عانت الاراضي الفلسطينية وشعبها لعام أخر من ويلات الاحتلال الاسرائيلي الماض في التنصل من استحقاقات عملية التسوية ومن الالتزام بمرجعية عملية السلام واضعا نفسه فوق القانون الدولي عبر مناوراته التي حطت العملية بأمزق خطير وأجهضت في العديد من المرات جهود الفلسطينين والادارة الامريكية لتحقيق السلام فى المنطقة. فقد قررت إسرائيل أن يكون السلام مستحيلا عبر التمادي في خروقاتها لأسس ومبادئ عملية السلام والتنكر لكافة الاتفاقيات التي ابرمتها مع الفلسطينيين لانها وببساطة على دراية تامة بأن مفاوضات جادة ستقود حتما إلى إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الحدود المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين وإطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين. وتجاوزت سلطات الاحتلال كل الخطوط الحمراء في تحديها للمجتمع الدولي وفي قمعها للشعب الفلسطيني وهجمتها الشرسة على مقدساته في مختلف ربوع فلسطين والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان فى حرية العبادة والتنقل والسكن بالاضافة إلى الحفريات اللامتناهية التي تبحث عبرها على اثبات تاريخ وهمي لها على الارض الفلسطينية. وقد أقرت الادارة الامريكية مع نهاية العام بوجود "عقبات كبيرة لا زالت" قائمة أمام التوصل إلى السلام في الشرق الاوسط جراء الممارسات الاسرائيلية وفي مقدمتها استمرار الاستيطان الذي اضحى اكبر عقبة في الوقت الراهن امام استئناف المفاوضات المباشرة. غير ان الادارة الامريكية أكدت بالمقابل أنها "تصارع" من أجل حمل الطرفين على العودة إلى هذه المفاوضات التي توقفت شهر أكتوبر الماضي بعد إنتهاء التجميد الجزئي لبناء المستوطنات في الضفة الغربية. ويؤكد الفلسطنيون أن العودة لمفاوضات السلام المباشرة تستوجب وقف الاستيطان خاصة بمدينة القدس مع تمسكهم بخيار السلام على "أرضية واضحة ومحددة" وتنفيذ الالتزامات الواردة على الجانبين حسب الاتفاقيات الدولية وخطة خارطة الطريق. واعتبر الامين العام للامم المتحدة بان كي مون تقويض اسرائيل للمحادثات المباشرة بشأن الوضع النهائي مع الفلسطينيين استمرار بناء الوحدات الاستيطانية الجديدة في الضفة الغربية و القدسالشرقية يشكل "ضربة قاسية لمصداقية العملية السياسية". وكان نصيب مدينة القدس من الممارسات الاسرائيلية لا يحصى حيث عاشت المدينة موجات الاستيطان ومخططات تهويدها كان أخرها المقترح الاسرائيلي باعتبار القدس "عاصمة للشعب اليهودي" والذي جاء ضمن سلسلة خطوات سابقة وأخرى حتما لاحقة تندرج كلها في إطار مشروع "القدس 2020" الذي طرحته حكومة الاحتلال سنة 2000. ويشتمل المشروع على مقترحات منها اعتبار القدس عاصمة موحدة لإسرائيل وعاصمة للشعب اليهودي وقبله "قانون الاستفتاء" على مصير القدس والجولان المحتلين إلى جانب المخطط الإسرائيلى الجديد لمد خط سكة حديد من وسط إسرائيل مرورا بقلب مدينة نابلس ووصولا للمستوطنات اليهودية فى شمال الضفة الغربيةالمحتلة و الذي اثار غضبا فلسطينيا. وتقيم إسرائيل ومنذ سنة 2000 مشاريع استيطانية بكثافة لتحقيق مخططها المفترض بعد 10 سنوات وتبتكر في كل مرة قرارات جديدة وإجراءات تعسفية تهدد بتهجير الفلسطينيين أصحاب الأرض من القدسالشرقيةالمحتلة سنة 1967. وبالمقابل يؤكد الفلسطينون موقفهم بأن القدس منطقة محتلة سنة 1967 كسائر محافظات الضفة الغربية وقطاع غزة وينطبق عليها ما ينطبق على المناطق المحتلة دوليا. في غضون ذلك يواصل سكان قطاع غزة معاناتهم اليومية جراء الحصار المضروب على مدينتهم ومنع اسرائيل وصول قوافل المساعات الدويلة القطاع مع تبنيها سياسة تضليل للرأي العام بأنها ازاحت الحصار