إن الأدب مثل الفوسفور،يلمع أكثر في اللحظة التي يحاول أن يموت فيهاكما يقول رولان بارت ·وتأتي تفنست التي تروي نفسها في خضم صراع التجارب الذاتية التي عاشها عبد الله حمادي صراعا تعادلت فيه الوقائع على مستوى الإخراج الشكلي للرواية وتغلبت فيه تفنست خيطا نفسيا يشد الحكايات التي أقيمت على مبدأ التضمين الحكائي نحو :أخموت وهو يسترخي في أريكة عربة القطار يستحضر لثامه الأبيض ؟،وفروسيته مع يوميات الباطرول···مشكلة ذلك التناعم الأبدي بين مشفري ناقة طرفة بن العبد المرقال،وعلنداة النابغة التي تشبه الثور الوحشي····من نافذة القطار الجارف تبدو علامات الوصول إلى مشارف إيرونذاك المعبر الحدودي أي الصناديد من رجال الباسك لا يقلعون ····في هذه المخاضة الجبلية الكل يعتصم بالظلال ويتلفع بالخضرة والنضارة الفارهة،وبروح الحانات الخشبية المفعمة بلحم الجواميس والخنازير البرية····هؤلاء الجبليون لا يفقهون من لغة الطبيعة سوى بالرد على آهاتها بقسوة الشاقور···ص12,13 إنها سيرتا المعلقة بين الأمل واليأس بأشطان من برق······هناك بداية المتهى ونهاية المبتدأ ص15 ويأتي الفصل الرابع الذي يحدده الملفوظ تنهد أخموت الترقي تنهيدة تشبه الشهيق أو النشيج ،ثم حملق مليا في زجاج نافدة القطار وهو يرسو في محفر جمارك إيرون بجبال البرانس·····كانت أستير إحدى التروزات التي أفرزتها ريشة سافادور دالي··ص20,21 تتنوع مضامين الرواية بشكل يبدو للوهلة الأولى فجوة غير معللة أو غير خاضعة للاتساق و الانسجام بوصفهما أهم آليات الدراسة النصية· إلا المتأمل في بنية الرواية العميقة يجدها تؤول في آخر المطاف نحو خدمة اللفظم تفنست· وقد يبدو من جهة أخرى أن تفنست قد شغلت حيزا محدودا في الرواية يتجلى في الفصلين السادس والسابع و أول حضور للفظم يتعين في قول أخموت بطل الرواية: ···ما اسمك ياصحراوية ؟تأملت في عينيه البراقتين ولمحت فيهما علامات الشوق إلى السرير وقالت :تفنست···ص36 · ويلمح المتتبع في سيرورة البرنامج السردي -المثقل بالأحداث الفاعلة لتفنست - إحالات وصفية تستمد وجودها من الطبيعة الصحراوية في حد ذاتها نحو: كان في تفنست من قد البقرة الوحشية ما يشبع حال الأيتام في مأدبة اللئام ،··يعتري الذبول عينيها من تعاطي موبقات الصبار والقنب الأفريقي··· هكذا تتنامى صورة الفتاة تفنست وتستمر في اتجاه دلالي واحد يكشفه العرض السردي المباشر الذي يصور لنا حوارا تداوليا بين أخموت وتفنست نحو: فقالت يا اخناتون، فقاطعها قائلا: اسكتي لا تراعي ،أخموت من فضلك ،فقالت زي بعض على لغة ····ثم واصلت هدرها قائلة له :ألم يكن أخناتون جدك الأعلى وجد اعر اشكم التو ارق الزرق الملثمين كنساء الشمال؟ص38-39 · فرد مزهوا :وهل في دلك من شك ···ص39 فقاطعته:تمهل ،رويدك،أماا زلت تتقن الهيروغلييفية: ص39 وتتضاءل مساحة تأويل لفظم تفنست شيئا فشيئا مع سيرورة الحوار في الرواية· إذ سرعان ما يتخصص المصطلح ويتحدد صنفه الأول الذي أطلق عليه ،نلمس ذلك في قوله : لا ياسيدتي التنفنست ،···ص39 وكأنها نكرة في الأصل يريد تعريفها وإرجاعها إلى انتمائها الأصيل ·ومن الواضح نحويا أن تفنست اسم علم مكتفي بذاته فنقول تفنست مثلما نقول نوال وسعاد · ولا يجوز