هو أحد الأحياء الشعبية الواقعة في الجهة الشرقية لولاية قسنطينة، سمي ''واد الحد'' لوقوعه جغرافيا بمحاداة واد ·· هذا الحي الشعبي بني في نهاية الستينات في إطار ما يسمى بالنزوح الريفي ·· سكانه جاءوا من مختلف القرى والمداشر للولايات المجاورة لقسنطينة كالميلية، عين فكرون، أولاد حبابة التابعة لولاية سكيكدة، وعين البرج التابعة لولاية أم البواقي وغيرها ·· توالت السنوات وانضم لهؤلاء السكان أبناء ولاية قسنطينة الذين لم يحالفهم الحظ في الحصول على سكن، فقاموا ببناء بيوت قصديرية إلى جانب الحي القديم لتتسع رقعته مساحة، وتتجانس تركيبته الإجتماعية بمواطنين جزائريين تحولت الظروف الصعبة التي يواجهونها في هذا الحي إلى كابوس باعتبار أن معظم برامج القضاء على السكن الهش لم تمس هؤلاء السكان لأسباب متعددة سنذكر منها القليل فيما سيأتي·· بعدما قرر فريق جريدة ''الجزائر نيوز'' زيارة هذا الحي للتعرف على ما يحدث بين أزقته الضيقة وجدران أكواخه الهشة بشكل مفصل؛ إنتابنا التردد بسبب الهاجس الأمني، باعتبار أن الحي يعد من بين الأحياء الأكثر خطورة نظرا لموقعه الجغرافي جيث يقع في منطقة محاذية لواد تكثر فيه الحيوانات البرية كالثعابين والكلاب المتشردة بشكل هدد حياة الكثيرين هناك· ليس هذا فقط، بل إن خطر البشر، أيضا، كان يمكن أن يعيق عملنا بالحصول على المعلومات الكافية حول ظروف عيش هؤلاء المواطنين ·· هذه الحساسية جاءت نتيجة ارتفاع نسبة الإعتداءات والإنحراف وانتشار المخدرات والسرقة بشكل أعجز السلطات على احتوائها ·· كانت، هكذا هي، انطباعاتنا المبدئية قبل دخولنا حي جاب الله· كخطوة أولى، أردنا أخذ صور للحي فاتجهنا إليه ·· إلتقينا بزهير، وهو صاحب متجر مجاور للحي، طلبنا منه مرافقتنا من أجل التعرف على الأماكن التي يمكن أن تعتبر مناطق استراتيجية أو ما يطلق عليه ''واد الحد القديم''· بوجه بشوش ونظرة آمنة، رافقنا زهير في جولة بين ممرات الحي الضيقة التي تملؤها القارورات والأحجار والسيول المتدفقة من أكواخ السكان لافتقارهم لقنوات الصرف الصحي· تعرفنا على رئيس الحي وبعض الرجال الذين كانوا يتبادلون أطراف الحديث بالقرب من بيوتهم في مجموعات منها من تقضي الوقت في لعب الدومينو أو الورق، وأخرى يتبادل فيها مسنو الحي الحديث عن الدنيا وعن الذكريات أو التباهي بالماضي الجميل رغم صعوبته والحسرة على الحاضر وقساوته· في حديث عابر معهم، سردوا لنا، من باب الإستقبال الحسن، قصصا بطولية، في نظرهم، في قالب من الإحساس بالإنتماء لهذا الوطن· تركنا هؤلاء الرجال، وقبل ذلك طلبنا منهم الإذن بدخول بيوتهم من أجل معاينتها، فترددوا بالقبول، في الوهلة الأولى: ''والله كرهنا من الزيارات اللي ما فيها حتى فايدة لينا ولولادنا'' ·· وببعض الحديث اللبق وشرح مهمتنا بالتفصيل قبلوا بذلك وبالتقاط صور لمنازلهم·· دخلنا أربعة بيوت، لاحظنا منذ الوهلة الأولى أن ساكنيها عبارة عن عائلات كثيرة الأفراد أو ''مجموعة عائلا ت'' تقيم داخل كوخ واحد يتكون من غرفتين أو ثلاثة