بعد أن شكّك حزب نور الدين آيت حمودة في شهداء الجزائر، واتهامه العديد من الشخصيات الوطنية باغتيال والده العقيد عميروش، وبعد أن صال وجال سعيد سعدي أدنى الأرض وأقصاها ليقنع الغرب بأن النظام في الجزائر لم يعطه حقه السياسي ومع ذلك هو ممثل في البرلمان، وبعد أن جهر آيت أحمد وابنه المدلل كريم طابو إلى المغرب بضرورة فتح الجزائر حدودها مع المغرب، رغم أن الإرهابيين كانوا يتخذون منها مسلكا آمنا بعد تنفيذ جرائمهم مع نفث السموم والمخدرات التي أغرقت ووضعت في التيه، يأتي الدور على فرحات مهني الذي تجاوز مطلب الحكم الذاتي لمنطقة القبائل هذه المرة إلى تشكيل حكومة قبائلية مؤقتة أعلنها من فرنسا· وبطبيعة الحال ليس مكان الاعلان عن ذلك بريئا، وليس لكون فرنسا بلد الحقوق والحريات والمساواة، بل لأن فرحات يدرك بأن ''تصرفا حكيما'' كهذا في اعتقاده طبعا قد يقوي به فرنسا ومنها موقعه فيها، على المحور الرابط بينها وبين الجزائر والذي يعرف علاقات هوجاء مؤخرا· الإعلان، وإن كان لا حدث من جهة، لأن مطلبه في الجزائر لا أثر له تماما بين سكان المنطقة التي يدعو إلى استقلالية الحكم الذاتي فيها، فهو من جهة أخرى يبّين للجزائريين الطينة التي يسري فيها التآمر على البلاد والعباد في دمائهم· وهذا الكلام من الطبيعي أن يصنفه فرحات وأتباعه في فرنسا وغير فرنسا على قلتهم في خانة الأقلام المأجورة الخادمة للنظام، لا أدري كيف كان سيُصنف هبة أبناء بوغني إلى الجبال وهم عزل يطاردون الجماعات الإرهابية لإطلاق سراح عمي حسان أحد أعيان المنطقة· ولست أدري كيف صنف مهني استقبال القبائليين للرئيس بوتفليقة في تيزي وزو وبجاية، رغم أنهم ظلوا يعاتبونه طيلة سنوات ولست أدري كيف صنف أيضا وقوف بوتفليقة في عاصمة جرجرة وهو يلوم أبناءها على معاتبتهم إياه في جو ديمقراطي كبير دون أن تعرف الزيارة أدنى فشل سياسي، ولست أدري أيضا كيف يصنف مهني فوز بوتفليقة في هذه المنطقة ومشاركتهم أيضا في الانتخابات، وهل يكون فرحات مهني يدرك بأنه لا يوجد في الجزائر شاويا أو قبائليا أو تارقيا أو إباضيا أو عربيا أو مسلما أو مسيحيا واحدا، داخل النظام أو خارجه، وسط الشعب وحوله، يسلم في منطقة القبائل وهل يعرف فرحات بأنه سيُقذف بالصباط والطماطم والبيض الفاسدين على الوجه والشوارب لو خطب في تيزي وزو بهذا الخطاب·· الحكومة المؤقتة التي أعلنها فرحات مهني هي بالفعل مؤقتة·· لكن ليست مؤقتة تنتظر التجسيد، بل مؤقتة مزعومة تنتظر بأن يندثر معها مهني إلى مزبلة التاريخ، لقد كان نضال الدكتور سعدان وكفاح آيت أحمد وشراسة فرحات مهني وشرعية عميروش أوسمة على صدر الجزائر قبل أن يحوّلها أصحابها إلى وصمة عار على جباههم في مواقف تحاول ضرب الجزائر في الصميم، الجزائر التي ستحتضنهم لا محالة إذا عافهم الخارج وتخلى عنهم·· وليس الغد ببعيد.