تعرف ولاية غليزان خلال فصل الصيف وإلى غاية بداية الخريف اقامة المواسم الدينية أو ما يسمى بالوعدات لاحياء أمجاد الأولياء الصالحين الذين أنجبتهم المنطقة وهم أجداد للقبائل المشكلة للمجتمع الغليزاني. وتعد منطقة غليزان -حسب مصادر محلية- أزيد من مائة ولي صالح دأب الأهالي والأحفاد على الاحتفاء بهم واستحضار ذكراهم على ممر السنين على غرار "سيدي امحمد بن عودة" و "سيدي لزرق" و"سيدي سعادة" و"سيدي بوعبد الله" و"سيدي خطاب" و"سيدي بلعسل" و"سيدي عابد" و"سيدي سليمان". وكما يظهر من أسماء الأولياء الصالحين فإن تخليد هؤلاء الأجداد العلماء العاملون العابدون المجاهدون ضد كل محتل لا يقتصر على إقامة التظاهرات والمواسم الدينية بل وأن العديد من بلديات الولاية أعطيت لها أسماءهم من أمثال بلديات بلعسل بوزقزة وسيدي سعادة وسيدي لزرق وسيدي خطاب وسيدي امحمد بن عودة. وتتسم الوعدات التي يتكفل بها الأهالي من أتباع وأحفاد كل ولي صالح بنصب الخيم عند مقامات وأضرحة هؤلاء الأسلاف لأيام معدودة يتم خلالها إطعام المساكين وتلاوة القرآن الكريم وتلاقي الأهالي علاوة على بعض الممارسات التجارية والرياضية لا سيما منها ألعاب الفروسية التقليدية التي تجلب اليها المقبلين على هذه التظاهرات. ولعل وعدة الولي الصالح "سيدي محمد بن عودة" هي من أكبر هذه المواعيد التقليدية التي تشهدها المنطقة لما تستقطب من زوار من مختلف أنحاء الوطن. ويتم تنظيم هذه الوعدة في شهر سبتمبر من كل سنة حيث يكون انطلاقها يوم الأربعاء لتختتم يوم الجمعة ويكون اليوم الأول حسب التقاليد يوم نصب الخيمة بمشاركة كل العروش المشكلة لقبيلة "فليتة". وتستقطب هذه الوعدة سنويا عشرات الألاف من المواطنين الذين يتابعون المدائح الدينية ويستمتعون بألعاب الفروسية كما تعتبر ملتقى للأهالي والأحباب ومقصدا للترحم والتبرك. وللإشارة فإن سيدي امحمد بن عودة هو امحمد بن يحي بن عبد العزيز وسمي "محمد بن عودة" نسبة إلى مربيته "عودة" وقد عاش في القرن السادس عشر الميلادي حيث ولد سنة 972 هجرية بنواحي وادي "مينا" وتوفي عام 1034 هجرية. وعرف عن هذا الولي الصالح أنه كان عالما وأسس زاوية للتدريس وايواء الفقراء وعابري السبيل. وتفيد المصادر التاريخية أن سيدي امحمد بن عودة شارك إلى جانب أهالي المجاهر وأولاد سيدي عبد الله الخطابي الادريسي الحسني بمنطقة مستغانم المجاورة في معركة مزغران لصد الغزاة الإسبان في شهر أوت من سنة 1557. ويذكر أن هذه المعركة التي وقعت على بعد كيلومترين عن مدينة مستغانم وألحق بها سكان المنطقة هزيمة نكراء بالاسبان خلدها الولي الصالح مداح الرسول صلى الله عليه وسلم سيدي لخضر بن خلوف في قصيدته الشهيرة "معركة مزغران معلومة". كما يحي مواطنو غليزان ذكرى سيدي لرزق الذي يعتبر من أعلام المنطقة وكبار متصوفيها ومجاهديها حيث كان هذا العالم حسبما ورد في كتاب "أعلام من منطقة غليزان" لمحمد مفلاح يقوم بالتدريس ونشر التعاليم الصوفية بزاويته ومارس حتى مهام القضاء. ولم يكن سيدي لزرق رجل دين فحسب بل كان ثائرا مجاهدا ضد الاحتلال الفرنسي حيث قاد ثورة أهالي المنطقة سنة 1864 ضد المستعمر خاض خلالها معارك ضارية إلى أن استشهد بمنطقة دار بن عبد الله بدائرة زمورة. وتعتبر وعدة سيدي خطاب التي يقيمها أهالي هذه المنطقة الواقعة على الحدود بين ولايتي مستغانموغليزان من أشهر هذه التظاهرات الدينية نظرا لما تستقطبه من مواطني الولايتين الذين اعتادوا على تبادل الزيارات في مثل هذه المناسبات. وهكذا فإن الوعدات والمواسم الدينية المخلدة للأولياء الصالحين أضحت من التظاهرات الكبرى بغليزان وكذا المناطق المجاورة ولم ينقطع السكان على إقامتها منذ قرون مهما كانت ظروفهم لما لهذه المناسبات من دور في ربط حاضرهم بماضيهم كما يؤكد على ذلك منظمو هذه الاحتفاليات.