لا تزال الأزمة السياسية التي تسبب فيها التغيير الحكومي في تونس, تراوح مكانها, في ظل تمسك كل من رئيس البلاد, قيس سعيد, ورئيس الحكومة هشام المشيشي, بموقفهما حيال الوزراء الذين شملهم التعديل الأخير, في انتظار ما ستفضي إليه الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين, بعد مراسلتها لإبداء الرأي حول هذا "النزاع الدستوري". وقد أكد الرئيس قيس سعيد, الأربعاء الماضي, أن "حل الأزمة القائمة المتعلقة بأداء اليمين والتعديل الوزاري يكون باحترام النص الدستوري لا بالتأويلات أو الفتاوى, التي في ظاهرها حق وفي باطنها تجاوز للدستور, ولا بالبحث عن مخرج قانوني مستحيل". فخلال اجتماعه مع عدد من أعضاء مجلس نواب الشعب, لبحث الوضع السياسي في البلاد, قال الرئيس التونسي أن "التحوير (التغيير) الوزاري الأخير تشوبه العديد من الخروقات, وهي بالخصوص, عدم ارتقاء النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب إلى قانون, إضافة إلى غياب المرأة في الحكومة رغم أن الدستور يضمن تمثيلها, ومدى جدوى اليمين لوزراء تحوم حولهم شبهات فساد". وأكد السعيد, في ذات السياق, حرصه على تطبيق الدستور, ومذكرا بأن "رئيس الجمهورية هو الذي يفصل بين الفصول". وكان البرلمان التونسي قد صادق في 26 يناير الماضي, في جلسة عامة, على منح الثقة بشكل منفرد - وبدون استشارة الرئيس السعيد - ل11 وزيرا تم اقتراحهم من قبل رئيس الحكومة هشام مشيشي, ضمن تعديل في حكومته أعلنه في ال16 من نفس الشهر المنقضي. منذ حصولهم على ثقة البرلمان, مازال هؤلاء الوزراء ينتظرون تسميتهم بشكل رسمي وأداء اليمين الدستورية أمام رئيس البلاد, لمباشرة مهامهم. وأرجع الرئيس سعيد, موقفه إلى تحفظه على بعض الوزراء بدعوى وجود "شبهات فساد وتضارب مصالح تحوم حول البعض منهم". كما أعلن الرئيس التونسي اعتراضه على الإجراءات التي رافقت التعديل كونها "تفتقد سندا دستوريا". ومع احتدام الأزمة, أكد رئيس الحكومة هشام المشيشي, أن الأزمة السياسية التي تمر بها بلاده, تسببت في "تعطيل كبير للمرافق العامة ومصالح الدولة", مستبعدا فرضية استقالته من منصبه. وكان المشيشي قد حذر الأربعاء, من أن بلاده "تشهد إحدى أصعب الفترات في تاريخها, سواء على المستوى الاقتصادي والاجتماعي أو الدستوري والمؤسساتي". وقال خلال اجتماع رئيس الحكومة مع عدد من خبراء وأساتذة القانون الدستوري, وعمداء كليات الحقوق, "للاستنارة بآرائهم" بخصوص أزمة التعديل الوزاري الأخير, وتعطل أداء اليمين الدستورية للوزراء الجدد, إن "الصعوبات والاختلافات التي تفرزها الممارسة على مستوى القرارات القانونية والدستورية" بخصوص ما بات يعرف في تونس بأزمة "أداء اليمين الدستورية", تفرض "الاحتكام والاستئناس برأي أهل العلم والمعرفة والخبرة". اقرأ أيضا : الرئيس تبون يتلقى مكالمة هاتفية من نظيره التونسي "الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين" مطالبة بإبداء الرأي حول النزاع الدستوري وقد وجهت رئاسة الحكومة التونسية, يوم الأربعاء الماضي, مراسلة إلى "الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين" لطلب إبداء الرأي حول النزاع الدستوري مع رئيس البلاد, بخصوص التغيير الوزاري. والهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين هي هيئة قضائية وقتية يترأسها رئيس محكمة التعقيب, تم إحداثها سنة 2014 تعويضا للمجلس الدستوري الذي تم حله. وقد تعثر تشكيل المحكمة الدستورية الذي نص عليه الدستور التونسي, منذ العام 2014, حيث فشلت الأحزاب السياسية في التوافق على أعضاء هذه المحكمة بسبب تباين الحسابات والأجندات المرتبطة بهذه المحكمة. وشرع البرلمان التونسي في تعديل القانون الأساسي المتعلق بالمحكمة الدستورية منذ أكتوبر الماضي, في محاولة لتجاوز العراقيل القانونية التي حالت دون إرسائها, بالرغم من عقد ثماني جلسات عامة لانتخاب أعضائها. وفي انتظار إرساء المحكمة الدستورية, تختص الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين, بمراقبة دستورية مشاريع القوانين المصادق عليها من السلطة التشريعية بناء على طلب من رئيس البلاد أو رئيس الحكومة أو ثلاثين نائبا على الأقل. وكانت رئاسة الحكومة التونسية, قد توجهت سابقا بمراسلة في ذات الغرض إلى المحكمة الإدارية, التي أكدت أن النظر في إشكاليات التغيير الوزاري "مخولة حصرا" للمحكمة الدستورية. وطرح مؤخرا بعض السياسيين التونسيين وفقهاء القانون إمكانية اللجوء إلى ما يسمى بنظرية "الإجراء المستحيل", أي أن يؤدي الوزراء القسم أمام جهة أخرى مثل البرلمان أو هيئة مراقبة القوانين الدستورية أو المحكمة الإدارية. هذا ويشترط الدستور التونسي حسم المحكمة الدستورية في لائحة إعفاء رئيس الجمهورية, صادقة ثلثي نواب البرلمان عليها (145 نائبا), ووجود خرق جسيم للدستور تقره المحكمة الدستورية, التي لم تتشكل بعد في البلاد. ويرى خبراء القانون الدستوري أن الأزمة بين السلطات الثلاث "سياسية بالأساس" وتستوجب حلا سياسيا في غياب المحكمة الدستورية. ويؤكد هؤلاء الخبراء, على أن الحل يكون عن طريق الحوار وتنازل كل طرف سياسي, وأن أفضل هذه الحلول وأيسرها هو قيام رئيس الحكومة بتغيير الوزراء الذين رفضهم رئيس البلاد, يسبب ما يشوبهم من شبهات الفساد, أو أن يقوم بتقديم استقالته. وكان الاتحاد العام التونسي للشغل, وعدد من القوى السياسية, قد دعوا الوزراء الجدد المقترحين في حكومة المشيشي, والذين تتعلق بهم شبهات "الفساد" و "تضارب مصالح", إلى "الاعتذار عن المسؤوليات المسندة إليهم, لتتمكن الحكومة من مباشرة مهامها و تجاوز أزمة أداء اليمين الدستورية".