الخليج العربي.. هل تعمل الارستقراطية على تعريف العقد الاجتماعي عام 2015؟ يقوم بدراسة هذا الموضوع كل من الأستاذ: ف. غريغوري غوزيه الثالث، أستاذ مساعد للعلوم السياسية في جامعة فيرمون ومدير كلية برنامج دراسات الشرق الأوسط وهو مؤلف كتاب ''الممالك النفطية: التحديات المحلية والأمنية في دول الخليج'' عام ,1994 والأستاذة جل كريستال أستاذة مساعدة للعلوم السياسية في جامعة أبورن وتشمل منشوراتها ''النفط والسياسات في الخليج'' عام .1992 يشير الباحثان في مقدمة بحثهما أنهما في هذه الدراسة سيحاولان دراسة التغيير وعملياته وسرعته، التغيير الذي يمكن أن يحدث في البلدان التي يتكون منها مجلس التعاون الخليجي: العربية السعودية، الكويت، البحرين، قطر، الإمارات العربية وعمان وكذا مجموعة العوامل والتقاليد التي ربما تواصل إسهامها في صنع القرار في القرن الحادي والعشرين، بالإضافة إلى محاولة التعرف على المؤشرات الرئيسية التي يمكن أن يستخدمها المحللون للحكم على توجه الحياة السياسية وكذا دراسة كيف يمكن لعمليات التغيير هذه أن تؤثر على العلاقات الأمريكية السعودية خلال السنوات الخمسة عشرة التالية. تعيين هوية التغيير في العربية السعودية يشير أصحاب البحث هنا إلى ''التناقض'' الذي يثير الاهتمام عند محلل شؤون العربية السعودية لاسيما أثناء التفكير حول توقعات ''التغيير'' في المملكة، فمن ناحية تبدو العربية السعودية قد تغيرت خلال السنوات الثلاثين الماضية، فالأشخاص أنفسهم بالمعنى الحرفي، الذين يصنعون القرارات اليوم هم الذين كانوا يصنعونها عام 1970 ويميز الحذر والتدرجية صنع القرارات اليومية وتشدد القيادة السعودية على التمسك بالتراث والتغيير الضيق للمذهب الحنبلي الذي يشدد على الطبيعة المحافظة للمجتمع السعودي. في نفس السياق، يقول الباحثان إنه حتى الآن (زمن البحث 1999) لا نجد في الشرق الأوسط بلدا تغير خلال العقود القليلة الماضية أكثر من العربية السعودية فقد تحولت من كونها فقيرة جدا إلى غنية إلى حد ما، وتحول سكانها الذين كانوا في معظمهم ريفيين إلى حياة المدنية، كما تحولوا من مستويات متدنية إلى حد خطير في معرفة القراءة والكتابة إلى مستويات تعليمية مهمة وعلى الرغم من بقاء قادة العربية السعودية هم أنفسهم، فإن الشعب السعودي شهد تغييرا هائلا. ولهذا السبب يؤكد أصحاب البحث أنه يجب مراعاة الحذر في الكلام عن التغيير في العربية السعودية، حيث يركز بعض المحللين بشكل خاص، على السيناريو المتطرف لتغيير النظام عن طريق ثورة اجتماعية أو انقلاب عسكري لأنه لا شك في أن تغيير النظام في العربية السعودية مهم جدا ولكن من غير المحتمل حدوث هذا في الأجل المتوسط والتركيز بالدرجة الأولى على تغيير النظام يحجب التغيير الأقل إثارة، إنما المهم، على المستويات السياسية والاجتماعية هناك فالتحولات في علاقات الدولة بالمجتمع والاتجاهات الاقتصادية والتبدلات داخل النظام السعودي والتغييرات في السياسة الخارجية السعودية، كما تمارس تأثيرا مهما على التوجه طويل الأمد هناك.