لا تزال معركة جبل الجرف التي دارت رحاها ذات 22 سبتمبر من سنة 1955 بجبل الجرف (ولاية تبسة) واستمرت على مدار 8 أيام تصنف من بين أهم وأبرز المعارك الثورية التي خاضها المجاهدون في سبيل الاستقلال و استرجاع السيادة الوطنية. وتعد "أم المعارك" كما يطلق عليها باحثون في التاريخ و مجاهدون -و التي ستحل ذكراها ال66 يوم غد الأربعاء- من أبرز محطات الثورة التحريرية، حيث شارك فيها خيرة القادة الثوريين آنذاك على غرار بشير شيحاني وعباس لغرور و عاجل عجول وشريط لزهر والوردي قتال وفرحي ساعي وعمر البوقصي والزين عباد ومحمد بن عجرود وعمار بريك والعيد ساعي وغيرهم. ويشير أحد رموز تلك المعركة، المجاهد الراحل محمد حسن المدعو حمة (1934-2020) في سيرته الذاتية التي صدرت مؤخرا إلى أن معركة جبل الجرف "شكلت نقطة تحول هامة في تاريخ الثورة الجزائرية، حيث عكست المجهودات التي بذلها قائدها الشهيد شيحاني بشير في تنظيم العمل الثوري بمنطقة أوراس النمامشة "المنطقة العسكرية الأولى". وجاء في نفس السيرة الذاتية التي كتبها الأستاذ طارق عزيز فرحاني بأن تلك المعركة التي احتضنها جبل الجرف "كانت نتيجة مجهودات جماعية بذلها عدة قادة ومجاهدين ومتطوعين منذ الأشهر الأولى لتفجير الثورة المجيدة بحثا عن الحرية والاستقلال". ويضيف المجاهد الراحل في مذكراته قائلا: "إن النصر المحقق آنذاك سمح للثوار بالتعرف على نقاط ضعف العدو وطرقه القتالية ضد المجاهدين"، متحدثا عن بعض التفاصيل -غير المنشورة سابقا- أثناء المعركة من بينها تقسيم المنطقة إلى مناطق صغيرة والثوار والقادة إلى أفواج إلى جانب الاشتباكات التي وقعت مع المستعمر. وعلى الرغم من صعوبة تضاريس المنطقة -يضيف المصدر في سيرته الذاتية- والتي وصفها على أنها جبل صخري يمتد على طول 3 كلم محصور بين كهفين عاليين ومكشوفين من السماء ما يجعله عرضة للغارات الجوية، إلا أن المجاهدين استطاعوا منذ فجر يوم 22 سبتمبر 1955 وعلى مدار 8 أيام أن يلحقوا أضرارا جسيمة وخسائر بالغة بالعدو. وقد أسفرت المعركة التي انتهت بعد صراع طويل بانتصار المجاهدين عن سقوط من الجانب الفرنسي بين 600 و700 جندي وعدة أضرار جسيمة في السلاح والعتاد الحربي إضافة إلى استشهاد حوالي 170 مجاهدا من صفوف جيش التحرير الوطني. معركة الجرف ساهمت في تدويل القضية الجزائرية أما أستاذ التاريخ بجامعة العربي التبسي فريد نصر الله، فاعتبر أن ولاية تبسة الحدودية كانت تكتسي أهمية واسعة لدى المجاهدين وقادة الثورة وكانت أيضا محط أنظار المستعمر الفرنسي ما مكنها من تقديم مئات الشهداء من خيرة أبنائها واحتضنت عدة معارك هامة من بينها جبل الجرف وأم الكماكم والجبل الأبيض وغيرهم. وأردف في هذا السياق قائلا أن "أم المعارك" ساهمت في تدويل القضية الجزائرية في أروقة الأممالمتحدة وفي المحافل الدولية وهو ما يبرز أهميتها خاصة بالمقارنة بين مكتسبات الجانبين وضعف الجانب الجزائري من ناحية التجهيزات، إلا أنه تمكن من كسر شوكة المستعمر الفرنسي. وأضاف ذات المتحدث أن فرنسا أدركت بنهاية تلك الملحمة الثورية حجم تمسك الشعب الجزائري بضرورة نيل استقلاله ومدى استعداده للتضحية بكل ما يملك في سبيل استرجاع حريته، مبرزا في هذا الصدد بأنها "كانت بداية سلسلة انتصارات أخرى عبر كامل ربوع الوطن". وجدد الدكتور فريد نصرالله مطلبه بالاهتمام أكثر بالتاريخ الثوري لولاية تبسة من أجل نيل مكانتها التي تستحقها، داعيا إلى العمل على حفظ ذاكرة المعركة وإقامة متحف وقاعة محاضرات تمكن الباحثين من التعرف عليها عن قرب. تجدر الإشارة إلى أن ولاية تبسة ستحيي الذكرى ال 66 لمعركة جبل الجرف بإقامة عدة نشاطات وإلقاء محاضرات بالمناسبة إلى جانب تكريم أسرة المجاهد الراحل محمد حسن المدعو حمة.