لم أغضب ولم تأتني الرغبة في ضرب رأسي بالحائط مثلما أتتني وأنا أتابع في النت ردود فعل جماعة الإخوان المسلمين في مصر حول رحيل المفكر والعالم الدكتور نصر حامد أبو زيد··· كانت شماتتهم عارا وشنارا، كانت إرهابا مقيتا لا الإسلام ولا الإنسانية تقبله··· المهم أن نصر حامد أبو زيد انتصر عليهم بموته مثلما انتصر عليهم في حياته بكتبه وأفكاره··· بدأ نصر حامد أبو زيد حياته العملية كتقني في اللاسلكي لإعالة عائلته، وانتسب إلى الدروس الليلية لإكمال دراسته، وتفوق بامتياز ودخل الجامعة بكلية الآداب وتخصص في الدراسات الإسلامية، والقليل من الناس يعرف عن نصر حامد أبو زيد أنه بدأ حياته إخوانيا وأنه كان في بداية شبابه خطيب مسجد، لكن الانقلاب حدث لما قرأ كتاب ''معالم في الطريق'' لسيد قطب، فرأى حينها أن طريقه غير طريق قطب، وأن معالمه غير تلك التي رسمها هذا الداعية الإسلامي· اختار أبو زيد منذ البداية الجدال بالتي هي أحسن، بالهدوء واحترام حرية الآخر، عاد إلى التراث الفكري الإسلامي مسلحا بالمناهج الجديدة كالبنيوية والتاريخانية، وأعاد تقديمه بكل إشكالياته متنقلا بين المعتزلة والمتصوفة، وكل الفرق والمذاهب التي انتهجها هذا الفكر منذ البداية حورب فكره وقمعت آراؤه من الأزهر ومن جماعة الإخوان ومن المؤسسات الرسمية بما فيها الجامعة، لم يكن صداميا وبقي يحاور ويناقش بهدوء، اتهم بالكفر والإلحاد، ومورس عليه إقصاء شديد، حتى سنة 1995 عندما تمّ تكفيره علنا، وتطليقه من زوجته، واستدعي إلى المحكمة للنطق بالشهادتين لأجل طي الملف· كان يمكنه فعل ذلك لإنهاء وجع الرأس، لكنه لم يفعل، بل حزم حقائبه ورحل إلى هولندا للتدريس في جامعة ليدن ومن المصادفات أن يوم رحيله كان في 23 جويلية 1995 ذكرى ثورة الضباط الأحرار ··· ذهب إلى الغرب دون عقدة نقص، وفي أول محاضرة له هناك بدأها بالبسملة وعرض أفكاره في نقد الفكر الديني· ومن داخل المؤسسة الثقافية الغربية كانت آراؤه هي هي، وقد انتقد بشدة الموقف الفرنسي من الحجاب واعتبر أن اللائكية الفرنسية والوهابية تفكير واحد· برحيل نصر حامد أبوزيد بالفيروس الأندونيسي الغامض لست أدرى هل أدركنا فعلا حجم الخسارة؟ كما لو أنه قدر ابن رشد وأبو حيان التوحيدي وفرج فودة وبختي بن عودة، مشروعه الكبير من النص إلى الخطاب لم يكتمل وهو موكول لأجيال الباحثين الجدد لإكماله·· إنه مشروع إعادة التفكير في الدين بعيدا عن العواطف وبعيدا عن اليقينيات التي رسخها فقهاء الظلام والمشعوذون الجدد، ومقاولو الفضائيات الملتحون·· تراث نصر حامد أبوزيد في نقد الفكر الديني وفي فلسفة التأويل الأكيد سيثمر لأنه المشروع الوحيد القابل للصمود في وجه تخلف الأنظمة العربية وفي وجه الردة الظلامية لجماعات الإسلام السياسي·