وفتحت المعابر. وتواصل اسرائيل فرض حصارها على غزة رغم دعوات المجتمع الدولي وعلى رأسه منظمة الاممالمتحدة لتغيير سياستها العامة وتنفيذ مشاريع الأممالمتحدة في المدينة من خلال التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 1860 الذي يلزم إسرائيل بإتاحة السبل لإعادة الإعمار المدني على نطاق أوسع وحرية تنقل الأشخاص وتصدير البضائع. كما يعاني القطاع وسكانه في الوقت الراهن من تصعيد اسرائيلي خطير ينذر باحتمال شن هجوم واسع عليه في ظل صياغة الاحتلال لذات السيناريو الذي سبق عملية (الرصاص المصبوب) قبل عامين على قطاع غزة من خلال تهيئة الأجواء الأمنية والداخلية. و لازالت اسرائيل تواصل احتلالها للاراضي الفلسطينية متجاهلة بأن السلام القائم على أسس قرارات الشرعية الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام الذي يعيد الحقوق لأصحابها الشرعيين يضمن وحده الأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة. وعلى جبهة أخرى يناضل الفلسطينيون لتوحيد صفهم وكلمتهم في وجه المحتل وإنهاء حالة الانقسام من أجل التصدي لمحاولاته تصفية قضيتهم. وقد تعالت في الاونة الاخرة الدعوات إلى ضرورة تحقيق الوحدة الوطنية وعدم استمرار حالة الانقسام الراهنة التي يستفيد منها الاحتلال الإسرائيلي لتمرير مشاريعه الاستيطانية. يشار إلى ان الحكومة المصرية كانت قد رعت حوارا بين حركتي فتح وحماس العام الماضي وتم التوصل إلى ما اصطلح تسميته ب"الورقة المصرية" غير ان حركة حماس رفضت التوقيع عليها حتى اجراء بعض التعديلات عليها. واتفقت حركتا فتح وحماس في اجتماع المصالحة الذي عقد في دمشق شهر أكتوبر الماضي على ثلاث نقاط وتم تأجيل الملف الامني إلى الاجتماع التالي غير أن هذا الملف لم يحل لحد الان. ويظل سكان الضفة الغربية وعلى غرار باقي سكان الاراضي المحتلة يجابهون الغطرسة الاسرائيلية المتمادية في انتهاكاتها لحقوق هذا الشعب من تقتيل واعتقال شبه يومي مما جعل السجون ومراكز التوقيف الاسرائيلية ال25 تعج بأزيد من سبعة ألاف أسير فلسطيني يتطلب على المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته ودوره في توفير الحماية لهم و تطبيق القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف على الأراضي المحتلة. وفي ظل استمرار رفض إسرائيل تجميد البناء الاستيطاني وتعثر عملية السلام لوح الفلسطينيون باللجوء إلى خيارات بديلة من بينها طلب الاعتراف بحدود الدولة الفلسطينيةالمحتلة عام 1967 والتوجه للمؤسسات الدولية خاصة مجلس الأمن الدولي لتحقيق ذلك. ويبقى الموقف العربي من القضية الفلسطينة وما تعانيه جراء سياسة الاحتلال واضحا وقد تم تجديد التاكيد عليه مؤخرا في اجتماع البرلمان العربي والذي طالب بمرجعية واضحة لعملية السلام وضرورة وقف الاستيطان قبل العودة للمفاوضات مع الجانب الاسرائيلي مع ادانته الشديدة لقرار مجلس النواب الأمريكي الذي يعارض أي قرار قد يصدر عن مجلس الأمن للاعتراف بالدولة الفلسطينية واستخدام حق النقض (الفيتو) في حال طرح الموضوع على مجلس الأمن. من جهتها دعت اللجنة الوزارية لمبادرة السلام العربية مؤخرا الدول التي لم تعترف بالدولة الفلسطينية بعد إلى القيام بذلك في أقرب فرصة ممكنة إسهاما في تعزيز الإجماع الدولي القائم على ضرورة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية. وقد اعترفت البرازيل والارجنتين وبوليفيا هذا الشهر بالدولة الفلسطينية واعلنت الاوروغواي قرارها في أن تحذو حذوها قريبا. وعلى الصعيد الاوروبي تقوم السلطة الفلسطينية بحملة لرفع مستوى ممثلياتها الدبلوماسية كما فعلت فرنسا واسبانيا والبرتغال والنرويج حتى الان.