وفي نفس سياق التغيير ترى الدراسة أن تزايد العدد العام لسكان السعودية خلال السنوات الخمسة عشرة التالية، فإن عدد آل سعود يعني الأسرة الحاكمة يتزايد أيضا بسرعة أكبر، وهذا النحو عن آل سعود سيعمل على إعادة تعريف العضوية العائلية، بما في ذلك إعادة تقييم دور الأعضاء الهامشيين في العائلة، وستكون هذه التغييرات حاسمة بوجه خاص في عالم الأعمال تبعا لهذا أيضا يرى الباحثان أن تغيرا آخر يمكن أن يحدث في العربية السعودية ولكن سيكون تغييرا متقطعا بمعنى أن الحوادث ستأتي فجأة دون سابق إنذار وستعمل على تغيير المشهد السياسي داخل المملكة. سعر النفط هنا يشير الباحثان إلى أن الأسعار المرتفعة للنفط يمكن أن تضاعف حافز الإصلاح الاقتصادي في المملكة، والأكثر أهمية هو انخفاض الأسعار الذي يمكن أن تكون له نتائج سلبية وأيضا انعكاسات سياسية خطيرة لأنه لم يعد لدى السعوديين الموارد الكافية لكي يخرجوا سالمين، لأن انخفاض الأسعار يمكن أن يؤدي إلى توترات مع الو.م.أ إذا عملت السعودية على رفع أسعارها وهو إجراء قد لا تؤيده واشنطن، وهبوط الأسعار يمكن أن يؤدي أيضا إلى صراعات داخل النخبة حول التوجه الذي يجب اتباعه لمواجهة الأزمة المالية التالية، سواء لتقليص الإنفاق الحكومي وفرض تكاليف مباشرة على السكان أو القيام بمجازفات مالية ستلزم إنفاق العجز، ولكن خفض أسعار النفط لن يترجم فورا إلى استياء أو اضطراب شعبي ولكنه بالتأكيد سوف يسهم في تذمر عام. الوراثة في هذا المجال يرى أصحاب البحث أنه من الممكن جدا أن تمر الخمسة عشرة سنة التالية دون مسائل وراثية خطيرة في قيادة المملكة، فهناك مرشحون مقبلون لمنصب الملك من جيل أبناء عبد العزيز الذين هم في مطلع الستينات من العمر، وهكذا يمكن أن تواصل الوراثة طريقها عبر ذلك الجيل.. وهنا يؤكد الباحثان أنه وعلى الرغم من إظهار العائلة لقدرتها على التماسك ومنع الخلافات من الظهور على الملأ إلا أن التاريخ المبكر لآل سعود يحتوي على عدد من السوابق لصراعات خطيرة داخل الأسرة، كان آخرها الصراع بين الملك سعود وولي العهد فيصل في خمسينات ومطلع ستينيات القرن الماضي، الذي انتهى عام 1964 بعزل سعود من قبل مجلس العائلة وتولية فيصل منصب الملك. المحيط الخارجي يقول الباحثان إن السعودية تتمتع بمحيط إقليمي سليم، حيث قلصت طهران إلى حد بعيد (الإشارة إلى مدة البحث 1999) جهودها لنشر ترجمتها الثورية للإسلام إلى شبه الجزيرة العربية وعلى الرغم من العقبات التي تكتنف الطريق بين الحين والآخر فإن عملية السلام العربية الإسرائيلية يمكن أن تتحرك من جديد بالاتجاه الذي يقلل من فرص اضطراب اقليمي ويساعد السعوديين على الاحتفاظ بعلاقاتهم الوثيقة مع الو.م.أ إن توقفت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وتجددت الانتفاضة في عام 2000 يربطان تلك الأزمة في التفكير السعودي، لأول مرة وبشكل واضح، بسياسات الو.م.أ في الخليج. وهنا يضيف الباحثان أنه لا يمكن لأحد أن يتصور سيناريوهات يمكن فيها للأحداث الاقليمية أن تؤثر على السياسات السعودية المحلية والخارجية (كحدوث ثورة إسلامية في مصر أو تجدد الحرب بين العرب وإسرائيل) وهذا لا يبدو محتملا حاليا ولكن الأزمة الاقليمية الأكثر احتمالا هي حرب أهلية في العراق بين صدام يؤدي إلى صراع اقليمي أوسع، ومن المحتمل أن تنجر السعودية إلى صراع كهذا، إن لم يكن عسكريا، فسياسيا بالتأكيد. مع ذلك يستطرد صاحبا البحث قولهما بأنه لا يمكن لإحدى هذه التغيرات المتقطعة أن تزعزع الاستقرار الأساسي للنظام في العربية السعودية، ولكن إذا اجتمعت، فإنه يمكن أن تشكل تهديدا خطيرا له، فإذا صادف أن حدثت أزمة مالية خطيرة بالتزامن مع أزمة اقليمية تمارس تأثيرا على السياسات السعودية المحلية وإذا حدث انقسام حول الوراثة بين آل سعود، عندئذ ستكون العناصر لعدم استقرار النظام في مكانها، فقد وقعت حوادث مماثلة أثناء أزمة سعود - فيصل، وكان من حسن حظ المملكة أن خرجت من تلك العارضة، ولكن أيا من هذه التغييرات المتقطعة يمكن أن يؤدي إلى محاولات سعودية للمناورة بتسعير النفط وإنتاجه بطرق يمكن أن تعدها واشنطن غير مقبولة، فالسياسات السعودية تجاه الو.