أجمع المتدخلون في الندوة التي أدارتها ''الجزائر نيوز'' حول مظاهر وأسباب التهجين اللغوي في الجزائر، والحلول المناسبة من أجل الردع امتداد هذه الظاهرة التي تهدد مستقبل اللغة العربية في الجزائر، على أن الاستعمار والإعلام والمدرسة من بين أهم الأسباب التي خلقت هذا التلوث اللغوي في الجزائر، واعتبروا التركيز على هذه الأسباب وإعادة النظر فيها من بين الحلول التي يمكن أن تفقد أمام امتداد هذه الظاهرة عبر الأجيال· صالح بلعيد (أستاذ جامعي): القنوات الأجنبية هجّنت اللغة العربية في الجزائر وتهذيبها مسؤولية الإعلام والمدرسة تعيش اللغة العربية الفصحى في العالم العربي حالة انتكاسية بالنظر إلى الواقع اللغوي العربي الحالي الذي يتمخض عنه هجين لغوي متنامٍ، وهذا من خلال الاستعمال والممارسات اللغوية لخليط من الأنماط اللغوية من مختلف لغات الاستعمال اليومي من عربية فصحى ودارجة ولغات أجنبية· ولعل من الأسباب الأساسية التي أدت إلى هذا التهجين اللغوي، هو الإعلام بمختلف قنواته خاصة الفضائيات وما تحمله من إبداعات لغوية، وعن طريق وصلات الإشهار مثلا، حيث تأتينا حمولة ثقافية مرنة بسيطة سهلة على الحفظ ولها ترانيم خفيفة، وباللغة الحاملة لها، التي تعمل على تجاوز المألوف والتحرر من سلطة اللغة الثابتة، وبهذا تحدث كسرا لغويا وانحرافا عن سلطة النحو· كما تؤثر كذلك أسباب أخرى في انتشار التهجين اللغوي من خلال كثرة اللافتات الأجنبية في البلدان العربية وأغاني الفيديو كليب التي تجمع خلطة غريبة من الأغاني والأداء إلى درجة تسطيح الفن، وكذا هيمنة اللغة الأجنبية على خطاب بعض النخبة من خلال هيمنة لغة المستعمر، إلى جانب تجسيد بعض الأسر لهذا الهجين في بيوتها، والعمل على التفاخر به وهجران اللغة الوطنية باعتبارها لغة التراث لا الحداثة، ولحاق العصر وعدم اعتماد الموروث الثقافي الوطني كمرجعية دالة في التاريخ والعلوم والآداب وافتقاد المرجعية اللغوية الوطنية والجري وراء المرجعيات الغربية· وللكف من ظاهرة التهجين اللغوي، يجب البحث عن كيفية الرقي بالأداة الرئيسية الأولى التي هي اللغة العربية، وقيام وسائل الإعلام بالتوعية المستمرة من خلال حث الجماهير على النطق بالعربية الفصحى والتعويل على لغة الإعلام في الرقي اللغوي لما للإعلام من تأثير على المتفرج والمستمع، وكذا ضرورة حث وكالات الإشهار على العناية بالجانب اللغوي في إنجاز الوصلات الإشهارية ودعوة المدارس إلى التفعيل اللغوي داخل الأنماط اللغوية السليمة، وأن يكون المعلم قدوة في الاستعمال اللغوي السليم، بالإضافة إلى تفعيل المكنونات اللغوية في لغة الطفل عن طريق تنظيم نشاطات لغوية يكون محتواها اللغة العربية السهلة البسيطة· كما يجب إنشاء علاقة صحية وإيجابية مع التلاميذ وبين أعلام اللغة وروادها، ودعوة الإعلام للمساهمة الجادة للرفع من القيمة اللغوية المضافة لأدائه اللغوي السليم بالحرص على احترام قواعد اللغة وتخصيص حلقات أسبوعية لإجراء مقابلات وحوارات حية مع أفراد مختصين ومعالجة الأساليب المهجنة في اللغة العامة والخاصة، وتوزيع استبيانات سنوية وإجراء سبر آراء للنظر في التحسين اللغوي وإجراء البحوث الميدانية على لغة المحيط والإعلام وترشيد المعنيين إلى لغة وسطى· حياة خليفاتي (أستاذة جامعية): التلفزيون واللافتات الإشهارية تبرز التهجين ويجب تبيان مكانة الأنواع اللغوية المجتمع الجزائري من بين المجتمعات التي تحتوي على خصوصيات لغوية مميزة بالمقارنة مع مجتمعات أخرى، وهذا ما يبرز خلال الدراسة الوضعية اللغوية التي تعتمد على البرامج التلفزيونية أو اللافتات الإشهارية، بالرغم من أن هذه الدراسات تبقى ناقصة· ويمكن إرجاع ذلك إلى ظروف تاريخية وسياسية مرت عليها، إلى جانب تميز مجمعنا الجزائري في عصرنا الحالي بتعدد اللغات أو اللهجات أو الدارجات والنوعيات اللغوية التي تحتك وتتصارع بعضها البعض لأسباب سياسية وثقافية واجتماعية وتاريخية واقتصادية وحتى حضارية، والتي تنتج استعمالات لغوية متباينة ذات مجالات ووظائف مختلفة، وبالتالي ينشأ ما يسمى بالاختلاط أو التحول اللغوي والدخيل والتهجين اللغوي· ومن الضروري التحرك لإيقاف هذه الظاهرة التي تعتبر خطرا حقيقيا على اللغة العربية، ويقتضي أثناء تعدد اللغات في المجتمع الواحد أن توحد اللغات على مستوى السوق اللغوي، أو تخضع كل الأنواع والسجلات