ذات يوم، وفي مواجهة واحد من مواسم الجفاف الرسمي العربي حيال الحركة الوطنية الفلسطينية، هدد القائد الشهيد صلاح خلف، بإصدار وثيقة للتاريخ، تطرحها الثورة، بصراحة وإفاضة، لكي تعلم الأمة كيف وكم وقع للمقاومين الفلسطينيين، من الخذلان، ومن أفاعيل إحباط الفعل الكفاحي، ومن المطاردات والإهانات والسجون، ومن مصادرة المعدات من الموانئ، ومن المواقف المريبة في الاتصالات الدولية، وهذا بخلاف الاغتيالات· غير أن شغف القيادة الفلسطينية دائماً، بالاعتبارات الكبيرة والعامة، التي تطوي الحسابات والاعتبارات الصغيرة والشخصية، جعل وثيقة أبي إياد تموت معه، وهو أحد أكبر المحيطين بأسرار نضالنا الوطني! كان المرتجى، أن ينظر القادة العرب، وفي طليعتهم عميدهم الذي استضاف قمتهم الأخيرة، في مدى صحة الطريق الذي سلكوه على كل صعيد، بدل أن تنتقل إلى بعضهم عدوى الذين يرون في الرئيس الفلسطيني محمود عباس، عنصر الرجحان السلبي، بين القتال الذي يتعطشون إليه لفظياً، والتسوية التي يكرهونها لفظياً كذلك، كأن الرجل والسلطة الفلسطينية، قادران على منع جحافل مقاتل أو تسويق تسوية مذلة· وليس أطرف ولا أبلغ من الاختصار المفيد الذي بات أبو مازن يكرره بتحدٍ في الاجتماعات العربية، وهو أننا جاهزون للتماشي مع الذين يريدون شن الحرب لتحرير الأوطان· أما الحديث الملغّم، عن إطلاق فعاليات مقاومة، بدون مرتكزات وبلا مناخ إقليمي عربي مقاوم، وبلا إمكانات، وبلا مسرح عمليات موات، فإنه المعادل الموضوعي للمستجد الليكودي الذي طرأ بمراكمة عناصر الإدانة، للسلطة الفلسطينية، توطئة للانقضاض عليها! الغريب، في الممارسة السياسية العربية، أن كل نظام حاكم، يرى في دولته، مساحة الطمأنينة الوحيدة لحياته الهانئة، فيتصرف بطريقة بالغة الحذر إقليمياً، ويرى في أكلاف النضال من أجل أية قضية، شراً جلاباً للألم وللفواجع· لكن هؤلاء أنفسهم، سرعان ما يتحولون إلى دعاة عنفوان، باعتبار أن قواميس اللغات الأخرى، لا تعرف ترجمة لكلمة العنفوان، وبالتالي فإن طرق الملافظ ستكون مستغلقة على الآخرين وسالكة· كنا سندعو إلى مقاومة عاجلة حتى بدون مقوّمات، تبدأ بالتهيؤ للدفاع بالصدور العارية عن بيوتنا في حالات الاجتياح والمطاردة، لو أن العرب قالوا لنا ماذا سيفعلون، عندما يستمر المحتلون في عربدتهم وتستمر واشنطن في الدفاع عنهم· فلو قالوا لنا إن علاقات العالم العربي مع واشنطن باتت رهن مواقف الأخيرة حيال السلوك الاحتلالي الإسرائيلي، لقلنا إن المساندة السياسية للفعل القتالي تلوح في الأفق، وليس أمامنا إلا أن نضطلع بواجبنا المقدر لنا، كطليعة أمة، ولو أننا سنتلقى ضربة الرمح في الصدر وفي البيت· حتى الذين يحرصون على التذاكي بالإشارة لكي يقولوا إنهم متعاطفون مع حماس كمقاومة، فقد كنا سنتهيب من نقدهم، لو أنهم غامروا بفتح معسكرات تدريب لحماس نفسها على أراضيهم· نحن لا نُملي على أحد شيئاً ولا نتبرم من شيء تفعله الأنظمة في إطار صلاحياتها السيادية· فبعد فرض الحصار الجوي على الجماهيرية الليبية (1992-1999) على إثر ما عُرف بقضية لوكربي، تبين للقيادة الليبية أن الجميع العربي التزم بالحصار· فحتى من رفضوه نظرياً التزموا به· قرأ معمر الدرس، وطلب من جميع الفصائل الفلسطينية إغلاق معسكرات التدريب التابعة لها، على أن يغادر الناشطون الفلسطينيون أراضي ليبيا· كانت تلك، خطوة التأهل الأولى للعودة إلى الحلبة السياسية الإقليمية، انتهت على الخط الفلسطيني بمنع العجوز من زيارة ابنها في الجماهيرية· لم ننطق بحرف واحد احتجاجاً· وكم من دولة مستقلة، ذات جيش حديث جرار، حسب ما تدل عليه الاستعراضات، تحشرجت وتراجعت، على النحو الذي لم يفعله الفلسطينيون الذين يرونهم غير جديرين بمجرد استقبال يضاهي استقبالهم لواحد من الآخرين·ئ لدينا الكثير مما نقوله عن أفاعيل البعض الرسمي العربي ضد المقاومة وضد فلسطين وضد الفلسطينيين· فلا تشطب تلك الأفاعيل، مواقف وإسهامات مساندة، في أوقات معينة، لا نستطيع أن ننكرها· لا نريد أن ننكأ أي جرح، لأن على الفلسطيني أن يتحمّل، وسيعرف القاصي والداني، إلى أي مدى سيذهب أهل الطنين الذي لا يعرف الفعل، مثلما سيعرف الجميع، إلى أي مدى سيذهب الفلسطينيون في صمودهم وتمسكهم بحقوقهم وبحركتهم الوطنية، وبفكرة القتال والمقاومة، كحق لهم، من حيث المبدأ، بالوسائل الفعالة والمتاحة!