تتعدد الأماكن وتختلف الشخصيات والحالات، لكن المشكل الوحيد الذي يؤرق أغلب الجزائريين والمتمثل في الحصول على سكن لائق يحفظ كرامة الفرد، هو مطلب عائلة الحاجة خديجة التي تعيش في اسطبل للخيول منذ أزيد من أربعين سنة، وتعيل ابنة مختلة عقليا، لم تجد مأوى سوى أن تحول ما خلّفه المستعمر الفرنسي إلى حجرات لا يتجاوز طولها بضع أمتار، يترقب قاطنوها انهيارها في أي لحظة، خاصة بعد سقوط أجزاء من الجدار الخارجي المحيط بها· ولأن المأوى من ضروريات الحياة، فإن كل شيء تحول في ظل أزمة خانقة صالحا لأن يكون بيتا أو حجرة، يقع الإسطبل الذي يضم ما يقارب العشر عائلات رفقة أبنائها في قلب العاصمة ليس بعيدا عن أعين المسؤولين في الدولة وبين الحدود الفاصلة بين المقاطعة الإدارية لبلدية سيدي امحمد وبلوزداد، بالضبط بالشارع رقم تسعة طاهر عروة، يمكن الولوج إلى الإسطبل الذي تحول إلى تجمع سكني من بابين، الباب الأول يقع في حدود بلدية سيدي أمحمد، أما الباب الثاني تابع لبلدية بلوزداد بشارع 13 بغدادي، وهو المسلك الذي اتخذته ''الجزائر نيوز'' للوصول إلى حجرة عجوز طاعنة في السن تعيش رفقة ابنة مختلة عقليا، لديها أربعة أبناء، رغم تقدم سنها، تناشد السلطات انتشالها من خطر الانهيار الذي يترصدها، فما إن يفتح الباب وتطأ قدماك المكان تشعر أنك معلقا بين الأرض والسماء فوق جسر مهترئ صغير، توحي لك حالته المتدهورة أنه سينشق إلى نصفين في أي لحظة، ينتهي الجسر بمدخل ضيق ومظلم لا تكاد تدري كم عدد درجات السلم الذي يقودك إلى بيوت القاطنين به، الأسقف مهترئة لم تصمد أمام عمليات الترميم أو الشد بالألواح التي نصبت بشكل عشوائي، تحتل سلسلة عدادات الكهرباء والمياه جزءا كبيرا من جدرانها، وبعد أن تقطع الممر تجد نفسك في ساحة واسعة بها ركام البنايات الفوضوية التي شيدت مؤخرا كحل لتوفير مساحة أوسع من أجزاء البيت، الوضع الذي لم يرق لمصالح البلدية التي عاينت المكان، حسب تصريح العجوز خديجة، وبئر تم ردمه لحماية الأطفال من خطر الوقوع فيه· مدخل ومراحيض جماعية ولأن المكان كان عبارة عن اسطبل، فإن قضاء الحاجة البيولوجية يشكل عائقا لدى سكان مثل هذه الأماكن، ولعل الحل الوحيد هو توفرها على مراحيض جماعية يقصدها القاطنون بهذا التجمع ولا يعفى منها إلا من وجد حيزا في المساحة التي يقطن فيها لبناء هذا المرفق دون الاكتراث بما ينجر عن ذلك من مضار صحية، علاوة على المد العشوائي لقنوات الصرف الصحي التي تمر عبر التجمع وتصب فيها فضلات حمام ومسجد جعفر بن عبد الله المحاذي للحي من الجهة العلوية المحاطة بجدار تتخلله تشققات عديدة غالبا ما تتسرب منه المياه، ولأن المكان يضم أكثر من عائلة، فإن المدخل مشترك ولا يمكن لأحد أن يضبط ساعة إقفاله أو فتحه، مما يجعل قاطنيه عرضة لدخول غرباء إلى المكان· المبنى مهدد بالانهيار··· ولكن لا مفر لنا لم تشفع معاينة الحماية المدنية للمكان ولا مصالح البلدية في أن تلقى الحاجة خديجة الاهتمام من السلطات المعنية، حيث تصب مجمل تصريحاتها في أنها اكتفت بتعويض الجدار الذي انهار على سقف منزلها بصفائح من الحديد بحكم أن الجدار المنهار تابع لبلدية بلوزداد التي قامت مصالحها بمعاينته دون أن تقدم أي حل، ليتحول بذلك سقف منزلها إلى مجمع للنفايات التي ترمى بصفة عشوائية من طرف المارة والأحياء المجاورة وعرضة لخطر السرقة، أما حجرات البيت، فإن جدرانها تنتفخ في