شكلت الرواية والقصة النصيب الأوفر في العدد ال 18 من مجلة "الثقافة"، وذلك لحرص هذه الاخيرة على التفتح على كل مجالات الثقافة والفكر والإبداع، كما حفل العدد أيضا بدراسات في شتى الاختصاصات، منها المسرح، حيث تتشرف المجلة بتقديم مسرحية لمحمد ديب لم تنشر من قبل. خصص ملف العدد للسرد نتيجة اهتمام الباحثين والمهتمين بالأدب والثقافة عامة عندنا بالنصوص السردية، ومع ذلك يبقى الروائيون يشتكون من غياب الدراسة والمتابعة، فكم من عمل إبداعي مر مرور الكرام دون أن يحظى بالاهتمام، وكم من كاتب أحس بأنه يكتب بلا صدى. إن الحركة الأدبية لايصنعها الإبداع وحده مهما كان الإنتاج الروائي والقصصي والشعري وافرا في ظل غياب المواكبة النقدية والتغطية الإعلامية، والافتقار إلى القارئ الذي يصنعه الإبداع والنقد، أما كلمة العدد فتحدثت فيها السيدة خليدة تومي وزيرة الثقافة عن "الثقافة الجزائرية: الأصالة، التنوع والتفتح" ومن ضمن ما جاء فيها أن الثقافة هي جزء من قوة تأثير أي بلد، فهي تساهم في إشعاعه وحضوره خارجيا وفي رسم صورته عالميا، غير أن كل نهضة ثقافية يجب أن تنطلق من الداخل كي لا تتحول بعض الإنجازات التي تعدت شهرتها حدود الوطن إلى صورة خادعة عن الوضع الثقافي العام في البلاد، فالثقافة يجب أن تزدهر وطنيا أوّلا، بذلك فقط يمكنها أن تخدم المجتمع وترفع من نوعية الإنسان فيه وتجعل البلد مشعا وجذابا يطيب العيش فيه. تميز العدد بنشر مسرحية لم تنشر من قبل للراحل محمد ديب بعنوان "خطيبة الربيع" سنة 1985 والتي ترجمها وقدمها مريزق قطارة. تقدم الراحل ديب بهذا العمل سنة 1985 أثناء الدورة ال 14 لمسابقة المسرح الإفريقي التي نظمتها وأشرفت عليها قناة راديو فرنسا الدولية، وظلت المسرحية مجهولة رغم أن مجلة "الجيش" نشرت ملخصا عنها بالفرنسية، وقد وجدت مضروبة على الآلة الراقنة بمكتبة الدراسات المسرحية "جاستون باتي" بباريس، وتتبلور أحداثها على شكل ميلودراما تقوم على نسيج لحكاية شعبية، تحكي عودة "عمور" إلى قريته بعد غربة في بلاد بعيدة، لكنه يفاجأ بجفاف يضرب القرية فيتقرر إقامة شعائر الخصب والتي تنص على زواج شابين يختارهما الملأ تبركا برمزية الخصب التي تحملها العشرة الزوجية ويقع الاختيار على عمور كأحسن شاب مع "صافية" إحدى فتيات القرية، إلا أن عمور يفسد الاحتفال على القرية برفضه الزواج ويكتشف أنه كان على علاقة مع "عتو" إحدى بنات القرية فيهرب عمور معها إلى المدينة ويتزوجها وتنتهي القصة بمشهد قتل "صادق" أحد القرويين المكلف بمتابعتهما وقتلهما. المسرحية تشكل رغم قصرها نموذجا للفن الادبي لمحمد ديب وهو فن يستغل تعدد المعاني والدلالات إلى أقصى حد ممكن، ويقدم حقائقه، وهي في حالة تناغم متعدد الأبعاد مع التراث الإنساني، أينما ومتى وجد. كما تضمن ملف العدد دراسة عن "التجريب في السرد الجزائري المعاصر الشعري والأسطوري في رواية "تفنست" لعبد الله حمادي كتبها الدكتور وليد بوعديلة، ويتعرض فيها إلى سحر التجريب والنص الروائي المغامر المدهش، ونصوص لا تكتفي بآليات السرد الواقعي وإنما هي تعانق المراوغة والبحث في مستويات تشكيلية وفكرية تحت مظلة جمالية التجريب والحداثة. إن رواية "تفنست"، من الروايات التي تنزع إلى آفاق التجريب، فهي لا تكتفي بتقنيات سردية بسيطة وإنما تغامر في البحث عن الأشكال المختلفة والمغايرة بتشكيل عوالم روائية شعرية للأنثى فيها الإيحاءات الساحرة والمدهشة ويتعانق بحضورها الواقعي بالمتخيل، والأسطوري بالشعبي، ومن ثمة فإن التجريب يصدم المتلقي صاحب الذائقة الجمالية الكلاسيكية ويزعزع وعيه. وقفات ودراسات أخرى تضمنها العدد ضمن شكله الراقي المزخرف برسومات الفنانة الراحلة "باية".