لقد كتبت ''الجزائر نيوز'' قبل ثلاثة أيام، أن وزير الخارجية الفرنسي، بارنار كوشنير، التقى مع اليمين المتطرف الفرنسي في قضية الإساءة إلى الجزائر رغم توجهاته اليسارية، وأن ذلك قد تجاوز الرئيس ساركوزي نفسه، بدليل أنه أرسل مستشاريه وأمين عام قصر الإيليزي في اليوم الموالي الذي صدرت فيه تصريحات كوشنير حول علاقات البلدين المرهونة بتغيير جيل الاستقلال في الحكومة الجزائرية، وذلك استدراكا لما يمكن استدراكه من رقعة الصدع· يأتي جون ماري لوبان رئيس حزب الجبهة الوطنية بعد أيام فقط من الحماقة الدبلوماسية التي ارتكبها ''حليفه'' في الإساءة إلى الجزائر وزير الخارجية كوشنير، ليدخل الانتخابات الجهوية الفرنسية تحت شعار غاية في العنصرية ضد الإسلام والجزائر، معتقدا بأنه في ذلك أمل انتخابي في إحرازه عددا من المقاعد كما لم يفعل طوال حياته السياسية منذ ثلاثينات القرن الماضي· جون ماري لوبان (82 سنة) ظل على رأس حزبه، قضى ما يقارب ثلاثة أرباع عمره على رأس الجبهة الوطنية أي منذ 38 سنة، دون أن يحقق أي مجد سياسي له وللفرنسيين من حيث إحرازه على مكانة مؤسساتية عبر صناديق الانتخابات، ما يعني أن برنامجه السياسي لم يساير في أي يوم من الأيام، تفكير الأجيال الفرنسية التي تعاقبت، حيث ترشح للرئاسيات الفرنسية خمس مرات كاملة ( 74 ، 95 ,88 ،2007 ,2002)، لم يتجاوز خلالها حتى الدور الأول، إلا في سنة ,2002 وكان ذلك صادما ومفاجئا لكل الرأي العام العالمي عامة والفرنسي على وجه الخصوص، حيث وصفت الصحافة آنذاك نتيجته تلك، بأنها تاريخية مقارنة بحزب فاشل طوال حياته السياسية، لكنها فسرّتها بأن لوبان استفاد من أصوات الفرنسيين اليساريين الذين لم يكن لهم في تلك الفترة مرشحا قويا، بدليل أن جاك شيراك سحقه سحقا في الدور الثاني ولم يظهر له أي أثر بعدما انفض من حوله من ساندوه في الدور الأول· ويرجع فرنسيون متابعون لشؤون الجبهة الوطنية ولوبان ذاته، بأن سبب فشله السياسي يكمن دوما في مراهنته على الأقليات الفكرية الفرنسية التي تساند توجهاته، وبالتالي لا تمثل تلك الفئة الوعاء الانتخابي المؤهل للوبان بأن يتبوأ من الرئاسة أو المسؤولية منصبا· وبمعنى آخر، فإن التوجه العنصري والمتطرف لهذا الرجل ضد الفرنسيين من أصول مهاجرة والذين لهم حق الانتخاب وهم فئة هامة من الهيئة الفرنسية الناخبة يراهن عليها ''الشمال كما اليمين'' في كل فرنسا، جعل لوبان يمنى في كل مناسبة انتخابات رئاسية كانت أم جهوية، بهزائم مخزية، خاصة وأن الفرنسيين الأصليين وما أقلهم في فرنسا، حسب جدل الهوية الدائر هناك، هم أيضا لا ترى فيه رجلا مؤهلا ليقود فرنسا لا من حيث التوجه السياسي ولا من حيث سنه المتقدمة· الغباء عند لوبان يبدو عاملا وشرطا من شروط الانضمام إلى جبهته، كون الأخير لم يتفطن بعد بأن نظرته العنصرية المتطرفة تصنع وتخطط له دوما الفشل السياسي ومع ذلك لم يغيّرها يوما، في وقت لا تزيد فيه فرنسا إلا تنوعا في تركيبتها البشرية من الأصول المهاجرة ويزحف فيها الإسلام زحفا مثلها مثل باقي دول أوروبا، وبدل التفكير في استغلال هذا العنصر وكسبه انتخابيا راح يعاديه ويتطرف في مواجهته، سياسيا ودينيا، مما يميل به نحو الهاوية السياسية، ويظهر من خلال ما أحرزه من خزي انتخابي طيلة حياته بأنه السياسي الوحيد في فرنسا الذي لا يخطط إلا لفشله!؟