الشتاء بسبب تسرب مياه الأمطار عبر الأسقف المهترئة، وإذا كان المنزل يقي من حر الصيف وقر الشتاء، فإن هذا الشرط لا يتوفر في منزل العائلة، لتختلف بذلك الحلول التي يهتدي إليها القاطنون بهذه المنازل لتجميع مياه الأمطار المتسربة، ففي الوقت الذي يستعين فيه جيران العجوز بوعاء بلاستيكي فإنها تلجأ إلى استخدام بطانية لجمع المياه المتسربة، ويستمر الوضع على حاله حتى ينقضي فصل الشتاء، وتقول إن الترميمات لم تجد نفعا، وأن اتساع رقعة التشقق تزيد من هواجس خوفها، فقطرة ماء كافية بأن تحدث شرارة كهربائية، لنصل إلى ما لا يحمد عقباه، ليبقى بذلك مطلبها أن تنتشل من الخطر المحدق بها، وإعفاء جسدها النحيل الذي تحمله رطوبة الغرفة أمراضا لا طاقة لها بها· الضيق والأمراض التنفسية كانا سببين في رحيل ابني وعائلته لم يبقَ للحاجة خديجة المولودة في البيت الآيل للانهيار سوى صور ابنها الوحيد وأبنائه، حيث تتحدث عن عجزه عن تحمل العيش في ظروف لا تتوفر على أدنى شروط الحياة الكريمة، وتشكل مصدرا لعدد من الأوبئة والأمراض، في مقدمتها الأمراض التنفسية على غرار الحساسية والربو ··· الخ، والذي رفض التضحية بمستقبل أبناء تعلموا النطق والمشي في اسطبل تركه المستعمر الفرنسي، فقد دفعه ضيق المساحة التي لا تستوعب عدد أفرادها إلى الرحيل عنها وتأجير غرفة واحدة في بلدية باب الزوار، لتجد نفسها مع ابنتها المختلة عقليا، يزداد قلقها كلما تذكرت أن البيت مهدد بالانهيار، وأنها قد تغادر الحياة قبل رؤيته، طالبة من السلطات المحلية الحصول على فضاء تجمع فيه شمل عائلتها، بحكم أن هذه الظروف كانت سببا في تشتتها· ''صباطي حفا··· كيس من الرسائل دون جدوى'' تحتفظ الحاجة خديجة بكيس بلاستيكي يضم الرسائل التي خطها سواء ابنها أو من يعرفها في موضوع واحد طلب السكن علها تجد من يغيثها، لكن لم يجد الأمر نفعا ولم يغير ذلك في الأمر شيئا، لتنتقل بذلك إلى خطوة التنقل بين بلديتين، لتقول في هذا الصدد ''صباطي حفا'' فكل مرة أنتقل بين بلدية بلوزداد وسيدي امحمد، لكن لا أجد أذانا صاغية، فرئيس بلدية سيدي امحمد يرفض استقبالي، أودعت ملفا لطلب سكن منذ عدة سنوات، راسلت كل الجهات المعنية والسلطات، وقد فاق عدد الرسائل التي قمنا بإرسالها خلال السنوات الماضية، 15 رسالة، لكن لم نلق ردا، ''غادرنا الإسطبل الذي تحول إلى تجمع سكني لنحمل نداءها للحصول فقط على مسكن يحفظ كرامتها الإنسانية ويجمع شمل عائلاتها· ------------------------------------------------------------------------ * يتراوح متوسط معدل أفراد العائلة في الأسرة الواحدة ممن يقطنون الإسطبل الذي تحول إلى تجمع سكاني ما بين 02 إلى 07 أفراد، حسب تصريح السيدة اكيراد ل ''الجزائر نيوز'' التي تنقلت إلى عين المكان ورصدت جزء من معاناة عجوز تعيل إبنة مختلة عقليا تناشد السلطات إنقاذ حياتها من خطر الإنهيار· * الرغبة في توسيع المسكن دفع العائلات إلى التوسع بطريقة عشوائية وبناء حجرات تمت تغطيتها بصفائح ''الترنيت'' دون حيازة ترخيص من مصالح البلدية، وهو ما جعل المكان يتحول إلى حي يضم عددا من البيوت القصديرية، حسب تصريح هذه المصادر· * لم تستفد هذه العائلة من غاز المدينة بسبب تعذر مباشرة أشغال إيصاله نظرا للوضعية المزرية التي آل إليها المنزل بعد انهيار الجزء العلوي للجدار الخارجي نتيجة الرمي العشوائي للنفايات من طرف سكان البنايات المجاورة·