نحويا قول: محمد بدلا من المحمد ،ونوال وسعاد بدلا من النوال والسعاد ويستثى من ذلك كله الأسماء التي تدل على أكثر من شيء أو مسمى·وهو حال ينطبق على تفنست التي تتحدد دلالتها النهائية في الملفوظ التالي: قوله : ···وإن شئت بلغة أهل الحيرة يا سيدتي المها ،وإن شئت بلغة أهل الجبايلية في الميلية :حن بكره ···ص.39 وعادة يكون الاسم النكرة بعدا سرديا يتحدد بموجبه نمط البناء اللغوي المشاكل لنمط التفكير الأول الذي ينزلق من صاحبه بعد توهم النضج والاكتمال· فهو ينهض على التخييل للحظة مسروقة من وقت مستقطع، تكون فيه الذات حرة وطليقة من أسر الزمكان؛ لحظة ذاتية وخصوصية جداً، ولكنها في الوقت نفسه تعبير عن رغبة أو رغبات تسعى للتحرر من ضرورات الوعي الخاضع لاشتراطات جمعيّة تستوجب على الدوام التقنّع بقناع محدد· ولكن الرؤية السردية تتحدد بتشكيل معرف يفضي إلى تجربة واقعية معاشة تفاعلت مع مجموعة من الأحداث الإطارية التي ذابت في مشاهد الوصف والتفسير والشرح وغيرها من الوحدات العاملية الأخرى غير الفعلية · ومن يتوهم توقف التأويل ههنا يكون قد وقع في الخطأ من حيث يدري ومن حيث لا يدري ·إذ يعد الاحتكام إلى الخصوصية اللغوية -التي ذابت فيها أساسية الصور السردية وانتصرت على حسابها طبيعة التوالد اللغوي الذي حول في طبيعة البرنامج السردي تتجلى المحاولة التشخيصية التي تسير في ضوئها تفنست على النحو التالي : تافوناست التسمية الترقية ذات الجذور البربرية،التي تمتثل لبنية صرفية تتشكل من تا و فوناست ·والتاء في الأمازيغية تقابل ال التعريف في العربية · ويتساءل القارئ عن سر التسمية من جديد أو تعريفها،وهو استفسار يجد سبيل تبريره في دلالة تفنست على أكثر من شيئ كما سبق وأشرنا بالنسبة لاسم العلم وأداة التعريف، فهي البقرة الوحشية عند الأمازيغ وهي التسمية الترقية التي تعني المها وهي الجزائر بلغة حمادي،التي تكتمل فيها صور الحضارة التي تمس أركان البلاد رغم بساطة بعضها أو بعدها الجغرافي عن سبل التطور أو الارتقاء·وهاهي تفنست تعبر الجنوب قاصدة الشمال تفيض أنوثة مزقت أجواء التخيل عند أخموت وتضاعفت بعنفوان التقشف الذي طغى على محدودية التلميح ·وتدحرجت لغة الغواية، نحو: ·········· انظر بين فخديك إنها هناك···ص37 أليست مثل هذه الشاحنات العملاقة المعدة للأسفار··· يكاد الجينز البالي والمرقع والمتعدد لاالرسومات السوريالية أن يتفزر من كثرة مادك فيه من اللحم المجفف والطازج من لهيب الشمس···· ···راحت تتفرس في كل تفاصيل جسده···فحروب الدنيا كلها من أجل السرير·· تأملها أخموت من أخمص رجليها إلى سنابل شعرها···وينفث ما بصدره من وهج وويلات·· ···بإمكانك فتح النافذة وخلع··تردد خلع؟···خلغ الجاكيت لو شئت؟ وتمضي سيرورة الأحداث نحو المفاجأة غير المعهودة ،'ذ كثيرا ما يتوقع القارئ أن فضاء كذاك سينتهي نهاية تستجيب لدوافع غريزية تقهر حضور الأنا الموضوعية وتستسلم لانحرافات ولذات توقع في الخطأ·وعلى عكس من ذلك تمضي تفنست في رحاب التحضر والحوارية الواعية وتنتهي نهاية تقر ثقافة وحضورا علميين يغفرا ركوب تفنست الفولفو وتمردها على انتماءات أولى تجدد انبعاثها وتدفع إلى البحث عن الثقافة في الشمال وحقيقة المفارقة التي تذوب على مستواها الفوارق أو أطراف النقيض · تفنست الصحراوية التي انطلقت كا لمها تجول صحراء قاحلة تندمج مع وعي الآخر وتثبت وجودها ومكانتها وتتقلد مرتبة جامعية في فضاء تختلط فيه الأشواك بعبق ورد بري قاتل، وعبق لا يكاد يبقي دليلا على أصليته وقيمته·هي المها الجميلة المنطلقة في أرجاء البلاد الصحراوية بقوة وعنفوان تغري بالشكل والخفة والجمال، نظيفة ،بهية وقوية تتخلق بعدها البراغماتي الذي يحلل الاستعمال اللفظمي إلى أنموذج لساني يرفض الاندثار ويصر على التجدد والترحال والحفاظ 'على الإنتماء الأول ·إنها الصحراء الجزائرية التي تمثل أكبر نسبة في الجزائر ،تأخد من ذاتها معالم البقاء وتتحضر في قلب الهوية ورغبة الارتقاء نحو غد جميل كجمالها · فكانت تفنست اقتباسا لغويا عدلت على مستوى البنية الصرفية والإعرابية للكلمة الأصل تافوناست البقرة الوحشية التي أيقن الراوي مرجعيتها الدلالية الأولى وهو يستهل الحديث عنها، فقال: كان في تفنست من قد البقرة الوحشية ما يشبع حال الأيتام في مأدبة اللئام··ص36 وهو الملفوظ الذي يؤكد أن تفنست حمادي لا تنتهي عند التصنيف الحيواني ،فهي ليست بالبقرة الوحشية ولا بالمها وإنما هي الجزائر·ف فلتعديل اللفظمي استجابة لتنامي مفهوم القيمة الذي يكتمل في التأويل الأخير -الجزائر· تفنست التي تنفس فيها حمادي روحا جزائرية تطاردها التجارب وتفيض مفصحة عن نفسها لتجزم بالبقاء الذي لا ينتهي ·يقتطعها في شكل مختصرات تكتمل فيها صورة البطل الذي أعيته الذاكرة وراودته اللغة عن الإفصاح فصارت له ممتلكا ·فراح يتابعها راويا من الخلف تضيق مساحة احتوائها وتتداعى لا نهائية تأويلها في شكل مختصر كما ومتعدد الرؤى كيفا وفنا جماليا كسر جدار السرد المكثف في صيغة تكاد تكون صامتة على مستوى الصوت الأحادي أو بتعبير آخر مستوى اللغة الأحادية الآمرة كما يقول محمد برادة· وبناء على ماسبق، تبقى اللغة أهم ركن في عملية الخلق الروائي بعد أن استغنى الروائي المعاصر عن عدة عوامل سردية كالشخصيات وأحوالها والفضاء في ضوء تقنيات التخاطب الملفوظي القائم على تقنيات التناص والإستحضار الشكلي بالنسبة للملفوظات الماثلة في أذهاننا والتي تشكل الشق الآخر بالنسبة للشق المتعين لغويا·وقد أصاب الناقد الجزائري عبد المالك مرتاض حينما قال:ب اللغة هي أساس الجمال في العمل الإبداعي من حيث هو؛ ومن ذلك، الرواية التي ينهض تشكيلها على اللغة بعد أن فقدت الشخصيةاءخخدسزذ كثيرا من الامتيازات الفنية، التي كانت تتمتع بها طوال القرن التاسع عشر، وطوال النصف الأول من القرن العشرين أيضا··إنه لم يبق للرواية شيء آخر غير جمال لغتها، وأناقة نسجهاب· هكذا تنفس أخموت الصعداء كما كان قد فعل حمادي واقعه : ···تنفس أخموت الصعداء وكأني به كان ينتظر من يتسنى له الهروب على جناح السرعة من جناح ذلك السرادق المعربد بالقرف البغيض ····انطلق القطار مخلفا وراءه أحياء باريس المهمورة بالسماء الرصاصية الداكنة وعناقيد الدخان الملتوية في عنان السماء،وقعقعة العربات،ولهاث الحافلات····كان السنونو يعتلي شرفات أقبية المنازل وأسلاك الكهرباء مرددا سمفونية الأمان،ولا زمة لقنها للعابرين والمقيمين مند أمد بعيد······فتنحاز