المملكة العربية السعودية تنزع في توجهها وعلاقاتها نحو الدول الغربية وخصوصا الولاياتالمتحدةالأمريكية، لكن في الحقيقة هذه نظرة قاصرة وقراءة سطحية للمشهد العام الذي يرى المملكة العربية السعودية تبحث عما يحقق مصالحها· وهذا حق مشروع لها كما هو حق مشروع لغيرها، وأن المتابع اليوم لنشاطاتها واتفاقياتها يلمس أنها تؤمن بالتنوع والتوسع مما يضمن لها مردودا سياسيا واقتصاديا ليسهم في تحقيق مصالحها الوطنية، ولعل تفتح المملكة العربية السعودية على كل من الصين واليابان ودول جنوب شرق آسيا إشارة إلى قدرة صاحب القرار السياسي في قراءة المتغيرات الراهنة على الساحة الدولية، ومع ذلك تنفرد السعودية عن بقية دول الخليج بميزة عن سواها تكمن في معادلة تقديم المبدأ على المصلحة لارتباطها بالمرجعية الدينية، وهناك الفارق، حيث أن لها ثوابت لا يمكن لها أن تتنصل منها تتمثل في دورها الإسلامي ومواقفها من القضايا العربية· ومن هنا يبرز دورها وحضورها مستندة إلى عمقها الإسلامي وتفاعلها العربي وتأثيرها الاقتصادي كرقم كبير في معادلات المنطقة ولاعب أساسي في الساحة الدولية· ولعل المراقب يلاحظ أن ما يجمع المملكة العربية السعودية وجمهورية روسيا الاتحادية هو أكثر بكثير من نقاط الإختلاف، فالقضية لم تعد تبادل مصالح بقدر ما هي شراكة هامة أو هكذا يجب في ظل تحولات وتحديات ومعطيات تقتضي قراءة جديدة للعلاقات الدولية، مما يحقق شيئا من إعادة التوازن، وبالتالي إيجاد مناخ تفاهمي وتعايشي يحقق الأمن والسلام الدوليين· وعن القواسم المشتركة وعناصر الدعم لمثل هذه الشراكة، يرى المراقبون السياسيون أنها تتمثل في النفط والاستثمارات الاقتصادية والأقليات الإسلامية، وأخيرا المواقف السياسية إزاء القضايا الإقليمية والدولية، ولعل هذا ما يفسر سر التلاقي، فهناك تطابق كبير بينهما في كثير من القضايا الرئيسية مثل القضية الفلسطينية واحتلال العراق والملف النووي الإيراني، وأخيرا الموقف من حركة حماس الفلسطينية، ويجمع المحللون السياسيون الروس على أن هناك رؤى مشتركة إلى حد بعيد بين المملكة العربية السعودية وروسيا الإتحادية لتلك المسائل الحساسة مثل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي وإعادة إعمار العراق وآفاق المحافظة على نظام عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل، وتطور الوضع القائم حول الملف النووي الإيراني، مشيرين إلى أن موسكو تدرك أن هذه المسائل تمس بصورة مباشرة الحياة اليومية لدول الخليج، وأن روسيا مستعدة لكي تعمل كل ما في وسعها من أجل دعم استقرار الوضع هناك، وأنه في الوقت نفسه تنطلق روسيا من إيمانها المبدئي الراسخ بعدم جواز فرض حلول لأوضاع متأزمة من الخارج وهي مقتنعة بأن هذه الحلول يجب أن تنبثق من داخل المنطقة نفسها، فعلى سبيل المثال الموقف السعودي والروسي من أزمة الملف النووي ويتمثل في أنه يطلب من إيران قبول الحوافز الغربية مقابل تعليق طهران نشاطات تخصيب اليورانيوم لأن رفضها قد يعرضها لعقوبات تفرض عليها وهو ما يدفع إيران لوقف صادراتها النفطية، مما قد يسبب ارتفاعا مهولا في أسعار النفط، وهو ما لا يتمناه أحد فضلا عما قد تؤديه التطورات من تصاعد خطير يصل إلى العمل العسكري، وهو أمر يؤدي بالضرورة إلى تداعيات وشظاياه ستصيب دول الخليج لأن إشعال أي فتيل في المنطقة يعني مزيدا من القلق والتوتر لمنطقة هي متوترة بالفعل· وحول قضية الشرق الأوسط، يرى المحللون السياسيون أن الطرفين متفقان على أهمية الدفع بعملية السلام في المنطقة وخاصة في ظل المعطيات الحالية المتمثلة بانتخاب حكومتين فلسطينية وإسرائيلية جديدتين، مما يستوجب تذليل العقبات وتفعيل الجهود الرامية إلى استئناف المفاوضات بين الأطراف المعنية بغية الوصول إلى السلام العادل والشامل في المنطقة المؤدي إلى إنشاء دولتين مستقلتين وفق أطر الشرعية الدولية وقراراتها ومبادئها ومبادرات السلام الدولية المطروحة· إن روسيا تاريخيا تتعاطف مع قضايا العرب وتنطلق وتتطابق آراؤها مع توجهات العالم العربي والإسلامي في الكثير من القضايا لا سيما في ما يتعلق بالحقوق العربية، وطالما أبدت رغبتها في توسيع التعاون بينها وبين العالم الإسلامي، ولعل هذا الإحساس اليقظ بالقضايا العربية جعل العرب وفي مقدمتهم السعودية يلتفتون بعناية إلى دور وتأثير روسيا والاستفادة منه لصالح قضاياهم، ولذا لم يكن مستغربا أن تكون السعودية من بين أوائل الدول التي أيدت انضمام روسيا إلى منظمة المؤتمر الإسلامي بصفة مراقب، وبفضل ذلك شاركت روسيا لأول مرة بصفة مراقب في القمة الاستثنائية لمنظمة المؤتمر الإسلامي التي عقدت في ديسمبر 2006 في مكةالمكرمة، فالسعودية أكبر دولة مصدرة للنفط تليها في ذلك جمهورية روسيا الاتحادية وتعاونهما في سياسة نفطية مشتركة حسب خبراء اقتصاد في موسكو، ليساهم بلاشك في تنسيق سياسة الدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء، أما وجود الأقليات المسلمة في روسيا، فإنه أمر إيجابي يعمق رابطة التواصل مع العالم الإسلامي ويهم السعودية من منظورها الديني أن تحظى هذه الأقليات بمعاملة عادلة تمكنهم من ممارسة واجبهم وواجباتهم الدينية وتسمح لهم بالاندماج الطبيعي في نسيج المجتمع الروسي· أما الإستثمارات الاقتصادية، فهناك أهمية لهذا الملف، وكان هناك توجه بإطلاق سلسلة من المشاريع الاقتصادية والنفطية بين البلدين، وليس سرا أن روسيا طلبت دعم السعودية في دخولها لمنظمة التجارة الدولية، إذ أن المملكة عضو وتصويتها إلى جانب إنضمام روسيا دلالة على عمق العلاقات والجدية في تجذيرها من أجل تعاون مشترك· وختاما هناك إجماع على أن الزيارات المتبادلة بين مسؤولي الدولتين ستهيء الظروف المناسبة لتكريس وترسيخ نجاح تطور العلاقات في جميع المجالات برؤية ثاقبة وتعاون جاد وحقيقي يرتهن للبراغماتية ولغة المواقف المعلنة والأرقام وبما يحقق مصلحة الجانبين السعودي والروسي·