على الأكثر ·· كما أن معظم الأفراد هم أناس ذوو مستوى تعليمي متدنٍ، إن لم نقل معدوم، ويعانون من البطالة بشكل رهيب·· طارق هو أحد هؤلاء السكان، وهو رب أسرة أو الوصي الذي يتحمل مسؤولية أخواته ووالدته وزوجته وأولاده الثلاثة بعد هروب والده من المنزل بسبب مرض عقلي حيث تركهم يواجهون صعاب الحياة التي لم يعد طارق يتحملها، خصوصا وهو عاطل عن العمل، فهو يجني قوت يومه من نشاط تجاري خفيف، يبيع قارورات الكحل والسواك وغيرها· عند دخولنا لبيته، إضطررنا للإنحناء لكي نجتاز مدخل بيته الصغير ·· إستقبلتنا والدته وشقيقتاه وزوجته إستقبالا حارا رغم ظروفهم الإجتماعية والمادية الصعبة ·· فعبروا لنا ببساطة وقهر ويأس، عن أوضاعهم الكارثية، وعن يومياتهم الصعبة التي تبدأ كل صباح بحمل القارورات من أجل ملئها بالماء من إحدى الحنفيات الجماعية، وملء قارورة الغاز التي يستعملونها فقط للطهي·· إحتسينا قهوة دافئة مكنتنا من الحصول على بعض الدفء داخل منزل طارق البارد والرطب ·· وفي خضم الحديث الذي دار مجمله حول ظروف حياته الصعبة، وعن أمنيته في الحصول على عمل يغنيه عن الدنانير القليلة التي يجنيها من بيع السواك وغيره، وعن اجتناب شرطة الحجز كل يوم ·· فوجئنا به يبكي وهو يقول ''لم تبق لنا أماني في هذه الدنيا، وإذا تمسكنا بما نأمل فسيكون حافزا كي لا نيأس من رحمة الخالق الكريم'' ·· وأضاف ''40 سنة ونحن نأمل الحصول على سكن يقينا قسوة الطبيعة''·· ثم صمت وقال ''أصبحنا نشاهد أمانينا يتحصل عليها الآخرون'' ودعنا عائلة طارق وخرجنا متجهين إلى بيت ''الحاجة فاطمة'' التي، بدورها، أرادت استقبالنا لكي تحكي لنا قصصها مع الثعابين التي تزور بيتها أحيانا ·· بيتها الذي تتقاسمه مع إبنيها وزوجتيهما وأطفالهما·· وقبل دخولنا، إلتقينا بمحمد وزوجته، وهو أحد الجيران، فتبادلنا معه حديثا عابرا أخبرنا خلاله بأنه ذو مستوى تعليمي لا بأس به، وأن زوجته متحصلة على شهادة ليسانس في اللغة الإنجليزية، وأنهما عاطلان عن العمل رغم محاولاتهما مرارا الظفر بمنصب شغل ·· قال لنا أنه يعيش في حي جاب الله منذ خمس سنوات إثر ظروف إجتماعية رفض التطرق إليها، دفعت به إلى بناء سكن قصديري في هذا الحي رغم سمعته السيئة· ضحك محمد وقال لنا ''كيفاش تفكرتونا؟ فقلت له بكل موضوعية ''لكي نراكم ويعلم الكثيرون كيف تعيشون''، فرد قائلا ''وعلاه حنا عايشين!''· دخلنا بيت ''الحاجة فاطمة''، وهو كوخ لا يختلف عن الأكواخ الأخرى باستثناء اختلاف واحد يتمثل في زيارة الثعابين له· فور دخولنا، باشرت ''الحاجة فاطمة'' بالحديث بكل تلقائية وبساطة فقالت: ''أرواحوا تشوفونا كون ماشي حماية ربي كون متنا كامل بسم الثعابين'' ·· و''أضافت ''لقد رأيت الثعابين في هذا الحي عدة مرات، خاصة في فصل الصيف وآخر مرة كانت في أواخر هذا الصيف عندما كنت ممددة وسط الغرفة أشاهد نشرة أخبار الواحدة فرأيته تحت الخزانة، رغم قصر نظري، فتمالكت نفسي وخرجت من الغرفة في صمت دون إحداث أي ضجيج وناديت شبان الحي فقتلوه· وفي حوش ''الحاجة