متفادية خطر الإرتطام بعربات القطار أو الأسراب المهاجرة صوب الجنوب ص8,9,10 تنطلق الإسترجاعات الماضوية وتتداعى صور التجربة الترقية التي تمفصلت عبر فصول الرواية التي تتباين في ظلها أبعاد الرواية من شعبية وتاريخية وأثقافة أجنبية: فمن الثقافة الشعبية قوله: ····الأخت الكبرى تحمل بيدها الكانكي وهي فتيلة الزيت المضاءة والأخ الأكبرص76 قرني قرني···وزيدوني طورني··ص43 هدا الطائر المقدس إلى درجة تسميته بالحاج بلارجبدل اللقلق،فتقول ثقافة أهل القريةأن هدا الطائر تعرض للمسخ نتيجة تدنيسه للمقدس····والديدان والزواحفص60 قرية الغرابة نظر لكونها باتت مأهولة بأعراش أجبرتهم معارك فرنسا الدامية مع الفلاقة على الاستقرار بها···كل مايجي من الغرب مايفرح القلب،إذا كان ريح يشوي القلب وإذاكان غربي كلب بن الكلب ص.61 أما التاريخية فتمضي في مثل: أخموت في غمرة الذهول راحت تسكنه أشواق الاعتصام بجدائل شعر أستير المنزلقة على أكتافها والمنسدلة برفق ····إنها صبية منحدرة من سلالة جدتها لا باسيوناريا آخر القلاع الحملراء التي استعصت على المنصور بن أبي عامر أيام الحرب الأهلية····رغم انشطار اسبانيا إلى اسبانيتين···كذه الجدارية التي كثيرا ما تساءل المغفلون عن سر تلك الموناليزا المستلة من ريشة القرن العشرين····واختراقا للمألوفص20,21 إن هؤلاء المعمرين ينعتون بالأصابع وتكلأهم العناية الفرنسية الحاضرة بدباباتها····العواقب الوخيمةص64 وما يشغله أكثر هو القرائن السلبية التي علقت بوالدته الكتامية الأصل،فيردد في نفسه كعزاء قائلا يكفيها فخرا أنها من قبائل كتامة الصناديد الذين تغنى بمفاخرهم حتى مداح الفيلاج فهم من بنى مجد الدولة الشيعية الفاطمية،وفوق دلك المشيدون للجامع الأزهر ولمدينة القاهرة ص69 كما تتميز بخضرة الحقول المحيطة بها···والمفعمة بجنات معروشات تذكر بجنان أبي الفهر أيام الدولة الحفصيةص.86 أخموت في غمرة الذهول راحت تسكنه أشواق الاعتصام بجدائل شعر أستير المنزلقة على أكتافها والمنسدلة برفق ····إنها صبية منحدرة من سلالة جدتها لا باسيوناريا آخر القلاع الحمراء التي استعصت على المنصور بن أبي عامر أيام الحرب الأهلية····رغم انشطار اسبانيا إلى اسبانيتين···كذه الجدارية التي كثيرا ما تساءل المغفلون عن سر تلك الموناليزا المستلة من ريشة القرن العشرين····واختراقا للمألوفص20,21 إن هؤلاء المعمرين ينعتون بالأصابع وتكلأهم العناية الفرنسية الحاضرة بدباباتها····العواقب الوخيمةص64 وما يشغله أكثر هو القرائن السلبية التي علقت بوالدته الكتامية الأصل،فيردد في نفسه كعزاء قائلا يكفيها فخرا أنها من قبائل كتامة الصناديد الذين تغنى بمفاخرهم حتى مداح الفيلاج فهم من بنى مجد الدولة الشيعية الفاطمية،وفوق دلك المشيدون للجامع الأزهر ولمدينة القاهرة ص69 كما تتميز بخضرة الحقول المحيطة بها···والمفعمة بجنات معروشات تذكر بجنان أبي الفهر أيام الدولة الحفصيةص.86 الثقافة الأجنبية نحو: Vive Lhote bien connu Vous soulagez nos curs Pour nous c.est un grand honneur De vous avoir parmi nous أو أغنية ص72,rère jacques frère jacques dormez.vous sonnez les matins sonnez les matins ding ding