أحيت ولاية الأغواط اليوم الخميس الذكرى أل 169 لمقاومة الأغواط التي وقعت يوم 4 ديسمبر 1852 والتي تعد واحدة من الملاحم التاريخية البارزة في مسار المقاومات الشعبية التي واجهت باستماتة بشاعة وأسلحة الدمار التي استعملها الإستعمار الفرنسي الغاشم ضد سكان عزل. وتشهد هذه الواقعة الفظيعة على مدى وحشية القوات الإستعمارية التي استعملت كافة الوسائل الحربية لإحتلال مدينة الأغواط بما في ذلك أسلحة فتاكة على غرار قذائف غازية سامة, وتمكنت بذلك على السيطرة على هذه المدينة المقاومة. وأسفرت المقاومة الشعبية الباسلة ضد قوات الإحتلال الغاشم التي قادتها ثلة من المقاومين الأشاوس حينها إلى استشهاد ثلثي سكان مدينة الأغواط في معركة طاحنة غير متكافئة طيلة يوم كامل التي أبانت من خلالها عن مقاومة واستماتة فولاذية رغم قلة الإمكانيات في وجه جيش مدجج بالأسلحة الحربية المختلفة , حسب شهادات لأساتذة في التاريخ. وأوضح الأستاذ عيسى بوقرين من قسم التاريخ بجامعة عمار ثليجي بالأغواط أن أول استخدام لمصطلح الهولوكوست ظهر بعد هذه المقاومة الشعبية الباسلة التي دارت على محيط المدينة بضفاف وادي مزي, وهذا بعد استعمال قوات الإحتلال الفرنسي قذائف معبئة بالكلوروفورم, وهي مادة كيميائية سامة, والتي تصبح قاتلة حينما يتم إعدادها بنسب مركزة, إذ تتسبب في تهيج الرئة والتهابات حادة في أنسجتها ما حدث اختناقا شديدا يؤدي إلى الوفاة. هذا القصف الكيماوي الذي نفذه المستعمر في حق ساكنة الأغواط العزل ومقاوميها بقيادة أربعة من أبرز قادة المقاومة الشعبية في الجزائر و هم كل من الملثم الثائر ابن ناصر بن شهرة و الشريف بن عبد الله و التلي بلكحل في حين أن القوات الفرنسية كانت آنذاك بقيادة ثلاثة جنرالات, أدى إلى مقتل أزيد من ثلثي ساكنة المنطقة نتيجة استنشاق الغازات السامة وقدر عدد الضحايا حينها ب 2.500 شهيدا من مجموع 3.500 نسمة, وهو تعداد ساكنة الأغواط في تلك الفترة. ودخل جنود الإحتلال إلى المنطقة فوق جثث الموتى المنتشرة في كل مكان, وقضوا في أبشع صور القتل وانتهاك لحقوق الإنسان أيضا على كل جريح أو ممن كان في حالة احتضار, وسجل العديد من المجندين الفرنسيين المشاركين في المجزرة في شهاداتهم "إستغرابهم" للطريقة "غير المألوفة" لهم التي قضي بها على ساكنة الأغواط باستعمال السلاح الكيماوي, كما ذكر ذات الأستاذ الجامعي. وأشار المتحدث أنه و بعد دخول الجنود الفرنسيين إلى المدينة , لجأت نساء ممن بقين على قيد الحياة إلى تمويه أطفالهن الرضع من الذكور ليظهروا على صورة جنس أنثى, حيث وضعن حلقات بأذنهم, وارتداءهم ألبسة فتيات بغرض حمايتهم من بطش الفرنسيين الذين كانوا يقتلون كل طفل من جنس ذكر, إعتقادا منهم أنهم سينتقمون منهم بعد ارتكابهم هذه المجزرة. واعتبر مؤرخون أن استخدام القوات الفرنسية لهذه الطريقة غير الإنسانية كان السبيل الوحيد لإسقاط المدينة التي كانت محصنة جيدا بسور يحيط بجوانبها الأربعة به سبعة أبواب يوجد خلفها رماة يصعب اختراقهم. و عجل استخدام قوات المستعمر للمدافع و قذائف الكلوروفورم بسقوط المدينة و التي كانت هدفا حقيقيا للمستعمر نظرا للموقع الإستراتيجي لها كبوابة لولوج فرنسا إلى الصحراء الجزائرية من أجل بلوغ مبتغى الإستثمار في الثروات الطبيعية الباطنية للجنوب. إبادة جماعية لاحتلال مدينة الأغواط من جهته, أكد مدير المجاهدين وذوي الحقوق لولاية الأغواط, محمد حلموش, أن متحف المجاهد يحتوي على مجموعة من المذكرات لضباط فرنسيين حول مقاومة الأغواط التي يستعرضون فيها صورا بشعة لمجازر ارتكبتها القوات الاستعمارية الفرنسية لاحتلال مدينة الأغواط وإبادة ساكنتها. ومن بين هذه المذكرات, تلك التي صرح فيها أحد الضباط الفرنسيين: "عندما أخفينا كافة الموتى لم يبق أحياء في المدينة إلا عساكر الحملة العسكرية, وكانت كافة البيوت شاغرة من قاطنيها من مختلف الشرائح الاجتماعية, وكأنها مدينة مهجورة". وأضاف في رحاب هذه المدينة الصامتة هناك "شيء يوحي أني داخل إلى مدينة ميتة, قتلت بعنف.. كانت المجزرة رهيبة, المساكن والخيام والأزقة والطرقات مليئة بجثث الموتى, وقد أحصيت أكثر من 2.500 ضحية بين رجال ونساء وأطفال. لقد نفذت فرنسا هذا الهولوكوست لتثبت عظمتها للقبائل المحاربة في الصحراء". وأشار السيد حلموش أن هذه المذكرات هي إقرار و اعتراف بواحدة من أبشع المجازر التي ارتكبت في حق الإنسانية عبر التاريخ.