشير إلى أن العديد من هذه المقاهي التي صارت تبث مباريات الكلاسيكو كثيرًا ما كانت مسرحًا لشجارات بين الزبائن و التي وصلت إلى حد إستعمال السيوف والخناجر ومختلف الأسلحة البيضاء، فما عليكم إلا أن تقارنوا بين قهوة ليزمو ، وليمو في الماضي و ما أنجبته من رياضيين عظام و مقاهي الكلاسيكو التي طرقت أبواب بلادنا مؤخرا و ما أحدثته من قلاقل بين الشباب المنبهر بهذا المسخ ... سيكو عفوا كلاسيكو . ❊ قاعات شاي أم أماكن للفسق والمجون إهتدى بعض أصحاب المقاهي عندنا في هذه الأيام إلى جلب الشيشة للشباب وقد إنتشرت هذه الظاهرة بشكل رهيب و تحولت معظم قاعات الشاي إلى ما يشبه دكاكين بيع القهوة في مصر وسوريا و لبنان ، كما أن العديد منها أضحت مرتعًا للعلاقات الغرامية غير العفيفة و حتى تعاطي المخدرات وكذلك مكانًا لبعض الفتيات لشرب السيجارة والشيشة مقابل دفع مقابلات مادية مرتفعة قد تزيد عن 100 بالمائة، لذلك صار من الضروري أن نذكر الجميع بأن الطابع المادي أضحى هو المتحكم في هذه الحرفة و يكفي فقط أن نشير إلى مسألة مهمة وهي أن قاعات الشاي هذه باتت هي الأخرى مرتعًا لإنتشار ظاهرة المخنثين و المنحرفين و حتى لممارسة الفاحشة بين عشاق الغرام ، فأين هي تلك القيم التي كان يتحلى بها الشهيد حمو بوتليلس و متى تعود تلك الأيام الجميلة لقهوة فريد و عبدالحليم و لماذا إختفت الأمسيات الشعرية لشيوخ البدوي و المدائح الدينية للشاعر الكبير حمادة وعبدالقادر الخالدي إلخ ، هكذا هو واقع مقاهي اليوم التي أمست تبحث عن المال و الربح السريع و كفى فلا بنة و لا ذوق حلو لأكواب القهوة و حتى الكؤوس غير نظيفة و الكراسي و الطاولات مكسرة و غير سوية و قد فاجأنا عمي بوغراسة و بوخاتم نورالدين عندما صرح لنا أن أصحاب المقاهي في الماضي كانوا يحضرون القهوة بالماء المالح و أنهم كانوا يحَلُونها بعلف التمر و طحين العنب والأورجا ولكنها كانت طيبة المذاق ، ذات نوعية جيدة و بأثمان رمزية ، بخلاف قهوة اليوم المنعدمة المذاق المرتفعة السعر و غير صحية كذلك وأنها كثيرا كثيرًا ما تسببت للعديد من الزبائن في آلام حادة على مستوى المعدة . هكذا طفنا بكم في هذه الجولة الحنينية لمقاهي وهران التي وإن لم نذكرها كلها في هذا المقام على غرار قهوة النجاح التي أغلقت أبوابها و قهوة السرور التي كانت متواجدة في شارع العربي التبسي إلى قهوة المسرح بالقرب من المسرح الجهوي لوهران والتي إفتتحت مؤخرًا بديكور جديد إلا أنها كانت شاهدًا على حقبة زمنية خالدة وجميلة بل و حافلة بالأحداث التاريخية التي لا تزال إلى يومنا هذا مدونة بأحرف من ذهب .