dong73 وهكذا تجسد صورة البطل الذي استسلم لذاكرته الأمينة تعيد قراءة ماضيه بشكل مغاير ،ومضات لم تعبر الذاكرة دون قيم خالدة نفث فيها أخموت صورة التارقي العبقري الساذج الذي يشارك العامة ميولاتهم وينتمي إليهم · تفنست الرواية التي تهلهل للحظة ممارسة جديدة شكلا ومادة تتنامى في ضوئها حكايات لا تثبت انفصالقا على مستوى التعدد التأويلي بل على مستوى الشكل الفاصل بالدرجة الأولى وتثبت وحدتها آخر المطاف · تختصر فصولا بطريقة تدريجية تتمثل تنامي الوحدات التوزيعية ومختلف برامجها السردية التي تساهم في كسر السرد بما تحتويه من عناصر إدماجية اصطلح على تسميتها بالعوامل،كالوصف والشرح والتفسير واللواحق ··وغيرها من العناصر التي يمكن إسقطها من فضاء البؤرة الإسنادية دون أن يؤثر ذلك في سرورة السياق اللغوي والدلالي·يقوم على مبدأ اللغة البناءة التي تقيم الرواية إقامة لغوية دقيقة تختبر فيها قدرات التشكيل اللغوي وأدق التفاصيل التي تستطيع فيها ملكة عبد حمادى وصولها وارتيادها· النص الموازي في رواية تفنست دراسة سميائية تأويلية 1-سميائية العنوان : يرد العنوان في شكل صوتي محدود يختزل نصا كبيرا عبر التكثيف والإيحاء والترميز والتلخيص· وهكذا تشكل الملحقات المجاورة للنص (المؤلف- -المقدمات-العناوين- الألوان والصورة ،الحوارات إلخ) نصوصا مستقلة مجاورة وموازية للنص،تساهم بقدر كبير في تأويل الرواية إلى مجموعة من الملفوظات المختصرة· تتجه القراءة التأويلية إلى محاولة إضفاء البعد الرمزي ودلالاته بطريقة منطقية تخضع للتحليل العلائقي للعلامات، ومحاولة تحديد مدلولها في السياقات التي تنتمي إليها·وقد عبر عن هذه الظاهرة تاريخيا في أغلب الأحيان على أساس التفاعل بين فعل وبنية· و تأتلف محاور هذه الدراسة -في أصل القصد- منها لرسم صورة تأويلية للتوظيف العلاماتي في الرواية ومحاولة إخراجه المخرج السليم المستجاب للسيرورة النسقية بالنسبة للعلامة، وصيرورتها في الإطار العام، وما يعقبه من تحولات يفرضها البرنامج السردي القائم على مبادئ التشويش وكسر الوقائع كسرا يراد به استفزاز ذهن القارئ المثالي الذي كثيرا ما ترهقه الإنزياحات وتلبي نشوته بلذة القراءة البناءة في آخر المطاف· ولطالما شكلت العناوين بؤرة أساسية في تأويل النصوص الأدبية وتحديد أبعاده السميائية العامة · وذلك نظرا للوظائف الأساسية المرجعية والإفهامية والتناصية التي ترتبط بهذا الأخير وبالقارئ· ولن نبالغ إدا قلنا بأن العنوان مفتاح إجرائي في التعامل مع النص في بعديه الدلالي والرمزي.6 يشكل لفظم تفنست وحدة صوتية بنيوية موجزة من حيث الأركان المشكلة في شكل يختزل نصا كبيرا عبر التكثيف والإيحاء والترميز والتلخيص· وهكذا تشكل الملحقات المجاورة للنص (المؤلف-الجنس-المقدمات-العناوين-الحوارات إلخ) نصوصا مستقلة مجاورة وموازية للنص· ولهذا فضلنا استعمال مصطلح (النص الموازي) مع توظيف مفاهيم أخرى كالعتبات وهوامش النص والملحقات النصية لتعضيد هذا المصطلح الأساسي· ·وتمضي قراءة تفنست في الرواية على النحو التالي: ما اسمك ياصحراوية ؟