م.أ سترتبط حتما بأي انشقاقات داخلية خطيرة تحدث ضمن النخبة الحاكمة حتى وإن بذلت واشنطن كل ما تستطيع في سبيل أن تبقى بعيدة عن الصراعات الفئوية السعودية، كما أن أي أزمة اقليمية شرق أوسطية يمكن أن تدفع السعوديين، كما حدث من قبل إلى تهدئة الممثلين والاتجاهات الاقليمية التي تعارضها الو.م.أ. نماذج التغيير والعلاقات الأمريكية السعودية تحت هذا العنوان يؤكد الباحثان أن التغييرات التي تم عرضها خلال البحث لن تمارس تأثيرا فوريا على العلاقات الأمريكية السعودية، وليس بينها ما يغير المصالح الأساسية المتبادلة التي تربط الحكومتين معا. فالسعوديون يحتاجون إلى تكثيف النشاط الاقتصادي في مواجهة النمو السكاني وتقلبات السوق النفطية تؤكد أهمية روابط الرياض مع الو.م.أ القوة الاقتصادية الرئيسة في العالم، حيث أن التغييرات الاجتماعية التي تنتج من هذه الاتجاهات التدريجية يمكن أن تدفع القيادة السعودية للسعي إلى شيء من الابتعاد العلني عن السياسات الأمريكية في المنطقة لإثبات استغلاليتها للشعب السعودي الذي يزداد وعيه السياسي، وعلى عكس جيرانها الأصغر في مجلس التعاون الخليجي، فإن القلق السعودي يتواصل من الوجود العسكري الأمريكي على أراضيهم، أما بالنسبة للقضايا التي لا يعدها السعوديون مركزية بالنسبة لأمنهم، كعملية السلام العربية الإسرائيلية ولاسيما القدس، يمكن أن نتوقع أن نرى الرياض تتخذ مواقف مختلفة عن مواقف الو.م.أ يقول الباحثان. ويضيفان أن التعطيل الأكثر خطورة في العلاقة، سيأتي طبعا من تغيير مفاجئ للنظام في العربية السعودية، فإذا حدث تغيير ثوري للنظام، فإن النظام الجديد سيعمل حتما على الابتعاد عن الو.م.أ وسوف يواصل بيع النفط للشركات الأمريكية لأن أي حكومة سعودية ستكون بحاجة إلى عائدات النفط من أجل بقائها ولكنه سيفك ارتباطه بالو.م.أ على الصعيدين السياسي والعسكري، ولكن من غير المحتمل أن يؤدي أي أحد من التغييرات المذكورة سابقا إلى مثل هذا التغيير للنظام، ويمكن لأزمات متزامنة في حقول السياسة المالية والعائلية والخارجية أن تؤدي إلى سيناريو يهدد النظام ولكن فرص هذا التزامن للأزمات ضئيلة وسيناريو الحالة الأسوء هو أيضا أقل احتمالا. وفي آخر البحث يخلص أصحاب الدراسة إلى القول بأن السيناريو الأكثر احتمالا في العلاقات الأمريكية السعودية، في ظل استمرار النظام يتمحور حول السياسة النفطية السعودية، إذا كانت الحكومة السعودية عاجزة عن تغيير الأسلوب المالي الذي كان متبعا خلال العقود الثلاثة الأخيرة (للإشارة دائما أن مدة البحث كانت 1999)، اعتماد العائد الحكومي بصورة حصرية تقريبا على النفط والطلب المتزايد دائما على الانفاق الحكومي بسبب الازدياد السكاني فإنه يتوجب على الرياض أن تعول على أسعار النفط لتمويل النفقات اليومية، فهي لا تستطيع سحب مدخراتها المالية كما فعلت في الثمانينات وقد وصلت حدودها بلغة الافتراض المحلي. لقد بدأت التوترات تظهر في الو.م.أ بسبب السياسة النفطية السعودية في رفع الأسعار عام ,1999 فإذا حدثت مجموعة مماثلة من الظروف في وقت لا يكون فيه الاقتصاد الأمريكي قويا، فإن الضغوط ستكون أكبر داخل الو.م.أ من سياسة أكثر مواجهة نحو العربية السعودية بخصوص القضايا النفطية.