إن مونديال كرة القدم مهما كان التبجح بأنه مجرد لعبة رياضية تجمع وتؤلف وتعرف بين أبناء الأمم المختلفة، فإنه في الحقيقة هو صراع من نوع آخر يفرض نفسه على الساحة السياسية لشعوب العالم حتى وإن كان العرب دائما يخرجون منه خاسرين بعدما يضيعون الفرص تباعا لتحسين صورتهم التي نال منها الكثيرون في السنوات الماضية، فالصراع السياسي دائما يطل على المونديال وحتى وإن لم يكن واضحا بالشكل الكافي ولم نتمكن نحن العرب من رصده ووصفنا منذ أحداث الألعاب الأولمبية (ميونيخ 1972) بأننا مجموعة من الإرهابيين سافكي الدماء لا يعرفون المعنى الحقيقي للرياضة والتنافس الشريف، قالوها واستمع العالم إليهم وتعاطف معهم· فنجحوا في استثمار المونديال لتحقيق أهدافهم السياسية وتحسين صورتهم الدولية، بينما اكتفى العرب بالفرجة على المباريات وتضييع الفرصة· وهو الأمر الذي لازمنا منذ ذلك الحين وإلى الآن، وعلى الرغم من أن قوى سياسية أخرى دخلت الحلبة كأمريكا وألمانيا لاستغلال الفرصة وطرح قضاياهم وتحسين صورة الإسرائيليين أمام المجتمع الدولي، وهو ما سيتجلى بوضوح في المونديال القادم في جنوب إفريقيا، فالسياسيون الألمان الداعون إلى وحدة المجتمع الألماني ونبذ التعصب بين أهلها، وهذا لتحقيق أهدافهم، فسنشاهد علم ألمانيا يرفرف على كل سيارة، وفي كل شرفة منزل، وفي يد كل مواطن تقريبا، بعد أن كان هذا المشهد مستهجنا من قبل ويتم تفسيره على أنه من دواعي العنصرية والتعصب لأن تاريخ ألمانيا به خصوصية متعلقة بالحربين العالميتين الأولى والثانية، والحرب المعنوية التي مورست من قبل قوات الحلفاء على الشعب الألماني لنزع هويته، وفي المقابل، فشلنا نحن العرب في استغلال المونديال للتقريب بيننا، والكل يعرف ما حدث بين الجزائر ومصر في التصفيات الأخيرة، بل أقول إزداد الأمر سوءً، فخرجت تفسيرات عديدة من قبل العديد من أبناء العرب والعروبة، فكانت التصفيات بين أبناء العرب قد أدت إلى زيادة حدة التعصب والفرقة، وهو ما شهدناه بالفعل في القاهرة وفي السودان، وهذا لتبرير فشل ''أم الدنيا'' في العبور إلى نهائيات كأس العالم بجنوب إفريقيا ,2010 هذا بيننا كعرب، أما المؤامرة ضدنا من غير العرب، من منا لا يتذكر مونديال إسبانيا 1982 وتلاعب ألمانيا والنمسا في مباراتهما للإطاحة بمنتخبنا الوطني؟ وتكررت في مونديال فرنسا 1998 بتعمد المنتخب البرازيلي الهزيمة 0 / 1 أمام النرويج كي يصعدا معا على حساب المغرب الشقيق للدور الثاني، كما أطلت الخيبة العربية برأسها في مونديال 2006 في الدقيقة 82 من عمر مباراة غانا مع التشيك عندما فرح ''جون بانتسيل'' بهدفي غانا واحتفل على طريقته برفع العلم الإسرائيلي، وظهرت تفسيرات مختلفة في وسائل الإعلام العربية جميعها تدلل على الخيبة التي أصابتنا، فذهب البعض إلى وصف اللاعب بأنه عميل للمخابرات الإسرائيلة ''الموساد''، فيما اعتبره آخرون قبض ثمن فعلته من إسرائيل، بينما رأى فريق ثالث أن الأمر يندرج تحت بند الغفلة العربية والمؤامرة الإسرائيلية في ربوع القارة السمراء· فقد غفل العرب طوال السنوات التي مضت عن إيجاد دور لهم هناك وتبصير شعوبها بعدالة القضية العربية، في حين تفطنت إسرائيل لذلك منذ زمن، فمدت يد العون لتلك الشعوب الفقيرة من خلال إقامة معسكرات تقوم باستغلال موهبة الأطفال هناك وفقرهم، فتضمهم نظير بضعة دولارات وتقوم بتربيتهم ورعايتهم إلى أن يكبروا على حب إسرائيل· وعندما تتبلور موهبتهم يتم ضمهم إلى الأندية الإسرائيلية التي تقوم، بدورها فيما بعد، بتسويق هؤلاء اللاعبين