اللغوية أو اللهجات إلى معايير، وإلى كل أنواع الاستعمال الرسمي للغة الشرعية والمعيارية في المجتمع· وتتحدد هذه اللغة على أساس غلبة اللغة على أخرى لمكانتها السياسية والاجتماعية والحضارية واللسانية· ويبقى الأمر معقدا حين نضع المجتمع في استعمال اللغات الرسمية، لأن الأفراد لا يملكون كل الكفاءات والقدرات لاكتساب لغات متعددة بنفس الدرجة في الإتقان، وهذا يتطلب مسافة حوارية وإجراء خطابات مستمرة للوصول إلى اكتساب معايير اللغة الرسمية، وبالتالي لابد من حصر كل اللغات وكل اللهجات والدارجات وكل الأنواع اللغوية التي تتعايش في المجتمع ثم دراستها مع بيان خصائصها وأصلها ومكانتها· عبد الكريم بكري (أستاذ جامعي): يجب أن ننتهج سبيل أجدادنا في الحفاظ على اللغة العربية عبر العصور لقد وصلت اللغة العربية في وقتنا الحالي إلى حالة طارئة يجب تسليط الضوء عليها، فنحن نعيش في عصر تراجع فيه كل ما يدفع أسباب الضعف والتلوث عن هذه اللغة، فنحن نعيش في عصر تطورت وتكاثرت فيه أدوات الهجوم والهيمنة عليها· وما آل إليه حال اللغة العربية بجميع مستوياتها، وفي جميع أنحاء العالم العربي، يجعلنا نستشعر الخطر الداهم الذي بات يهدد هويتنا ويفكك روابطا التواصلية تجاه هذا الهجوم الخطير الذي نعيشه من هذا الزحف الذي نحمله بأيدينا ونرسخه في أذهان أجيالنا، ولو أن هذا الخطر اختصر على بعض المصطلحات الجديدة المستعصية لهان الأمر، لكن هذا أصابنا حتى في كلامنا العادي· وإذا تخلينا عن حمايتها وإكسابها أسلحة الحماية وأسباب التطور والارتقاء لمجاراة كل ما يستحدث من علوم ومعارف، وقد عرف أجدادنا منذ الجاهلية كيف يحافظون على اللغة العربية وكيف يحيطونها بالرعاية والإثراء والمقاومة بالرغم من كل الظروف القاسية من استعباد وجهل وقلة الوسائل التعليمية التي كانت تحيط بهم، حيث يتفق المتتبعون لهذا الشأن أن اللغة العربية إنما استطاعت أن تسترجع عافيتها بفضل صلابتها وعراقتها، وبكونها لغة القرآن، ثم بفضل تضحيات رجال الدين وزعماء الإصلاح كعلماء الأزهر والزيتونة وجمعية العلماء المسلمين في الجزائر، وتجند رجال الإعلام في جميع أنحاء العالم العربي· وأعتقد أنه حان الوقت لأن نولي الأهمية اللازمة لتعليم اللغة العربية في كليات الإعلام والاتصال، واتخاذ كل الإجراءات اللغوية الكفيلة بتحصين وترقية الأداء اللغوي لدى الطالب الإعلامي في البرامج المقررة، وبذلك نكون قد جعلنا اللغة الإعلامية تحصل على مكانتها الحقيقية مما يساعد على الحفاظ على حيوية اللغة العربية وديناميكيتها واكتساب المجتمع هذه اللغة المشتركة المتوسطة التي ننشدها· مطهري صفية (أستاذة جامعية): التهجين اللغوي نتيجة الاستعمار والتهذيب يكون في المدرسة لقد دخلت ألفاظ عديدة إلى اللغة العربية منذ أقدم العصور، وذلك نتيجة التقاء أمم وحضارات، ومن ثم فإن هذا النوع من التقارب بين اللغات يعد ظاهرة ثقافية· ونجد علماء اللغة قد اهتموا بهذا الصنف من الكلمات ووضعوا لمعرفتها ضوابط وسموها الكلمات المعرّبة، وقد انتشرت ظاهرة التهجين اللغوي نتيجة الاستعمار، ولهذا يستعمل المجتمع الجزائري في تخاطبه اليومي مفردات ومصطلحات وتعابير لغة المستعمر، وهذا ما ولد هجينا لغويا معينا طبع ألسنة الجزائريين ووسمها بسمة خاصة، ونتج عندنا نوع من التلازم بين اللغة والثقافة، مما أثر على المجال الإدراكي للسامع والمتلقي على حد سواء· وللحد من ظاهرة التهجين اللغوي في الحوار التخاطبي لدى الجزائريين، يجب إعادة النظر في القواعد النحوية في المدرسة كاختيار أمثلة تكون وسيلة لتوصيل المادة النحوية من جهة، وغاية للحد من هذه الظاهرة، من جهة أخرى· وهذه تعتبر طريقة للتوظيف الحي للغة وتجعلها وسيلة مجدية وفعالة لتصوير المواقف والتعبير عنها، كما يجب إعادة النظر في التعبير من القراءة والقواعد والمحفوظات والنصوص· ومن خلال هذه الطريقة، يجند التعبير الحر لإظهار نشاط التلاميذ من خلال حرية اختيار الموضوعات التي يتحدثون فيها، وهو يعتبر مقياسا لصلة التلميذ بالحياة، إلى جانب ضرورة تركيز المعلمين على استعمال أسلوب الأسئلة والأجوبة التي لها دور فعال في العملية التعليمية للحد من هذه الظاهرة، إلى جانب التكثيف من النشاط المدرسي في المجال اللغوي والتعريب بمفهومه الشامل الذي يجعل من اللغة العربية لغة التعليم والإدارة والمحيط وترجمة العلوم وآدابها·