تأملت في عينيه البراقتين ولمحت فيهما علامات الشوق إلى السرير وقالت :تفنست···ص36 إن المتأمل في اللفظم تفنست من حيث كونه عنوانا للرواية سيستنتج بأنه بؤرتها التي تدور حولها بقية الوحدات الركنية بطريقة متداخلة ·يلتحم تفنست بالنص التحاما كبيرا تتولد معظم دلالات النص في ضوئه·و عندمايتساءل القارئ المثالي عن مدلول اللفظم بعيدا عن سياقاته تلفاه شفرة منغلقة الدلالة لا تقدم أية أبعاد براغماتية على مستوى القراءة والدلالة ·وتؤول هذه الإخفاقات في عمومها بمحدودية المرجعية الثقافية للقارئ وعدم الإلمام بالموروث الشعبي إلماما كاملا·ولن نعيب على القارئ ضعف قراءته ههنا أو عجزه في فك شفرات اللفظ لأنه وباختصار ليس مسؤولا عن تعدد الدوال في اللهجات ولا على انفلات المصطلح من مستوى الفرد والعادة والتقاليد إلى المستوى النخبوي ومنه الأدب · وحتى يكون الأمر محسوبا لنا لا علينا تستوجب الدراسة الموضوعية الدقيقة رد الأمور إلى نصابها الصحيح وإدماج الكلمة في سياقها الأول والأخير · وعندما نثبت اللفظم في السياق السابق نجد تقلصا في مساحة التأويل ،إذ تتجلى الرؤية ويتحدد الحقل الأول الذي ستصنف فيه تفنست، فهو اسم يطلق على فتاة الصحراء أو فتاة الجنوب ·وهو انتقاء مفرداتي مقصود من قبل الروائي يقهر بحضوره بقية التسميات الأخرى مثل :سعاد،ليلى ،نوال مريم ···وكأن الراوي حريص كل الحرص على تحقيق آليتي الاتساق والانسجام على مستوى النص ليفتح بذلك آفاقا واسعة على مستوى القراءة التأويلية· لتكون تفنست جزء من تداعيات الدلالة الصحراوية· وتستمر تفنست في توجه واحد واحد يكشفه العرض السردي المباشر الذي يصور لنا حوارا تداوليا بين أخموت وتفنست كما سبق وأشرنا في : فقالت يا اخناتون، فقاطعها قائلا: اسكتي لا تراعي ،أخموت من فضلك ،فقالت زي بعض على لغة ····ثم واصلت هدرها قائلة له :ألم يكن أخناتون جدك الأعلى وجد اعر اشكم التو ارق الزرق الملثمين كنساء الشمال؟ص38-39 · فرد مزهوا :وهل في دلك من شك ···ص39 فقاطعته:تمهل ،رويدك أما زلت تتقن الهيروغلييفية: ص39 ويتعين الحضور الآخر -كما أشرنا آنفا-في قوله لا ياسيدتي التنفنست ،···ص39 ويتبين من من التوظيف السابق أن تفنست قد تخصصت أكثر في أصل التسمية نفسها فهي تعني حيوان المها ،و تسمية صحراوية تشكل جزء مهما من الموروث الثقافي الجنوبي، تفرض على القارئ إحاطة أولية تكون بمثابة المعول عليه في فهم النص والإحاطة بخلفياته الضمنية· ولما كانت التفنست هي المها تطلب الأمر إعادة تعريف الاسم الأول عن طريق إضافة الألف واللام اللذان جعلا تفنست تبدو نكرة مبهمة لا تدل على صاحبها العيني بقدر ما تدل على ممثلها النيابي·وهو تعريف يتناسب ومقصد أخموت الذي تقصد المها كحيوان وليس تفنست كفتاة· تلعب تفنست دورا كبيرا في تبين حقيقة البرنامج السردي وصيرورته دلاليا،وهو الأمر الذي يجعل القارئ الناقد يعيش مشهدين إثنين في الوقت نفسه ،مشهد الحوارية المألوفة التي تجمع أخموت مع فتاة صحراوية، ومشهد آخر تكتمل تفاصيله في استرجاع فوري لصورة المها العابرة لمساحات الصحراء تترك لمساتها في ذاكرة الفنانين وتستلهم ذاكرة الأدباء بتشخيص أنثوي ظل الشاعر يتغنى به لليوم ولا يجد له بديلا· يشفي به أركانه أو أركان محبوبته التي تفيض بها قوام المها تشكيلا جماليا لن يمح· وتبقى اللغة الروائية - كما