يتطرق العربي ولد خليفة رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، في هذا الحوار القصير؛ الذي جمعه ب”الفجر”، على هامش اليوم الدراسي الذي نظمه المجلس أول أمس بفندق الأروية الذهبية بالجزائر العاصمة إلى محاربة ظاهرة التهجين اللغوي، التي أصبحت تشكل خطرا حقيقيا على اللغة العربية الفصحى، والتي تعتبر رمز الهوية العربية الإسلامية، وهذا من خلال تعميم استعمال اللغة العربية وتحبيبها للجمهور. ما هي الأسباب الحقيقية، في نظرك، التي تسببت في ظاهرة التهجين اللغوي الذي يطغى على اللسان الجزائري؟ أرى أن التلوث اللغوي ظاهرة طارئة، باعتبار أن التراث الشعبي الجزائري، كان دوما قريبا من الفصحى وتميز بسلاسة التعبير وبلاغة المعنى على غرار لغة السينما، والنصوص المسرحية والتمثيليات المقدمة في الإذاعة التي اعتمدت الفصحى ونصوصا من التراث العربي الإسلامي والحديث، بالإضافة إلى أن الاستعمار الفرنسي، وعلى مدى تواجده بالجزائر، حاول القضاء على الهوية الوطنية والتي تعتبر اللغة العربية إحدى مقوماتها الرئيسية.
بالرغم من البحوث الكثيرة التي تنتجها الجامعة الجزائرية في مجال اللسانيات، إلا أن اللغة العربية مازالت تبحث في الأسباب وليس في الحلول؟ فعلا، وعلى الرغم من التقدم الهائل الذي شهدته اللسانيات منذ منتصف القرن الماضي واستعانتها بالتجارب المخبرية والرياضيات والعلوم المجاورة؛ لا يزال الجدل دائرا بين المختصين حول النظام الداخلي للغة الطبيعية ومستويات التخاطب والتواصل بين الناطقين بها، والأمر يحتاج إلى وقت أكبر وبذل المزيد من الجهود على كل المستويات. ثم إن اللغة هي سلطة الثقافة وركن الهوية الجماعية ولا أهمية لها بدون مستخدميها، فإذا تراجعت وشابها الهجين وكثر فيها الدخيل تزعزعت الذات الثقافية وضعف الإنتماء، وأقبلت شرائح من النخبة إلى الهجرة إلى لغة أخرى. ثم إن علاج ظاهرة التهجين اللغوي يبدأ من المدرسة وخاصة المرحلة الأساسية، وطبعا هذا لا يحمل المدرسة المشاكل كلها بل هناك العديد من الجهات المعنية بالأمر.
هل هناك تعاون مشترك بين المجلس الأعلى للغة العربية، خاصة مع نظرائه من المجالس العربية، في سبيل ترقية العربية، ودور المجمع في هذا الشأن؟ أكيد وهذا الأمر طبيعي، حيث يشارك المجلس الأعلى للغة العربية في كل التظاهرات التي تخص اللغة العربية في مختلف الدول، خاصة العربية، لكن لسنا مجمعا أكاديميا يقوم بالأبحاث، وإنما نحن مجمع له مهمة البحث الميداني والتحسيسي، وللبحث الأكاديمي مجمعاته المختصة وعلى رأسها المجمع الجزائري للغة العربية. كما أننا نحتاج إلى وقت؛ كي تتضح العديد من القضايا، وأرى أن هذا اليوم الدراسي حول ظاهرة التهجين هو مجرد محطة من المحطات الهامة التي يقوم بها المجلس الأعلى للغة العربية، للتأكيد على أهمية هذه اللغة التي تمتد إلى أكثر من ألفي عام، وعلى الدول العربية أن تتخلص من الشعور بالدونية والتبعية في هذا الموضوع.
المجلس سطر برنامجا خاصا للإحتفال بيوم اللغة العربية مطلع مارس المقبل، ماذا تقول لنا عن هذا البرنامج؟ تظاهرة مارس في الحقيقة؛ هي امتداد لما يقوم به المجلس الأعلى للغة العربية حيث يندرج ضمن مختلف اللقاءات التي ينظمها المجلس دوريا، ونشرها في قطاعات الدولة. وسنحتفل أول مارس المقبل إن شاء الله بيوم اللغة العربية، وهو اليوم الذي يعتبر محطة هامة من المحطات الهامة، نظرا لأهمية اللغة العربية التي تمتد لآلاف السنين، وذخيرتها اللغوية، وتجاوب هذه الأخيرة مع مختلف الحضارات.. وفي هذا الصدد أقول أنه لا توجد لغة متقدمة ولغة متأخرة.
تنظم في كل مرة لقاءات وندوات دولية ووطنية وكذا محلية، لكن الأمر ينتهي بمنشور لملخص المداخلات دون خدمة العربية في شيء؟ لاحظتم أن موضوع التهجين وخطره على اللغة العربية قدمت فيه عدة مداخلات؛ مثل محاضرة التهجين اللغوي في جزائر العهد العثماني، والذي اعتبر فيه المتدخل ظاهرة التهجين اللغوي في الجزائر طبيعية كون اللغة العربية انتشرت في بلاد المغرب العربي ونابعة من الكلام المتواصل به فرديا وليس من اللغة المتواصل بها جماعيا، بالإضافة إلى اختلاط السكان المحليين الذين اختلطوا بذوي اللسان الوافدين الذين كانوا يسمعون مفردات وتراكيب جديدة عليهم سماعا صوتيا. كما قدمت محاضرات حول ربط ظاهرة التهجين بالظرف الإستعماري وبصلات الهيمنة السوسيولوجية والتي تتبعها صلات هيمنة ثقافية، ودور العولمة في ذلك، وكذا خطر تنوع الظواهر اللغوية في الإعلانات الإشهارية أين بدأت العامية تأخذ حصة الأسد في لغة الخطاب الإشهاري، ومحاضرات أخرى قيمة في هذا المجال، تشخص لداء التهجين اللغوي الذي يهدد اللغة العربية.. وهي دراسات مهمة من مختصين وباحثين في اللسانيات سيستفيد منها الباحثون وباقي الهيئات المعنية بالأمر، وهنا تكمن أهمية هذه اللقاءات، وهي الاستفادة من البحوث الميدانية التي يسعى إلى تحقيقها المجلس الأعلى للغة العربية.
منذ أكثر من عام تحدثتم مع رئيس الجمهورية حول عملية بيع إصدارات المجلس التي يقوم منذ إنشائه ببيعها، أين وصلتم في هذا المشروع؟ صحيح، وكان كلام رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة على الملأ؛ حيث تناقلته جل وسائل الإعلام، والأمر يحتاج إلى وقت فقط، وهو في رئاسة الحكومة التي تبحث في الموضوع، وتقوم بالبحث عن وجود وسيط يقوم بنشر منشورات وإصدارات المجلس التي يقوم بإهدائها سواء للقراء الجزائريين، أوحتى لبعض الأكاديميات والمجمعات الدولية عن طريق عملية الإهداء، والمجلس ينتظر قرار الحكومة في ذلك.