إلى أندية أوروبا بأسعار مربحة، فتكون الإستفادة مزدوجة، فإلى جانب جني المال يكون هؤلاء اللاعبين بمثابة سفراء لإسرائيل بعدما تربوا على تحية العلم الإسرائيلي وغرس فيهم منذ نعومة أظافرهم الولاء والإنتماء لبني صهيون، وهذا ما يبرر حرص العديد من اللاعبين الأفارقة عندما يتحدثون إلى وسائل الإعلام العالمية على ذكر فضل إسرائيل عليهم· ومن هنا يصبح البحث عن موقع الكرة العربية، إدارة ومسؤولية على خارطة الفيفا، سؤالا في محله وفي توقيته، فالكرة العربية فقدت الكثير من عنفوانها وبريقها بعد تقلص عدد ممثليها في الفيفا، ويكفي للتدليل على ذلك ما افتقده الحكام العرب وليس أدل على ذلك من مشاركة حكم ساحة واحد أو اثنين من بينهم الحكم الجزائري ملوزة في مقابل مجموعة من الحكام غير العرب، والغريب والمثير والعجيب أن الفيفا التي ترفع شعار ''لا للعنصرية في ملاعب الكرة'' لا يزال موقفها في هذا الشأن ضعيفا، هذا إضافة إلبى المجاملات والبزنسة التي فرضت نفسها، ويكفي أن بلاتر أعلن في غير مرة أن المونديال الألماني هو أفضل مونديال على مدى التاريخ، ونسي أنه قال ذات يوم في كوريا الجنوبية واليابان وسيقوله في جنوب إفريقيا إن استمر في موقعه على رأس الفيفا، ويمكن القول أن العنصرية التي نمت وترعرعت في ملاعب الكرة لن تختفي إلا بتصدٍ حازم من قبل الفيفا بدلا من التصريحات الرنانة والخطب وكلمات اللاعبين إلى الجماهير قبل انطلاق المباريات، وإلا فإن الجماهير الغفيرة التي تتدفق على ملاعب الكرة ستنصرف عنها لتفقد بذلك شعبيتها· وبعيدا عن لغة التخوين التي وصف بها اللاعب الغاني الذي رفع العلم الإسرائيلي، والانتقادات التي وجهت إليه والتي كانت انتقادات حادة فعلا، فإن السؤال الذي يظل مطروحا هو ما الذي دفع هذا اللاعب للقيام بهذا السلوك المتصهين أي المحب لإسرائيل والمؤمن بوجودها، خاصة وأن هناك العشرات من اللاعبين الآخرين في العالم، سواء من البرازيل أم من القارة السمراء نفسها وممن لمعوا في أندية أوروبية وتألقوا فيها ونال بعضهم جنسيتها، لم يقوموا بما قام به هذا اللاعب الغاني الذي يظهر أن ما قام به حماقة وسذاجة تشبه الحماقة التي قام على أساسها رسام دانماركي كاريكاتير مغمور وأحمق برسم صور مسيئة للرسول (صلى الله عليه وسلم)· فالملاحظ أن أي شخص يذهب إلى القارة السمراء، غربها أو وسطها، حيث المخزون الاستراتيجي الأول في العالم للمواد الخام، يلاحظ تواجدا كبيرا للإسرائيليين، وهو التواجد الذي يكون على أساس المشاريع التجارية واحتكار استخراج المواد الخام، وحتى امتلاك كبرى الأندية الرياضية صاحبة البطولات، ويقوم كبار السماسرة الإسرائيليون بمتابعة المواهب السمراء منذ الطفولة لاحتضانها ودفعها للإحتراف في أوروبا والإستفادة منها مهاريا وماديا ·· ومع هذا، فالأمة أكبر من مجرد رفع علم، وأكبر من مجرد قول لاعب ساذج وساقط أنه يحب إسرائيل، فالموضوع هناك هدفا تسعى إسرائيل لتنفيذه بين أبناء الدول العربية أو الفقيرة بمختلف توجهاتها، سواء السياسية أم الفكرية، وهو الهدف الذي يتلخص في محاولة إسرائيل صهينة الرياضة الأكثر شعبية في العالم، خاصة التي تعاني من نقص في الإمكانيات والأموال، وترصد إسرائيل لتحقيق هذا الهدف الإمكانيات والأموال اللازمة لنجاحه· هذا مما يوجب علينا التوجه عربيا نحو دعم القارة السمراء بالمواهب ورعاية أبنائها رياضيا، فاللاعب الغاني الذي رفع علم إسرائيل يوجد وراءه جيش من اللاعبين والمدربين المحبون لإسرائيل، سواء من أبناء غانا أم من القارة السمراء عموما·