توحي الملاحظة الميدانية مبدئيا، بعد فترة ستة أشهر من إقرار فرض إجراء القرض المستندي في التجارة الخارجية، بتخبط المؤسسات الإنتاجية الوطنية في جملة من المتاعب قد تدفع بها إلى الغلق، فمن حيث وتيرة الإنتاج أثّر القرض المستندي بشكل سلبي، إذ حدّ من تدفق المواد الأولية الأساسية لتموين عملية الإنتاج، وهو ما يهدد بتوقف العجلة الاقتصادية· باعتراف العديد من المتعاملين في مختلف المجالات، كان لاعتماد القرض المستندي حتى ولو كان عن حسن نية، تبعات سلبية على الآلة الإنتاجية وحتى الخدماتية منها، وتجلت هذه المتاعب على عدة أصعدة منها بطء تدفق المواد الأولية من الأسواق الخارجية، مرورا بصعوبة تمويل المؤسسات لعملات الاستيراد بسبب عدم قدرتها على الوفاء بالالتزامات المالية المترتبة عن العملية، وانتهاء بالتعقيدات البيروقراطية التي تواجه المتعاملين في الوصول إلى قنوات التمويل عبر البنوك· ولا تقتصر متاعب المتعاملين على اعتماد القرض المستندي كإجراء في حد ذاته، بل تتعداه إلى عدد المتدخلين فيه وغياب المرونة في آلياته، إذ يجبر المتعامل الاقتصادي على الاتصال بعدد لا يقل عن خمس إدارات منها، المؤسسات المصرفية، الجمارك، الصحة بالإضافة إلى الممونين الخارجيين والمؤسسات المصرفية هناك لجمع الملف قبل الوصول إلى غايته، وهي إجراءات قد تأخذ على الأقل وفي أحسن الأحوال ثلاثة أشهر، وقد تتقلص الفترة في ظروف استثنائية إلى ثلاثة أو أربعة أسابيع· إشكالية ثقل الإجراءات والمناخ العام للاقتصاد الوطني ألقى بسلبياته على مؤسسات عمومية إستراتيجية ذات طابع خدماتي كمعهد باستور، الذي يقف مكتوف الأيدي أمام ندرة اللقاحات وعدد من الأمصال والمستحضرات التي يمتلك حق الاحتكار في هذا المجال، وهو أمر دفع إلى حالة من الارتباك لدى المواطنين الذين اضطروا إلى اللجوء إلى شبكات موازية للحصول على اللقاحات لأطفالهم مثلا وبمبالغ باهظة· من جانب آخر، لا أحد يجرؤ على تفسير الوضع خشية الخوض في انتقادات إجراء، لا يزال حسب بعض المتتبعين، قيد التجريب والتحسين، ويعقدون أملا على عامل الوقت للوصول إلى تكييف الإجراء المتخذ في آلية تضمن المرونة والفعالية في ان واحد· القرض المستندي وإن كان بالفعل أداة فعالة لضمان الشفافية في تعاملات التجارة الخارجية، يتضمن خاصية سلبية قد تعيق دولا مثل الجزائر عن الاستفادة من فوائده، وهي أن أي تعطيل قد يحوله إلى عقبة يصعب تجاوزها، وفي الحالة الجزائرية تعتبر عدم جاهزية الجهاز البيروقراطي، أي الإدارة في التعامل بفعالية وخاصة بسرعة مع الشؤون الجارية، العقبة الأساس التي تهدد الاقتصاد الوطني عموما والآلة الإنتاجية بشكل خاص· ماهو القرض المستندي؟ الاعتماد (القرض) المستندي: من أهم الوسائل المستعملة في تمويل الواردات، ويتثمل الاعتماد المستندي في تلك العملية التي يقبل بموجبها بنك المستورد أن محل المستورد في الالتزام بتسديد قيمة وارداته لصالح المصدر الأجنبي عن طريق البنك الذي يمثله مقابل استلام مستندات، والتي تدل فعلا أن المصدر قد قام فعلا بإرسال البضاعة المتعاقد عليها· يلاحظ من التعريف أن فتح الاعتماد المستندي لصالح المستورد يتطلب أربعة أطراف هي: المصدر، المستورد، بنك المستورد، بنك المصدر· المستندات المطلوبة هي: الفاتورة، وثيقة الشحن والنقل، وثيقة التأمين، الشهادات الجمركية، شهادة المنشأ، شهادة التفتيش والرقابة والفحص والشهادات الطبية· زياد عمار (رئيس إتحاد متعاملي الصيدلة) ل''الجزائر نيوز'': الندرة ستشتد وبوادر الأزمة في قطاع الصيدلة تلوح في الأفق يطالب رئيس إتحاد متعاملي الصيدلة بإلغاء القرض المستندي الذي اعتبره شرطا تعجيزيا لمواصلة نشاط المتعاملين في القطاع، ويضيف أن ندرة المواد الأولية الخاصة بإنتاج المواد الأولية والمستحضرات الصيدلانية ستشتد، خاصة وأن الوزارة الوصية لم توقع بعد على برنامج الاستيراد للعام الجديد· يشكو المستهلكون في المنتجات الصيدلانية ندرة بعض المواد وفقدان بعضها الآخر، ما مرد ذلك؟ الأمر كان متوقعا، وهذا ما حاولنا التحذير منه منذ شهر أوت، وسعينا إلى إثارة انتباه السلطات لهذا الشكل المرتبط في الأصل باعتماد صيغة القرض المستندي في تمويل التجارة الخارجية، ثم أعدنا الكرّة في شهر سبتمبر، حيث قمنا بمراسلة مصالح الوزارة الأولى ولكن لا أحد أراد الإصغاء لنا· لكن اليوم الندرة في المواد الأولية تهدد بأزمة حقيقية خاصة في قطاع حساس كقطاع الأدوية؟ ليس هذا فحسب، بل إن الندرة ستشتد وتتحوّل إلى نفاد كل المخزون من المواد الأولية، وأنا أتحدث هنا عن قطاع الصيدلة، مثلا نحن نعاني من مشكل عويص الآن، وهو أن وزارة الصحة لم توقع إلى حد الساعة على برنامج استيراد المواد نصف المصنعة والمواد الأولية الخاصة بالمتعاملين المحليين، ونحن مدعوون اليوم إلى حضور اجتماع بمقر الوزارة، ربما سنخرج بحل· إذن الأمر أكثر تعقيدا مما هو عليه بالنسبة لقطاعكم؟ بالطبع، لأن القرض المستندي يفرض ثلاثة أشهر على الأقل من الإجراءات، يضاف إلى ذلك الشروط المطروحة في دفتر الشروط الذي يربطنا بالوزارة والذي يفرض مخزونا يكفي على الأقل لثلاثة أشهر، وهذا مستحيل في الوقت الراهن· ماذا تقترحون إذن، التخفيف من الإجراءات مثلا؟ نحن نطالب بإلغائه تماما، لأننا اليوم أمام مشكل معقد، شقه الأول هو الوفاء بالديون المترتبة عن التعاملات السابقة مع شركائنا في الخارج، وبالمقابل نحن مطالبون بتجنيد مبالغ ضخمة لاستيراد حاجياتنا من المواد الأولية، وهذا أمر نعجز عنه في الوقت الراهن، إذ أننا مطالبون بتخصيص 50 بالمائة من رقم أعمالنا لتمويل عمليات الاستيراد، أضف إلى ذلك ظروف الحصول على قروض بنكية لتمويل نشاطنا التي تبقى عقبة أساسية نطالب بمعالجتها· بوعلام مراكش (رئيس الكنفدرالية الجزائرية لأرباب العمل) يؤكد رئيس الكنفدرالية الجزائرية لأرباب العمل، أن اعتماد القرض المستندي خلق مشكلا عويصا بالنسبة للمؤسات الوطنية المنتجة، وطالب بتحرك عاجل لاتخاذ قرار للتخفيف من الإجراءات، وذكر في هذا الصدد مؤسسة إنتاج الورق بمستغانم التي تواجه مصير الغلق بسبب صعوبة التموين بالمادة الأولية: تواجه مؤسسات اقتصادية صعوبات في التزود بالمواد الأولية لتموين عملية الإنتاج، منذ اعتماد القرض المستندي، ما تعليقكم؟ كما تعلمون أنه على مستوانا طرحنا وثيقة على الشركاء في الثلاثية تخص الموضوع، قلنا فيها إنه من المستحيل تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وحتى الكبرى في ظل هذا العائق أي القرض المستندي· صحيح، أن هذا الأخير معمول به دوليا، لكن قلنا إنه على الجزائر أن تراعي مصلحتها ككل الدول· وماذا كان رد فعل السلطات العمومية؟ طلبنا أن تكون هناك إجراءات من خلال الوثيقة المطروحة المؤلفة من 30 صفحة، وبالفعل تم تنصيب لجنة تفكير تضم ممثلين عن الجمعية المهنية للبنوك، وزارة المالية، الوزارة الأولى·· وتم عقد عدة جلسات وانتهى العمل بصياغة وثيقة هي الآن على مستوى الوزارة الأولى، وعلى السلطات العمومية اتخاذ القرار· ماذا اقترحتم كحل للمشكل؟ قلنا إنه لا بد من إجراءات مرنة لصالح المؤسسات المنتجة وليس لصالح القطاع التجاري، وتوصلنا إلى توافق حول مبدأ التخفيف من الإجراءات منها الاستيراد بضمان بنكي حسب الحاجيات· لكن الأمر يتطلب تحركا عاجلا، فبعض المؤسسات هي على حافة الاختناق؟ هذا أكيد، قد طرحنا مثالا عن مؤسسة الورق بمستغانم، حيث 550 منصب عمل مهددة بالغلق بسبب القرض المستندي الذي أعاق المؤسسة عن جلب المواد الأولية· صحيح، أن السلطات العمومية واعية بالمشكل واتخذت عدة إجراءات في هذا الصدد، ولكنها غير كافية· صحيح، أن عدد القروض المستندية تضاعف ب 40 مرة، ولكن ننتظر آلية جدية للتخفيف من الإجراءات· مصدر بنكي يؤكد: البنوك تعمل بما هو متاح لها والقرار الأخير يعود إلى السلطات العمومية أكد مصدر بنكي أن وتيرة العمل بإجراء القرض المستندي تضاعفت بعشر مرات على ما كانت عليه قبل اعتماد الإجراء، وقال المصدر إن عدد الملفات قفز من نحو ألف إلى 10 آلاف شهريا· وأشار المصدر إلى اعتماد البنوك بناء على توجيهات حكومية تمكين بعض المتعاملين الاقتصاديين من تسهيلات وامتيازات منها جانب الكلفة، حيث تحاول البنوك أن تضغط لأغراض إنتاجية، معترفا بأن مجهود البنوك هو في المجال المتاح لها، والقرار يعود إلى السلطات العمومية، مضيفا إلى أن البنوك تلتزم بالشروط المعمول بها دوليا· أما بالنسبة لطول الإجراءات، أوضح المصدر أن الأمر لا يتعلق بالمؤسسات المصرفية لوحدها كون الأمر يتعلق بمصالح وإدارات أخرى كالجمارك، الصحة والنقل··· مشيرا إلى إجراءات استثنائية بخصوص المواد السريعة التلف وكذا الأدوية· بالمقابل، أكد المصدر أن تدخل البنوك يكون على مستويين، الأول المتابعة وكذا تمويل عمليات التجارة الخارجية، ويتم ذلك حالة بحالة، حسب القدرات التمويلية لكل متعامل·