فاطمة'' فتحت السيدة ''ف'' باب بيتها لتسرد لنا قصتها هي الأخرى مع الثعبان الذي تسلل إلى بيتها وزحف متسلقا أعمدة السقف فسقط على الأرض وانهال عليه الشباب بالضرب حتى قضوا عليه·· وأظافت ''السيدة ف'' (54 سنة) ''لقد مت خوفا واضطررت إلى تمالك نفسي والسكون التام، وأخذت بالدعاء وذكر الله والقول (ما تاذينيش ما ناذيكش) كما علمني جدي لما كنا نعيش في الريف'' ·· أنهينا الحديث عن الثعابين وكان قد انضمت إلينا مجموعة من سكان الحي، وحول سؤال بخصوص كيفية تدبير أمورهم من أجل الحصول على بعض الدفء داخل تلك البيوت القصديرية التي تتصف بالرطوبة والبرد، خاصة وأننا في فصل الشتاء، أجابوا بأنهم معتادون على ذلك، وأن ما يؤرقهم هو عدم التفات السلطات إليهم، وعبروا بكل سخط وغضب عن استيائهم من سلطات المحلية، التي لم تأخذ على حد تعبيرهم، حالتهم السيئة بعين الإعتبار رغم معاينتهم لهذا الحي عدة مرات، والأكثر من هذا هو عدم ردهم على الرسائل الكثيرة والمبادرات المختلفة التي قام ويقوم بها أهل الحي على كل المستويات· أما فيما يخص شبان الحي، فقد تفاجأنا أو بالأحرى صححنا صورة الحي الخطير في أذهاننا حيث أن الكثيرين منهم هم رجال بحاجة للمساعدة المادية والمعنوية، حيث أشاد أحد سكان الحي بدور مسجد ''عمر بن عبد العزيز'' الواقع بجوار الحي ودور أئمته، في إعادة تأهيل الكثير من شبان الحي ودمجهم في المجتمع، وهذا بدعوتهم إلى المشاركة في الأعمال الخاصة بالمسجد وإلى تنظيفه في المناسبات الدينية، والإبتعاد عن الإنحراف والسرقة والتمسك بدينهم والبحث عن الرزق الحلال، كما ساعدوهم على العثور على مناصب عمل بالتوسط لهم لدى الخواص، وهو الشيء الذي قلص نوعا ما من نسبة الجريمة والإعتداءات بهذا الحي· ودعنا هؤلاء السكان على أمل أن تكون عودتنا إليهم في منازلهم الجديدة ·· والخلاصة التي خرجنا بها من خلال عملنا في واحد من الأحياء الشعبية لولاية قسنطينة هي أن حياة كالتي يعيشها سكان حي ''جاب الله'' فيها من المعاناة والخطر ليس فقط على صحتهم وإنما خطر الموت المحدق بهم يوميا جراء الثعابين والكلاب المتشردة وتفشي الجريمة والإنحراف والآفات الإجتماعية كالمخدرات التي سقط فيها الشباب بشكل عجزت السلطات عن القضاء عليه واستئصاله بشكل جذري ·· فتدني مستوى المعيشة والبطالة هي دوافع اجتماعية تولد الإنحراف لا محالة· كما تجدر بنا الإشارة إلى أن حي ''جاب الله'' لا يبعد عن مركز المدينة التي تحولت إلى ورشات بناء وتجديد في ظل مشروع المدينةالجديدة، وكذا مشاريع السكنات في إطار برنامج القضاء على السكنات الهشة التي استفاد منها العديد من الجزائريين، وكذلك مشاريع إعادة تأهيل الطرقات وعصرنتها التي تطلبت هدم منازل فخمة وتعويض أصحابها بشقق أو بمبالغ مالية· فأين نصيب سكان حي ''جاب الله'' من كل هذا··؟ أم أن هذا الحي بعيد حقا عن أعين السلطات···!!؟ أم أن حماية المواطن من قسوة الطبيعة واحتواء معاناته أصبح في المراتب الأخيرة من الأولويات التي تخص الوجه الجمالي لولاية قسنطينة؟