قال باختين باختين- تجاوز لكلمات قاموسية وألفاظ مفردة إلى بناء نسيج روائي يستند إلى تعدد الأصوات والمنظورات السردية والأجناس وتمازج الخطابات والأساليب اللغوية · 2-سميائية الغلاف الصورة واللون 2-سميائية الصورة واللون : تمتلئ أركان صورة الروائي عبد الله حمادي باللون الأصفر الذي يحققا انسجاما شكليا دلاليا مع الرواية وبؤرتها وفضائها الأول وهو الصحراء وما تحتويه من جمال صفر وأشعة حارقة تستمد لهيبها من حرقة الرمال الذهبية التي امتد لهيبها وصار من طباع الصحراوي الصلب القوي القاهر للحظات الثبوت والسكينة· كانت صورة الغلاف من جنس ذكري وليس أنثوي وكان أمرا محتملا أن تكون الصورة المشكلة صورة فتاة صحراوية حتى تستجيب الصورة لعنوان الرواية تفنست وهي الفتاة الجنوبية ·ولكن الواقع كان غير ذلك فالانتقاء مقصود ومتعين يتمثل فيه الروائي صورة البطل إيحائيا وكأنه أخموت الأزرق· وهو أمر توحي إليه الألوان المجسدة ،الأصفر يخالطه على المحيى اللون الأسود ·إنه تمازج فني يعكس واقعا صحراويا ملموسا·وقد كبرت الصورة بشكل يرسم لنا غلظة الصحراوي وصلابة ملامحه التي شكلت تضاريس قاتمة لا تكتفي بصمتها بقدر ما تفهم بصدق الرواية وقربها الواقعي وملامستها للحدث ملامسة لا تترك فجوة كبيرة بين الروية السردية والخطاب· ويتجه التأويل السابق ليؤكّد بقوّة تبعية المرأة للرجل كرمز لسلطة اجتماعية وثقافية غير منظورة، ولكنها ملتمسة من خلال سلوك الشخصية النسائية في الرواية، وهي شخصيّة محورية ، يمكن اعتبارها نموذجاً معبّراً عن محدودية مساحة الحريّة التي ما زالت المرأة المثقفة تعيش فيها، فهي بتعبيرها أشبه بالمربّعات المتجاورة التي ليس من السهل تحطيم أضلاعها والانفتاح على بعضها في الحدّ الأدنى، وربّما الحال كذلك بالنسبة للرجل الذي وجد نفسه أسير هذه المربّعات التي صنعها بعناية،ثمّ باتت وبالاً عليه· هكذا يتخذ اللون الأصفر بعدا رمزيا يجد تفسيره في الحياة الواقعية التي ينتمي إليها الصحراوي ،فهو لون رمال موطنه وحرقة شمسه وعلة عشبه ·هو ما لا يستطيع أبدا الانسلاخ عنه لأنه وباختصار هويته ،ورمله بحر نأيه الذي يحفزه إلى البحث عن عيش ظل يهدده ·وهو بالمقابل مصدر معتبر لذلك العيش باحتوائه أجود ثمار الكون وأنفعها، تمور عسلية رددت بدورها قدسية الانتماء، فاصطبغت باللون الأصفر الذي يوحي بالشحابة والمرض ،وغياب الفتوة والخضرة · وهو شرح يصب في دال اسمه الموت·ومخطئ جدا من توقف ههنا،فنحن نحقق إيجابية التأويل بالنظير ،فالأصفر لون الشمس والنار واللهيب وهي توظيفيات تحيل على القوة ،على الشدةوعدم خشية أي شيء ·ولولا تلك الخصوصيات ما كنا لنتفع بأشياء كثيرة يستمتع بهاو بصورة واضحة أهل الشمال ومن ينامون في فلكهم· رواية تفنست رواية موجزة كما ،متفردة كيفا،فهي مادة وخطاب تذوب فيها المشاهد لتحيى على عتبتها تناقضات الوجود وتستلهم الفكر إيحاءا رمزيا يجد مبرراته في غاية الخلق والنشوة وتحدي الصور المألوفة التي أرهقت برامج إعلامية تكثيفا علنيا، وامتداد طبيعيا لن يلبي حاجة الأديب المبدع ولا الناقد المحلل لأنها وباختصار دون الرمز ودون القراءة· وأستطيع أن أجزم بكل موضوعية أنها كانت تفنست روحا ومنطلقا وغاية·