شهدت ولاية غرداية إبان الإستعمار الفرنسي أكثر من ثلاثين معركة وعديد الإشتباكات والكمائن التي وثقتها تقارير الثورة التحريرية المجيدة في هذه المنطقة من الجنوب الجزائري. و تتميز تلك الملاحم الثورية بأنها جمعت مناضلين ومجاهدين من شتى أنحاء البلاد الذين صنعوها بكامل استعداداتهم الإيمانية والنفسية والحربية, حسبما أوضح لوأج أستاذ التاريخ بجامعة غرداية عبد الجليل ملاخ. و أشار ذات الأستاذ الجامعي الى أن من بين المعارك التي وقعت عبر تراب الولاية, معركة أفران الكبرى في 28 أغسطس 1957, والتي تعد أول مواجهة عسكرية بين مجاهدي الناحية والعدو الفرنسي بمنطقة متليلي, والتي استشهد فيها مختار رويبح - عبد الله عثماني - من القرارة و محمد برغايد –بوراس- من متليلي، وحكوم بلكحل من المنيعة، لتتوالى بعدها معارك العطف في 25 أكتوبر 1957، وجبل بولمعة بضواحي سبسب (جنوبغرداية) في 3 ديسمبر 1959 ، ومعارك أخرى دارت رحاها بمناطق ضاية بن ضحوة وشعبة النيشان ومتليلي. و تعتبر معركة ''بان لطرش" التي وقعت أحداثها في 6 أكتوبر 1961 ب''قصر مليكة'' (أحد القصور العتيقة بسهل وادي ميزاب) بمدينة غرداية التابعة إقليميا آنذاك إلى المنطقة الثالثة من الولاية التاريخية السادسة, واحدة من أهم المعارك التي خاضها المجاهدون ضد المحتل الفرنسي والتي كانت ملحمة ضارية غير متكافئة عددا وعتادا، حيث سطر هذه الملحمة ستة مجاهدين، كان على رأسهم القائد الضابط الأول سي أحمد طالب، رفقة كل من الملازم الثاني السعيد عبادو، والملازم الأول العابد زروال و العريف موسى سويلم، والجنديين لخضر بكراوي، ومحمد لزرق، وفق ما ذكرته مصادر تاريخية . ملحمة ساهمت في فك الحصار الإستعماري على جنوب الوطن و ساهمت هذه الملحمة البطولية في فك الحصار الذي فرضته السلطات الإستعمارية آنذاك على جنوب الوطن ومن بينها منطقة غرداية، في محاولة منها لتكريس سياسة فصل الصحراء عن شمال البلاد. و قام قائد الولاية التاريخية السادسة محمد شعباني حينها وبتكليف من مسؤولي الثورة باستدعاء الضابط أحمد طالب رفقة عدد من زملائه من المجاهدين من أجل التوجه إلى منطقة غرداية لتوعية المواطنين بهذه المؤامرة قصد إفشالها والإلتفاف حول الثورة المسلحة، مثلما تم توضيحه. و كانت منطقة القرارة (100 كلم شمال / شرق غرداية ) أول محطة يتوجه إليها هؤلاء المجاهدين الستة لتحسيس المواطنين وتنظيمهم في لجان ثورية (مسبلين وفدائيين)، قبل أن يتنقلوا إلى منطقة غرداية التي كانت تشهد حواجز كثيرة لقوات الإحتلال لمنع مرور الثوار، حسبما أفاد به المجاهد لخضر بكراوي في شهادة له في أشغال ملتقى تاريخي نظم في أكتوبر الفائت بولاية غرداية. و ذكر ذات المتحدث بأن المجاهدين ولدى وصولهم إلى المنطقة، كانت مهمتهم الأولى الإتصال بالمناضلين لحثهم على توعية المواطنين والإنخراط في العمل النضالي، وكذا التواصل مع خلايا الثورة وجمع الإشتراكات المالية. و أضاف المتحدث أنه وبعد اكتشاف تواجدهم من طرف المحتل الفرنسي, تم نقلهم من قبل السيد بكير أبو الحسن إلى منزل حاجي زلاهبي المتواجد ب''قصر مليكة'' وبالذات بحي بان أطراش، وذلك بأمر من القائد أحمد طالب، رافضا الإبتعاد كثيرا عن مدينة غرداية لدحض اعتقاد المستعمر الفرنسي بعدم وجود الثورة بالمنطقة. و بعد أن تأكدت السلطات الإستعمارية بتواجدهم في ''قصر مليكة'', قامت بتطويق الموقع من عدة نواحي، حيث أمر القائد أحمد طالب المجاهدين المحاصرين بإحراق كافة الوثائق وجميع الأموال التي كانت بحوزتهم خشية أن تقع في يد العدو قوائم المسبلين والمناضلين. و أبرز المجاهد لخضر بكراوي في شهادته بأن المجاهدين المحاصرين الذين كانوا مختبئين في قبو مسجد باتوا يترقبون الأحداث قبل أن تقوم قوات العدو صباح يوم الجمعة 6 أكتوبر 1961 برمي قنبلة مسيلة للدموع على موقعهم، حيث سارع القائد أحمد طالب بإخراج رشاشه من فتحة القبو وأطلق النار فقتل جنديين من قوات العدو، لتندلع اشتباكات عنيفة تكبدت فيها قوات الإحتلال الفرنسي الغاشم خسائر بشرية فادحة بين قتيل وجريح. و ردت قوات الإستعمار بقصف الموقع وإطلاق النار من طائرة حوامة بعدما عجزت عن مواجهة المجاهدين الستة الذين خاضوا مقاومة باسلة، والتي استشهد فيها القائد أحمد طالب، فيما أصيب باقي المجاهدين بجروح متفاوتة والذين ألقي القبض عليهم. و خضع المجاهدون العابد زروال ومحمد لزرق للإستنطاق والتعذيب، في حين تم اقتياد المجاهدين لخضر بكراوي وموسى سويلم والسعيد عبادو إلى المستشفى قبل أن يخضعوا بدورهم للإستنطاق والتعذيب، إستنادا لنفس المصدر. و تشكل معركة بان لطرش ب"قصر مليكة" واحدة من الملاحم البطولية التي شهدتها منطقة غرداية خلال ثورة الفاتح من نوفمبر 1954 المظفرة. وقد اعتاد المكتب الولائي للمنظمة الوطنية للمجاهدين بالتنسيق مع المديرية الولائية للمجاهدين على تنظيم نشاطات تاريخية لتعريف الأجيال الصاعدة بتلك البطولات من خلال عقد ندوات وتنظيم زيارات لتلاميذ المدارس إلى مواقع المعارك.